قرآن وسنة

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار
لم يسلم أكابر العلماء والفقهاء من الإهمال. بل والاضطهاد والأذي الذي قد يدفعون حياتهم ثمنا له. في سجن من السجون أو معتقل من المعتقلات. أو علي يد بعض السفهاء والسفيهات وقد عد ياقوت الحموي الإمام الشافعي في معجم الأدباء من هؤلاء الذين دفعوا حياتهم ثمنا لحماقة بعض الحاقدين عليه المتربصين له. فحكي ذلك وحققه الدكتور زكي مبارك عنه. في رسالة ألفها عن كتاب الأم. وإن الذي ألفه هو البويطي. وليس الإمام الشافعي. فقال:
قدم الإمام الشافعي مصر ولم تدم إقامته بها طويلا. فقد مات بها سنة 204ه بعد أن قدم إليها في عام 199ه. فأيامه في مصر كانت قليلة لاتزيد علي خمس سنوات. ومع قصر تلك المدة إلا أنها كانت مملوءة بالأحداث والخطوب. وقد عاني الشافعي من إهمال الناس له في بداية قدومه لمصر. حيث كانوا يجهلون قدره ولا يعرفون قيمته. وظل مدة طويلة لا يعرف كيف يصل إلي الجمهور أو يجلس للتدريس. حتي أخذ اليأس ينال من بعض الذين قدموا معه إلي مصر. وأعيتهم حلول تلك المشكلة فأشار عليه بعضهم أن ينشد للناس شعرا. ويعمل عمل المداحين الذين يبرزون حسن صوتهم مع أدائهم للشعر وهنا شعر الإمام الشافعي بالحزن. وأنشد شعرا جاء فيه: لئن سهل الله العزيز بلطفه. وصادفت أهلا للعلوم وللحكم. بثثت مفيدا واستفدت ودادهم. وإلا فمكنون لدي ومكتتم ومن منح الجهال علما أضاعه. ومن منع المستوحين فقد ظلم.
ثم لم يلبث أن يفرض وجوده ومكانته العلمية علي الناس. كما يفرض العمل الصالح نفسه دون أن يفرض أحد عليهم. فعرف المصريون قيمته وأقبلوا عليه لأخذ العلم الغزير عنه وهو كما وصفه أحد محبيه بحق: فتي قريش الذي ملأ طباق الأرض علما. ولم يكد يستقر مجلسه ويعرف طلاب العلم طريقه ويتزاحمون في حلقاته حتي حقد عليه رجل من تلاميذ الإمام مالك عرف بالسفه والطيش والحدة. وهذا الرجل يسمي "فتيان" فكان يناظر الشافعي كثيرا. وكانت مناقشاته للإمام الشافعي ليست علمية جادة بل فيها لجج ومعاندة ومكابرة تجعله يصف كل ما يقوله الشافعي بالخطأ علي ملأ الحاضرين وأنه لا يعلم في دين الله شيئا وتحول المجلس من حلقة علم إلي ساحة يتزاحم عليها المحبون للمشاكسات والمجادلات. وذات مرة سخر من الإمام الشافعي وطلب منه أن يناظره في عدد من مسائل العلم فظهر عليه الشافعي. وأظهر جهله وضعفه ظهورا شديدا. فضاق "فتيان" بالشافعي. وشتمه شتما قبيحا. لكن الشافعي ترفع ولم يرد عليه وهنا دبر بعض المتعصبين لفتيان أمرا نليل فقصدوا حلقة الشافعي بعد أن انتهي الدرس وخلت من أصحابه ولما وجدوه وحيدا هجموا عليه وضربوه ضربا موجعا فيه حقد ونذالة ووحشية. فحمل بعده إلي منزله وداهمته الأمراض حتي مات. ومضي الإمام الفذ ضحية الغيرة والحقد ليكون فيما جري له عزاء لأمثاله.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

المكابرة واختلاق المواقف باسم الصمود
وتمسك الناس بالمقاومة. او اختيارهم لها دون إعداد للقوة بما يكافيء العدو
كل ذلك يمثل السبب الرئيسي في إراقة دماء الأبرياء من الأطفال والنساء
والمرضي في قطاع غزة كل يوم تقصف فيه إسرائيل القطاع. إن ذلك القصف المريع
يمكن أن يصنف من قبيل الحرب بين المكابرين. هؤلاء الذين يركزون علي اختيار
الشعب للمقاومة رغم السعير الذي ينهال عليه كالحمم من إسرائيل. وإسرائيل
تتذرع بتلك الذريعة وترد عليها بمكابرة من نوع آخر تستعرض فيها قوتها
وتصول وتجول دون خوف أو خجل من أنها تقاتل مكابرة. وتقتل جبناً وخسة.
لأنها تلاعب نفسها. وتحارب وحدها. وتقصف مجردين عُزْلا لا يجدون غير وجبة
طعام إن وجدت - فضلاً عن السلاح والعتاد - وتلك المظاهرات. وذلك التعاطف
الذي لا يحيي ميتاً ولا يحفظ دماً ولا يغني أو يسمن من جوع. وسوف يحاسب
الله المكابرين من الطرفين. الطرف المقتول أو المذبوح الذي قدمه قادته
الإسلاميون قرباناً لحماسهم. وإظهاراً لشجاعتهم حتي يشعلوا المظاهرات التي
لا أثر لها في كل أنحاء العالم. وليقول عنهم من لا يتحسبون لحماية الدماء
والأرواح: إنهم صامدون شجعان. كأنهم قاتلوا من أجل ذلك. أو بالأحري قدموا
المقتولين من أهليهم وذويهم قربانا لذلك حتي يقوي موقفهم التفاوضي ليس مع
أعدائهم. ولكن مع إخوانهم وبني وطنهم. إنهم يتقوون لذلك بدماء الشهداء
وأرواح الأبرياء. ويقدمون أقبح الذرائع لأخس الأعداء كي يريقوا من دماء من
لاناقة لهم ولا جمل في تلك الحرب الضروس التي أقيمت في غير ميدانها. وفي
غير زمانها ومكانها. وسوف يحاسب الله الذين أشعلوا نارها. قبل أن يحاسب
فجرة إسرائيل علي نتائجها.

إن الله لم يبح القتال بين من بلغ بهم الضعف ما بلغ بأهل غزة. وبين
تلك القوة الخرقاء التي امتلكها هؤلاء الفجرة الذين لا يرعون في مؤمن إلا
ولا ذمة. حتي يعدو لهم من القوة ما يكافيء مستوي أعدائهم أو يقلم خطرهم.
وحكم المواجهة عند عدم التكافؤ واضح في أقوال الفقهاء. وهو ما يستفاد من
قول الله تعالي: "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا. فإن يكن منكم
مائة صابرة يغلبوا مائتين. وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله".
فجعل المقاتل من المؤمنين باثنين من الكافرين فإن زادوا عن ذلك يجب تغليب
الحكمة حتي لا تهلك نفوس المؤمنين في معركة غير متكافئة فيخسروا أرواحهم
قبل أن يخسروا أرضهم. أما المكابرة فإنها مرفوضة في شرع الله.

لقد بدا اسماعيل هنية في ساعة ما من أيام القصف علي الشاشة أمام
الناس. وأعلن عليهم أنه ورفاقه ليسوا متمسكين بالحياة حتي ولو هلكت غزة
كلها. فبالله هل هذا منطق حرب وجهاد. أم منطق انتحار وإجهاض للقوة قبل أن
تنضج لتقوي علي مقاومة الأعداء؟ اللهم أصلح أحوال المسلمين وعقولهم يارب
العالمين.

سلمـِِـِـِـــت يــَـَـَــداكـِـِــِ

ع ـلـًـٍـًـٍـى هـً ٍـًا الـطـَـَـَــرح الِـَـِـَـِ ـِـَـِـََـَـَـراقــُـُــي

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

ليس في الأزهر الشريف ما يسمي "جبهة
علماء الأزهر" فقد كان ذلك العنوان اسما لجمعية خيرية تختص بتقديم الرعاية
الاجتماعية لبعض أعضائها من خريجي الكليات الأزهرية الذين يحتاجون لتلك
الرعاية وتيسير الحصول علي بعض السلع الغذائية عندما اشتدت الحاجة إليها
وقت الحروب التي خاضتها مصر من أجل القضية الفلسطينية وعلي الأخص بعد حرب
1967 حتي لا يقف هؤلاء الخريجون في طوابير الحصول علي تلك السلع فيخلّوا
بوقار الزي الشريف الذي يرتدونه ولم يكن من ضمن نشاط تلك الجمعية ان يمارس
أعضاؤها نشاطا فكريا أو علميا أو غير ذلك من الأنشطة المتصلة بالعلم أو
بالفقه أو بالافتاء لكن بعض المتطلعين للشهرة أو ذوي المآرب السياسية أو
الفكرية الخاصة وجدوا في بريق مسمي تلك الجمعية ما يروج لبضاعتهم ويساعدهم
علي تحقيق طموحهم فاعتلوا صهوة الاسم وحولوا مجري نشاطها من توزيع السلع
التموينية والخدمات الاجتماعية إلي إصدار البيانات الرنانة والفتاوي
الصارخة التي لا تنبع من حياد علمي أو خلفية فقهية تؤدي إلي رأي شرعي صحيح
ووضع أولئك النفر أنفسهم وبياناتهم في خدمة كل رأي معارض وتأييد كل اتجاه
ضال وانحرفت الجمعية عن مسارها القانوني الصحيح فلم تعد صالحة لما قامت من
أجله وهو توزيع السلع التموينية ولا ما تحولت له وهو إصدار الفتاوي
والبيانات الدينية التي يوهم مصدروها انها تعبير عن جبهة علماء الأزهر وهي
أبعد ما تكون عن الأزهر وعن علمائه الذين يعتد برأيهم وعن أي جهة فيه وكان
لابد ان يرفع أمرها للقضاء حتي ينظر في أمر ما آلت إليه وما غدت تحدثه من
فتنة وبلبلة بعد ان أصبح ما تصدره من البيانات والفتاوي وقودا لنيران
حارقة اتخذت منها الفضائيات مادة إعلامية شغلت الناس بها فيما لا طائل من
ورائه وما لا صلة للصدق به وقضي بحلها بعد ان حكم أصحاب الهوي بالإعدام
عليها.

أحد المنسوبين لتلك الجمعية التي حكم القضاء بحلها وإلغائها اشتاق
لماضيه في الكذب والإثارة وركوب موجات الشماتة والمعارضة لكل ما هو ديني
صحيح أو وطني شريف فأفتي بصفته أحد أعضاء تلك الجبهة أو بالتحديد تلك
الجمعية بأن الشهيد الرائد ياسر عيسوي الذي قتله ملثمو حماس وهو يدافع عن
حدود بلاده في حرب قائمة فعلا وتستهدف اجتياز تلك الحدود بالمخالفة
للقانون الدولي والداخلي وللأعراف السارية ليس شهيدا كأن الله قد أعطي هذا
الدعيَّ مفتاح الجنة ليحكم بالشهادة لمن يحب ويخلعها عمن يكره وقد صوب
مجمع البحوث الإسلامي في جلسته الأخيرة ذلك اللغط الذي صدر عن هوي وليس عن
علم فأفتي بأن ذلك الرائد شهيد لاشك في شهادته وكان مصيبا فيما قرره ونحن
أول من يؤيده فيه.

قرآن وسنة
عبدالله النجار
انتقل إلي جوار ربه راضيا مرضيا العالم الأزهري الجليل المرحوم بإذن الله تعالي فضيلة الاستاذ الشيخ موسي شاهين لاشين أستاذ الحديث والتفسير وعلومهما بكلية أصول الدين الأم جامعة الأزهر وعميدها الاسبق ونائب رئيس جامعة الأزهر الاسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف وخادم علوم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالتحقيق والتدقيق والتأليف والتخريج والاشراف علي طلاب الدراسات العليا في علوم القرآن والسنة بمصر والعالم العربي والاسلامي فجزاه الله عن العلم وعن الأزهر والاسلام خير الجزاء وألحقه بالجنة مع النبيين والصديقين والشهداء.
لقد بسط الله للعالم الجليل في عمره فاقترب من التسعين أو بلغها وبارك له في أيامه حيث حفلت تلك الأيام بالعمل الدءوب والكفاح الجاد في طلب العلم وتحصيله وتدريسه والتصنيف فيه. وكما أعطاه الأزهر وأفاد عليه من عطائه العلمي أعطي للأزهر وللعلم عمره وحياته ونور عينيه وكان عطاؤه للأزهر وللعلم متميزا كما كان ولازال موضع اعتزاز وفخر وقدوة بين تلاميذه الذين تخرجوا علي يديه ونهلوا من معين علمه. ووجدوا في صدقه واخلاصه للعلم مثلا وقدوة ليس في التدريس والتصنيف وحدهما بل في الجودة والدقة عن القيام بأعمال الامتحانات أو يماثلها من الأعمال الإدارية اللازمة للقيام بالأعمال العلمية والارتقاء بالتخصص العلمي الذي أحبه ووهبه عمره وحياته وفي أول جلسة حضرها لمجمع البحوث الإسلامية بعد فوزه بعضويته باجماع جميع الأعضاء راح كبار تلامذته يتحدثون في حضوره عن معالم حياته العلمية وما كان يتمتع به من المواقف النبيلة التي مازالت محفورة في أعماق قلوبهم. ومن هؤلاء التلاميذ النجباء فضيلة الامام الأكبر شيخ الأزهر الاستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي. والعالم المفكر الجليل فضيلة الاستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف وغيرهما من أكابر علماء العصر الذين يدلون علي حسن عطاء الراحل العظيم وجودة غرسه العلمي. ومنبته الخصب المعطاء وإذا كان لكل شخصية معلم يدل عليها وتتحدد ملامحها من خلاله فإن للعالم الراحل الجليل معلمين بارزين في شخصيته الفزة أولهما: قوة العزيمة وصلابة الموقف فيما يراه حقا. أو يتوقع فيه أدني خطر علي الدين مهما كانت الآثار المترتبة علي جهره بما يراه بل حتي ولو كان مصادما بموقف من بيدهم مقاليد أموره ومهما كانت تبعات رأيه. ولهذا لم يتردد في إعلان رفضه للتعديلات التي اقترح ادخالها علي قانون الاحوال الشخصية بالقانون 100 لسنة 1985. وكان وقتها نائبا لرئيس جامعة الأزهر وكتب ما يعبر عن رفضه بالقناة الاعلامية المباحة في ذلك الوقت لمثل هذا الرأي المعارض وهي مجلة "الدعوة" التي كان يصدرها الاخوان المسلمون وعزل من منصبه بعد نشر رأيه المعارض للقانون في عدة مقالات بتلك المجلة:
وثانيهما: الصبر الذي لا يقوي علي تحمله الاكبار المؤمنين دون أن ينال منهم الجزع أو يؤثر فيهم وقد فقد عددا من أعز أقاربه إلي قلبه في حادث سفر كان يجمعهم جميعا إلي دمياط ولولا اجادته للسباحة للحق بهم. وعاد بعد ذلك الحادث المؤلم قويا كأنه لم ينزل به سوء ومآثر الشيخ وسجاياه كثيرة تشهد له بالصدق وترقي به إلي عليين.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

النائبان اللذان رفعا أحذيتهما في مجلس
الشعب لا يجوز ان يبقيا فيه لحظة ويجب طردهما من المجلس إلي غير عودة حتي
يكونا عبرة لغيرهما وحتي لا يكون سلوكهما المشين قدوة للاجيال التي
احزنتها تصرفهما من خارج المجلس لانهما حينما رفعا حذاءهما لم يرفعاه في
وجه أحد سوي أبناء الشعب الذي وثق فيهم وأعطاهما صوته ليكونا ممثلين
صالحين له تحت القبة وما فعلاه إنما يعبر عن فكر متهور وأعصاب تالفة وتصرف
منفلت لو ترك وشأنه لرسخ في سلوك الناس والشباب ألوانا قبيحة من مثله ولم
تعد ساحة الحياة الاجتماعية تحتمل المزيد من تلك التصرفات الجهولة العنيفة
التي تدل علي الاستبداد في الرأي واحتقار المخالفين لهم فيما يريدون فرضه
علي الآخرين ليس بالحجة الواضحة أو الاقناع الرصين ولكن بذلك التصرف
البذيء الذي يخلوا من الأدب ويتجرد من كافة ألوان اللياقة والاحترام
ويخالف أحكام الدين وأخلاق المؤمنين.

إن هذين النائبين لن يكونا أفضل من أشرف خلق الله سيدنا محمد صلي
الله عليه وسلم حين ووجه من قومه بالتحدي والمقاطعة والسباب والشتائم
والادعاءات الكاذبة والشائعات الوقحة فانه مع كل ذلك وغيره لم يجادلهم إلا
بالتي هي أحسن أعمالا لما أرشده إليه ربه حين قال له "وجادلهم بالتي هي
أحسن" وحين قال له "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" ذلك فيما
بينه وبين المناوئين له في الدين والمحاربين له في العقيدة فما بالنا
بأخوة الوطن والهدف والرغبة في الاصلاح ممن يشاركون هذين النائبين في
عضوية المجلس التشريعي؟ إن الله -تعالي- قد رسم للحوار معهم طريقا آخر
ذكره في كتابه الكريم حين قال "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي
أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين
صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" وهذان النائبان لم يلتزما بذلك التوجيه
القرآني الواضح ولكنهما فعلا شيئا إداً بعيدا عن هديه ومناهضا لما أمر به
رغم ما يتشدقان به من الحرص علي أعمال مبادئ هذا الدين العظيم ورفع
شعاراته تحت القبة.

ان الشعب لم يطلب من هذين النائبين ان يصلحا الكون بل ولم يطلب منهما
الشارع الحكيم ذلك وليس المطلوب منهما أكثر من ابداء رأيهما فيما يريان
انه الصواب دون إلزام بما يقولانه أو إكراه الباقين عليه وذلك ما يفيده
توجيه الله لنبيه حين قال له "فذكر إنما انت مذكر لست عليهم بمسيطر" وحين
قال له "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" وكان حسبهما من شرف
النيابة عن الشعب ان يقفا عند هذا الحد ولا يثريب عليهما إذا لم يؤخذ
برأيهما أو إذا حدث ضرر من عدم اتباعه وذلك لقول الله تعالي "فاتقوا الله
ما استطعتم" وليس من بين ذلك التوجيه القرآني رفع الأحذية أو ذلك الغرور
الذي يبدو في ثنايا ما يقولانه اطردوا هذين النائبين.

رائع بارك الله فيك وشكرا على هذه المعلومات القيمه

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

الطمع في أرض سيناء قديم جديد من هواة
البلطجة السياسية في التاريخ المعاصر. فأرضها مترامية الأطراف واسعة
المساحة وتحتل موقعاً متميزاً علي الممرات والحدود المائية التي تصلها
بكافة بقاع الدنيا. بل وتسمح لها بالتحكم في الممر المائي العالمي "قناة
السويس". كما تتمتع بموارد معيشية ضخمة تتراوح ما بين صناعية وزراعية
وسياحية وغيرها. كما تمثل مصدراً ثرياً لعدد من المعادن والكنوز المدفونة
في بطنها. وهي مع تلك المميزات الفريدة. والاتساع الكبير تكاد تخلو من
السكان. ولا تتمتع بما يجب أن تلقاه من الاهتمام الذي يوثق عري التحامها
مع أرض الوادي. وقد ظلت الجهود الرامية إلي تعميرها وإغراء السكان للعيش
فيها تسير ببطء وعلي استحياء ولا تتفق مع المخاطر المعلقة علي تركها شبه
خالية وعلي هذا النحو الذي يغري الطامعين فيها - أو علي الأقل - يجعل
وجودها ضمن التخطيط لإجهاض القضية الفلسطينية من الحلول المطروحة أو التي
تغازل خيال أولئك الطامعين وتداعب أحلامهم.. وإذا كان أمر تعمير سيناء
فيما مضي أمراً مطلوباً لزيادة الدخل الاقتصادي أو تحسين أوضاع أولئك
الذين يتزاحمون علي أرض الوداي. فإنه في ظل ذلك الوضع الذي يغري بالطمع
فيها قد أصبح مطلباً أولياً لحماية الأمن القومي والحفاظ علي أرض مصر
وحمايتها من كل طامع وغاز. وقد عشنا مرارة الإحساس باقتطاعها من أرض مصر
عندما احتلت من إسرائيل وسمينا العام الذي سقطت فيه عام النكسة. وظلت
كرامة المصريين مهيضة وعزتهم مجروحة حتي تم استردادها بدماء الشهداء التي
جرت علي ربوعها أنهاراً في حرب السادس من أكتوبر المجيدة. وبالجهاد
القانوني المرير لاسترداد طابا.

وإذا كان تعمير سيناء قد أصبح المفتاح الأساسي لحماية أمننا القومي.
يكون ذلك التعمير من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله. بل لا أبالغ إذا
قلت: إن كل من يفضل العيش علي أرض سيناء من الأفراد يعتبر بذلك العمل
مجاهداً في سبيل الله وحماية أرض بلده. ويجب أن تتضافر الجهود الفردية
والعامة لتحقيق تلك الغاية النبيلة. وقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد أن
قطع الأودية من ألوان الجهاد التي تكتب لأصحابه أفضل أنواع الثواب من الله
سبحانه. وهذا ما يفيده قوله تعالي: "ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من
الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه. ذلك بأنهم
لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئاً يغيظ
الكفار. ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح. إن الله لا يضيع
أجر المحسنين. ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب
لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون. وما كان المؤمنون لينفروا
كافة..". فجعل هذا القول الكريم قطع الأودية بالإسكان والتعمير مساوياً
للإنفاق في سبيل الله وتحمل المشاق من أجل الدين كالجوع والعطش والتعب.
والمواطن التي تغيظ الأعداء. وتنال منهم. ومن ثم كان تعمير سيناء جهاداً
حقيقياًَ في سبيل الله يجب علي المصريين جميعاً أن يبادروا إليه ليفوزوا
بثوابه.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

يدفع المسلمون اليوم ثمن التقصير الذي
قام به بعض أسلافهم القريبين في مجال الدعوة إلي الله. أو قل تحديداً
الانحراف بأسلوب الدعوة الإسلامية ومبادئها إلي عكس ما كان يجب أن تسير
فيه. وذلك حين ظلوا ردحاً طويلاً من الزمان يزهِّدون الناس في الدنيا
ويقيمون جسوراً من العداوة والخصام بين المسلمين والحياة. حتي صوَّروا لهم
أن الدنيا تعادي الدين. وأن من يريد وجه ربه ويفوز بالآخرة عليه أن يطلق
الدنيا ثلاثاً إلي غير رجعة ويظل قابعاً في خلوته إلي أن يدخل القبر فيعيش
حياة البرزخ. ثم ينحدر بعد برهة منها إلي الجنة. فيعيش فيها من غير كدي
قعد عنه في الدنيا. أو عجز أن يحقق فيها ما يريده. أو قعد عنه باختياره
زهداً في الدنيا ونفرة منها. ويستمتع بما هو أعظم من النعيم الذي استمتع
به عشاقها في العاجل. ويعيش مع فواكه الجنة وشرابها. ومع حور العين
وغلمانها وقصورها. وكانت تلك هي الصورة الشوهاء التي حددها العلماء لمسار
الدعوة. فأقام المسلمون بينهم وبين الدنيا خصاماً وعداء. وفضلوا الجهل مع
التوكل عن الأخذ بالأسباب مع العلم. وآثروا الفقر علي الغني والمرض علي
الصحة. والمهانة علي العزة. ولما هانوا علي أنفسهم هانوا علي كل العالمين.
وأصبحوا أمواتاً وهم أحياء حتي قال أعداؤهم عن بلادهم: انها تركة الرجل
المريض ووزعوها علي أنفسهم ونال اليهود فيها قطراً أصبح مصدر غم لهم إلي
يوم الدين إن ما يحدث للمسلمين اليوم في غزة والعراق وفلسطين وأفغانستان
وغيرها من البلاد التي استحوذ عليها الطامعون والظالمون. إنما هو نتاج
طبيعي. وثمرة عادية لما أدخله كثير من الدعاة علي الغش في الدعوة فأضاعوا
الدنيا من أيدي المسلمين. ورموا بهم في أتون الفقر والجهل والذل والتخلف.
وجعلوهم ملطشة لكافة المجرمين في الأرض. وما أظن ان هؤلاء الدعاة قد فعلوا
ذلك عن فهم صحيح أو تجرد خالص. ولكنهم فعلوه لمآرب باتت كلها تصب اليوم في
صالح اليهود وجميع المجرمين في مناحي الكرة الأرضية. إن الدنيا هي أساس
الدين. نعم! الدنيا هي الميدان الذي يحتوي مباديء الدين ويجري تطبيقها
فيه. لكي ترتقي الدنيا وتسعد ويهنأ الإنسان ويرقي ويسود. ويكون خليفة لله
في أرضه. وفي الدنيا ينجح المرء ويفوز بالآخرة وفيها أيضاً يخفق ويرمي به
إلي النار بعد أن يخسر دنياه فيذل دينه ويهين نفسه. لقد ضاعت الدنيا من
أيدينا. فأريقت دماؤنا ونحن في عجز عن دفع ما يريقها. واستهانت بنا حثالة
الأمم ونحن غير قادرين علي دفعها. لقد أصبحنا أقل الأمم علماً وأكثرها
جهلاً ومرضاً. وأعظمها ذلاً وفقراً وباتت الأمور عندنا كلاماً من غير فعل.
وشعارات من غير مضمون. وغوغائية فارغة تخطف العاجل من توافه الحياة وتركب
المشاعر. ولا يتطاول نظرها إلي أكثر من وضع أقدامها. لقد ضيع المسلمون
الدين حين أضاعوا الدنيا. حين فرطوا فيما رسمه الشارع لمن يريد النجاح في
حياته حين قال سبحانه: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك
من الدنيا". وقد جاء في الأثر الصحيح: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً.
واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". لقد ضاعت الدنيا من المسلمين فاستحقوا أن
يخسروا دنياهم ويترعوا من بحار الذل حتي يفهموا دينهم علي نحو صحيح.

شكرا لك اختى على الموضوع بارك الله فيك

بصراحه احلى منتدى وبيقدملنا الجديد قبل اى منتدى تانى
م الاخر المنتدى دة احلى منتدى نمرة واحد
فرح الاصل والباقى تقليد

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

أصدر البيت الأبيض الأمريكي بيانا حزينا
نعي فيه للمجتمع الدولي رحيل القطة "إنديا" الخاصة بابنتي سيادة الرئيس
جورج بوش باربرا وجينا. وقال البيان الحزين إن القطة الفقيدة كانت سوداء
ذات شعر قصير. وقد رحلت عن ثمانية عشر عاما يوم الأحد الماضي 4/1/2009
بمقر إقامتها بالبيت الأبيض. وأضاف البيان أن المحروسة الكريمة باربرا
ابنة سيادة الرئيس جورج بوش كانت في التاسعة من عمرها الميمون حينما قررت
إطلاق اسم "إنديا" علي القطة الراحلة. وذلك لإعجابها باسم لاعب سابق
للبيسبول. كان مفضلا لديها فأطلقت اسمه علي القطة الفقيدة.

ونحن إذ نشارك البيت الأبيض الأمريكي وسيادة الرئيس جورج بوش وابنتيه
الكريمتين حزنهما لوفاة تلك القطة من منطلق ما يطالبنا به ديننا الإسلامي
الحنيف من الرفق بالحيوان والمحافظة علي حياته وضمان ما يقيم تلك الحياة
من المأكل والمشرب وحق التنقل بحثا عن رزقه من خشاش الأرض حتي أن امرأة
دخلت النار بسبب ما قامت به من تقييد حركة قطة بالحبس واجاعتها. ولم
تتركها علي سجيتها لتبحث عن رزقها. وذلك وفقا لما أخبر به الحديث الصحيح:
"دخلت امرأة النار في هرة حبستها. فلا هي أطعمتها. ولا هي تركتها تأكل من
خشاش الأرض". وأن ما قام به البيت الأبيض وسكانه يعد من قبيل الرفق
بالحيوان وتحديدا تلك القطة الراحلة. ولهذا يحق لهم أن يحظوا بمشاركة
المسلمين لهم في هذا الحادث الجلل الذي أحزن سيادة الرئيس جورج بوش
وابنتيه الرقيقتين باربرا وجينا. وندعو الله أن يؤجرنا علي هذه المشاركة
وأن يرزقنا حب الحيوان والرفق به. وأن يلهم فخامة الرئيس جورج بوش وأسرته
الكريمة الصبر والسلوان علي هذا الحدث الجلل والخطب الذي نزل.

أقول: إلا أننا ونحن نشاركهم العزاء في مصابهم نعجب لهذه الشفقة
العوراء. وتلك الرحمة الشوهاء التي جعلت الرئيس الفخيم وابنتيه والبيت
الأبيض يحزنون لوفاة قطة. ولا تتحرك مشاعرهم الإنسانية الرقيقة هذه. لتلك
الدماء التي تسيل علي أرض غزة ويضيع ضحيتها أطفال أبرياء ونساء قعيدات في
بيوت لم تسلم من القصف والهدم بالقنابل فوق رءوسهن. وشيوخ لا يملكون من
أمرهم شيئا. ومرضي يموتون في المستشفيات وهم يشكون لربهم ما فعله ويفعله
بهم ذلك الرئيس الذي انفطر قلبه حزنا علي وفاة قطة. وذلك حين حرَّض
الإسرائيليين علي إنزال ما فعلوه بأهل غزة من تلك الحرب الإجرامية البليدة
التي أهلكت الحرث والنسل وأنزلت الفساد بكل ما هو موجود علي ظهر الأرض.
ألم يكن أولي بالرئيس الأمريكي جورج بوش وابنتيه أن يحزنا لصورة تلك
الطفلة التي بثتها وسائل الإعلام وهي ميتة تحت الأنقاض التي تهدمت فوقها
ولم يظهر منها إلا ملامح وجهها الذي أهلكه الموت والفزع؟. أليس الإنسان
العربي والمسلم بحاجة إلي ذرة من تلك الرحمة الشوهاء المفرطة في غير
موطنها والمفقودة فيما يجب أن نظهر فيه؟. وإذا لم تكن هذه بلادة أو
انقصاما في الرؤية. فماذا عساها أن تكون؟. نسأل الله اللطف.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

حدد الله تعالي المطلوب من عباده بأسلوب
الطلب الذي يفيد اتيان الفعل أو تركه. وقد تنوع أسلوب الطلب في القرآن
الكريم علي نحو أدي بالفقهاء والأصوليين إلي وضع علامات لكل نوع من أنواع
الطلب يمكن معرفته بها. ومن ذلك مثلاً ان طلب الفعل الجازم يكون بالأمر
الصريح. وطلب الكف الجازم يكون بالنهي الواضح. لكن الأمر في كثير من
أحواله قد لا يفيد الوجوب وذلك في حالة ما إذا قامت قرينة تصرفه عن ذلك
الطلب الواجب إلي غيره. وذلك كما في قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا إذا
تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه". فقد أمر الله بكتابة الدين في
المعاملات التي تجري بين المتعاملين وذلك لتوثيق الديون وحفظاً لها من
الجحود. وقطعاً لدابر النزاع عليها مستقبلاً. لاسيما إذا كانت مما سيستحق
بعد فترة من الزمان يمكن أن يتغير فيها بنو الإنسان ويعتري ذاكرتهم خط من
النسيان. لكن ذلك الأمر مصروف عن ظاهره وهو الوجوب. ليكون أمرإ رشاد
وتوجيه ودليل ذلك ان الله قد أباح لنا تركه بقوله تعالي: "فإن أمن بعضكم
بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه". ولو كانت كتابة الدين
واجبة لما حدث العدول عنها بتركها عند ثقة كل واحد من المتعاملين في
الآخر. ومن ذلك قوله تعالي: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن
أراد أن يتم الرضاعة". فإن الأمر بالرضاعة في الآية الكريمة لا يفيد
الوجوب وهذا ما انعقد عليه إجماع علماء الأمة. وذلك وفقاً لما حكاه أبو
بكر الجصَّاص في كتابه القيم "أحكام القرآن". وابن العربي في كتابه الفائق
"أحكام القرآن" وغيرهما. فقد حكوا هذا الاجماع. وقال الجصَّاص: اتفق
العلماء علي انه لا يجب علي الزوجة الارضاع. ومما يدل علي ذلك قوله تعالي:
"فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن". ولو كان الارضاع واجباً عليها لما استحقت
عليه أجره. لأن المكلف إذا لم يفعل الواجب فإنه يأثم بتركه. وقوله تعالي:
"وان تعاسرتم فسترضع له أخري". فإن هذا القول الكريم صريح في انه لا يجب
علي الأم ارضاع طفلها. وان الأمر في قوله تعالي: "والوالدات يرضعن
أولادهن". محمول علي الندب.

وقد تتبعت كثيراً من أوامر القرآن الكريم ونواهيه فلاحظت علامة فارقة
لبيان نوع الطلب من الأمر القرآني الكريم. وهذه العلامة تقول: ان كل ما
يتعلق بالغريزة والجبلة من الأوامر محمول علي غير الوجوب كالتعليم
والارشاد أو الندب والاباحة وغيرها. وذلك لأن داعي الطبع يغني عن التشديد
في خطاب الشرع. ومن ذلك الأمر بالأكل والشرب. أو النكاح أو أخذ الزينة أو
ارضاع الأم لولدها وأمثال ذلك. وما يتعلق بمقاومة هوي النفس وانحراف الطبع
وشذوذ السلوك يحمل علي الوجوب في حال الطلب وعلي التحريم والحظر في حال
النهي والله تعالي أعلي وأجلُّ وأعلم.

قرآن وسنة
د. عبدالله النجار
من مباديء التشريع الإسلامي: ان الإنسان
لايدخل تحت اليد. ومعني هذا المبدأ: أن بني آدم لايجوز أن يكونوا محلا
للبيع أو الشراء. لان المعاملات لاترد الا علي الأشياء والانسان ليس شيئا
وانما هو قيمة أودع الله فيها سره ونفخ فيها من روحه. ولايوجد من خلق الله
من يقدر علي شراء تلك القيمة الفذة أو يتملكها سوي خالقها وبارئها سبحانه
وتعالي.

ومبدأ الارتفاع بالانسان عن مجال التعامل ليس مقررا في الاسلام وحده.
بل هو مبدأ ديني في كل شرائع السماء ولذلك فإن الذين يحيدون عنه
ولايحترمون وجوده لايمكن ان يكونوا من اتباع أي دين. لانهم لو كانوا
يتبعون أي دين من الأديان لما استباحوا لانفسهم ان يتاجروا في البشر. أو
ان يجعلوا منهم اشياء تكون محلا للبيع والشراء. بل ولقدسوا كرامة الانسان
التي أثبتها الله له حين قال في محكم كتابه: "ولقد كرمنا بني آدم" ويبدو
من قسوة جريمة المتاجرة بالبشر. أنها ليست جريمة عادية. بل هي جريمة مركبة
تتواثب فيها الآثام. كما يتواثب العفن من الرميم. وهي بهذا التركيب. بل
والتعقيد تقطع بان فاعلها لايمكن ان يكون من أهل الاديان. وإنما هو من
عبيد الشيطان. بل ان الشيطان نفسه ليخجل مما يفعله أولئك الذين يتاجرون في
البشر. إنهم يدخلون علي الانساب ما ليس منها ومن المعلوم ان الانساب تعتبر
من مقاصد الأديان الضرورية التي لاتستقيم حياة البشر بدونها. فإن كل انسان
يريد ان يطمئن الي أن الولد الذي ينسب إليه ويحمل اسمه من صلبه هو. وليس
من صلب غيره. لانه هو الذي سيرث ماله. ويحمل اسمه ويخالط زوجته وبناته. اي
انه سيكون عاصبا لهم. ولو كان أنثي فإنه سيكون موئلا لعرضه وشرفه. وسيخالط
أولاده الذكور. وهذه الأمور كلها مما تتعلق به الأحكام الشرعية الآمرة
التي لايجوز لأحد أن يخالفها. ولهذا اوجب الشارع سبحانه في القرآن الكريم
ان ينسب كل ولد الي ابيه الحقيقي الذي ولد له ولايجوز نسبته الي احد غيره
وذلك في قوله تعالي : "ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فإن لم تعلموا
آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" وحذر النبي صلي الله عليه وسلم من
يدخلون علي الناس ابناء ليسوا من أصلابهم أو من ارحامهم. وذلك فيما صح
عنه انه قال: من ادخل علي قوم من ليس منهم فقد برئت منه ذمة الله ورسوله.
ومن احتجب عن ولده أو انكره وهو ينظر اليه احتجب الله عنه يوم القيامة
وفضحه علي ملأ الاشهاده والاخطر من ذلك سرقة الاطفال او خطفهم بقصد
الاستيلاء علي اعضائهم وبيعها لمن يدفعون ثمنها الذي لاشك أنه ثمن بخس
حرام. ان كل عمل يستهدف التزوير في نسب الأطفال أو بيعهم أو بيع اعضائهم
وقتلهم يمثل جريمة يخجل منها الشيطان وتتعفف عنها الحيوانات ويجب عقاب
هؤلاء المجرمين بما يلائم جرائمهم.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

تعددت وجوه الخطاب في القرآن الكريم علي
نحو قد يصعب علي البعض استيعابه أو فهم مراميه. فإذا ما عرض لأحدهم أمر لا
يفهمه. فإنه لا يتهم نفسه بالعجز أو لا يعطي الكتاب الكريم حقه من التميز
والشموخ. ولكنه يتهمه بالتناقض والقصور أو الاختلاف والتضارب. وهذا الباب
الأخير هو الذي شاع وراج من جهة ان أساليب القرآن الكريم متعددة. وأن وجوه
الخطاب فيه غير متناهية في إعجازها وبلاغتها. ولهذا فإنه قد يعبر عن أمر
من أموره بطريقة. ثم يعبر عنها نفسها بطريقة أخري. أو ثالثة أو رابعة وفي
كل طريقة يختلف أسلوبه مبني وان كان اتحاد المعني لا يعتريه شك. إلا انهم
يغالطون ويلحقون المعني بالمبني في الاختلاف. ثم يتهمون القرآن الكريم
بالتناقض في خبره حاشا لله سبحانه ان كلام العقلاء العاديين من الناس لا
يعتريه اختلاف فما بالنا بكلام الله أصدق القائلين وأحكم الحاكمين
سبحانه؟. وصدق الله العظيم حين قال: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند
غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً". ومع ذلك فإنه قد يقع للمبتدي
اختلاف موهوم فيه. وليس منه. وهذا الاختلاف الموهوم يحتاج إلي ما يزيله
ويبين الجمع بين ما في الآيتين أو الآيات من تعارض موهوم. وقد الف في هذا
الباب عالم نحوي كبير يعد أول سابق فيه هو الامام "قُطُرب" أستاذ سيبويه
العالم النحوي الشهير. واسم الامام قطرب: أبو علي محمد بن المستنير. من
البصرة وتوفي سنة 206 ه. أي بعد وفاة الامام الشافعي بعامين وله كتاب في
هذا العلم سمَّاه: الرد علي الملحدين في تشابه القرآن العظيم. ضمنه كثيراً
من تلك الأمثلة التي قد يقع فيها هذا اللون من التعارض الموهوم. وقد
استفاد مما كتبه كثيراً العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسيره
للقرآن الكريم. حيث أسبغ عليه من أسلوبه الواضح البديع ما زاده بياناً.
وأزال ذلك التشابه بأسلوب يفهمه المستمع البسيط قبل المتخصص من أمثلة ذلك
التعارض الظاهري قول الله تعالي: "وإذ وواعدنا موسي أربعين ليلة ثم اتخذتم
العجل من بعده وأنتم ظالمون". سورة البقرة وقوله تعالي: "ووادعدنا موسي
ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر. فتم ميقات ربه أربعين ليلة". سورة الأعراف .
ففي سورة البقرة قال: "وإذا واعدنا موسي أربعين ليلة". وفي سورة الأعراف
قال: "وواعدنا موسي ثلاثين ليلة". وهذا قد يوهم التعارض. لكنه خال منه.
لأن آية الأعراف قد جرت بما استقر وهو ان الوعد كان ثلاثين ثم أتم بالعشر
فصار أربعين كاملة. وقد اخبرت سورة البقرة عنه بتمامه بعيداً عن تفصيلات
تدرجه وتمامه. لأن بيان ذلك لم يكن ضرورياً فيها إذ الغرض بيان مدة بعد
موسي عنهم وانحرافهم إلي عبادة العجل وانها مدة قصيرة لا تتجاوز أربعين
يوماً.

ومن ذلك قوله تعالي: "لا أقسم بهذا البلد". وقوله تعالي: "وهذا البلد
الأمين". وأخبر في الآية الأولي انه لا يقسم بهذا البلد. وفي الثانية أقسم
به مع التين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين. والواقع ان "لا" زائدة
وفقاً لما جري عليه العرف اللغوي للعرب. حيث يدخلون لاويلغون معناها. ومن
ثم فلا اختلاف.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

عطفاً علي ما قلناه في مقال الأمس عما
يوهم التعارض في القرآن الكريم ظاهراً. وهو ليس بمتعارض حقيقة وما أوردنا
من أمثلة لذلك نضيف إليها:

قال الله تعالي: "ثم لم تكن فتنتهم إلا ان قالوا والله ربنا ما كنا
مشركين". وقال سبحانه: "يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوي بهم
الأرض ولا يكتمون الله حديثا". ففي الآية الأولي: قالوا والله ربنا ما كنا
مشركين. وفي الآية الثانية: ود المشركون لو تسوي بهم الأرض بسبب ما كتموا
من أحاديثهم لله. وبين القول والكتمان ما يوهم التعارض. والواقع انه لا
تعارض. لأنهم لما رأوا يوم القيامة ان الله يغفر كافة الذنوب إلا الشرك.
أنكره المشركون رجاء ان تسقط عنهم ذنوبهم ولهذا قالوا: والله ربنا ما كنا
مشركين. فاعترفوا في هذا الموقف بالله وأقسموا به. فختم الله علي أفواههم
وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعندئذ اعتراهم من الخجل ما جعلهم
يتمنون لو تسوي بهم الأرض. ولا يقفون هذا الموقف أمام مالك الملك ورب
العالمين سبحانه. ومن تلك الأمثلة: قول الله تعالي: "فإذا نفخ في الصور
فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون". وقوله تعالي: "وأقبل بعضهم علي بعض
يتساءلون". فنفي تساؤلهم في الآية الأولي. وأثبته في الآية الثانية. وهذا
قد يوهم التعارض. والواقع انه لا تعارض. لأن الجهة منفكة بين نفي التساؤل
ووروده. فقد جاء موطن النفي عند النفخ في الصور وهو موقف فيه من الفزع
والرهبة ما يجعل عقل الحليم فارغاً من أي تركيز. ومن ثم فلا مجال
لافتخارهم بأنسابهم أو استنجادهم بها. ولا مجال لأي كلام أو تساؤل. فلما
نُفخ في الصور مرة أخري زال ذهول الاستغراب من أول نفخة. وقام الخلق
ينظرون ثم أقبل بعضهم علي بعض يتساءلون. فالمواطن مختلفة والجهة منفكة.
وحيث انفكت الجهة فلا تعارض.

ومن ذلك قوله تعالي: "قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين
وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها
وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام. سوآء للسائلين. ثم استوي إلي السماء وهي
دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا اتينا طائعين فقضاهن سبع
سماوات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح
وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم". وقوله تعالي: "أأنتم أشد خلقاً أم السماء
بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها
أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعاً لكم ولأنعامكم". فهل خلقت
الأرض أولاً. كما تقول الآيات الأولي. أم خلقت بعد خلق السماء كما يفهم من
ظاهر الآيات الثانية؟. والواقع انه لا تعارض لأن الأرض خلقت قبل السماء
كما أخبرت الآيات الأولي. وأما قوله تعالي: "والأرض بعد ذلك دحاها". أي
أتم لوازم الحياة والمعيشة فيها من الجبال والبحار والأنهار والأشجار ومن
ثم فلا تعارض. صدق الله العظيم.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

أشعر بالخجل الشديد من نفسي ومن واقع
زماني المر كلما استمعت إلي الصديق العزيز أحمد عبدون مقدم برنامج
"المسلمون يتساءلون" علي إحدي الفضائيات وهو يصف إحدي السيدات ممن اعتاد
استضافتهن بصفة شبه مستديمة بأنها فقيهة العصر. وأقول في نفسي: سبحان الله
هل هان العلم والفقه في عصرنا الهزيل هذا لتكون تلك السيدة فقيهة عصرنا
وهي لاتستطيع أن تقرأ آية قرآنية أو حديثاً نبوياً قراءة عربية صحيحة تخلو
من الاخطاء النحوية أو اللغوية أو اللفظية حتي انها تنطق بعض ألفاظ القرآن
الكريم نطقاً خاطئاً ومن قبيل ذلك إنها قرأت ذات مرة قوله تعالي:
"فاستبقوا الخيرات" ليس بكسر الباء من التسابق في الخيرات. بل بسكونها
ليتغير المعني ويكون من الاستبقاء أو الاحتفاظ بالخيرات وهو مالا يتفق مع
"معني الآية" أو سياقها. ولا مع النطق الصحيح الذي تواتر به وصول القرآن
الكريم إلينا. فهل يقبل عاقل أن تكون تلك السيدة التي لاتستطيع أن تقرأ
آية كريمة قراءة صحيحة فقيهة العصر؟ وهل هان العصر. وهان الفقه إلي هذا
الحد مع ان ماتقوله ليس من الفقه وإنما هو في الحلقات التي تستضاف فيها
نوع من الكلام الذي يعبر عن وجهة نظرها المريضة أكثر مما يتصل بالفقه
الإسلامي أو يتعلق بمبادئه الصحيحة.

إننا نعيب علي فوضي الفضائيات أنها قد قدمت عدداً من الوجوه المتسلقة
علي أشجار العلم دون أن تكون قد شربت قواعده من الجذور. ولذلك فإنهم
يزعجوننا بجملة من الأقوال المضطربة والتهارج المقيت. ويبدو الواحد منهم
وهو يتحدث منتفخ الأوداج كأنه قد أوتي علماً لم يؤته احد قبله ولو كان
هناك انصاف في التعامل وتقدير صحيح لهؤلاء المتحدثين المزعجين لكان من
الواجب ملاحقة هؤلاء المتجاسرين علي دين الله بعقاب تعزيري يليق بهم. وقد
نسينا ونحن نعيب علي هؤلاء الجهال أحوالهم ان بيننا من يحملون شهادات
علمية عالية حصلوا عليها بالتسلق واتباع الاجراءات أكثر من الجلوس أمام
العلماء والانصات. وان تلك المتحدثة قد حصلت العلم من شواشيه وليس من
جذوره بل إنها قد قدمت نفسها للناس ذات مرة وذكرت أنها حصلت علي الثانوية
العامة علمي بمجموع لايؤهلها لدخول معهد فني بالمصروفات. لكن كليات البنات
بالأزهر المعمور كانت قد فتحت أبوابها للراغبات في التعليم الديني ودخلها
كثيرات من هؤلاء اللائي لم تحصلن من أوليات التعليم ما يؤهلهن بفهم صحيح
الدين. وقد صرن أستاذات ومفتيات. وصاحبات نظريات. ومن الواجب علينا إذا
أردنا إصلاح الجو العام للافتاء أن نصلح البيت العلمي من الداخل قبل ان
يزعجنا نقيقه من الخارج.