ثقافة السلام والحرب بقلم : أحمد سويلم

من طرف mero الخميس يونيو 18, 2009 12:33 pm

ثقافة السلام والحرب
بقلم : أحمد سويلم

كانت
الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت عام‏2000‏ عاما لثقافة السلام‏..‏
أعتقد أن هذه الثقافة تستحق أن نعلنها كل عام‏..‏ ولاتقتصر علي عام
واحد‏..‏ بل أن تشمل هذه الثقافة السلام والحرب معا‏..‏

واذا كنا
نهتم أن نوجه هذه الثقافة إلي شبابنا‏..‏ فنحن أمام مسئولية تحديد
المفاهيم لكل من السلام والحرب‏..‏ ومعرفة الدوافع البشرية التي تجعل
الانسان عدوا فيحارب أخاه الانسان‏..‏ وماذا يعني السلام‏..‏ وهل يكفي أن
يتبدي في مظاهر احترام الآخر‏..‏ ونبذ العنف‏..‏ والتسامح دون أن ننمي في
شبابنا مهارات المعرفة الحقيقية بكل هذه الملامح‏..‏

دعونا نقلب
قليلا إحدي صفحات التاريخ العربي التي تتحدث عن حرب داحس والغبراء في
العصر الجاهلي‏..‏ تلك الملحمة الحربية التي دامت نحو أربعين عاما بين
بطون قبيلتي عبس وذبيان‏..‏ وكان نشوبها لسبب غريب هو إفساد السباق بين
داحس‏(‏ جواد قيس بن زهير‏)‏ والغبراء‏(‏ فرس حمل بن بدر‏)‏ وقد اتفق
الرجلان علي الرهان‏..‏ وقدرا منتهي السباق‏..‏ لكن فتيانا لدي‏(‏ حمل بن
بدر‏)‏ أفزعوا داحسا فشرد عن غايته وسبقته الغبراء‏..‏ فثارت الحرب بين
القبيلتين وأحلافهما نتيجة هذه الحيلة الغادرة‏..‏

وقد قيل في هذه
الحرب شعر كثير‏..‏ وقتل فيها فرسان كثر‏..‏ حتي اجتمع عقلاء الفريقين
وعلي رأسهما‏(‏ هرم بن سنان‏)‏ و‏(‏عوف بن مرة‏)‏ فتحملا ديات القتلي
للطرفين‏..‏ وحقنت الدماء‏..‏ وعبر عن ذلك الشاعر زهير بن أبي سلمي في
معلقته الشهيرة قائلا‏:‏

تداركتما عبسا وذبيان بعدما

تفانوا‏..‏ ودقوا بينهم عطر منشم

وقد قلتما‏:‏ إن ندرك السلم واسعا

بمال ومعروف من القول‏..‏ نسلم

ثم يقول‏:‏

وما الحرب إلا ماعلمتم وذقتموا

وماهو عنها بالحديث المرجم

متي تبعثوها تبعثوها ذميمة

وتضر إذا ضريتموها فتضرم

وهي قصيدة طويلة ضمنها الشاعر الكبير وصف ويلات الحرب‏..‏ وحذر الناس اشتعالها وأخطارها‏..‏ ودعا إلي السلام بكل مايملك من طاقة‏.‏

وربما
نظر العرب إلي الحروب علي أنها مجال للتفاخر بالقوة والغلبة والفروسية‏..‏
وكثيرا كانت الحروب تقوم لأتفه الأسباب فينسون سبب نشوبها‏..‏ ويتفاخرون
بغزواتهم المنتصرة‏..‏ ورفضهم للهزيمة‏..‏ وسعيهم وراء الثأر‏..‏

لكن
هذه الصورة القديمة ـ علي نبلها وطرافتها ـ تؤكد أن الانسان علي هذه الأرض
يفتقد الاحساس بنعمة الحياة‏..‏ حيث نراه في عصرنا الراهن يوجه أسلحته
للدمار والتسلط والسلب والنهب‏..‏ يسوقه الطمع والجشع‏..‏

ولايكاد
زمن يخلو من قيام الحروب بين البشر منذ قتل قابيل هابيل حتي اليوم‏..‏
وجدنا شعوبا تجعل من الحرب شاغلها الأول‏..‏ ومن ثم كتبت فيها الملاحم
العظيمة مثل الالياذة والأوديسة لهوميروس ـ والاينادة لفرجيل ـ
المهابهارتا الهندية ـ والشاهنامة للفردوسي ـ والسير الشعبية العربية ـ
أشعار الحرب لدي العرب التي تصف المعارك وتشحذ الهمم‏..‏

وفي مثل
هذه الملاحم وغيرها تكمن الأسباب والدوافع لنشوب الحروب والتي تتمثل في
الأطماع والصراع علي الأرض والثروة‏..‏ وامتلاك السلطة وغيرها‏.‏

ولقد
دفع إعلان الأمم المتحدة الكاتب النمساوي‏(‏ مارتن أور‏)‏ إلي كتابة
مجموعة قصصية للنشء باللغة الألمانية بعنوان‏(‏ الحرب العجيبة‏)‏ ترجمتها
إلي العربية‏(‏ هالة شريف‏)..‏ وقد استطاع المؤلف أن يصدر هذه المجموعة من
خلال ورش عمل مع الشباب حول موضوعي الحرب والسلام ـ حيث يتخيل الكاتب قيام
الحرب فوق الكواكب المعروفة للبشر‏..‏ أو علي الكواكب التي يصنعها هو من
محض خياله ويحرك فيها أبطاله تحريكا مختلفا‏..‏ فتارة يتخيل أبطاله بأسماء
الزهور‏(‏ القرنفل البنفسج‏)‏ أو من الفاكهة‏(‏ البرقوق والتفاح والتوت‏)‏
أو يصنف البشر الي شطار وكسالي أو سادة وعبيد أو ضعفاء وأقوياء‏..‏
وهكذا‏..‏ وتارة أخري يجسد خطر الحرب ببساطة‏..‏ في صورة صبي يجد نفسه
وحيدا بعد انهاء القتال بين الأطلال والموتي‏..‏ ويقرر ألا يحب أو يصادق
أحدا حتي لايحزن عليه حينما يموت في ساحة الحرب‏..‏ ويحمي نفسه ببندقية
يحملها فوق كتفه‏..‏ ثم هاهو يصعد إلي كوكب آخر ليجد شيخا يرصد مايحدث فوق
كوكب الأرض‏..‏ فيطلب منه أن يبقي معه‏..‏ فيطالبه الشيخ بالتخلص من
البندقية لأن هذا الكوكب لايعرف الحرب‏..‏ ويدرك الصبي أن الحرب قد تنشب
بين البشر لأنهم‏(‏ لايفهمون بعضهما البعض بدر
جة كافية‏)‏ ويتمني الصبي أن يأتي يوم يرشد الناس إلي هذه الحقيقة‏..‏

هكذا
ببساطة وتشويق بالغ يعرض الكاتب لفكرة الحرب ودوافعها ـ وفكرة السلام بين
البشر‏..‏ والجميل في هذه المجموعة أنها تبتعد تماما عن المباشرة
التقريرية‏..‏ وقد اعتمد المؤلف علي فكرة أن طفل اليوم كائن ذكي يعايش
أحداث عصره‏..‏ ومن ثم يمكنه أن يدرك ويجسد ويفهم ويستوعب دون صعوبة‏.‏

والغريب
أن الكاتب في نهاية هذه المجموعة يسوق تقريرا متوهما للجنة كونها من خياله
تكشف أطماع الانسان فوق كوكب الأرض وتاريخ هذه الأطماع والصراعات بدءا
بالرعي‏,‏ ومرورا بالصيد والزراعة والاستعباد‏..‏ وانتهاء بالسباق المسلح
المدمر لثروات هذه الأرض‏..‏ لينتهي التقرير بعدم قبول سكان كوكب الأرض في
المجموعة الشمسية المتحدة طالما أن سكان هذا الكوكب لايدركون ولايفهمون
أبسط القواعد الأساسية للحياة معا في جماعات كبيرة وكثيرة‏!!‏

والكتاب
ـ برغم انه موجه للنشء ـ فانه يمثل وثيقة مهمة من وثائق العصر الأدبية من
كاتب عاني ويلات الحرب‏..‏ وحلم بالسلام‏..‏ والعيش بلا خوف ولا دمار‏.‏

لقد
أجاب مارتن أور في هذه المجموعة علي كثير من الأسئلة التي تحير عقول
شبابنا حول الحرب والسلام بأسلوب فني سلس ممتع‏..‏ حتي إن هذا العمل قد
ترجم إلي خمس وعشرين لغة عالمية ويترجم للمرة الأولي إلي العربية‏..‏
والآن‏..‏ أليست فكرة الحديث عن ثقافة السلام ينبغي أن تشمل أيضا ثقافة
الحرب‏..‏ بل أؤكد أنها لابد أن تبدأ بالحرب ودوافعها حتي يدرك النشء
أهوالها ومخاطرها‏,‏ خاصة ونحن نري منطقتنا العربية قد غدت أكثر المناطق
المشتملة بالصراعات لأنها منطقة أطماع لكل العالم‏..‏ ولابد أن أبناءنا
يتساءلون ويشاهدون ويندهشون ويتطلعون إلي فهم هذه الصراعات والاقتناع بأن
ثقافة السلام العادل‏,‏ ونبذ الحرب والدمار هي التي ينبغي أن تسود
العالم‏..‏ إن كتابنا أمام مسئولية خطيرة في تربية أبنائنا ثقافيا‏..‏
وعليهم أن يبحثوا أساليب الابداع الملائمة التي تحمل الجاذبية والخيال
والمتعة والإقناع حتي يقبل النشء علي استيعاب هذا الابداع‏..‏ إنها فرصة
ذهبية أمام كتابنا الذين يوجهون أعمالهم لهذه الشريحة من القراء لتأكيد
وجودهم في ركب الكلمة المبدعة‏.‏