رسالة أوباما‏..‏ والصمت العربي‏!‏ بقلم‏:‏ مرسـي عطـاالله

من طرف فرح مصر الأحد مايو 24, 2009 10:13 am

رسالة أوباما‏..‏ والصمت العربي‏!‏
بقلم‏:‏ مرسـي عطـاالله

إذا
كانت حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا تؤكد أن العرب يشكلون أمة واحدة ذات
مصالح متطابقة‏,‏ ويجمع بين شعوبها أحلام مشتركة ومصير مشترك فإن السؤال
الذي لايمكن تجاهله أو التعامي عنه هو‏:‏ أين العالم العربي‏,‏ وأين موقفه
الموحد والمشترك من الاحتمالات المرتقبة باتجاه فتح صفحة جديدة من علاقات
أمريكا بالعالم العربي والأمة الإسلامية بعد‏7‏ سنوات عجاف في ظل الإدارة
الأمريكية السابقة؟

لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول إنه من غير المعقول
أن نكون علي بعد عشرة أيام من الزيارة التاريخية التي سيقوم بها الرئيس
باراك أوباما إلي مصر‏,‏ ليوجه منها رسالته المرتقبة إلي العالم العربي
والإسلامي‏,‏ دون أن يحدث أي حراك سياسي عربي مشترك استعدادا وتأهبا لما
سيطرحه أوباما من أفكار ومبادرات أبرزها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية‏,‏
في الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل هجوما سياسيا مبكرا للتأثير في الموقف
الأمريكي من خلال رفض رؤية حل الدولتين والتمسك بضم واحتلال القدس وعدم
الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين‏.‏

وربما يعزز من أهمية
وضرورة طرح هذا السؤال أنني أعتقد أن أخطر مايهدد الأمة العربية في
المرحلة الراهنة ليس حجم ونوعية الأزمات المتفاقمة في فلسطين والعراق
والسودان وغيرها من بؤر التوتر وإنما ضبابية المشهد العربي الراهن‏,‏ حيث
يسود الخلط المعيب بين ضرورات المراجعة لآليات ووسائل التعامل مع مثل هذه
التحديات وحتمية الاستمساك بالثوابت والركائز الأساسية التي يقوم عليها
بنيان هذه الأمة‏.‏

والحقيقة أنني عندما أتحدث عن ضرورات المراجعة
للآليات والوسائل فإنني لا أقصد تغييرا لمجرد التغيير‏,‏ وإنما أعني أننا
بحاجة إلي ديناميكية جديدة تواكب مرحلة جديدة حملت إلينا مجموعة من
الإشارات التي تستوجب تأهيلا سياسيا ونفسيا يمكننا من بناء القدرة علي
التوافق والتناغم والتعايش مع بوادر مشجعة في توجهات الإدارة الأمريكية
الجديدة دون أن يجيء ذلك علي حساب المواقف الأساسية والمبدئية التي تشكل
قاعدة المصالح المشتركة لشعوب الأمة من ناحية‏,‏ وتوفير القدرة علي مقاومة
محاولة تهميش الدور العربي في الحسابات الإقليمية والدولية من ناحية
أخري‏.‏

‏ولعلي في البداية أؤكد حقيقتين بالغتي الأهمية هما‏:‏

‏1‏
إن حق السيادة والخصوصية الذاتية لكل بلد عربي يجب أن يظل أمرا خارج أي
نقاش‏,‏ فمن حق كل بلد عربي أن يتخذ ـ بمفرده ـ ما يراه ملائما لمصالحه من
سياسات‏.‏

‏2‏ إن المحظور الوحيد في استخدام حق السيادة والخصوصية
الذاتية هو محاولة تفعيل هذا الحق بآليات ووسائل تضر بالمصلحة العربية
العليا أو تتعارض مع الثوابت والركائز الأساسية للبنيان العربي المشترك‏.‏

أريد
أن أقول بوضوح إنه يتحتم علي الأمة العربية أن تضع في اعتبارها أهمية
الوعي بمعطيات مرحلة جديدة في ظل رئيس أمريكي جديد يحمل رايات مفاهيم
جديدة تنتصر وتنحاز لمصلحة الشراكة والتعاون تحت مظلة الاحترام الصريح
لمعايير الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان‏.‏

ومعني ذلك أن خطواتنا
نحو ضرورات التناغم مع هذه المعطيات الجديدة ينبغي أن ترتكز إلي محورين
أساسيين‏:‏ أولهما مايتعلق بثقافة الاستقلال والسيادة الوطنية‏,‏ وثانيهما
ثقافة بناء الإنسان وضمان بناء قدرته علي مواجهة كل محاولات الاختراق علي
حساب الخصوصية العربية‏.‏

إننا بحاجة‏,‏ كنقطة بداية‏,‏ إلي عدم
التفريط في حقنا وواجبنا نحو إحياء روح التضامن والتكامل العربي ولكن من
خلال رؤي ومفاهيم جديدة لاتتصادم مع الواقع الإقليمي والدولي الذي نعيشه‏.‏

ثم
إننا أيضا بحاجة إلي أفعال ملموسة لترجمة أحلام شعوب الأمة في التضامن
والتكامل إلي إجراءات عملية ملموسة علي أرض الواقع‏,‏ من خلال ثقافة جديدة
تنتصر للوطنية الذاتية في كل قطر عربي باعتبار أن ذلك ركيزة أساسية من
ركائز البناء القومي المتماسك للأمة كلها بعيدا عن كل نزعات الأنانية
والانعزالية والانكفاء علي الذات القطرية‏!‏

وهذا الذي أتحدث عنه
يحتاج إلي اجتماعات ومشاورات عربية عاجلة لبناء مناخ سياسي وإعلامي وثقافي
جديد يشطب كل مفردات القاموس السلبي الذي شاع استخدامه في الفترة الأخيرة
لجذب الأمة بعيدا عن همومها من خلال فتح المعارك الجانبية وتغذية
التناقضات وتبادل الاتهامات المذهبية والعقائدية‏.‏