المدلل!

حقاً.. ما يزرعه الآباء في قلوب أطفالهم في الصغر يحصده الأبناء في
الكبر.. وما يغرس في عقولهم خلال رحلة التنشئة والتربية يظل راسخا في
أعماقهم مواكبا لحياتهم خلال مراحل اعمارهم يتضح من خلال سلوكهم العام مع
من حولهم.

* قضية اليوم.. من واقع الحياة لشاب في العقد الثاني من عمره تربي
وترعرع علي الدلال في كنف والده الثري أغدق عليه المال بسخاء وتناسي غرس
أصول التنشأة وجذور تحمل المسئولية لمواجهة أعباء الحياة والتصدي للمشاكل
اليومية.. وجاءت النتيجة فشله في حياته الزوجية وضحيته طفلته البريئة تعيش
حياة التشتت والحرمان في عالم مجهول المكان.. سطرت محاضر الشرطة ومحكمة
الاسرة مأساتها الانسانية التي تدمي من وقائعها القلوب وتلفظها عدالة
السماء بسبب التربية الاسرية غير السوية!!

تفتحت عينا الشاب المدلل في بيت أسري بإحدي المناطق الراقية ترفرف
بين جدرانه حياة الترف والبذخ.. وبعد ما صار عمره يزحف إلي العشرين عاما
اصبحت كل متطلباته أوامر مستجابة بسخاء من والده التاجر الثري الذي ذاع
صيته في الاسواق يمتلك المحلات التجارية والعقارات والمال الوفير.. اغدق
علي ابنه بسخاء واعتاد ان يضع له "البواكي" داخل دولاب غرفة نومه دون حساب
حتي ترعرع بين احضان ابوته الفياضة ولكن دون رعايته الكاملة لانغماس الاب
في تجارته والسعي وراء الكسب السريع وتكديس المال الوفير في البنوك الذي
أصبح غايته وليس وسيلة لتوفير الحياة المعيشية الموفورة الحال لاسرته..
وجاءت النتيجة بما لا يحمد عقباه تعثر الإبن المدلل في مراحل التعليم
وتعددت مرات رسوبه في الحصول علي المؤهل المتوسط وحول الأب إحدي حجرات
مسكنه المتسع الساحة الفاخر بالمنقولات والتحف الثمينة الي مدرسة خاصة
يسعي اليه العديد من بعض المدرسين ليتناول ابنه بين اياديهم الدروس
الخصوصية حتي حصل من منازلهم من خلال قيده بمدرسة خاصة علي المؤهل المتوسط
واصطحبه والده لمعاونته في تجارته المتسعة في الاسواق.

زواج بالصدفة..


* ومرت حوالي ستة أشهر وكان لقاء الإبن المدلل بفتاة احلامه بالصدفة
خلال تواجده بين المدعويين في حفل عرس لأحد اقاربه التقت عيناه بفتاة
حسناء لم يتجاوز عمرها العشرين عاما.. ترتدي فستانا متواضعاً يلتف حول
قوامها الفارع لتبدو كالغزال بين صديقاتها الحسناوات.. بادلها نظرات
الاعجاب وانبهر بجمالها وعرف طريقه إلي قلبها.. راح يشاغلها في هدوء
بمعسول الكلام بحكم خبرته المحدودة في التجارة والاسواق ووجد في ماله
الوفير طريقا لتملكها.. وعندما عرض الامر علي والديه رفضت والدته مطلبه في
الزواج منها إلا أن والده استجاب علي مضض لمطلب ابنه المدلل واصطحبه وبعض
من اقاربه الي مسكن اسرة الفتاة المتواضع باحد الاحياة الشعبية.. قوبل
العريس بالرضا والقبول وسرعان ما تم عقد قرانهما خلال اسبوع واحد وبعدما
أمضيا شهر العسل بشاليه يمتلكه علي شاطئ إحدي المناطق الساحلية اصطحب
عروسه الي عش الزوجية بالمسكن العائلي الفاخر.. ومرت الشهور الاولي للحياة
الزوجية الوردية حملت خلالها بجنين في الشهور الاولي بين احشائها لم يشفع
الحفيد المنتظر ليمنع جدته من تحويل حياة أمه الي جحيم لا يطاق.. اعتادت
حماتها إثارة المشاكل اليومية بين جدران المسكن التي كادت تصرخ من النكد
ليل نهار وزوجها المدلل لا يبالي.. انغمس في ملذاته وشهواته ومصادقة
أصدقاء السوء خلال السهرات الليلية واهمل حياته الزوجية دفنت الزوجة
المقهورة همومها بين ضلوعها في صمت قاتل ذاقت بين يدي حماتها العذاب
ألواناً من قسوة قلب لا يرحم ولا يلين.. جاءت لحظة تفاقم المشاكل يوم قدم
زوجها الي المسكن في ساعة متأخرة من الليل تسمرت قدماه أمام مشادة مثيرة
بين زوجته وامه التي زعمت بانها حاولت الاعتداء عليها بالضرب واهانتها
بالفاظ نابية.. وهنا استشاط الإبن بالغضب وكشر عن انيابه وقام بطردها في
جنح الظلام من المسكن وعادت لاهلها تحمل تعاستها فوق كتفيها وقام بتطليقها
بعد يومين.. ومرت شهور الحمل ورزقت بطفلة صارت في عمر الزهور.

قلب متحجر!


وهنا.. إنقطع الأب عن الانفاق علي مدي شهور طويلة فاقت العام.. وتدخلت
رعاية السماء لانقاذ الطفلة المحرومة من حنان ورعاية الأبوة عندما تدخل
احد اقاربه "فاعل خير" لمصالحة واعادة زوجته واصطحبه الي مسكن اهلها
المتواضع.. والحق يقال.. رق قلب الاب وبين احضانه طفلته.. أوهم والدتها
بأنه أعد لها مسكناً مستقلاً لحياتها بعيدا عن حماتها وعادت اليها ابتسامة
الأمل في تربية الطفلة وسط الحياة الزوجية المستقرة الهادئة واعادها
لعصمته لدي مأذون الحي وسرعان ما سقط قناع الغش والخداع من فوق وجهه
وتحطمت فرحتها وآمالها فوق صخرة خداعه عندما اكتشفت بأن الشقة وهمية
واصطحبها للعودة الي مسكن النكد.. وعادت قسوته وجبروته وتمادي في الإعتداء
عليها بالضرب المبرح بقسوة واعلنها صراحة في وجهها بأنه عادها لحياته
لاحتباسها وحرمانها من الزواج من آخر بزعم حرصه علي طفلته من قسوة
الاخرين.. وامام قسوته وخداعه لم تجد امامها سوي ان تحتضن طفلتها وتعود
لأهلها وسط دموعها التي انسابت فوق خديها كماء النار.. وعندما طالبته
بالانفصال عبر اسلاك التليفون نهرها بغلظة واعلنها بأنه سيتركها معلقة بين
السماء والأرض.

* قامت بتحرير محضر بالشرطة بتعديه عليها بالضرب بقسوة مشفوعا
بالتقرير الطبي حول الاصابات الجسيمة والجروح القطعية بجسدها وأقامت دعوة
خلع مازالت متداولة في ساحة العدالة امام محكمة الاسرة.

طعنة الخداع..


* وجاءت اللطمة الكبري لحياتها يوم فوجئت بقريب زوجها وقد قدم كفاعل
خير استجدي انسانيتها في اتاحة الفرصة لزوجها لرؤية طفلته بطريق الود..
ورضخت لمطلبه وقامت والدتها بحملها بين احضانها وانطلقت بصحبته إلي هناك
قابلها زوج ابنتها بابتسامة الغش والخداع ورضخت لمطلبه في ترك الطفلة بين
احضانه لمدة يومين وعندما عادت لاعادتها لوالدتها فوجئت باختفاء الاب
المخادع والطفلة.. فص ملح وداب لا تدري وابنتها له مكان بصحبته الطفلة
البريئة تعيش حياة الحرمان من احضان والدتها المقهورة وحررت محضرا بالشرطة
بواقعة الغدر واخفاء زوجها الطفلة في عالم مجهول!!

واصبحت الام تكلم نفسها في جنون.. نهارها حزن وليلها بكاء وانين
مكتوم وكوابيس مخيلتها تحمل كل الافكار السوداء.. طعامها قليل ليس الا
لقيمات تحفظ الروح بالجسد تغمسها بدموع الندم والحسرة والألم حتي صارت من
يشاهدها يعتقد بأنها في الستين من عمرها!

* ومع كل أذان بالمسجد المجاور لمسكنها بالحي إعتادت أن ترفع يديها
الي عدالة السماء وتدعو "يارب" يامن جعلت نار ابراهيم بردا وسلاما إطفئ
نار قلبي المشتعلة علي حرماني من فلذة كبدي بعدما صارت لا تستطيع تنفيذ
قرار المحامي العام بتسليمها الطفلة.

* إرتضت بأن تكون حطام زوجة مخدوعة تبعثرت تحت اقدام زوج مدلل مخادع
اعتصر كل رحيق شبابها ولكنه ما ذنب طفلتها البريئة.. لتقرأ سطور مأساتها
بالقلوب قبل العيون وبالاحاسيس قبل العقول.