فلنتطهر من خطايانا ونحن نستقبل شهر الغفران

لشهر رمضان الكريم منزلة سامية في الرسالة الإسلامية وفي نفوس المسلمين‏..‏ وكلما مرت الأيام ودار الزمن دورته وأشرق فجر رمضان جديد علي أتباع سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم يزداد هذا الشهر العظيم قدرا ومكانا ومكانة‏..‏ فهو شهر الله الصوم لي وأنا أجزي به وهو شهر القرآن الكريم إنا أنزلناه في ليلة القدر وهو شهر هذه الليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر تنزل فيها الملائكة ويستجاب الدعاء سلام هي حتي مطلع الفجر وهو شهر التوبة وغفران الذنوب والتقرب إلي الله بألوان الطاعات‏..‏

وشهر كريم‏..‏ هذه بعض صفاته ونفحاته‏..‏ لا ينبغي أن يمر أو تنتهي أيامه إلا ويكون كل منا قد أعد نفسه وشمر عن ساعديه وغسل جسده وقلبه وعقله بدموع الندم علي ما ارتكبت من خطايا في حق الله وحق نفسه وحق أخوانه من بني الانسان‏..‏ وعاش أيام وليالي الشهر الكريم في عبادة الله وعمل صالحا يفيد به نفسه ومجتمعه وإنفاق في سبيل الله من إطعام للفقراء وكساء لهم وسد احتياجاتهم‏..‏ وكلها أمور تكفر السيئات وتحط الخطايا وتأخذ بيد الانسان نحو الكمال الذي ينشده الاسلام للمسلم في غير رمضان وفي رمضان بصورة أكبر لأنه كما قلنا شهر الغفران والرضوان والخروج من النفق المظلم للمعاصي والخطايا‏..‏

وأصحاب الإيمان هم الذين يدركون قيمة هذا الشهر الكريم‏,‏ كما يدركون أن للخطيئة في الصمير الحي اليقظ وخزا يجرح ويدمي ويحرك المشاعر ويبكي العيون ويحزن القلوب مخافة لله وخشية منه وأيضا من عذاب الضمير حسابه عند ذوي النفوس اللوامة‏..‏ ولا يملك صاحب الضمير المستيقظ حين يتردي في الخطيئة ويقع في الاثم غير الندم الذي يدفعه سريعا إلي العودة إلي ربه خالقه والمنعم عليه ورازقه في كل أحواله‏..‏ فيحرك لسانه بالاستغفار والتوبه‏,‏ وتذرق عيناه دموع الندم ليطهر بها ما ارتكب من خطايا‏,‏ ويقاوم بقلبه وعقله وإيمانه شياطين الجن والانس التي تحاول أغواءه والهاءه عن مسيرته إلي الله‏..‏

وأمام هذا الاغراء قد ينهزم ضمير الانسان‏..‏ وأمام هذه الهزيمة لايجد مفرا من اللجوء إلي الغفورالرحيم صاحب العفو والاحسان الرحمن الرحيم فيضرع إليه تعالي وهو حائر وتائه في دنيا الخطيئة وتحدثه نفسه‏:‏ أيقبل الله توبته ويحط عنه ذنبه‏..‏ أم سيعيش طريد خطاياه‏..‏ مستحقا غضب الله عليه‏..‏ ولكن الله العظيم العفو الحليم ما يفتأ في قرآنه الكريم يذكر عباده الطائعين والعاصين معا بفضله عليهم فيقول لهم‏:‏ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويكرر إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم ويصف ذاته لهم حتي لا يصيبهم اليأس من مغفرته غافر الذنب وقابل التوب بل يزيد من فضله وعطائه فيأمر نبيه بأن يبلغ العابدين من أمته عليه الصلاة والسلام قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم‏.‏

وأقول لعباد الله المؤمنين في كل مكان‏.‏ وشهر رمضان يدق علينا الأبواب بخيره وبره وماهي الإ ساعات ويشرق فجره‏..‏ أقول لكم‏:‏ إن رحمة الله لا تتنكر للعصاة والمخطئين حين يعودون إلي ربهم وقد تطهرت أجسادهم وصفت نفوسهم واستيقظت ضمائرهم وعرف الرشد طريقه إلي عقولهم فاستنارت بتعاليم الله وعادت اليها ثم عادوا هم بكل كيانهم تائبين منخلعين عن الذنوب والخطايا‏..‏

وهم في هذه الحال من الندم علي الخطأ والعودة إلي الغفور الرحيم‏..‏ ماذا يحظنون وهم يسارعون اليه تعالي‏..‏ ماذا هو سبحانه فاعل بهم‏..(‏ لاشك أننا جميعا وقد قرأنا القرآن الكريم وتدبرنا معانيه واستمعنا الي شروحه وتفاسيره‏,‏ كما قرأنا واستمعنا الي أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح فإننا نلاحظ إن كل ذلك يصب في اتجاه واضح ويحمل بين طياته البشري‏..‏ بأن الله رحيم بعباده يقبل التوبة منهم ويعفو عن كثير‏..‏ بل من عفوه ومغفرته للعصاة من المؤمنين ان جعل من ملائكته من يستغفرون لهم وأقرأوا معي قول الغفور الرحيم تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض وأقرأوا أيضا الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم‏.‏

وشهر الله يدق علينا أبوابنا‏..‏ مطلوب منا جميعا‏,‏ طائعين ومخطئين‏,‏ أن ندخله ونحن في حالة من النقاء والطهر والعفاف‏,‏ جسدا وروحا‏,‏ شكلا ومضمونا‏,‏ مبني ومعني‏..‏ وسلاحنا التعامل مع الله بالحق والعدل والصدق في الطاعة وترك الخطايا والذنوب‏..‏ والتعامل مع عباد الله‏,‏ أي مع بعضنا البعض‏,‏ بنفس المنطق ونفس الروح‏..‏ وأن يكون صيامنا خالصا لوجه الله‏,‏ ندخله ونخرج منه بزاد من التقوي والبر والخير والايمان الذي يستمر معنا حتي نستقبل الشهر الكريم في عام آخر وكل عام‏..‏ وبذلك نضمن سعادة الدنيا ونعيم الآخرة وجنة عرضها السموات والأرض تجري من تحتها الأنهار وتحفل بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر‏..‏ والأعظم من ذلك كله أن نحظي برضا الله وعفوه‏..‏ نسأله تعالي أن يمنحنا عفوه ورضاه وكل عام وأنتم في خير وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا وحبيبنا محمد نبي الأمة والإنسانية ـ آمين‏.‏