قرآن وسنة

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

ليس من الصواب أن نفرض الاستضافة علي
الأطفال لصالح الآباء. وليس ذلك مما يوافق هدي الشارع الحكيم أو ما هو
واضح من أحكام شرعه. وبيان ذلك أن فكرتها تبدأ من مصلحة الآباء. فالذين
يدافعون عنها ويطلبونها يقولون إن من حق الأب أن يري ولده. بل وأن يستضيفه
بأسلوب يسمح له بالمعايشة والمصاحبة التي تعبِّر عنها فكرة الاستضافة.
ومصلحة الآباء هنا مصلحة غير معتبرة بجانب مصلحة الأبناء. بل ويجب أن
تتضاءل بجوار مصلحتهم.

وبداية فإن تلك الاستضافة لو تمت بالتراضي والاتفاق بين الأم والأب
لما كان في ذلك مشكلة. وربما كان ذلك هو الأسلوب المتحضر الذي يطلبه
الشارع من كل مطلق لزوجته. إذ هو لا يعدو أن يكون نوعاً من التطليق
بإحسان. كما قال سبحانه: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". ولأن ذلك
الاتفاق سوف يكون بديلاً مقبولاً وقريباً من الحياة التي كان يتعين علي
الابن أن يعيشها كأي طفل يعيش بين أبويه في منزل تظلله الروح الأسرية
بحنانها ودفئها. فإذا لم يتيسر قيام ذلك وأطاح الطلاق بذلك العش الدافيء.
فلا أقل من أن يوجد بديل يقترب منه. والاتفاق بين الوالدين علي رعاية
ولدهما بعد الطلاق قريب منه. ولهذا يتعين المصير إليه. وذلك ما وافق عليه
مجمع البحوث الإسلامية حيث قرر أنه لا مانع أن يتراضي الأبوان علي موضوع
الاستضافة ولا يجوز فرضه بالقانون.

إن فرض الإستضافة بالقانون سوف يشعل سعير الاختلاف بين الوالدين.
ويقدح زناد الانتقام والكيد بينهما. وإذا حدث ذلك سيكون الولد هو الوقود
المنتظر لتلك المعارك المتوقعة في ظل عدم التوافق بين المطلق ومطلقته.
وحصوله علي مكنة رؤية ولده واستضافته دون رضاها وبقوة القانون. وإذا لم
يكن ذلك الأمر وسيلة ممكنة للهروب به خارج ديار القطر. فإنه سيكون مدخلاً
لتأليب الولد علي أمه وتصدير خلافات والديه إلي نفسه وهي واهنة ممزقة من
هول صدمة فراقهما. وليس من مصلحة الولد أن يشحن ضد أمه. لأن لها حق حضانته
شرعاً وقانوناً. وهذا الحق مقرر للصغير علي أمه من منطلق مصلحته التي لا
توجد إلا بجانب أمه في تلك السن. ولهذا جعلها الشارع مرتبة في النساء لما
يزيد علي أربعين قريبة يستنفدن كافة درجات القرابة بفروعها وقوتها في كل
درجة. ولا تنتقل إلي العصوبة من الرجال إلا إذا عدم وجود واحدة من صواحب
تلك الأربعين قريبة. وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم لأم الصغير: "أنت
أحق. ما لم تنكحي". ولا يجوز إهمال ما قرره رسول الله من أجل إرضاء هوي
بعض الرجال.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

لدي بعض الباحثين في مجال الدراسات
الإسلامية عنف شديد في انزال الأحكام الشرعية علي واقع الحياة. وهم يظنون
أن ذلك العنف هو الذي سيصلح الكون. وقد يكون دافعهم لذلك مايرونه من قسوة
كثير من الجرائم التي تقع وذلك التبلد الذي سيطر علي سلوك الناس وافكارهم.
فلم يعد احد يحترم قيمة. ولم تعد هناك خطوط يقف عندها الناس. وصار الخروج
علي القانون والاعتداء علي المسئولين وأولياء الأمور مظهراً من مظاهر
تأكيد الذات لدي كثير من الفارغين وما أكثرهم في هذا الزمان. من مظاهر ذلك
العنف الفكري مايحبذه البعض من تنفيذ عقوبات قطع الرقاب في ميدان عام يراه
جميع الناس رأي العين لمن يرتكبون جرائم بأسلوب فيه قسوة. ولا يرضي هؤلاء
أن يتم التنويه عن تنفيذ الحكم في النشرات الاخبارية أو الصحف اليومية. مع
أن هذا اللون المهذب أو المعاصر من العلانية لو كان موجوداً في عصور
الإسلام الأولي لما تردد الفقهاء في العمل به تنفيذا لمبدأ العلانية الذي
تتسم به عقوبات القصاص والحرابة والحدود.

ومن مظاهر تلك القسوة أنهم لا يجيزون للفتاة التي هتك غشاء عذريتها
أن تصلحه ليصبح مثلما كان. ويرون أن في ذلك تدليساً علي الأزواج وغشاً لهم
وحضاً علي الرذيلة في المجتمع. ولا يشفع لهم في ذلك أن تكون الفتاة قد
أزيلت عذريتها بمرض أو اصطدام غير ارادي بجسم صلب أو خطأ في اجراء جراحة
أو ما إلي ذلك من الأسباب التي لا تدل علي انحراف. وكذلك في حالة ما إذا
اغتصبت أو استدرجها ذئب للاعتداء عليها وهي صغيرة لا تدرك من أمر نفسها
شيئاً. في هذه الحالات وامثالها يتشددون ويقولون ان أمثال هؤلاء الفتيات
يتعين أن يبقين كذلك بثبات لا يرجعن إلي البكارة مهما كانت براءة أسباب
ازالتها. ولايرضيهم أن يقال شيء عن الستر الذي يعد المقصود الأسمي من
اجراء مثل تلك الجراحة. فهذا الستر لايعنيهم. وإنما الذي يعنيهم أن تظل
الفتاة علي حالها معرضة لسوء الظن والقتل الاجتماعي والنفسي في ظل اعراف
وثقافات لا ترحم من تفقد عذريتها بأي سبب حتي ولو كان مما لايد لها فيه
ولا يعبر عن انحرافها. وليس له أدني صلة لسوء السلوك إن الستر علي الناس
من الناس واجب. وستر الناس علي أنفسهم من القاذورات التي يرتكبونها أوجب
فلا يجوز أن يفضح الإنسان نفسه ويهتك ستره بالإخبار عما اقترفه من الفظائع
بعيداً عن أعين الناس. وفي هذا يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "من اتي من
هذه القاذورات شيئاً فاستتر بها فهو في ستر الله. ومن ابدي صفحته عوقب
بها". ويقول "من ستر علي مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة". ويقول: "من
ستر علي مسلم فكأنما أحيا موؤوبة". يريد الرسول عليه السلام أن يستر الناس
علي أنفسهم ويريد المتشددون أن تفضح البنت نفسها ولا تحاول الاستتار عما
اصابها مع أن الشرع لا يلزم إنساناً بأن يفضح نفسه. نعوذ بالله من
المتشددين.

قرآن وسنة
د. عبدالله النجار
الكرة الأرضية بحاجة ماسة إلي من يكنسها لتنظيفها من القاذورات النفسية والسلوكية والقانونية التي خلفها الرئيس الأمريكي السابق بوش بن بوش. فقد ملأ هذا المخلوق الكون حقداً وقذارة. ونشر نتن الفساد في كل اصقاع الأرض حتي جعل منها مزبلة لفضلاته الشريرة وتصرفاته الموتورة. ومغامراته التي أطاحت بكافة القيم التشريعية السماوية والأرضية لقد غير هذا الرئيس منظومة القيم التشريعية في المجال الدولي وداس بقدميه كافة مباديء القانون الدولي وجميع مواثيق حقوق الإنسان. وأسس لجملة من المبادئ العفنة البديلة. ومنها الكيل بمكيالين والتحيز لفئة ضد فئة. والتفرقة بين بني الإنسان علي أساس العقيدة أو الدين أو اللون أو الجنس. أو الدولة. حتي تزاحمت في تصرفاته كل ألوان التمييز بين البشر. لم يحترم للإنسان قيمة. ولم يقف أمام احترام آدمية البشر عند حد. فقتل عدداً لا يمكن أن يحصي منهم وظل يكيد للعرب والمسلمين حتي آخر رمق في رئاسته. وارتكب من الجرائم في حق البشرية ما لم يرتكبه بشر من قبل منذ أن خلق الله الدنيا وحتي يومنا هذا.
إن أخطر ما خلفه ذلك السفاح اللعين تلك الفوضي القانونية التي اخذت تضرب بأطنابها في عدد من أمور حياة الكوكب الأرضي وجعل فقهاء القانون وطلابه في حيرة مما صنعه بالعالم وبالناس. كان العالم يعرف سيادة الدول كأفراد لهم احترامهم في مجال العلاقات الدولية وكانت لتلك السيادة أحكام تمنع اقتحام حرمتها أو أرضيها براً أو بحراً أوجواً. فأطاح هذا السفاح بكل ذلك. ولم تعد لسيادة الدول عنده حرمة. فاستباح لنفسه أن يصول ويجول بأي دولة وينهب من خيراتها كيفما شاء. وأخذ يتطاول علي حكومات الدول. ويوقع بينها وبين شعوبها ويتدخل في تعيين من يراه محققا لاهدافه الشريرة. واستبعاد من يري أنه لا يرضي عن أفعاله ومن القواعد القانونية التي غيرها وعبث بها مبدأ اصلاح الضرر حيث كان يسير علي هدي تشريعي يقضي بأن من أفسد شيئا فعليه اصلاحه. وعلي المخطيء أن يعوضة المضرور. اليوم غير بوش القاعدة فصار يعيث في الأرض فساداً. ويلزم غيره بتعويض ما أفسده. لقد أفسد العراق وحاربه وهدم مرافقه وخرب دياره. وبعد أن أنتهي من فعلته طالب العرب بتعويض العراق عما أتلفه هو. فسن بذلك سنة تشريعية وقحة. وها هي إسرائيل تقتدي بها. لقد خربت غزة في حرب ليس لها مبرر معقول وسبب مقبول. وها هم العرب يعوضون غزة عما خربته إسرائيل.. يجب كنس العالم من زبالة بوش.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار
أخطر ما في الدجل الذي نسمعه في
الفضائيات عن الطب البديل أو الطب الإسلامي أمران. أولهما: أن المتحدثين
فيه يحاولون أن يجعلوا من أساليب الطب البدائية التي لم يتجاوز اكتشافها
عصر المسلمين الأوائل. قانوناً أبدياً للطب الإسلامي.. لا يريدون أن
يتجاوزوه. ويتعاملون معه كما يتعامل الفقهاء مع استنباط الحكم الشرعي من
مصادره التي نزل بها الوحي.. فهم يساوون بين سنة الله في الخلق. وسنته في
التشريع. وكما يُسْتَنبط الحكم من الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة.
يُسْتَنبط كذلك أسلوب العلاج من الكتاب والسنة. ليس في المضمون وحده. بل
في الشكل والمسمي. ومن ثم تجيء المسميات علي هذا النسق. فيقولون: الطب
الإسلامي. أو الطب القرآني. أو ما إلي ذلك من المسميات ذات الصبغة الدينية
التي تغري علي الالتزام بما سبق. والاكتفاء بالقدر القليل الذي اكتشفه
العرب الأوائل من أساليب العلاج ووسائل التداوي عن البحث الدائم والمعاصر
لأسرار الله في الخلق والأبدان حتي يكون مستوي تعاملهم مع الصحة التي تعد
من أعظم ما أنعم الله به علي الإنسان. مساوياً أو مقارباً علي الأقل لما
يتعامل به غير المسلمين في أوروبا أو أمريكا أو غيرهما من بلاد الدنيا.
وتلك القناعة بهذا القدر الضئيل من العلم الطبي. لا تتفق مع ما يدعو إليه
الإسلام من البحث في كون الله. والنظر في النفس. والمحافظة علي الصحة وعلي
النفس. والحياة. والوقوف عندها يوصم المسلمين بالتخلف. ويصم الإسلام بأنه
دين لا يهتم بالصحة ولا يعني بما يقاوم الأمراض التي تهددها إلا بتلك
الصور البدائية الأولي للطب والعلاج. وتحنيط منهجه الطبي عندها دون
استشراف لسواها أو تجاوز لحدودها. ولهذا سُبِقَ المسلمون. وتفوق عليهم
غيرهم. لأنهم نفذوا منهج الإسلام في استمرار البحث والنظر واكتشاف أسرار
الله في النفس والكون. بينما قعد المسلمون عن تنفيذ هذا المنهج الذي
يدعوهم إليه دينهم.

وثانيهما: أن الثقة المطلقة في تلك الأساليب الأولية من العلاج دون
أخذ بما كشفه الله لخلقه من أسراره في أبدانهم وما تطور إليه مستوي
التداوي والعلاج. سوف تؤدي إلي إتلاف النفوس. وإضاعة الفرصة علي من يمثل
مرور الوقت خطراً عليهم. فإذا ما ضيعوه في الانشغال بتلك الأساليب
البدائية. وترك ما تمخضت عنه التجربة الإنسانية في مجال العلم والبحث.
يكون في صنيعهم هذا مجازفة بالحياة وتبديداً للنفس وانتشاراً للأمراض.
وفتحاً لأبواب العوز والذل والخنوع. وذلك ما يؤدي إليه ذلك الدجل الذي
انتشر في الفضائيات مرتبطاً بالتشافي والعلاج بعيداً عن سنة الله في الكون
والخلق. إن هذا الدجل هو العدو الأول لحياة المسلمين.

قرآن وسنة
د. عبد الله النجار

من خصائص تشريع المعاملات المالية في الفقه الإسلامي أن يتوخي قطع النزاع
بين الناس بسبب تلك المعاملات وذلك لحب الناس للمال ورغبتهم في تحصيله دون
التزام بضوابط الحل فيه. وتنازع الأهواء في التعامل به.

ولهذا تجد رغبة البائع غير رغبة المشتري. لأن البائع يريد بيع أبخس
الأشياء بأرفع الأثمان. والمشتري يريد أن يأخذ أنفس الأشياء بأقل الأسعار.
وقل مثل ذلك في كل عقد. حيث يقوم بناؤه علي تعارض مصالح طرفيه. ولهذا جعل
الشارع الرضا أساسا فيه حتي يتم الاتفاق علي تلك المسائل المتعارضة.
والتلاقي عند الحدود المنسجمة مع رضا الطرفين.

وقد رسم الشارع لقطع النزاع في المعاملات طرقا محددة يمكن إرجاعها
بالاستقراء إلي أن يكون الرضا صادرا عن إرادة بصيرة تقف علي مواطن الحسن
والسوء في الأشياء. وأن يتم تحديد نقاط التنفيذ في المعاملات الآجلة
تحديدا تنتفي به الجهالة ويقطع دابر النزاع. وأن يحرص الطرفان علي كتابة
أذكار الحقوق أو سنداتها أو إيصالات الأمانة المثبتة لها حتي لا يحدث جحود
مستقبلي لتلك المعاملات الآجلة فتتصادم الرغبات ويتصارع الأطراف ويتقاتل
الأفراد.

والرضا البصير يعني أن يكون المتعاقد علي شيء يعلم عنه كافة
التفصيلات التي تجعل رضاه صادرا عن علم كامل بهذا الشيء.. فإذا ما كان فيه
عيب خفي لايراه وجب علي الطرف الآخر أن يبينه له. وفي هذا يقول النبي صلي
الله عليه وسلم: "لايحل للرجل أن يبيع لأخيه شيئاً وفيه عيب إلا بينه له"
وإذا كان هذا الحديث يوجب علي من يبيع شيئا أن يذكر ما فيه من العيوب قبل
أن يكون حريصا علي ذكر المحاسن فمن باب أولي يحظر عليه الغش أو التدليس أو
الاحتيال للايقاع به أو النصب عليه أو ما إلي ذلك من الحيل الماكرة التي
تفسد الرضا.. ومن باب أولي يجب أن يكون الرضا موجودا. وأن يكون خاليا من
العيوب المؤثرة في صحته كالإكراه والغلط والتدليس والاستغلال.

وأما تحديد نقاط التعامل في المعاملات الآجلة فإنه شرط جوهري لصحتها.
ولهذا فإن النبي صلي الله عليه وسلم حين أباح للناس أن يتعاملوا بالبيع
الذي يعجل فيه الثمن ويتراخي فيه تسليم المقابل لحين إحضاره أو صنعه أو
حصده من الحقل. وهو المعروف بعقد "السلم" اشترط لصحته تحديد كافة النقاط
التي يمكن أن يقع نزاع مستقبلي بشأنها فقال "ومن أسلم فليسلم في كيل معلوم
ووزن معلوم إلي أجل معلوم" وهذا التحديد مرده إلي قطع النزاع حتي لا تكون
المعاملات المشروعة طريقاً إليه.

وأما عن كتابة المعاملات التي سوف تطلب مستقبلا. فإنها ثابته بقوله
تعالي: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه" فإن
كتابة الدين تحكم اتجاه الإرادة إذا ماحدث نسيان له عند المطالبة به.
وتحكم علي من يجحد الدين مستقبلا بأنه كاذب فيما ادعاه وعليه أن يؤدي ما
اتفق عليه وذلك بعض ما شرعه الإسلام لقطع دابر النزاع في المعاملات.