الطريق إلي مكة بقلم : يوسف القعيد

من طرف karem الإثنين يونيو 08, 2009 2:27 pm

الطريق إلي مكة
بقلم : يوسف القعيد

استمعت
من هيئة الاذاعة البريطانية لتقرير علي طريقة المختصر المفيد‏,‏ لم يشف
غليلي ولم يشبع فضولي‏,‏ التقرير عن فيلم سينمائي يتم تصويره الآن في
هوليوود‏.‏ عنوانه‏:‏ الطريق إلي مكة‏,‏ عن ابن بطوطة‏,‏ في رحلته من طنجة
بالمغرب إلي مكة المكرمة والمدينة المنورة لاداء فريضة الحج‏,‏ وما تعرض
له في الطريق‏,‏ باقي التفصيل لم يذكرها التقرير‏,‏ مثل من الذي كتب
السيناريو والحوار ومن صاحب قصة الفيلم المأخوذة عن رحلة ابن بطوطة التي
تعد حجر الزاوية في ادب الرحلات عربيا وإسلاميا وعالميا‏,‏ وحتي الآن لم
تفرز البشرية رحالة بحجم وأهمية ابن بطوطة‏,‏ ايضا السؤال الجوهري المقبل
إلينا من الغرب‏,‏ ماهي رسالة الفيلم؟ وهل سيقدم شخصية المسلم للعالم
باعتباره صاحب رسالة للسلام بدلا من الصورة النمطية الآن للمسلم الإرهابي؟

ولاننا
تعلمنا من أهالينا ان الحدأة لاترمي علينا كتاكيت فما هي مصلحة هذا الغرب
الأمريكي في تقديم صورة المسلم الطيب؟ خاصة ان الغرب تحركه الآن
ايديولوجية كاملة ضد المسلمين‏,‏ منذ ان صك صامويل هينجتون نظريته التي
تنبأت بأن الصراعات والحروب ستحركها الاديان بعد ازمنة طويلة حركت الموارد
والمصالح والاموال حروب البشرية‏,‏ الفيلم الأمريكي الذي لابد ان يعرض
تجاريا من المفترض ان يحقق ارباحا كبيرة‏,‏ ولذلك من المفترض ان تكون فيه
مغامرات‏,‏ وان يكون هناك عدو‏,‏ وفي زمن ابن بطوطة كان الصراع ضد اللصوص
وقطاع الطريق‏,‏ الذين سيكونون من المسلمين‏,‏ وانا لا أقول ان جميع
المسلمين أطهار وأبرار‏,‏ فهم بشر مثل كل البشر في كل زمان ومكان‏,‏ ولكن
ماذا عن إبراز العيوب وتضخيمها؟ لا اطلب من هوليوود ان تخرج لنا فيلما عن
بطولة رحالة مسلم نبتت فكرة الرحيل بداخله وجعلت من حياته رحلة مستمرة في
زمن كان الانتقال من مكان لمكان قريب مغامرة كبري‏.‏

لن أحول الأمر
لعملية تقليب للمواجع‏,‏ لن اتكلم عن حالة العداء بين الفيلم السينمائي
والنص الروائي‏,‏ ولا العداء بين المسلسل التليفزيوني والمسلسل الاذاعي
والنص الروائي‏,‏ ولكن اقول ان ما تقوم به هوليوود الآن‏,‏ من المفروض ان
يدفعنا للتفكير في عمل مسلسل عن ابن بطوطة‏,‏ ان فكرة مثل هذا المسلسل
يمكن ان تجمع اشلاء الوطن العربي وتجعلنا نقبض علي فكرة العروبة‏,‏ عند
لحظة التقائها بالإسلام في اجمل تجلياتها‏,‏

وكنت قد تكلمت مع
الدكتور عبدالعزيز التويجري‏,‏ رئيس المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم
التي يسميها اليونسكو الإسلامي منذ سنوات عن فكرة انتاج عمل فني عن ابن
بطوطة‏,‏ قال لي يومها ان الفكرة توشك ان تخرج للنور‏,‏ وأن هناك شركة
انتاج ايطالية تدرس الموضوع وتقوم بعمل دراسات الجدوي حوله‏,‏ وقد استغربت
لحظتها من ان تقوم ايطاليا بإنتاج مثل هذا العمل‏,‏ لكن يبدو انه لم يتحمس
له لا العرب ولا المسلمون‏.‏

بقي ان تعرف ان ابن بطوطة هو
ابوعبدالله محمد بن عبدالله بن ابراهيم الطنجي اللواتي‏,‏ ولد في طنجة
سنة‏1304‏ ميلادية‏,‏ درس الشريعة وقرر وهو في الحادية والعشرين من عمره
سنة‏1325‏ ان يخرج لاداء فريضة الحج‏,‏ قاده مرض الترحال الذي امسك بفؤاده
لان يقوم بثلاث رحلات كبري‏,‏ الأولي عبر شمال افريقيا إلي مكة‏,‏

والثانية
إلي قلب آسيا‏,‏ والثالثة باتجاه الجنوب في افريقيا‏,‏ املي رحلاته علي
تلميذ له ونشرت تحت عنوان تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار‏,‏
وقد قام الدكتور عبدالهادي التازي الباحث العربي المغربي الجميل بتحقيق
الرحلة ونشرها في نص كامل مع خرائط ومعلومات عن البلدان التي زارها ابن
بطوطة‏,‏ وان كان مجهود الدكتور التازي قد طبع عن طريق الاكاديمية
المغربية العليا‏,‏ ولذلك فالحصول عليه ليس سهلا‏,‏ ومن مصادفات حياة ابن
بطوطة انه بعد عودته لبلاده بدأ يحكي للناس ما رآه‏,‏

فتحلقت الناس
حوله‏,‏ وكان بان خلدون يعمل في ديوان السلطان‏,‏ وشعر بالغيرة من ابن
بطوطة وحكاياته‏,‏ فاوغر صدر السلطان ضده وسبب له من المتاعب ما جعله يعزف
عن كتابة رحلته ولولا انه أملاها علي تلميذه ما وصلت إلينا‏.‏

وفي
مصر كانت هناك نسخة مختصرة من الرحلة مقررة علي تلاميذ المدارس المصرية من
قبل ولا أعرف لماذا لم يستمر هذا؟ ولاتوجد طبعة مصرية حديثة من رحلة ابن
بطوطة‏,‏ الموجودة في مكتبات القاهرة طبعات نشرت في بيروت‏,‏ وللمرة
الثانية لا أعرف السبب في تقاعس دور النشر المصرية عن نشر هذا الاثر
الفريد‏,‏ لقد مر ابن بطوطة بمصر من البحر شمالها حتي اسوان في اقصي
الجنوب منها‏,‏ ووصف كل ما وقعت عليه عيناه‏,‏ هل يمكن القول انه وقع في
غرام مصر وكتب عنها ما يمكن ان يرقي علي مستوي الشعر‏.‏

قال في
وصفه لمدينة الاسكندرية ثم وصلنا في أول جمادي الأولي إلي مدينة
الاسكندرية حرسها الله‏,‏ وهي الثغر المحروس والقطر المأنوس‏,‏ العجيبة
الشأن الأصيلة البنيان‏,‏ بها ما شئت من تحسين وتحصين‏,‏ ومآثر دنيا
ودين‏,‏ كرمت مغانيها ولطفت معانيها وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها‏.‏

ولقد
بهرته ايضا مدينة القاهرة ووصفها قائلا ام المدن سيدة الارياف العريضة
والاراضي المثمرة‏,‏ لاحدود لمبانيها الكثيرة‏,‏ لانظير لجمالها
وبهائها‏,‏ ملتقي الرائح والغادي‏,‏ سوق الضعيف والقوي‏..‏ تمتد كموج
البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم‏..‏