المجددون في الإسلام:عمر بن الخطاب

من طرف **Admin** الثلاثاء سبتمبر 02, 2008 9:49 pm

كان أبوبكر يطلق علي نفسه أنه: متبع لا مبتدع، وإن كانت الظروف جعلته مبتدعاً ومجدداً، ثم جاء عمر بن الخطاب الذي لم يكن يأنف من تعبير «البدعة» بحيث كان هو المبتدع الأكبر، وتجديداته في الأخذ بالديوان، والتأريخ، والبريد..
إلي آخره معروفة، ولكن ما يهمنا هنا هو أن عمر بن الخطاب كان صاحب نظرة فقهية ثاقبة، وكان لديه من الذكاء والشجاعة ما يكشف أن الأحكام لا توضع عبثاً أو تحكماً وإنما لحكمة، وأنه إذا انتفت الحكمة سقط الحكم، حتي لو كان قد نص عليه في القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم إنما نص عليه لأن هذه الحكمة كانت قائمة، ولكن التطورات ذهبت بها، فلم يعملها لا من باب تعطيله، ولكن من باب أن الحكمة التي من أجلها صدر النص انتفت، فسقط تلقائياً، ولو عادت لعاد، أو لأن التطور جعل النص لا يحقق المقصد الذي من أجله نزل وهو العدل والمصلحة، ومن ثم وجب «تعديل» الحكم بما يجعله يحقق العدل.
وهكذا لم يطبق عمر مصرف المؤلفة قلوبهم في الزكاة، ولم يقسم الأرض المفتوحة وأوقف حد السرقة عام الرمادة، ورغم أن هذه كلها منصوص عليها في القرآن وكان موفقاً غاية التوفيق في هذه كلها، ولم يعطل النص ولكن أعمل روحه. ولو بدأ الفقهاء حيث انتهي لوفروا علي الفقة الإسلامي ألف عام من المماحكات وعقابيل المذهبيات.
ولا يعني هذا أنه كان معصوماً من الخطأ، فقد جعل الطلاق مرة واحدة، لأن الناس تسرعوا في أمر كان لهم فيه أناة، فإذا كان ذلك مبرراً لعقابهم، فما ذنب المرأة المسكينة التي طلقت لطيش زوجها.. وعجلته؟
وهذا ما يوضح لنا أن الله تعالي هو الذي استأثر بالكمال، وأن كل بني آدم خطاؤون.
فإذا كان عمر قد أثبت إضافته كفقيه يستخرج الأحكام من مصادرها، ثم يطبقها بحيث تحقق المقصد، وهو العدل أو المصلحة دون أن تحبسه أو تمنعه حروف النص، فإنه كان كحاكم نسيجاً وحده، فقد حكم عندما أقبلت الدنيا، وكانت كلما تقبل يأخذ نفسه بصنوف من الضبط والحرمان ويضاعف العقوبة لكل فرد من آل الخطاب يقترف إثماً، وكانت مناظر أكوام الذهب والفضة التي تنتظر القسمة في المسجد تثير المخاوف والحذر، بدلاً من أن تثير الفرح والبهجة، وكانت صورته يلبس مرقعة ويمسك في يده «درة» قطعة قصيرة من جريدة مشقوقة في نهايتها، ويحكم بهذا إمبراطورية، ولا يتورع أن ينام في المسجد، وعندما رآه مندوب كسري قال: «عدلت فأمنت فنمت».
سيظل مسلك وسيرة عمر بن الخطاب كحاكم لإمبراطورية كانت تضم العراق والشام ومصر رمزاً يعيش إلي الأبد ويوحي إلي الأجيال مثلاً رائعاً، إن لم يمكن احتذاؤه، فعلي الأقل يقبسون منه ويهتدون به.