لعبة الأيام

لعبة الأيام

"لأ .. دي جت غلطة" .. هكذا كانت "ريم"
ترد بسرعة. علي كل من يري ابنتها الصغيرة "مي" ويسألها بعفوية: "البنت دي
طالعة لمين" وكأنها تتبرأ منها!!. كانت "مي" قليلة الحظ في الجمال. علي
الأقل بالنسبة لشقيقتها وشقيقاتها الذين أخذوا عن الأم جمالها. بينما أخذت
المسكينة كل صفاتها الوراثية من والدها. الذي كان بينه وبين الوسامة "تار
بايت" .. ومن جانبه لم يسع يوما إليها فقد كان شعاره: "اللي معاه قرش
يساوي قرش".

وهكذا نشأت "مي" في كنف أم تتنكر لها. وأب يقسو عليها باعتبارها
"الحيطة الواجبة" التي ينفس فيها غضبه واحباطه من الآخرين.. واذا كانت هذه
هي البداية فان النهاية أشد مرارة!!

الابنة "الغلطة" تروي حكايتها ل "دموع الندم" تقول : لست دميمة
بالشكل الذي تراه أمي. وكان يدفعها دائما للسخرية مني والتنكر لي. بدليل
انني تزوجت قبل شقيقتي الاخريين.. كل ما هنالك أن لون بشرتي "قمحي". بينما
بشرتها هي بيضاء "شاهق" وكذلك اشقائي الذين "طلعوا لها".

لكن اللون ليس كل شئ فليس كل مايلمع ذهبا. فقد حباني الله ب "خفة ظل"
ودماثة خلق.. والأهم "الجمال الداخلي" الذي يجعل كل من يلتقيني.. يرتاح
لي.

والحقيقة أنني لم أكن "عقدة" "الست ماما" كما كانت تحاول إيهام الناس
بذلك لكنني فيما يبدو كنت أذكرها دائما بوالدي. الذي كانت تسعي دائما ان
تنساه فقد تزوجته طمعا في أمواله. مع أنها لم تحترمه يوما ما.

كانت أمي علي قدر من الجمال بينما كان أبي علي خصام مع الوسامة
والهندام. لكنه تاجر "شاطر" وثري. ومبدأه ان المال هو الذي يجعل الناس
تحترمك.. وليس الشهادة أو المظهر.

وصمة عار


وهكذا التقي النقيضان تحت سقف واحد. وكنت أنا "وصمة العار" في جبين أمي. الذي يذكرها دائما بالرجل الذي تتمرغ في ثروته.. ولاتحبه.


كانت أمي تميز إشقائي. الذين تشربوا روح التمرد والطمع.. بينما كنت
أنا مخلصة ومطيعة ولا اعرف ابدا كلمة "لا" لذلك أصبحت مثل "الخادمة" التي
تقوم بمعظم أعباء البيت.

لم يكن الأمر يشبه الاضطهاد المكشوف. أو أنني السندريللا" كما في
الحكايات.. لكنني بطبعي كنت مطيعة ولا أحب الركون للخمول أو الخروج في
"صحبة" الشلة.. ومع ذلك فقد دفعت ثمن خلافات أبي وأمي.

ذات مساء.. كان أبي يبدو شديد الاحباط. بسبب لسان والدتي الطويل
واهمالها له. ولأنه لايستطيع أن "يسئ" الأدب مع الاخرين فقد صب جام غضبه
علي. لينفس عن نفسه.

كانت ليلة لم يطلع لها فجر. فقد اندفع ابي تجاهي كثور هائج. وأخذ
يكيل لي من أنواع السباب أقذره. ويحطم فوق رأسي كل مايقع تحت يديه.. ولم
يتوقف الا بعد ان شعر "بالانتصار" لنفسه ولكرامته!!

كانت "الغلطة" التي تحجج بها انني سكبت كوب الشاي فوق عقود مهمة..
ونسي أنني الوحيدة التي أخدمه في البيت. بينما الاخرون يعملون "ودن من طين
وودن من عجين".

تقوقع


تقهقرت داخل نفسي وتقوقعت داخل الحجرة.. ولاول مرة أري نظرات الرثاء
والشفقة في عيون أشقائي الذين هالهم مارأوا.. فقد كان هذا هو "الانفجار"
الاول من نوعه في البيت.. لكنه للاسف كان مجرد بداية.

اصبحت الوسيلة التي "يفوق" بها ابي نفسه من خلالها. كلما ضغطت عليه
أمي وأشقائي "يستفرد" بي ويثبت رجولته وسطوته علي لدرجة انني شعرت وكأنني
"طفلة لقيطه" لولا أنني لست الاولي في ترتيب الاشقاء اي لم يكن هناك سبب
لتبني طفلة ليست جميلة بمقاييس الاسرة.

المهم : لاتتسع صفحة واحدة من "دموع الندم" لسرد قصص الالام التي
عشتها. فالامر يحتاج الي مسلسل تليفزيوني من جزئين.. لكنني قاومت وكنت أجد
العزاء والسلوي في احترام الناس لي خارج نطاق هذه "العائلة المسمومة" فقد
كانت لي صداقات عديدة. وكنت أحظي بحب الجميع.

معجزة


وحدثت "المعجزة" التي كان لها وقع الصدمة علي العائلة. فقد كان الخطاب
يتقاطرون لخطبتي بينما كانت كل توقعاتهم تؤكد أنني سأصبح مثل "العقلة" في
حلوقهم!

كانت النغمة اللي طالعين فيها "هي الرفض بمزاعم مختلفة. حتي جاء عريس
بيني وبينه تفاهم شديد.. عندها وقفت لهم بالمرصاد. وقلت انني سأتزوجه سواء
برغبتهم أو بدون رضائهم.. فوافقوا وهم كارهون. فسوف يفتقدون "خادمة" بدون
اجر من ناحية وسيضطرون مرغمين لدفع مساهمات في الزوج.

كانت أيضا فترة صعبة جدا وقاسية علي. ولولا أن خطيبي كان يواسيني
بكلماته الرقيقة ويحنو علي لدخلت مستشفي الامراض العقلية. فقد اشتروا لي
"جهاز عرة" ومع أنهم ميسورون وينفقون علي اشقائي بسخاء.

كنت متعجلة الهروب من هذا البيت الملعون. الذي لم ار فيه "يوم راحة"
هذه السعادة التي كانت بادية علي. كانت تزيدهم حنقا علي. فيبادرون بالحديث
معي ساخرين: "ملهوفة علي ايه"؟!!

أمان


في بيتي الجديد .. شعرت بالأمان لأول مرة في حياتي.. كان زوجي يحبني
ويحترمني. وكنت أنا "أشيله فوق رأسي" .. لكنهم فيما يبدو استكثروا علي هذه
الراحة.. فبدأوا عملية "تخريب" للعش الهادئ.

كنت في اوقات الفراغ اذهب الي بيت الاسرة لاساعد امي وابي. بعدما
تزوج اشقائي وانشغلوا عنهما.. ولأنني اخاف الله. واعرف انه "لاتزر وازرة
وزر أخري" فلم أكن أقلد عقوق أشقائي. أو أقول في نفسي : "اشمعني"..
باختصار: كنت اتقي الله فيهما وانتظر منه وحده الجزاء. وكان زوجي يساعدني
ويثمن هذا الاتجاه ويباركه.

لكن والداي أبي وأمي كان يريدانني في خدمتهما ليل نهار. بينما
يلتمسان الاعذار لاشقائي.. ووصل بهما الامر الي حد الاساءة لزوجي. وتوجيه
اساءت بذيئة له وسباب قاذع. ترك سحابة ضبابية في علاقتي به!!

اللسان الطويل


كان الرجل يعرف أنني مظلومة. لكن لسان أمي الطويل صنع شرخا عميقا في
قلبه. كان مثل الجرح الذي لايفتأ ان "ينفجر" .. لم يقف الأمر هذا الحد.
فقد وصلت المرأة في هجومها عليه. لتطال أسرته ايضا. ووصفته بأنه "وضيع
وطامع" في أموالي وأدعت أنني كنت "مخدوعة فيه" وأشكو منه "مر الشكوي".

في لحظة غضب عارمة.. انفجر زوجي في وجهها وقال انه "سيطلقني لكي تستريح".. وبالفعل وقع الطلاق الذي ليس لي ذنب فيه.


صحيح أنني أسعي نحو استعادة زمام الأمور. وقدمت لزوجي الاعتذارات
وقطعت له وعودا بأن أبقي مثل "الجدار العازل" بينه وبين اسرتي.. وان شاء
الله سيعيدني في عصمته فبيننا حب وأولاد.

ولكن هل رأيتم أباء بمثل هذه القسوة والجحود.. و"الحقارة"؟!!!

يسلموووووووووووو