الجامعات المصرية‏..‏ والخروج من المأزق بقلم : د‏.‏ مغاوري شحاتة دياب

من طرف ديانا الأحد مايو 24, 2009 4:48 pm

الجامعات المصرية‏..‏ والخروج من المأزق
بقلم : د‏.‏ مغاوري شحاتة دياب
رئيس جامعة المنوفية سابقا

الجامعات المصرية‏..‏ والخروج من المأزق بقلم : د‏.‏ مغاوري شحاتة دياب 44729_5m

تكررت
عمليات تصنيف الجامعات وترتيبها علي المستوي العالمي وتكرر خروج الجامعات
المصرية من قائمة أفضل خمسمائة جامعة علي المستوي الدولي‏,‏ وبالطبع فإن
ذلك مناسبة لتأكيد مايقال عن سوء أوضاع جامعاتنا وتدني مخرجاتها ـ ونعترف
بأن ذلك أمر واقع لا يستطيع أحد أن ينفيه ـ لكننا يمكن أن ندافع عن بعض
الأسباب التي أدت الي سوء أوضاع الجامعات المصرية مقارنة بقائمة الخمسمائة
جامعة بل وربما قائمة الألف جامعة التي يمكن أن يسفر عنها أي تصنيف‏..‏

وتستند
أركان الدفاع إلي خصوصية واقعنا وما يسوده من عوامل ضاغطة علي ترتيب
أولويات اهتماماته والتي لا يأتي التعليم فيها علي رأس هذه الاهتمامات من
حيث رصد الاعتمادات الكفيلة بتطوير جامعاتنا‏.‏ إن الناظر للجامعات
المصرية الحكومية يجدها مجهدة بأعداد الطلاب التي ينوء بها كاهل أي جامعة
من قائمة الجامعات الأفضل عالميا ـ ليس هذا فقط‏,‏ لكن جامعاتنا بحكم
الدستور تقدم خدماتها التعليمية مجانا وهي بالفعل كذلك‏,‏ حيث تتواضع أي
مبالغ يقوم الطلاب بدفعها كرسوم أو تبرعات أو حتي الانتظام في برامج
متميزة بمصروفات كما يطلقون عليها والنتيجة المنطقية هي خروجها من الترتيب
العالمي وهو أمر لا تلام عليه الجامعة أو اساتذتها‏.‏

لقد تعددت
محاولات الخروج من المأزق الحالي سواء عن طريق زيادة الاعتمادات أو عن
طريق ر‏,‏صد مخصصات مالية من هيئات دولية مثل البنك الدولي ودول الاتحاد
الأوروبي وغيرهما‏,‏ لكن هذه المحاولات لم تحقق المرجو منها ويرجع ذلك
لسوء إدارة هذه الاعتمادات‏,‏ فعلي سبيل المثال تم رصد اعتمادات ضخمة
لمشروع تطوير كليات التربية‏,‏ ولم تتطور كليات التربية‏,‏ ومشروعات
الجودة والاعتماد والذي أنشئت من خلاله وحدات الجودة ومراكز الجودة
بالكليات والجامعات ومع ذلك لم يكن له مردود علي دفع الجامعات المصرية
لإحراز موقع متقدم طبقا لقائمة الجامعات الأفضل‏.‏

لقد نفدت فرص
تقييم جامعاتنا‏,‏ وعلمنا أنها غير مرضية وأن عقد المؤتمرات وورش العمل
والاستراتيجيات وغير ذلك لن يقدم جديدا ولم يبق أمامنا إلا تنفيذ الحلول
المنطقية التي يتوافق حولها الحوار المجتمعي والجامعي والحكومي بقصد تعظيم
العائد وتدارك المزيد من التقهقر‏.‏

إن الحلول الأساسية لإخراج الجامعات من مأزق الترتيب العالمي‏,‏ ووضعها في مكانها الصحيح يكمن في‏:‏
ـ
عدم اتخاذ موقف مسبق من كل محاولات الإصلاح الجامعي‏,‏ فليست كل الأفكار
وارد الخارج وليس هناك إلزام بقبول كل ماينصح به سواء من هيئات دولية أو
خبراء أجانب‏,‏ كما أنه ليس كل فكر جديد يتم رفضه‏,‏ كما أننا لا نبدأ من
فراغ‏.‏

ـ إننا يجب ان نتواءم مع النظام العالمي وأن نخضع
لاعتباراته‏,‏ ولكن في الوقت نفسه يجب ان ننتقي مايناسبنا خاصة في مجال
الاخلاقيات والمكتسبات المجتمعية‏.‏ إن امامنا تجربة بعض الجامعات
الأوروبية التي ترفض نقل تجربة التعليم الأمريكية ونشير الي رفض اساتذة
جامعات فرنسا واليونان في هذا السبيل‏.‏

ـ ليس كل رأي مخالف لرأي
الحكومة معارضة ومن ثم علي المسئولين عن تطوير التعليم الجامعي قبول الرأي
الآخر دون الانفراد بقرارات فوقية لا تحظي بقبول المجتمع‏.‏

ـ
اعادة النظر فورا في موازنة التعليم الجامعي والبحث العلمي‏,‏ إذ لا يمكن
أن يكون هناك ابداع من عضو هيئة تدريس أو باحث لا يجد مقعدا أو معملا أو
دعما ماليا‏,‏ إذ كيف يكون الانتاج العلمي المميز والبحث العلمي الراقي
والمنافس في ظل خمسة جنيهات هي نصيب عضو هيئة التدريس بالقسم العلمي
للإنفاق علي بحوثه‏,‏ وكيف ترتقي جامعاتنا في الترتيب العالمي في ظل هذه
الاعتمادات‏,‏ وكذلك في ظل المجاملات في لجان الترقيات ولجان منح جوائز
الدولة وغيرها‏.‏

ـ إن التعليم الخاص والأهلي مهما كان حجم التوسع
فيه لن يكون بديلا عن التعليم الجامعي الحكومي وان انماط التعليم
المستخدمة بالجامعات الحكومية‏(‏ مفتوح ـ انتساب ـ برامج مميزة‏..‏ الخ‏)‏
لن تؤدي الي إلغاء المجانية وذلك لعظم الدعم الحكومي إذا ماقورن بإيرادات
هذه الأنماط‏.‏

ـ البحث عن حل للمعادلة الصعبة التي تحدد العلاقة
بين زيادة الطلب علي التعليم الجامعي والرغبة في تقليص اعداد الطلاب
بجامعات الاعداد الكثيرة ـ هل يكون بتقسيم الجامعات الي جامعات أصغر أو
بإنشاء جامعات جديدة أو بتسهيل إنشاء جامعات خاصة وأهلية أو بكل هذه
الحلول‏,‏ ويجب ألا يستغرق ذلك زمنا طويلا‏.‏

ـ ان تتسم المشروعات
الجارية لتطوير التعليم الجامعي بالشفافية‏,‏ ليس فقط في أوجه الانفاق
ولكن أيضا فيما حققته هذه المشروعات من تطوير فعلي للجامعات ونحن علي
أبواب مرحلة ثانية لهذه المشروعات ـ الواقع أن هناك قناعة لدي الكثيرين
حول هذه المشروعات انها غير مجدية وأنها مشروعات ورقية لا تحقق المرجو
منها وأنها وسائل وآليات للحصول علي المكافآت للإدارات العليا والمقربين
منها ـ إن الافصاح عن هذه المشروعات وإصلاح عيوبها سوف يكون مدخلا للثقة
بين أعضاء هيئة التدريس والإدارات الجامعية القائمة علي هذه المشروعات‏.‏

ـ
المفترض أن يتم تقييم جامعاتنا محليا طبقا لمتطلبات الجودة والاعتماد التي
وضعتها هيئة الجودة والاعتماد لمؤسسات التعليم في مصر والتي نراها في حاجة
الي تقييم لمفهومها عن الجودة وإلي جودة آلياتها ومدربيها ومدربي مدربيها
وأسلوب عملها قبل فوات الأوان‏,‏ ففاقد الشيء لا يعطيه‏.‏

ـ
الالتزام بمعايير تضمن حسن اختيار القيادات الجامعية علي أسس من التكامل
في شخصية هذه القيادات فكريا وثقافيا وعلميا وإداري‏,‏ا ومن ثم وجب مشاركة
أعضاء هيئة التدريس في اختيار قيادتهم‏,‏ ويسبق ذلك حياد أعضاء هيئة
التدريس وأن يلفظوا المصالح الشخصية والمحاور والتربيطات والتوجهات
الحزبية في أدائهم عندئذ سوف يتعاظم الدور الايجابي للإدارة الجامعية دون
حاجة لدعمها برجال الأعمال‏.‏

ـ تحديث فوري لآليات وطرق التدريس
وتطوير طرق البحث العلمي وتعديل أهداف وسبل بناء عقلية الطالب وشباب
الباحثين وتطوير النشر العلمي ودعم قدرات الابتكار وصقل المواهب والربط
بين مؤسسات التعليم والانتاج والخدمات‏.‏

ـ يري البعض أن اعتبار
شهادة الثانوية العامة منتهية وصالحة للالتحاق بالجامعات لعدة سنوات هو
مدخل للتسرب‏,‏ وان اضافة امتحان قدرات هو طريق عدوان علي مبدأ تكافؤ
الفرص وهي وجهات نظر منطقية في ضوء طبيعة المجتمع المصري ولن يؤدي ذلك
لتطوير التعليم‏.‏

ـ إن الخروج من المأزق لابد أن يكون بمواجهة
حاسمة للمعوقات الحقيقية لتطوير الجامعات ومنها مشكلات أعضاء هيئة التدريس
والهيئة المعاونة وحقهم في حياة كريمة وتفرغهم لمهامهم‏,‏ ويكون ذلك عن
طريق تعديل جذري لهيكل رواتبهم وتوفير الآليات الحديثة التي تجعلهم قادرين
علي المنافسة‏.‏

ـ إننا في حاجة الي الحزم وتنفيذ التوصيات ونتائج
ورش العمل ونقلها الي برامج جادة وقرارات ناقدة يتوافر لها اعتمادات كافية
وتشريعات واضحة واعضاء هيئة تدريس مطمئنين علي مستقبلهم ومناخ جامعي
ديمقراطي وعندها سنجد ان جامعاتنا بما تملكه من مقومات وايجابيات حالية
سوف تنافس علي احتلال موقع متقدم في قائمة الجامعات الأفضل علي مستوي
العالم‏.‏