رد: كل يوم بقلم مرسي عطا الله

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

سوف
تظل هذه الازمات المفتعله تلاحق كل عمليه اجرائيه مرتبطه بالاصلاح
الاقتصادي طالما ان ثقافه الخصخصه يجري التعاطي معها علي استحياء‏,‏ خوفا
من الصوت العالي للكوادر التاريخيه لثقافه الميري‏!‏

لعلي اكون
اكثر وضوحا واقول ان الضجه المثاره حول بنك القاهره كان يمكن فهمها لو
اننا مازلنا نعيش تحت مظله الاقتصاد الشمولي الموجه‏,‏ ولكن عمليه طرح بنك
القاهره للبيع تظل عمليه منطقيه وطبيعيه في ظل اقتصاد السوق الحر وبالتالي
فليس هناك مبرر لمثل هذه الضجه الا اذا كان هناك من يملك في يديه ما يثبت
ان عمليه طرح البنك للبيع بها ايه شبهه فساد‏.‏

واذا كان البعض
يعتقد ان عمليه طرح هذا البنك للبيع قد تمت بشكل مفاجئ فهو مخطئ‏,‏ لان
الحزب الوطني وحكومته الحاليه حددا بوضوح ومنذ سنوات برنامجا لاصلاح
الجهاز المصرفي بهدف تجاوز التراكمات السابقه ومواكبه المستجدات المحليه
والدوليه في ساحه الاقتصاد العالمي‏!‏

انني افهم ان تاخذنا الغيره
الوطنيه علي التفريط في بنك وطني ناجح ونطالب بالاستمساك به ومواصله جني
مكاسبه وخبراته‏,‏ ولكنني لا استطيع ان افهم وفق اي مقياس مطالبه البعض
بالابقاء علي البنوك الخاسره‏,‏ لان الف باء في علوم الاداره المصرفيه هو
تحقيق الربح وانه اذا كان من الجائز في بعض القطاعات الاقتصاديه
الاستثماريه سواء كانت انتاجيه او خدميه القبول ببعض مراحل الخساره تمهيدا
للانطلاق نحو الكسب فان ذلك لا ينسحب علي فلسفه اداره البنوك والمصارف‏.‏

لقد
اجمع كافه الخبراء علي ان اصلاح الوضع المالي في مصر مرتبط باصلاح القطاع
المصرفي‏,‏ وعندما تثبت الدراسات والنتائج والارقام ان لدينا بنوكا تعاني
من ضعف الهياكل الماليه وتناقص القاعده الراسماليه وضعف الصناعه المصريه
وعدم كفاءه الاداره الموهله لتحقيق النجاح‏,‏ وبالتالي العجز عن المنافسه
وجذب المزيد من العملاء‏,‏ يصبح الاستمساك بمثل هذه البنوك نوعا من الخبل
السياسي والاقتصادي والاجتماعي ايضا‏.‏

انني مستعد ان افهم وان
اناقش اي شيء يتعلق بغياب الشفافيه في الطرح او المحاباه والمجامله في
ترسيه عمليه البيع‏,‏ بشرط ان يكون اي كلام في هذا الصدد كلاما موثقا وليس
مجرد كلام مرسل هدفه دغدغه المشاعر والتلاعب بالالفاظ وتوظيف النخوه
الوطنيه في غير مكانها الصحيح‏.‏

وفي اعتقادي ان عددا كبيرا من
الذين ابدوا معارضتهم لعمليه طرح بنك القاهره للبيع ينطلقون من ارضيه حسن
النيه الخالصه‏,‏ نتيجه عدم توافر المعلومات الكافيه التي كانت تكفي للرد
علي كل ما اثير من شبهات والتباسات‏..‏ وللاسف الشديد فان الحكومه تتحمل
نصيبا كبيرا من مسئوليه البلبله لانها مازالت غير مقتنعه باهميه تمهيد
الراي العام لمثل هذه القرارات التي تتصادم مع ثقافه موروثه منذ عشرات
السنين‏!‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لم
يعد هناك ادني شك في ان واقع الحال علي الارض منذ سقوط بغداد يوم‏19‏
ابريل عام‏2003‏ وحتي اليوم قد جاء علي عكس التحليلات والاستنتاجات
الامريكيه تماما‏..‏ فما هو السبب في ذلك؟

في اعتقادي ان واشنطن
كانت ولا تزال تجهل طبيعه الشعب العراقي الذي كان يتوق للخلاص من
الدكتاتوريه لكنه لم يكن مستعدا لان يتحول هدف المساعده في اسقاط النظام
الي احتلال للوطن كله‏!.‏

ورغم ان كثيرا من حكماء وعقلاء المنطقه
علي المستويين الرسمي والفكري سبق ان حذروا الولايات المتحده من مخاطر
الذهاب الي الحرب في العراق ونصحوها بضروره ان تتحسب لمرحله ما بعد توقف
العمليات العسكريه الكبري فان مستشاري السوء في الاداره الامريكيه
استبعدوا نشوء مقاومه عراقيه ضدهم وواصلوا رحله خداع النفس والذات الي ان
صدمهم الواقع المرير علي الارض الذي جعل من الوجود الامريكي في العراق
جحيما لا يطاق‏..‏ للعراقيين وللامريكيين علي حد سواء‏!‏

ولان كل
الخطط الامريكيه للتعامل مع المازق العراقي كانت خططا ارتجاليه متسرعه
وغير مدروسه اخذت الامور تزداد مع الايام تازما وتعقيدا في العراق ليس علي
الصعيد الامني والسياسي فحسب وانما علي صعيد اعاده بعث الشكوك واستنساخ
النزعات الانفصاليه القديمه خصوصا من جانب الاكراد‏.‏

ولان المشهد
العراقي بات مختلطا بالنسبه للجميع حيث معادلات وصفقات التقسيم في الداخل
تقابلها تحركات ومخططات معاكسه في اغلب دول الجوار فان بعض ما نشهده من
فتور في العلاقات التركيه الاسرائيليه وبعض ما يظهر من تهديدات امريكيه
لايران وبعض ما يمارس من ضغوط امريكيه اسرائيليه مشتركه ضد سوريا ليست
بعيده عن اللعبه العراقيه ككل وعن حسابات المكسب والخساره في حاله بقاء
العراق موحدا او المضي علي طريق التقسيم الذي وان كان يلبي مطلبا كرديا
تشجعه وتحبذه اسرائيل فانه خط احمر بالنسبه لدول الجوار الاخري مثل تركيا
وايران وسوريا المسكونه ايضا باقليات كرديه لا يقل طموحها شيئا عن طموح
اكراد العراق‏!.‏

وفي اعتقادي ان المشهد الدامي في العراق لم يعد
يدع لاحد مجالا للشك في ان الامريكيين اما ان يكونوا قد خدعوا انفسهم
بانفسهم او انهم تعرضوا لخدعه كبري بناء علي المعلومات غير الدقيقه التي
سربتها لهم الفصائل المعارضه لنظام صدام حسين في الخارج وهيات لهم ان
الارض ممهده تماما للزائر الامريكي الذي سيلقي كل ترحيب‏.‏

واستنادا
لما نسب لمعظم المصادر المعروفه بدقه معلوماتها وحسن اطلاعها نتيجه
علاقاتها الوثيقه مع البيت الابيض ووزاره الخارجيه الامريكيه فان الركيزه
الاساسيه لخطه غزو العراق استندت الي استنتاج مسبق يوكد انه بامكان
الولايات المتحده الامريكيه وبقوات ليست كبيره ودون الحاجه الي دعم دولي
ان تبسط نفوذها وسيطرتها الكامله علي العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين
المكروه شعبيا علي نطاق واسع في مختلف انحاء العراق‏.‏
ولكن ماذا يفيد البكاء علي اللبن المسكوب اليوم؟

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

من
بين اكثر المغالطات شيوعا في الثقافه الامريكيه والاوروبيه بالذات مغالطه
تصوير اسرائيل كدوله ديمقراطيه عصريه تمثل الحضاره الغربيه الحديثه في
محيط عربي متعصب‏,‏ والادعاء بان العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون لا يريدون
لاسرائيل ان تحيا في سلام وانهم يتعمدون اثاره المشكلات لها وتهديد امنها
الداخلي‏,‏ والتهديد الاقليمي لاراضيها من جانب دول محيطه مازالت ترفض
الاعتراف بوجود اسرائيل حتي الان مثل سوريا ولبنان‏!‏

وبرغم ان
العرب قد اقروا عمليا بوجود اسرائيل منذ ان قبلوا القرار رقم‏242‏ الذي
يدعو في احدي فقراته الي ان اي حل او تسويه للصراع يجب ان تضمن حق جميع
الدول في العيش داخل حدود امنه فان اسرائيل استمرت في التشكيك في نوايا
العرب‏,‏ واستمرت في التهرب من موجبات احلال السلام بحجه انها قد تضر بامن
اسرائيل‏.‏

وبرغم كل اشارات حسن النيه من جانب العرب الي حد ترتيب
ارسال وفد عربي الي اسرائيل لاقناعها بقبول مبادره السلام العربيه فان
الغرب مازال يصور اسرائيل وكان امنها في حاله تهديد وخطر دائم‏,‏ برغم ان
هناك ضمانه له من اكبر قوه عسكريه واقتصاديه وتكنولوجيه في العالم وهي
امريكا ومعها الغرب ايضا‏,‏ حيث يضمنان معا وجود اسرائيل وحمايه بقائها
ومنع سقوطها‏.‏

والاغرب من ذلك انه بحجه حمايه امن اسرائيل‏,‏ فقد
سمح لاسرائيل بما لم يسمح به لاي دوله اخري في منطقه الشرق الاوسط‏,‏ وهو
امتلاكها للسلاح النووي‏,‏ وبرغم ان اتفاقيه حظر انتشار الاسلحه النوويه
تمنع علي اي دوله من خارج النادي الذري الخماسي‏,‏ اي امريكا وروسيا
والصين وفرنسا وبريطانيا‏,‏ امتلاك السلاح النووي‏,‏ اذا ما استثنينا ظروف
امتلاك الهند وباكستان للقنبله النوويه‏,‏ فان اسرائيل هي الدوله الوحيده
التي تمتلك السلاح النووي ولا توجد مطالبات دوليه جاده من القوي الدوليه
الكبري لها بنزع سلاحها النووي تحت ذريعه عدم الحاح بحث هذه المساله قبل
احلال السلام وتسويه الصراع بين العرب واسرائيل‏,‏ واطمئنان اسرائيل علي
امنها ووجودها‏.‏

وفي حقيقه الامر‏,‏ فاننا امام وضع غريب‏,‏
فاسرائيل التي تستثمر نفوذها في امريكا واوروبا وتملا العالم ضجيجا وعويلا
ودعايات مكذوبه حول امنها الذي يتعرض للتهديد‏,‏ هي ذاتها التي تمارس
احتلالا فاشيا بشعا ضد الشعب الفلسطيني ينعدم في ظله اي امن للانسان
الفلسطيني‏,‏ ومع ذلك نجد كل هذه الضجه حول ضرورات حمايه امن اسرائيل
لتصبح هي اولويه الاولويات في اي مساع سلميه او اتصالات دبلوماسيه‏.‏

ولو
ان الامور تسير وفق احكام العقل والمنطق‏,‏ لاصبح محور اي مفاوضات او
اتصالات دوليه خاصه بالتسويه او السلام في المنطقه هو كيف يمكن تامين
الشعب الفلسطيني من النزعه العدوانيه والممارسات الهمجيه لاسرائيل التي
تحتل اراضي الدول العربيه وتصادر حقوق الشعب الفلسطيني‏,‏ ثم تدعي ان
امنها مهدد ووجودها في خطر‏!‏

والاهم والاخطر من ذلك ان المجتمع
الاسرائيلي لم يستطع حتي هذه اللحظه الوصول الي درجه الاقتناع بان قبول
العرب والفلسطينيين للتعايش مع اسرائيل هو اكبر ضمانه لتحقيق الامن‏.‏

واتمني
ان اكون مخطئا وان تنجح مهمه الوزيرين ابو الغيط والخطيب المرتقبه لتسويق
المبادره العربيه في تل ابيب علي طريق ازاله الغشاوه عن العيون سواء داخل
اسرائيل او في الدوائر الداعمه لها بالحق وبالباطل‏!‏

attalla@ahram.org.eg

بقلم : مرسي عطا الله

لعلي
في البدايه اقول انه مع التسليم بان الوضع الماساوي في اقليم دارفور لا
يمكن قبوله وانه ايضا لا يمكن اعفاء الحكومه السودانيه من المسئوليه تجاهه
الا ان ملابسات هذا الاهتمام الدولي المبالغ به وتوقيت اطلاقه قد اعطي
رسائل خاطئه خصوصا تجاه من يقودون حركه تمرد مسلح في الاقليم‏,‏ الامر
الذي شجعهم علي مواصله تاجيج العنف لاثبات عدم قدره الحكومه السودانيه علي
ضبط الاوضاع من ناحيه وتوفير الاجواء المطلوبه لمزيد من التدخل الدولي
بدعوي عجز اهل الشان عن تسويه خلافاتهم من ناحيه اخري‏!‏

ثم انه
يصعب فهم هذه الحمي الامريكيه المتصاعده تجاه السودان بعيدا عن استحقاقات
حمله الانتخابات الرئاسيه الامريكيه في العام المقبل علي امل ان يكون
السودان اضافه جديده اذا قدر لخطط التدخل الاجنبي ان تمر علي غرار ما جري
في افغانستان والعراق‏.‏

وايضا فانه مثلما قيل مع صحوه الاهتمام
الامريكي بمشكله جنوب السودان فجاه في حقبه التسعينيات بعد عقود طويله من
تفجرها بان السبب هو ظهور اكتشافات بتروليه ضخمه في الجنوب فان نفس الشئ
يتردد الان عن ان وادي حفره النحاس في اقليم دارفور يخفي في جوفه اكبر
مخزون استراتيجي لماده اليورانيوم‏.‏

واليوم كما نري فانه وبعلم
امريكا والامم المتحده يواصل متمردو دارفور الذين يلعبون دور راس الحربه
اعاقه وصول مساعدات الاغاثه الدوليه وعرقله كل المساعي العربيه والافريقيه
التي تستهدف وقف تفاقم الوضع الانساني‏..‏ ومع ذلك لا يشار الي هذا العبث
الذي يمارسه المتمردون ولا يتساءل احد من الذين تنفطر قلوبهم علي الوضع
الانساني عن تلك الجهات التي تمول وتسلح هذه الفصائل المتمرده وتشجعها علي
افشال اي حوار مع الخرطوم‏.‏

والحقيقه انه ليس بمقدور احد ان يعترض
علي مثل هذا الاهتمام الدولي باقليم دارفور لو ان هدف هذا الاهتمام هو
المساهمه في اعاده الاستقرار والامن واعاده اللاجئين الذين شردتهم
الصراعات القبليه الي ديارهم ولكن شكل ومضمون هذا الاهتمام الدولي المبالغ
فيه هو الذي يثير الشكوك والريب‏!‏

ان الحل في اعتقادي يتمثل في
ضروره المكاشفه ووضع النقاط علي الحروف وابراز الحقيقه التي مازالت مغيبه
في الاعلام الغربي وهي ان الذي يجري في دارفور ليس حربا اهليه وصراعا
عرقيا وانما هو في الاساس لعبه صراع سياسي كاحد اهم افرازات الانشقاق الذي
تعرض له نظام الحكم في الخرطوم بعد اقصاء الشيخ حسن الترابي الذي استطاع
خلال سنوات بروزه عند سده الحكم في الخرطوم ان يجند كوادر ومريدين تحت
عباءه الدين خصوصا في هذا الاقليم الذي لاتوجد فيه اي مرجعيه تحظي
بالاجماع سوي مرجعيه الاسلام‏!‏

وعلينا بدلا من ان نواصل مجرد
التحذير من خطر التدويل الاجنبي او القاء سيف الاتهام علي مخططات التامر
الخارجي ان نبحث عن سبيل لاختراق العقول والضمائر في صفوف هذه الحركات
السودانيه المعارضه في اقليم دارفور ومخاطبتها بقواعد الشريعه الاسلاميه
التي تجرم وتحرم الاستقواء بالاجنبي‏.‏

واي طريق اخر غير ذلك يعني
اننا نقترب من كارثه عربيه جديده في دارفور‏..‏ وعلينا ان نسرع الخطي وان
نتعامل مع الحقائق بعيدا عن اي اوهام يدفع بها الكبار في عقول البعض منا
ويعبثون في رءوسهم‏!‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

يظل
اعتقادي راسخا بان لغه العقل هي سلاحنا الوحيد الذي يمكن ان نعتمد عليه
لقهر كل التحديات التي تواجهنا وهي تحديات تتنوع اشكالها ومضامينها وليس
هناك ما يمكن ان يقهر هذه التحديات سوي عقول يقظه تقدر علي قراءه لغه
العصر وفهم متغيراته‏!.‏

ان لغه العقل التي اتحدث عنها ليست لغه
خطاب عام فقط وانما هي فكر جديد يعبر عن قوي جديده تملك ادوات القدره علي
التعامل مع عالم جديد‏.‏ لابد ان تكون عند مستوي القدره علي فهمه وبما
يمكننا من مواكبه التطور والتقدم العلمي وتطبيقاته واستيعاب الفكر السياسي
والاقتصادي والاجتماعي الجديد‏!.‏

اريد ان اقول اننا بحاجه الي عقل
يقرا ليفهم ويستنتج ويستنبط ويبتكر ما هو ملائم لنا وفي ضوء قدراتنا
وامكاناتنا المتاحه وليس ذلك العقل الذي يقرا ويترجم لينقل لنا فقط ما
يمكن حفظه واستيعابه كنصوص محفوظه لا تفجر طاقات التعمق في الاشياء
لتحليلها والاستفاده منها‏!.‏

نحن بحاجه الي عقل يرتبط بالمستقبل
باكثر من ارتباطه بالماضي ودون ان ينفصل عن الحاضر وهنا اتحدث عن عقل ليس
مشغولا بالكلام في الوقت الضائع او الجدل حول قضايا فات زمانها وانما هو
العقل الذي يستلهم من الماضي كل ما هو مفيد لبناء القوه وصنع الحيويه
باليات للعقل تغني عن الحاجه الي الكلام واجترار ذكريات تقتل الوقت وتصلح
للتسامر باكثر مما تصلح لبناء الامم والشعوب‏!.‏

ان ضخامه التحديات
التي تفرضها طموحاتنا المشروعه تحتم علينا ضروره الاحتكام للعقل الذي
ينتصر لاسباب القوه والوحده ويبتعد عن الهوامش والتفاصيل التي تغذي
التناقضات وتوفر لاوضاع العجز كل ما تحتاجه من مقدمات‏..‏ وهنا اتحدث عن
اعاده استنساخ العقل العربي الذي استطاع في صدر سنوات الاسلام الاولي ان
يصك اول منهج لحوار الحضارات‏.‏

نحن بحاجه الي فكر جديد لا يتخلي
ولا يتنازل عن كل موروثاتنا الثقافيه والدينيه والحضاريه‏,‏ ولكن دون تزمت
او تحجر يودي الي تخلفنا عن العصر الجديد واستحقاقاته التكنولوجيه
والفكريه والسياسيه وبحيث يكون هذا الفكر الجديد قادرا علي صنع التزاوج
المطلوب بين حلم قوي ينبغي استمرار الاستمساك به وبين واقع دولي واقليمي
من الخطا والخطر معا ان نتجاهله‏!‏

نريد فكرا مستنيرا يملك القدره
علي الانتصار للحسابات الاستراتيجيه الدقيقه وتجنب الالعاب التكتيكيه في
زمن لم يعد يسمح بترف المغامره ولا باي هامش محدود للمقامره خصوصا ان
الاوضاع الاقليميه والدوليه الراهنه لم تعد تسمح لاحد بان يواصل السباحه
في بحر الاوهام‏.‏

اننا مطالبون بان نتسلح بفكر جديد يملك جراه
المكاشفه بانه قد ان الاوان لكي ندرك ان العلاقات الدوليه لا تعرف منطق
المجامله وانما هي علاقات المصلحه بكل ما في الكلمه من معان‏.‏

واذا
لم يستطع العقل العربي ان يفرز منهجا جديدا يوفر للامه قدره الضغط بعيدا
عن شبهه التهديد فان الرهان علي عوده الاهتمام العالمي باي من قضايانا
الاساسيه خصوصا القضيه الفلسطينيه سوف يظل رهانا به من الخيال ما هو اكثر
من الحقيقه‏!.‏

ان لغه العقل التي اتحدث عنها هي تلك التي تستند
الي روي جديده وافكار مستحدثه من خلال القدره علي تجديد الثقه في التاريخ
الذي يستطيع في النهايه ان يوكد صحه مساره عندما يجري التعامل معه بالعقل
وليس بمجرد الهوي‏!.‏

attalla@ahram.org.eg

في
التاريخ اليهودي روايه اسطوريه قديمه تقول‏:‏ ان رجلا يهوديا كتب وصيته‏,‏
بحيث تحصل زوجته علي عده الاف من الجنيهات‏,‏ ولكل ولد من اولاده ضعف ما
تحصل عليه زوجته‏,‏ اما اقرباوه واصدقاوه‏,‏ فقد وضع لكل واحد منهم رقما
يتناسب وحجم علاقته به‏..‏ ولم ينس الرجل اليهودي ان يكتب في البند الاخير
من الوصيه عباره تقول‏:‏ هذه الوصيه تلغي تلقائيا في حاله موت صاحب
الوصيه‏!‏

ولست اظن ان ما تمارسه اسرائيل منذ سنوات في نقض الاتفاقيات والتملص من دفع الاستحقاقات يختلف كثيرا عن مضمون هذه الاسطوره؟

ومن
يقرا بدقه ابجديات السياسه الاسرائيليه علي مدي السنوات الاخيره يجد ان
الاسرائيليين يتعاملون مع مرجعيات عمليه السلام بمثل ما تعامل كاتب الوصيه
اليهودي‏,‏ ورغم ان المرجعيات واضحه وليس بها بند يسمح للاسرائيليين
بالافلات بمثل ما كتب اليهودي في وصيته‏,‏ الا ان الاسرائيليين يتحايلون
علي ذلك بالقول بان هذه المرجعيات ليست صكا ملزما‏,‏ وانما هي مجرد قاعده
للاسترشاد بها فقط‏.‏

ومعني ذلك‏,‏ ان المازق الراهن لعمليه السلام
بكل مخاطره وتحدياته‏,‏ مرشح لمزيد من التعقيد ولن تفلح الحيل والخدع
والمبادرات الدبلوماسيه في ان تحقق شيئا‏,‏ ما لم تتغير العقليه اليهوديه
المستنده الي تراث الاساطير‏!‏

ولست اريد ان استطرد في تقليب وثائق
ودفاتر الماضي‏,‏ لان الملف مليء ومتخم‏,‏ ولكنني سوف اشير في عجاله الي
قرار الجمعيه العامه للامم المتحده رقم‏(181),‏ الذي يمثل المرجعيه الاولي
في ملف الشرعيه الدوليه بشان المساله الفلسطينيه الاسرائيليه‏.‏

ان
هذا القرار الدولي ينص علي تقسيم ارض فلسطين التاريخيه الي دولتين‏:‏
احداهما عربيه‏,‏ والاخري يهوديه‏,‏ ومع ذلك فان اسرائيل لم تكتف بما حصلت
عليه ولم يكن لها فيه حق‏..‏ بل انها ورغم ما اكتسبته بعد ذلك بالتوسع
والضم والعدوان‏,‏ فانها مازالت ترفض حتي اليوم قبول صيغه موتمر مدريد
عام‏1991‏ من اجل اقامه دوله فلسطينيه علي حدود‏4‏ يونيو‏1967,‏ التي تقل
كثيرا عما كان مقررا في قرار التقسيم‏,‏ رغم ارتضاء العرب ان يعترفوا
باسرائيل في حدود‏1967,‏ التي ضمنت لاسرائيل ما يوازي‏78%‏ من ارض فلسطين
التاريخيه‏.‏

اريد ان اقول بوضوح ان عقليه الاسطوره في التراث
اليهودي ترفض رد اي شيء يمكن اغتصابه‏,‏ طالما ان بالامكان استمرار
الاحتفاظ به‏,‏ واظن انه ما بين القرار‏181‏ لعام‏1947‏ وحتي صيغه مدريد
عام‏1991,‏ ومرورا بقرار مجلس الامن رقم‏242‏ لعام‏1967,‏ لا يوجد نص واحد
في كل هذه المرجعيات يعطي اسرائيل الحق في استمرار احتلال الارض وبناء
المستوطنات‏,‏ او الادعاء بالحق في ضم القدس‏..‏ ولكن ذلك كله ليس مهما‏,‏
فالمهم هو ما تعتقد اسرائيل طبقا لعقليه الاسطوره انه حق لها‏!‏

والعجيب
انهم في اسرائيل يعترفون بوجود قرارات صريحه تكتسب شرعيتها من كونها صادره
عن الامم المتحده‏,‏ التي منحتهم شرعيه الوجود بقرار التقسيم عام‏1947,‏
ولكن عقليه الاسطوره في التراث اليهودي تحض علي عدم الالتزام بالشرعيه‏,‏
الا عندما يكون الامر متعلقا بحقوق اليهود فقط‏!‏

وليس عندي ما
اقوله اكثر من ذلك تعليقا علي دعوه الرئيس بوش الاخيره لعقد موتمر دولي
للسلام وايفاد توني بلير للمنطقه كممثل للرباعيه الدوليه وذهاب الوزيرين
احمد ابوالغيط وعبدالاله الخطيب الي اسرائيل امس لعرض وتسويق المبادره
العربيه للسلام‏.‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بعيدا
عن المشاركه في بورصه التكهنات المتعلقه باحاديث التغيير الوزاري المرتقب
التي سيطرت علي معظم سهرات المصايف‏,‏ واصبحت ساحه مفتوحه للمضاربه بين من
يدعون كذبا انهم يعلمون بواطن الامور اقول‏:‏ ان مقياس النجاح الحقيقي لاي
حكومه يرتبط بمدي قدرتها علي تيسير سبل المعيشه لمواطنيها في حدود
الامكانات والقدرات المتاحه‏,‏ التي لا يجوز القول‏:‏ انها غير قابله
للزياده‏,‏ فالمهمه الاساسيه للحكومات تبدا من مسئوليه القدره علي زياده
الموارد وتنتهي بالقدره علي توفير الحد الادني من عداله توزيع الثروه
وتوزيع الاعباء‏!‏

بل انني اقول بوضوح شديد وكنقطه بدايه في حديث
شائك انه لا يعيب اي حكومه انها حاولت ولم تقدر‏...‏ او انها حاولت ولم
توفق‏,‏ فالمهم انها حاولت بجد واخلاص وامانه ولم تقصر في اداء الواجب وفق
رويتها للامور والقضايا سواء كان ذلك في فلسفتها كوحده واحده او في منهج
واسلوب بعض وزرائها في التعامل مع الازمات والمشكلات‏,‏ التي تمس الحياه
المعيشيه اليوميه للجماهير‏!‏

ومعني ذلك ان اي تغيير مرتقب سواء
كان شاملا او محدودا لا يعني فقط اتهاما مطلقا بالفشل لاحد او لمجموعه‏,‏
وانما يعني في المقام الاول ان مصلحه الوطن ومصلحه المواطنين فوق كل
الاعتبارات وفوق كل الاشخاص ومن خلال رويه متكامله تحكم حسابات صانع
القرار وصلاحياته الدستوريه‏.‏

ولست اريد ان استطرد في حديث شائك
وبالغ الحساسيه لانني اعتدت ان اكون حريصا علي عدم المساس باحد وتجنب شهوه
الاغراء‏,‏ التي يوفرها قلم حر في مناخ حر مع شهوه الرغبه في صنع قدر من
الاثاره الصحفيه‏..‏ ولكنني اقول وبكل الامانه اننا نحتاج الي رجال في
مواقع المسئوليه يملكون دائما شجاعه القدره علي الاعتراف بالخطا اذا
وقع‏,‏ وشجاعه الرغبه الصادقه في الرحيل‏,‏ وتيسير مهمه صانع القرار في
كشف كل ابعاد الصوره وعدم الاكتفاء بالتقارير الرقابيه او الاعلاميه‏,‏
التي لاتخلو في احيان كثيره من شوائب مقصوده وغير مقصوده‏.‏

وربما
لا اكون متجاوزا اذا قلت‏:‏ ان التغيير الحقيقي لا يبدا ولا يكتمل بقرارات
يصدرها صانع القرار المخول من الشعب دستوريا وحده‏,‏ وانما يتحقق التغيير
بان يتوافر دائما في مواقع المسئوليه رجال علي مستوي المسئوليه من الكفاءه
والخبره والصدق مع النفس لانه في غياب الصدق مع النفس سوف يغيب الصدق مع
المجتمع وسوف يتاخر بزوغ شمس الحقيقه‏,‏ التي يحتاجها صانع القرار لتحديد
حجم وتوقيت التغيير‏,‏ الذي ينبغي ان يظل عنوانا دائما يوكد ديناميكيه
المجتمع وقدرته علي تجديد شبابه اولا باول‏!‏

واذا كنا لم نحقق بعض
ما كنا نطمح الي بلوغه فان الفرصه مازالت متاحه امامنا ونحن نترقب رياح
التغيير‏..‏ وذلك يقتضي الدعاء والرجاء بان يشغل مواقع المسئوليه في
المرحله المقبله رجال صادقون مع انفسهم وصادقون مع صاحب القرار‏,‏ الذي
سيعتمد ترشيحهم للمشاركه معه في حمل الامانه واداء الرساله من اجل استكمال
مسيره الاصلاح السياسي والنمو الاقتصادي والتحديث التكنولوجي والمواجهه
الشجاعه مع القضايا المعيشيه للناس تحت مظله من الشفافيه والمصارحه‏,‏
التي سيتقبلها الراي العام من كل مسئول يوكد علي ارض الواقع انه صادق مع
نفسه وصادق معهم‏!‏
والتغيير سنه الحياه فضلا عن انه عنوان التقدم والتطور في الامم الحيه‏!‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

ليس اصدق ولا ادق من لغه الارقام خصوصا اذا كانت ارقاما واحصائيات موثوقا بها ومن موسسات وهيئات دوليه معترف بها‏.‏

وقد
لفت نظري رقم احصائي صادر عن الامم المتحده يشير الي ان عدد سكان العالم
سيعبر حاجز المليارات السبعه من البشر خلال اعوام قليله وان نصيب العالم
العربي من هذه الزياده السكانيه سيكون كبيرا‏.‏

ومعني ذلك ان معدل
دخل الفرد في العالم العربي مرشح لمزيد من الهبوط ما لم ترتبط الزياده
السكانيه المحتمله بجهود جماعيه حاسمه لمضاعفه الدخل القومي في مختلف
اقطار الامه‏.‏

ولعل ذلك ما يدفعني الي تجديد السوال المطروح منذ
سنوات وهو‏:‏ لماذا لم ينجح العرب حتي الان في الاستفاده الكامله من
ثرواتهم البتروليه في بناء مشروعات استثماريه عربيه عملاقه من صناعات
ثقيله وتوسعات زراعيه‏..‏ ولماذا يظل العالم العربي حتي اليوم عاجزا عن
اعاده الاتزان للمعادله المختله حيث تتوافر اراض زراعيه شاسعه لا تجد من
يزرعها او يقدر علي تكلفه استثمارها في بعض الدول‏,‏ بينما هناك دول اخري
لديها فوائض ماليه ضخمه ولكنها تفتقر الي مثل هذه الارض الصالحه للزراعه
لكي تستقطب جانبا كبيرا من فوائضها الماليه؟‏!‏

ويعزز من اهميه
وضروره السوال المطروح ان الارقام والاحصائيات الدوليه الموثقه توكد ان
العرب مازالوا حتي اليوم يملكون ثلثي انتاج العالم كله من البترول‏,‏ ومع
ذلك فان مستوي الدخل في العالم العربي باستثناء الدول المصدره للنفط وما
اقل عدد سكانها بالنسبه لمجموع سكان الامه العربيه يعتبر من المستويات
المتواضعه والمتدنيه عالميا‏.‏

اريد ان اقول بوضوح من غير المعقول
ان نقف مكتوفي الايدي امام مثل هذا الخطر المخيف الذي يلوح في الافق برغم
ان الارض العربيه مليئه بموارد طبيعيه يحسدنا عليها الاخرون من بترول
ومعادن وخامات في بعض الدول‏,‏ وانهار واراض صالحه للزراعه في دول
اخري‏..‏ ولكن غياب التكامل والتنسيق العربي لم يسمح لهذه الثروه ان تعبر
عن نفسها في خدمه المجموع العربي حتي الان‏.‏

ولعل ذلك ما يشجعني
علي تجديد الدعوه لاعاده فتح ملف التكامل الاقتصادي العربي الذي يمثل
قاعده واساس اي جهد حقيقي علي طريق بناء قوه ذاتيه عربيه لا توفر للعرب
اوضاعا اقتصاديه واجتماعيه متميزه فحسب‏,‏ وانما توفر ايضا اوضاعا سياسيه
وتفاوضيه يصعب علي اي مكابر او مغرور بخيلاء القوه ان يتجاهلها‏!‏

وفي
اعتقادي انه ليس هناك اسلوب يصلح لاعاده فتح ملف التكامل الاقتصادي العربي
سوي اسلوب المصارحه والمكاشفه دون اي حساسيات ودون اي عقد مادام هناك
اقتناع بتوافر حسن النيات وسلامه المقاصد في الطرح والاستنتاج علي حد
سواء‏.‏
والحديث متصل‏!‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لو
ان احدا سالني ما الذي تحتاج اليه الامه العربيه في هذه المرحله التاريخيه
التي تهب باتجاهها اعاصير ورياح عاتيه لقلت علي الفور ان الامه بحاجه الي
مزيد من الثقه بالنفس‏.‏

ثم انني كنت ساضيف الي ذلك اعتقادي بانه
قد ان الاوان لكي نتغير بقدر ماتغيرت الدنيا‏,‏ لانه لم يعد مقبولا ان
يواصل البعض الاستمساك بالارث القديم لعصور فات زمانها وانتهت صلاحيه
قوانينها‏.‏

لقد اصبحنا في امس الحاجه الي سرعه العمل وباراده
ذاتيه خالصه نحو تحديث مفردات ثقافتنا السياسيه والقوميه دعما للديمقراطيه
واحتراما لحقوق الانسان وتاكيدا لقدره مجتمعاتنا علي انجاب قيادات رشيده
وبناء نظم حكم عادله وقادره علي مواكبه متغيرات العصر الذي نعيشه‏.‏

نحن
بحاجه الي رموز وابطال يقدمون القدوه والنموذج‏..‏ ليس بمقاييس الماضي
وانما بمقاييس الحاضر الذي لم تعد به تعدديه قطبيه تصلح معها سياسه اللعب
علي الحبلين‏,‏ ومن ثم فاننا بحاجه الي قيادات تملك حكمه الشيوخ وجراه
الشباب‏,‏ ولديها القدره علي تعزيز مصداقيتها بخطوات واجراءات تشطب من
قاموس العمل الوطني والقومي كلمه المستحيل وتتجنب في ممارستها كل اشكال
المغامره او المقامره غير المحسوبه‏!‏

ان علينا ان ندرك ان عصر
الايديولوجيات قد انتهي واننا بالفعل انتقلنا الي عصر المصالح المتوحشه
حيث تتلاشي الفواصل بشكل فاضح بين نزعات الهيمنه السياسيه ومطامع السيطره
الاقتصاديه‏..‏ ومن سوء حظ امتنا العربيه انها تمثل نقطه جذب مغريه سياسيا
واقتصاديا بدرجه يسيل معها لعاب الكل من الكبار الممسكين بدفه اللعبه
الدوليه في هذه المرحله‏!‏

لقد ان الاوان بالفعل لكي نخرج من
البقاء الارادي اسري لنظريه انتظار البطل الموعود الذي يتحدث باسمنا لكي
نتوهم اننا لسنا بحاجه الي الديمقراطيه او الذي يتصدي نيابه عنا في صراعات
تفوق قدراتنا وطاقاتنا‏.‏

لقد ان الاوان بالفعل لكي نصدق ما قاله
الفيلسوف الالماني‏:‏ بريشت بل ونبصم بالعشره عليه فهو القائل‏:‏ ان الدول
والشعوب والامم التي تحتاج الي ابطال ليست محظوظه‏!‏

وخلاصه القول
ان الاوطان هي الرموز الباقيه وهي الرهانات الصحيحه التي تستحق ان يتم
الرهان عليها بعيدا عن مخاطر الجري وراء سراب البطل الموعود من ناحيه او
الانزلاق الي الديمقراطيه المعلبه التي مازال لها مندوبون متجولون
لتسويقها عبر بعض مواقع الاعلام العربيه‏.‏

ولنا في سجلنا القديم
والحديث علي حد سواء ما يعزز ويعضد من قوه وصحه الحاجه الي فكر جديد
وسياسات جديده تتواءم مع العصر الذي نعيش فيه ويتحتم فيه علينا ان نملك
القدره علي قهر كل ما يجابهنا من مصاعب وتحديات‏!‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

برغم
انها ليست اول امراه امريكيه تمسك بمفاتيح السياسه الخارجيه الامريكيه فقد
سبقتها الي ذلك السيده مادلين اولبرايت في فتره الرئاسه الثانيه للرئيس
الامريكي السابق بيل كلينتون فان الهاله التي احاطت بكونداليزا رايس منذ
تسلمها حقيبه الخارجيه الامريكيه خلفا لكولين باول قبل عده سنوات ليست
مقتصره علي امريكا التي تجيد صناعه النجوم وانما علي امتداد الكره الارضيه
حيث ينظر اليها علي انها المراه الحديديه‏.‏

ان الانسه كوندي كما
يحلو للرئيس بوش ان يناديها هي الابنه المدلله لمرحله نهايات حقبه الحرب
البارده التي شهدت تشددا وتطرفا في السياسه الامريكيه ضد الاتحاد السوفيتي
بممارسه اشد الضغوط السياسيه والاقتصاديه والنفسيه التي ادت لتفكيكه في
نهايه المطاف حيث كانت كوندي هي الممسكه بملف الاتحاد السوفيتي داخل مجلس
الامن القومي الامريكي خلال فترتي حكم الرئيس الامريكي السابق رونالد
ريجان‏1980‏ ‏1988‏ وقد ساعدها علي ذلك اجادتها المطلقه للغه الروسيه
كتابه وقراءه ونطقا‏!‏

ومع انه لا علاقه تذكر بين عدم زواجها حتي
الان وسمات التشدد والتطرف التي تمثل جزءا من شخصيتها الا ان ثمه ملاحظه
قد تبدو شكليه وهي ان الانسه كوندي لم تضبط مره واحده وهي تضع ابتسامه علي
شفتيها وانما دائما ينطق وجهها بكل اشارات الصرامه والجديه والعبوس‏!‏

ومن
ثم فليس غريبا ان تكون الانسه كوندي من بين ابرز الصقور المويدين لسياسه
استخدام القوه واللجوء الي منهج الضربات الاستباقيه داخل الاداره
الامريكيه‏,‏ فقد كان ذلك منهجها وفلسفتها التي اكتسبتها من عملها كمتابع
اساسي للملف السوفيتي في اصعب واخطر سنوات الحرب البارده‏.‏

ان
الانسه كوندي من الذين يومنون بان من حق امريكا ان تزيح من طريقها كل من
تسول له نفسه ان يعترض قطار السياسه الامريكيه‏,‏ وقد كان لها دور كبير في
صياغه تعبير محور الشر الذي يتشكل من الدول المارقه مثل ايران والعراق
وكوريا الشماليه‏..‏ ثم انها ايضا كان لها موقف واضح في تاكيد ادراج امن
اسرائيل ومصالحها ضمن الاهداف والمقاصد الامريكيه في الشرق الاوسط‏.‏

واذا
كان البعض يتصور ان توجهات الانسه كوندي تندرج تحت مسمي تداعيات التغيير
التلقائيه التي شهدتها السياسه الامريكيه بعد احداث‏11‏ سبتمبر عام‏2001‏
فانه مخطئ تماما لان كونداليزا رايس كانت اسبق واشجع رموز الاداره
الامريكيه في التبشير لاعتبار القرن الحادي والعشرين قرن الهيمنه
الامريكيه المطلقه‏.‏

وخلاصه القول ان الصقور لم يعودوا رجالا فقط
وانما دخلت المراه هذا التصنيف بجداره بفضل الانسه كوندي التي تحل اليوم
ضيفه علي مصر في اطار مهامه المكوكيه بالمنطقه التي لم تحقق نجاحا يذكر
علي مدي السنوات الاخيره ولكن يبدو ان الامل يراودها في ان يساعد الموتمر
الدولي للسلام المقترح عقده في سبتمبر المقبل بمبادره من الرئيس بوش علي
استعاده واشنطن لمصداقيتها في المنطقه التي اهتزت وتاكلت علي ارض العراق‏.‏

ولمجرد
العلم فان الانسه كوندي هي صاحبه العباره الشهيره والمستفزه عام‏2003‏
عشيه الذهاب الي الحرب ضد العراق‏:‏ اننا لسنا بحاجه الي دليل الجريمه اذا
كان ذلك يقتضي بروز سحابه نوويه في السماء‏...‏ والمعني واضح ان امريكا
ستضرب العراق وليس مهما ان يتضح بعد ذلك ان اسلحه الدمار الشامل مجرد كذبه
مصنوعه‏!‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(1)

معظم
الاحصائيات الرسميه الدوليه توكد ان‏60%‏ من الدول الافريقيه تضطر الي
استيراد ثلث احتياجاتها الغذائيه من الخارج‏,‏ وانه توجد‏34‏ دوله افريقيه
من بين الدول ال‏48‏ الاقل نموا والاكثر فقرا في العالم‏.‏

ومن
ابرز المشكلات التي تعاني منها القاره وتوثر سلبا علي برامج وخطط التنميه
بها تفاقم مشكله البطاله‏,‏ والتي تتزايد بمعدل يزيد علي‏10%‏ سنويا‏,‏
كما ان هذه النسبه اخذه في الازدياد فضلا عن وجود‏265‏ مليونا من العاملين
اجورهم تحت مستوي الكفاف‏..‏ ثم ان افريقيا تعاني منذ سنوات من مشكله
مزمنه وهي مشكله اللاجئين والمشردين‏,‏ حيث يوجد بالقاره اكثر من‏7‏
ملايين لاجئ و‏20‏مليون مشرد حاليا بسبب مسلسل الصراعات والحروب
الاهليه‏,‏ وهو ما تسبب في انتشار المجاعات وسوء التغذيه والاوبئه وانهيار
البناء الاقتصادي‏.‏

وليس خافيا علي احد ان هذه الصراعات والحروب
الاهليه‏,‏ ادت الي بلوغ الانفاق علي التسلح العسكري مايزيد علي‏7‏
مليارات دولار سنويا‏,‏ يتم اقتطاعها من برامج التنميه الاقتصاديه
والاجتماعيه وتودي تلقائيا الي اهمال مجالات حيويه‏,‏ مثل التعليم والصحه
والزراعه والصناعه والبنيه الاساسيه والمرافق والمواصلات‏.‏

وهناك
ما يشبه الاجماع بين معظم المحللين الاقتصاديين العالميين المتخصصين في
الشئون الافريقيه علي ان هناك ارتباطا وثيقا بين تردي الاوضاع الاقتصاديه
وغياب الامن والاستقرار في عدد من الدول الافريقيه‏,‏ وانه فضلا عن
العوامل الداخليه والموروثات الاستعماريه واصابع التدخل الاجنبي التي لم
تتوقف حتي يومنا هذا‏,‏ فان هناك عوامل اخري تصنع هذا الواقع الاقتصادي
المخيف في افريقيا‏,‏ واهم هذه العوامل سوء الاداره والتخطيط واهمال بعض
القطاعات الحيويه مثل الزراعه والنقل والمواصلات وندره الكوادر الفنيه
المدربه التي يستلزمها قيام كيانات صناعيه منتجه‏.‏

والحقيقه ان
القاره الافريقيه تواجه الكثير من المعضلات الاقتصاديه التي تتمثل في
مشكلات التنميه المتراكمه في الدول الناميه‏,‏ والتي تضاعف من حدتها شروط
مجحفه للتجاره الدوليه من ناحيه‏..‏ وتضاول مساعدات التنميه وضعف
الاستثمارات المباشره التي تقدمها الدول المتقدمه للدول الناميه في
افريقيا من ناحيه اخري‏.‏

ولعل اكثر ما يضاعف من حده مشكلات
التنميه في افريقيا تلك المشاكل الناجمه عن الجفاف والتصحر‏,‏ حيث ادي زحف
الصحاري الي زياده كبيره في مساحه الاراضي الجافه التي تمثل حاليا ما
يوازي نصف مساحه القاره تقريبا‏.‏

وقد ترتب علي اتساع نطاق التصحر
في القاره عاما بعد عام الحاق اضرار مباشره بحياه ما يزيد علي‏300‏ مليون
نسمه من سكان القاره‏,‏ كما ادت ظاهره الجفاف الي حدوث المجاعه في اكثر
من‏30‏ دوله افريقيه‏.‏

وبسبب هذه الظروف الطبيعيه المعاكسه ارتبكت
موازنات العديد من الدول الافريقيه بسبب تضخم المديونيه الخارجيه وزياده
وارداتها من الغذاء نتيجه الفارق الكبير بين معدل زياده السكان‏3%‏ سنويا
وبين معدل نمو الانتاج الزراعي الذي لايتعدي في احسن الاحوال‏1.3%‏
سنويا‏.‏

ولكن علي الجانب الاخر‏,‏ فان المحللين الاقتصاديين
الافارقه رغم عدم انكارهم لبعض اوجه القصور الذاتيه الا انهم يوكدون ان
ابعاد الازمه الاقتصاديه في افريقيا ترجع في اجمالها الي عوامل خارجيه‏,‏
من بينها ارتفاع اسعار الواردات الافريقيه وانخفاض اسعار الصادرات وتخصيص
جانب كبير من الدخل القومي لتغطيه عبء خدمه الديون‏,‏ فضلا عن الدور
المريب للشركات متعدده الجنسيه وضعف الاستثمارات والمساعدات الدوليه
لافريقيا‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏(2)

‏تنفرد
قاره افريقيا التي ننتمي اليها بعده خصائص وسمات توثر علي تطورها وعلي
جهود دفع التنميه‏,‏ وابرزها ظاهره العنف بصور ومستويات ومسميات متعدده‏.‏

ويرجع
السبب في ذلك الي التركيبه التاريخيه والاقتصاديه والاجتماعيه للقاره‏,‏
والتركه الثقيله التي خلفتها مرحله الاستعمار‏,‏ وكانها كانت قصدا مقصودا
عندما عمدت الدول الاستعماريه الي رسم حدود تصنع التقسيم العرقي والطائفي
والقبلي علي امتداد القاره‏..‏ وهو الامر الذي ادي تلقائيا الي تفجر
الصراعات الداخليه‏,‏ والحروب الاهليه والنزاعات الانفصاليه‏,‏ فضلا عما
اسهمت به النظم القبليه العسكريه الحاكمه في عدد من دول القاره في زياده
حده الصراعات والنزاعات الاهليه‏.‏

ولابد ان يشار ايضا الي ان من
بين اهم التحديات التي شهدتها القاره واسهمت في تغييب الامن‏,‏ ان التحول
الديمقراطي والتعدديه الحزبيه في عدد من دول القاره قد جاء بقرارات علويه
وعشوائيه لم تراع فيها ضرورات التدرج حتي تتوافر البيئه والمناخ المناسبان
لذلك‏,‏ وهو ما ادي الي تفاقم المظاهر العرقيه والدينيه ونشوء الفوضي في
بعض الدول‏,‏ وفي البعض الاخر ادي نظام الحزب الواحد الي الديكتاتوريه
وقمع المشاعر العرقيه‏,‏ وبالتالي نشوء الفوضي وتفاقم الاضطرابات‏.‏

وكان
من ابرز نتائج هذه الصراعات والحروب الاهليه التي اتسمت في احيان كثيره
بطابع فوضوي انهيار سلطه الدوله ونزوح الملايين من اللاجئين والمشردين
وفرارهم عبر الحدود من دوله الي اخري‏,‏ فضلا عن الخسائر البشريه والماديه
واعمال القتل الجماعي من نوع ماحدث في الصومال واوغندا ورواندا
وبوروندي‏...‏ الخ‏.‏

وربما كان تفاقم هذا الوضع الماساوي في عدد
من الدول الافريقيه هو الدافع الاساسي لمصر منذ سنوات في استمرار الحاحها
علي ضروره وضع موضوع امن القاره في صدر اجنده الاهتمام الافريقي الي جانب
قضايا التنميه والبنيه الاساسيه‏,‏ مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي‏.‏

وربما
يكون ضروريا ومفيدا ان نتذكر ان جهود مصر تكللت بالنجاح عندما تمت
الموافقه عام‏1993‏ علي انشاء جهاز اليه فض المنازعات الافريقيه بالطرق
السلميه من خلال نظام للامن الجماعي‏,‏ تكون له سلطه اتخاذ تدابير فض
المنازعات في مهدها قبل تفاقمها وتصاعدها لحد الاشتباك المسلح‏.‏

والحقيقه
ان جهاز اليه فض المنازعات الافريقيه اشبه مايكون بمجلس امن افريقي‏,‏ ومن
هنا يجيء الحاح مصر المستمر علي ضروره الاسراع بتطوير اليه متابعه قرارات
القمه في فترات مابين دورات الانعقاد السنوي للقمه‏,‏ لتوفير قدره اتخاذ
القرارات الفوريه بمنع واداره وتسويه اي نزاعات‏,‏ اعتمادا علي جهاز
للانذار المبكر بتوقع الازمات والنزاعات قبل ان تتحول الي صراعات مسلحه‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏(3)

اعتقد
ان دور مصر في الساحه الافريقيه لايحتاج الي برهان ودليل منذ سنوات الكفاح
ضد الاستعمار وخلال مراحل وسنوات الاستقلال الاولي وحتي اليوم في مواجهه
تحديات العصر ومشكلاته المتعلقه بالتنميه والتكنولوجيا وعبء المديونيه
العالميه‏.‏

وهذا الدور للامانه التاريخيه ليس وليد اليوم وانما
يمتد الي قرابه نصف قرن عندما حددت ثوره يوليو‏1952‏ دوائر انتمائها
واهتماماتها في ثلاث دوائر هي الدائره العربيه والدائره الافريقيه
والدائره الاسلاميه‏..‏

وقد اثبتت تجربه التعامل مع افريقيا
اقترابا وابتعادا ان هذه القاره هي الارض الخصبه والساحه الماموله التي
تيسر للدبلوماسيه المصريه حريه الحركه وبعمق ليس في الدائره الافريقيه
فحسب وانما في دوائر الاهتمام الثلاث الرئيسيه علي اساس ان افريقيا تضم
بين ثناياها وجودا فعالا وموثرا للدائرتين الاخريين العربيه والاسلاميه من
خلال وجود اكثر من‏10‏ دول عربيه بها‏..‏ ومن خلال وجود اسلامي موثر كبير
علي امتداد دول القاره باسرها‏!‏

ولست اتجاوز الحقيقه اذا قلت ان
قرار مصر بتنظيم واستضافه اعمال هذه القمه الافريقيه في منتجع شرم الشيخ
قد قوبل بارتياح وترحيب غير مسبوق من جانب كل الدول المشاركه في اعمال
القمه التي ناقشت موضوعات بالغه الاهميه تملك فيها مصر خبره كبيره استناد
الي تجارب الماضي‏,‏ وتملك ايضا رويه مستقبليه عريضه انطلاقا من تبنيها
الواضح عربيا وافريقيا ودوليا لمنهج ثابت ينادي بتحقيق السلام للجميع
كمدخل يلبي مطالب الامن للجميع

والامر الموكد ان هذا الارتياح
لنجاح مصر في استضافه اكبر تجمع افريقي يستند الي رصيد من العمل
الدبلوماسي والاقتصادي النشيط لمصر علي امتداد الساحه الافريقيه والذي
توافق في توقيته مع تولي الرئيس مبارك مسئوليه الحكم في مصر عام‏1981‏
عندما وضع مهمه استعاده الدور المصري في افريقيا علي راس اولويات السياسه
المصريه‏..‏ وهو ما تعزز بشكل فعال بتولي الرئيس مبارك لرئاسه منظمه
الوحده الافريقيه لمده دورتين سابقتين تعززت خلالهما روابط الوحده
والتعاون والتنسيق بين دول القاره‏.‏

ولان مصر تومن ايمانا راسخا
بان امن القاره يستلزم الي جانب فض المنازعات وتسويه الخلافات الحدوديه
والصراعات العرقيه توفيرا عاجلا لمتطلبات التنميه كان قرار مصر التاريخي
قبل سنوات بانشاء الصندوق المصري للتعاون مع افريقيا والذي تشهد ارض
افريقيا علي اهميته وقيمته من خلال الاف الخبراء المصريين الذين تم
ايفادهم للعديد من دول القاره فضلا عن الاف المتدربين والباحثين الذين
استضافتهم مصر في دورات تدريبيه وتاهيليه متقدمه‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏.‏
‏

attalla@ahram.org.eg

من طرف **Admin** الثلاثاء ديسمبر 30, 2008 12:13 pm

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏(4)

من بين اهم ما انجزته القمه الافريقيه في شرم الشيخ اعاده تاكيد اهميه احياء التعاون العربي الافريقي في جميع المجالات وبما يتوافق مع الجهد الجبار الذي بذله الرئيس مبارك خلال اتصالاته ومشاوراته في اروقه القمه مع جميع الزعماء الافارقه‏.‏

والحقيقه ان مصر تتبني بدعم من قرارات القمم العربيه السابقه رويه متكامله من اجل مواصله الجهود لدعم وتعزيز التعاون مع قاره افريقيا وازاله كل العوائق التي تقف في طريق هذا التعاون من خلال مواصله تشجيع التعاون الثنائي العربي الافريقي في مختلف المجالات‏,‏ وتكثيف الاتصالات واللقاءات والحوارات بين الجامعه العربيه والاتحاد الافريقي من اجل تبادل المعلومات وتنسيق المواقف‏,‏ فضلا عن تشجيع المنظمات غير الحكوميه ومنظمات المجتمع المدني العربيه للقيام بدور نشيط في مجال التواصل مع نظيراتها الافريقيه‏.‏

وربما يكون مفيدا ان نتذكر معا ان التعاون الافريقي يمثل ركيزه اساسيه من ركائز الدبلوماسيه المصريه في اطار دوائر انتماءاتها واهتماماتها الرئيسيه‏,‏ وهو ما كان الدافع الرئيسي وراء تاييد وتشجيع مصر المستمر لتكثيف الاتصال والتعاون بين الدول العربيه والافريقيه بمختلف الطرق والوسائل‏,‏ مثل اقامه المعارض التجاريه وعقد لقاءات دوريه بين رجال الاعمال العرب والافارقه‏,‏ واسهام الاجهزه البحثيه المتخصصه في سرعه توفير قاعده معلومات وبيانات عن فرص الاستثمار والتبادل التجاري المشترك‏.‏

وربما يكون مفيدا ايضا ان نتذكر ان مصر تسعي منذ سنوات لتحريك فكره انشاء منطقه تجاريه حره تفضيليه عربيه افريقيه‏,‏ وتوسيع دائره المصرف العربي للتنميه الاقتصاديه في افريقيا وتاكيد اهميه قيام شركات عربيه او عربيه افريقيه مشتركه لتنفيذ المشروعات التي تتطلبها ضرورات دفع عجله التنميه في افريقيا واستيعاب واستثمار فوائض الاموال العربيه‏.‏

وفي اعتقادي ان هذه الرويه المصريه الناضجه لضروره الحفاظ علي قنوات الاتصال بين العرب وافريقيا تنبع من يقين راسخ بان افريقيا لاتشكل فقط عمقا استراتيجيا مهما للامه العربيه او رافدا اساسيا من روافد الامتداد الضروريه لاحلام الاستثمار والتنميه العربيه‏,‏ وانما لان افريقيا تمثل سندا مخلصا لقضايا الامه العربيه‏,‏ وقد كان موقفها المبدئي ولايزال في دعم الحق الفلسطيني والتضامن مع الحقوق العربيه في جميع القضايا نموذجا لمثاليه سياسيه يندر وجودها في عالم اليوم‏.‏

ويبقي ان قمه شرم الشيخ الافريقيه كانت بمثابه اعاده اشهار جديد لاهميه ومحوريه الدور المصري كجسر للتواصل بين العرب والافارقه‏,‏ وليس ذلك بالامر الجديد فقد كانت مصر ولاتزال هي محط الانظار وبوره الاهتمام باعتبارها القدوه والمثل‏,‏ وذلك استنادا الي سجل مشرف من العمل المصري في تقويه الروابط العربيه الافريقيه‏,‏ وتقديم الخبره والمشوره لكل دول القاره سواء علي المستوي الثنائي او في اطار قرارات القمم الافريقيه‏,‏ حيث لم تدخر مصر جهدا في الاسهام لانجاز التسويات السلميه وعقد المصالحات الوطنيه في كل بور النزاع والتوتر‏.‏
‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بعض
ما نشهده في الاونه الاخيره يوكد ان عقده الدور المصري الفاعل في امتها
العربيه وعالمها الاسلامي مازالت تمثل مرضا مزمنا لدي بعض من يشعرون
بعجزهم عن ان تطال قامتهم القصيره تلك القامه الشامخه العملاقه لمصر‏.‏

اقول
ذلك بعد ان اصبحت هذه العقده المرضيه عنوانا لكل من يريد التطاول علي مصر
او التنبيش بالباطل في اوراقها ليس بهدف النقد او المراجعه‏,‏ وانما من
ارضيه الرغبه في الشهره وحب الظهور لانه بغير الحديث عن مصر يقل الاهتمام
وتتراجع اهميه اي قول مهما كان نوع ما يقال او هويه ومكانه من يتحدث‏!‏

والحقيقه
ان بعض الصغار الذين اعتادوا التطاول علي مصر يقعون في خطا بالغ اذ توهموا
انهم يمكن ان يدفعوا مصر الي الانكفاء علي نفسها تجنبا لمثل هذا الغمز
واللمز الرخيص الذي يصل الي درجه الافتراء علي الحقيقه بينما يغيب عنهم ان
مصر تفهم جيدا انهم مجرد دمي‏,‏ وان هدفهم وهدف من يحركونهم هو الاستفراد
بالامه العربيه بعيدا عن مصر ودورها المحوري الذي كان علي طول التاريخ
يشكل مصدر القوه والمنعه وحائط الصد والاحتواء ضد جميع الهجمات الشرسه‏!‏

ان
هولاء الصغار يغيب عنهم ان مصر لاتلتفت لهم لانها لاتملك ترف ان تتجاهل
وزنها التاريخي او ان تتعامي عن رويه وامتلاك احد اهم اسباب قوتها التي
يمنحها لها وضعها الجغرافي والاستراتيجي‏.‏

ولست اريد ان اسكب زيتا
علي نار لن تضيئ نورا ولن تمنح دفئا ومن ثم اكتفي بالقول ان مصر كانت
ومازالت وستظل صاحبه العطاء الاكبر لامتها حضاريا وثقافيا وتاريخيا‏,‏
وانها شانها شان كل كبير يترفع عن اي تصرفات صغيره حتي لو كانت هذه
التصرفات من بين اقرب الناس اليها‏...‏

ثم ان مصر كانت علي طول
تاريخها الحديث تحديدا هي النموذج الفذ في قدره التحمل والصبر علي كثير من
المكاره ولم يفلح احد في ان يدفعها لكي تكفر بعروبتها او ان تتنكر
لالتزاماتها‏!‏

ويا كل مصري تستفزه بعض الصغائر التي تعكس جحودا
ونكرانا لمصر وفضلها‏...‏ عليك ان تقرا هذا البيت من الشعر العربي‏:.‏ كن
كالنخيل عن الاحقاد مرتفعا‏...‏ ترمي بطوب فتلقي اطيب الثمر‏.‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لست
هنا في معرض الهجوم علي احد او الدفاع عن احد ولست ايضا في معرض التبرير
لظواهر وشواهد يشير اليها الناس كنماذج مستفزه ولكنني اريد ان اقول مع
التسليم بصحه بعض ما يتردد علي الالسنه والشفاه فان واقع الحال في مصر
يشهد بان احدا لم يكن فوق الحساب والمساءله وان كل من يثبت في حقه شئ موكد
يحال الي القضاء لكي يقول كلمته‏.‏

وايضا فانني لست انكر ان حركه
الدوله واجهزتها الرقابيه في تعقب بعض ما يشار اليه حركه بطيئه‏,‏ وذلك
امر محمود للدوله علي عكس مايري البعض ويعتقد‏..‏ لان الحرص علي عدم اخذ
احد بالشبهات او توجيه الاتهام لاحد استنادا‏,‏ للشائعات افضل بكثير من
العوده لمناخ توسيع دائره الاشتباه خصوصا اننا نعرف جيدا اننا في مجتمع
لايكتفي الناس فيه بمجرد الاستماع الي اي شائعه يجري طرحها عمدا او
بالمصادفه وانما سرعان ما يجري تناقل الشائعه علي انها حقائق موكده ووقائع
دامغه تستحق فتح الزنازين وتعليق المشانق‏!‏

وبادئ ذي بدء اقول ان
ابداء الانزعاج من ايه ظواهر مستفزه علامه صحيه من علامات المجتمع المفتوح
بل انها احد انواع الضريبه المستحقه للممارسه الديمقراطيه ولكن بشرط ان
يجري التعامل مع ايه حاله استفزاز بكل ادوات الحكمه والعقل واحترام سياده
القانون وعدم الانزلاق الي خطيئه التعميم لكي تبدو حالات الاستفزاز مهما
تعددت كانها ظواهر عامه لان ذلك غير صحيح‏!‏

وسواء كانت بعض حالات
الاستفزاز تندرج تحت مسمي الفساد المالي او الفساد الاقتصادي او الفساد
الاجتماعي او الفساد الديني فان علينا ان نضع في اعتبارنا ان الفساد ليس
عندنا وحدنا ولسنا نحن فقط الذين نعاني منه‏,‏ وانما الفساد قائم وموجود
في كل دول العالم ليس في هذا العصر فقط وانما منذ ان خلق الله الارض ومن
عليها‏,‏ حيث لم يذكر لنا التاريخ بلدا واحدا او امه واحده خلت من الفساد
والانحراف‏!‏

ان الفساد يولد ويتكاثر او ينحسر حيث يوجد البشر وان
اختلفت النسب واختلفت الوسائل‏...‏ فالفساد سلوك انساني منذ فجر التاريخ
وليس صحيحا ما يروج له البعض بانه شئ لم نكن نعرفه من قبل‏..‏ ولكن فيما
مضي كانت المجتمعات مغلقه والافواه مكممه واقصي ما يمكن السماح به خبر في
بضعه سطور عنوانه من كلمتين فقط‏:‏ حادث موسف‏..‏ ويظل كل شيء طي
الكتمان‏!‏

ليتنا نكون منصفين فنسمي الاشياء باسمائها الصحيحه
واحجامها الحقيقيه وان نحكم علي الامور كبشر نخطئ ونصيب وليس باحلام
المدينه الفاضله التي لاوجود لها سوي في الكتب والروايات‏!‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

نحن
بحاجه الي الكثير ولكننا ايضا نملك الكثير‏,‏ فالذي نحتاجه بالماديات وليس
متوافرا في ايدينا يمكن ان نعوضه بالرصيد الهائل من الروحانيات
والمعنويات‏,‏ وهي ثروه لايستهان بها في بناء وتنميه وتطور الامم والشعوب
علي طول التاريخ‏.‏

نحن بحاجه الي تقويه روح الحلم والامل وطرد كل
كوابيس الاحباط والتشاوم‏,‏ وان نتجه نحو كلمه سواء ننتصر من خلالها
للجديه والتواصل ضد السلبيه والخصام تحت رايات الفضيله وقيم الخير
والتسامح‏.‏

نحن بحاجه الي حب حقيقي يجمعنا تحت رايات هذا الوطن
الذي نتعهد امامه باقتسام المسئوليه والمشاركه في تحمل تبعاتها تحت اجواء
المكاشفه والشفافيه وباسلوب الشوري والحوار وبالاحترام الكامل لمبدا تكافو
الفرص ومنهج الثواب والعقاب‏.‏

انني اتساءل ولست وحدي حول دواعي
ودوافع استمرار الدوران في تلك الحلقه المفرغه التي تستنزف معظم جهودنا‏,‏
وتبدد معظم طاقاتنا من خلال محاولات مفتعله لجرنا الي الماضي واشعال معارك
وخصومات يفترض انها دفنت وووريت تحت التراب مع اصحابها الحقيقيين من رموز
الماضي القريب والبعيد معا‏!‏

الي متي سنظل هكذا مشدودين الي
الماضي مفتونين بمعاركه وخصوماته‏,‏ التي عطلت مسيرتنا سابقا ويريد لها
البعض ان تظل عائقا امام مسيرتنا حاضرا او لاحقا؟ الم يحن الوقت لكي نجهد
انفسنا ونركز طاقه عقولنا وابداننا في تحديات الحاضر وطموحات المستقبل‏,‏
وان نوقف هذا السيرك الهزلي المتمثل في حرب المذكرات‏,‏ والتي لم تعد
مقصوره علي ما ينشر في الكتب والصحف فقط‏,‏ وانما اصبح هذا السيرك الهزلي
ماده خصبه في ارسال العديد من الفضائيات العربيه‏,‏ التي لاتمارس حريه
النقد والتشهير الا بالنسبه لمصر وتاريخها ورموزها؟

هل تراجعت كل
اولوياتنا لكي يبدو الامر امام الاخرين وكان هذه الرموز المصريه تملك ترف
اضاعه الوقت في حرب المذكرات‏,‏ التي تفتش في سجلات الموتي وتعتمد علي
شهادات للغائبين والراحلين‏,‏ وتهيئ المناخ لكي يناصب بعضنا البعض الاخر
العداء في خضم جدل ممقوت بين ما كان قبل ثوره يوليو وما حدث بعدها‏,‏ وبين
ما جري في الحقبه الناصريه وما وقع في الحقبه الساداتيه؟

اليس من
الافضل لنا ولاجيال الحاضر وبراعم الغد ان يتحول الجدل والخصام بشان
الماضي الي حوار ومصالحه حول الحاضر‏,‏ وان يسعي جميع الفرقاء المشاركين
في حرب المذكرات الي اثبات قدرتهم علي الخروج من خنادق الماضي والتعايش مع
تطورات العصر‏,‏ الذي يحتاج الي افكار متجدده واراء مستنيره لاعلاقه لها
من قريب او بعيد بتلك المعارك المنصوبه حول جثث الموتي والراحلين؟‏!‏

ما
احوجنا الي رويه الغد ومحاوله استكشاف افاقه باكثر من حاجتنا للنبش في
الماضي الذي يضر باكثر مما يفيد‏...‏ ولكن ماذا اقول‏...‏ تلك هي الحريه
وتلك هي ضريبتها ؟‏!‏

attalla@ahram.org.eg

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اظن
اننا بحاجه الي ان ندرك اننا نعيش عصرا جديدا بكل ما في الكلمه من معان
حيث كل شيئ يتغير ويتبدل بسرعه تصعب ملاحقتها بذات معدلات البطء والرويه
التي اعتدنا عليها قبل ظهور هذه الشبكه العنكبوتيه المسماه بالانترنت‏.‏

لقد
قيل لنا مثلا قبل سنوات ان شبكه الانترنت سوف تعزز موقف الراسماليه
والديمقراطيه من خلال توفير المزيد من الحريه للتجاره والاقتصاد والافراد
في مختلف المجالات وان بالامكان السيطره علي الانترنت فاذا بواقع الحال
عكس ذلك تماما‏!‏

لقد دخلت البشريه مع الانترنت منعطفا جديدا يعكسه
التطور السريع المذهل في تكنولوجيا المعلومات مما افرز واقعا جديدا لا
يقتصر علي تغيير جذري في طرق ومبادئ وتفكير وسلوك البشر وانما افرز افرادا
من نوعيات مختلفه كليا عما عرفه التاريخ من قبل‏.‏

وايضا فان هذه
الشبكه العنكبوتيه لم تفرز لنا مناهج جديده في الاقتصاد والسياسه والاسره
والتعليم وانما قلبت راسا علي عقب كل القواعد المعروفه عن حريه التجاره
وانتقال رووس المال في ظل هذا التزايد المتصاعد في حجم التجاره
الالكترونيه الواقعه تحت سيطره النخب المتحكمه بشبكات الاتصال والمعلومات
لكي تصب الفائده العظمي في النهايه لصالح جماعات المصالح التي تتجمل تحت
مسمي المجتمع المدني‏.‏

بل انني لا اتجاوز الحقيقه اذا قلت رايا قد
يبدو في نظر البعض صادما وهو ان جماعات المجتمع المدني تلعب في واقع الامر
دورا يفقد الديمقراطيه معناها الشائع بصفتها حكم الاغلبيه‏,‏ لانه بفضل
القوه والتنظيم اللذين تستطيع جماعه صغيره منظمه ان تمتلكها عبر وسائل
الاتصال وتكنولوجيا المعلومات الحديثه يمكن ان تدفع بمصالحها الي الامام‏,‏

وان
تدفع النخب السياسيه الحاكمه الي تبني وجهه نظرها بغض النظر عن مواقف
قطاعات اجتماعيه اخري مما يجعل الكفه تميل لصالح اقليات وجماعات مصالح علي
حساب مصالح الغالبيه‏,‏ خصوصا مع القدره الهائله لجماعات المصالح علي حسن
التعامل مع الاعلام لبلوره وتسويق افكارها‏!‏

والاخطر والاهم انه
علي عكس الركائز الاساسيه للديمقراطيه التي تقوم في جوهرها علي تباين
الاراء والدخول في عمليه حوار للوصول الي الراي الاصوب فان الانترنت اصبح
يسمح باعاده التجمع بين اصحاب الراي الواحد داخل اي دوله وخارجها لتسيير
امورهم بانفسهم دون الحاجه للالتقاء باصحاب الراي الاخر‏.‏

وكما
نري فان الاعلام الذي كانت تقوده الدول لتعبئه وحشد شعوبها قد سقط بفعل
الفضائيات ووسائل الاتصال العالميه حيث اصبح الجميع من افراد وجماعات مهما
تعددت الاعراق والاصول والاديان المختلفه في دول متناثره يربطهم عالم خاص
بهم عبر الانترنت علي حساب التفاعل مع مجتمعاتهم المحليه ودون الحاجه الي
العوده الي موسسات الدوله او من خلالها‏!‏
ايها الساده‏...‏ ارجوكم‏..‏ انتبهوا‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44410

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

9

‏6 من رجب 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بعض
الذين يستشهدون بالمجتمعات الغربيه للتدليل علي وجود مسافه واسعه بين
التقدم الذي تعيشه اوربا وامريكا وبين التخلف الذي يسكن في جسد امتنا كانه
مرض خبيث يستعصي علي الشفاء تصل بهم الرغبه في المبالغه الي حد تصوير هذه
المجتمعات الغربيه وكانها تجسيد متنوع لنموذج المدينه الفاضله رغم انها
مجتمعات انسانيه مليئه مثل مجتمعاتنا بالخطايا والمثالب وربما تعج باكثر
مما عندنا من نماذج وانماط تعكس مختلف مظاهر الفساد والرشوه وكل صنوف
الجريمه السياسيه والاجتماعيه‏.‏

ولكن ذلك لايمنع من الاعتراف بان
هذه المجتمعات الغربيه المتقدمه بها جوانب ايجابيه تنقصنا ونحتاج الي
الاخذ بها فهي مجتمعات تحكمها نظم ومعايير تودي في النهايه الي توفير
الاجواء الصحيه والصحيحه التي تلزم لدوران عجله العمل والانتاج بالدرجه
المطلوبه كما وكيفا تحت مظله من قواعد حاسمه وصارمه حول الثواب والعقاب
بعيدا عن اي عواطف او محسوبيه او مجاملات‏.‏

وبفضل هذه النظم
والمعايير لايعرفون في اي موقع عمل شيئا اسمه العماله الزائده عن الحاجه
ولايقبلون تحت اي مسمي بضياع دقيقه واحده من ساعات العمل الفعليه حيث
تختفي من دواوين العمل ومواقع الانتاج والتسويق التعقيدات الروتينيه
والعقبات البيروقراطيه‏.‏

اريد ان اقول ان منهجهم لتوفير فرص العمل
لايعرف مسمي التوظيف الاجتماعي الذي يمثل بوابه العماله الزائده والبطاله
المقنعه وانما يتجهون لمشروعات جديده ومجتمعات عمرانيه جديده تستوعب
الباحثين عن فرصه عمل والراغبين في ماوي للسكن والاقامه وبدء حياه جديده
بعيدا عن زحام وغلاء المدن الكبري القديمه‏....‏ وذلك امر بدانا نتحرك علي
طريقه منذ سنوات وان كان معدل سرعه التحرك دون حجم التحدي المطروح لاسباب
اجتماعيه وسكانيه وثقافيه ينبغي العمل علي معالجتها وسرعه تغييرها‏.‏

وربما
يكون ذلك مدخلي للدعوه لايجاد خط فاصل بين حاجتنا للاستفاده من تجارب
الاخرين وبين حاجتنا ايضا للتوقف عن سياسات جلد النفس والذات وادراك خطر
المبالغه في تضخيم اوجه القصور في مجتمعاتنا فنحن لسنا معدومي الموارد ولا
معدومي الكفاءات وكل مانحتاجه هو سرعه استعاده القدره علي تنظيم الصفوف
وضبط دوران عجله العمل تحت رايات الدقه والجديه والانضباط‏.‏

ان
النماذج المصريه المشرفه في شتي بلاد العالم وفي مختلف التخصصات توكد عظمه
ونباهه الانسان المصري الذي يحتاج الي مناخ اداري حازم ومناخ اعلامي مبشر
بالامل وبما يودي الي تعظيم قدره هذا الوطن علي استيعاب طاقات المبدعين
والمجتهدين‏.‏

ان المصريين في الخارج عندما غامروا باتخاذ قرار
السفر الي المجهول في هذه المجتمعات ذات الثقافات واللغات المختلفه عن
ثقافتنا ولغتنا لم يحملوا معهم سوي الاصرار علي اثبات الذات وقد ساعدهم
ذلك علي سرعه التكيف مع هذه المجتمعات طبقا لناموس الحياه الدقيق والمنضبط
الذي لا ينقصنا شيء سواه‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44411

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

10

‏7 من رجب 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

في
اعتقادي انه اذا استمرت الامور علي ماهي عليه الان‏,‏ واستمر تزايد السكان
في العالم العربي دون الوصول الي حلول جماعيه حاسمه لمضاعفه الدخل
القومي‏,‏ فسوف تواجه الدول العربيه جميعا‏,‏ وبغير استثناء تحديات صعبه
خلال السنوات المقبله‏,‏ في مقدمتها ازمه الغذاء بوجه عام وازمه رغيف
الخبز بوجه خاص‏.‏

انه عيب وعار علي امتنا العربيه ان يتهددنا مثل
هذا الخطر المخيف برغم ان الارض العربيه مليئه بموارد طبيعيه يحسدنا عليها
الاخرون من بترول ومعادن وخامات في بعض الدول‏,‏ وانهار واراض صالحه
للزراعه في دول اخري‏..‏ ومع ذلك فان غياب التكامل والتنسيق العربي لم
يسمح لهذه الثروه ان تعبر عن نفسها في خدمه المجموع العربي حتي الان‏.‏

ولعل
اكبر مفارقه تكمن في ان العرب مازالوا حتي اليوم يملكون ثلثي انتاج العالم
كله من البترول‏,‏ ومع ذلك فان مستوي الدخل في العالم العربي باستثناء
الدول المصدره للنفط‏,‏ وما اقل عدد سكانها بالنسبه لمجموع سكان الامه
العربيه يعتبر من المستويات المتواضعه والمتدنيه عالميا‏.‏

ان
الارتفاع الجنوني في اسعار البترول قد يرتد علينا في شكل كوارث اقتصاديه
مالم نبادر بتوظيف هذه الطفره التي احدثت لدي دول البترول العربيه تخمه
ماليه هائله‏,‏ تتطلب فكرا استثماريا وتنمويا جديدا يتجاوز لعبه الايداع
في المصارف الاجنبيه بكل مخاطرها‏!‏

ان السوال الملح الان هو‏:‏
لماذا لا يتم توجيه هذه الفوائض الماليه الهائله باتجاه بناء مشروعات
استثماريه عملاقه من صناعات وتقنيات وتوسعات زراعيه‏..‏ ولماذا يظل العالم
العربي عاجزا عن اعاده الاتزان للمعادله المختله حيث تتوافر اراض زراعيه
شاسعه لاتجد من يزرعها او يقدر علي تكلفه استثمارها في بعض الدول‏,‏ بينما
هناك دول اخري لديها فوائض ماليه ضخمه ولكنها تفتقر الي مثل هذه الارض
الصالحه للزراعه لكي تستقطب جانبا كبيرا من فوائضها الماليه‏.‏

انني
اعتقد انه قد ان الاوان لاعاده فتح ملف السوق العربيه المشتركه التي تمثل
قاعده واساس اي جهد حقيقي علي طريق بناء قوه ذاتيه عربيه‏,‏ لاتوفر للعرب
اوضاعا اقتصاديه واجتماعيه متميزه فحسب‏,‏ وانما توفر ايضا اوضاعا سياسيه
وتفاوضيه يصعب علي اي مكابر او مغرور بخيلاء القوه ان يتجاهلها‏!‏

وليس
هناك اسلوب يصلح لاعاده فتح ملف السوق العربيه المشتركه سوي اسلوب
المصارحه والمكاشفه دون اي حساسيات‏,‏ ودون اي عقد‏,‏ مادام هناك اقتناع
بتوافر حسن النيات‏,‏ وسلامه المقاصد في الطرح‏,‏ والاستنتاج علي حد
سواء‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44412

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

11

‏8 من رجب 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

في
تاريخ امتنا العربيه والاسلاميه رجال وائمه ملا الايمان قلوبهم وفهموا
الاسلام علي حقيقته فانتشروا في الارض ينشرون مبادئه كدعاه عدل ورواد
حضاره يولفون بين القلوب لجمع شمل الامه ويفسرون ما يغمض علي الناس بروح
سمحه‏,‏ ومن هولاء الامام الشافعي رضي الله عنه الذي كان سابقا لعصره
وزمانه في تاكيد اهميه الشوري في الثقافه الاسلاميه من قبل ان تعرف الامم
الاخري شيئا عن الديمقراطيه‏.‏

وقد سئل الامام الشافعي من احد مريديه عن الشوري ومكانتها في الاسلام فاجاب‏:‏ ان الشوري تعتبر فرضا علي الحاكم والمحكوم‏.‏

وكان
الامام الشافعي يحرص في مجالسه الدينيه طوال فتره اقامته بمصر علي تاكيد
ان للحاكم واجب الطاعه مادام الناس قد اختاروه باختيار حر وبيعه لا اكراه
فيها ولازيف‏!‏

وقد استطاع الامام الشافعي وهو في مصر ان يتحرر في
ارائه فالف كتابا عن قتال اهل البغي استنادا الي قوله تعالي‏:‏ فقاتلوا
التي تبغي حتي تفئ الي امر الله‏.‏

ومن اعظم ما افتي به الشافعي ان
العدل ليس في رفع الظلم عن المظلومين فقط او ضمان وصول الحقوق لمستحقيها
فحسب‏,‏ وانما من العدل ان يحسن الحاكم اختيار الولاه فقد قال رسول الله
صلي الله عليه وسلم‏:‏ من ولي من امر المسلمين شيئا فولي رجلا وهو يجد من
هو اصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمومنين لان حسن اختيار
الولاه هو السبيل لاقامه العدل‏!‏

وقد احدثت اراء الامام الشافعي
باستنارتها نهضه فكريه ودينيه احدثت اصداء واسعه ليس في مصر وحدها وانما
علي امتداد العالم الاسلامي باسره‏,‏ حيث كانت حلقاته الثلاث كل يوم ملتقي
كل راغبي العلم والمعرفه والتفقه في شئون الدين‏..‏ كانت حلقاته الثلاث هي
حلقه القران وحلقه الحديث وحلقه الادب والمعارف الانسانيه‏.‏

وكانت
خلاصه كل هذه الحلقات والندوات المفتوحه تعريفات واضحه ومحدده لاصول الفقه
والدين‏,‏ حيث كان قوله دائما‏:‏ نحن نحكم بالكتاب والسنه المجمع عليها
التي لا اختلاف فيها‏.‏

وعلي الرغم مما لقي الامام الشافعي من بعض
المتعصبين لمذاهب اخري فقد ظل يتابع حلقات الحوار والدرس‏,‏ والناس يفدون
اليه من مختلف الاقطار مفتونين بطريقته في الالقاء والجدل‏,‏ وببلاغته حين
يخطب الجمعه حتي اسموه خطيب الفقهاء‏.‏

ولعل ابرز ما كان يتميز به
الامام الشافعي انه اتجه بالفقه اتجاها علميا جديدا فهو يعني بالقواعد
الكليه ولا يضيع وقته في الفروع لان مايصح علي الكل ينطبق بالضروره علي
الجزء‏.‏

وغدا نستكمل حديثنا عن الامام الفقيه ورجل الدين المستنير‏.‏

attalla@ahram.org.eg

44413

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

12

‏9 من رجب 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

- ‏2‏ -

لان
اللغه العربيه هي لغه القران الكريم‏,‏ فان الامام الشافعي رضي الله
عنه‏,‏ كان يري ان حمايه اللغه العربيه ضروره لحمايه الاسلام من اي
تحريف‏,‏ وكان في كافه مجالسه يطالب الفقهاء والولاه والقضاه باتقان اللغه
العربيه لكي يفهموا النصوص فهما كاملا تبيانا لكل شيء وهدي ورحمه وبشري
للمسلمين‏..‏

فمن لايتقن العربيه غير جدير بالنظر في الشريعه
الاسلاميه‏.‏ وكان يعني بوضوح ان اتقان العربيه ليس مجرد اتقان النطق بها
وانما اتقان علومها من نحو وصرف وفقه وبلاغه وادب وشعر‏.‏

وهناك
قصه شهيره تدلل علي صحه ما انتهي اليه الامام الشافعي حول اهميه اتقان
اللغه قبل الشروع في ابداء الفتوي والتعرض لمضامين الفقه‏:‏ حيث كان
الامام الشافعي يدير حلقه عن القران الكريم في جامع عمرو بن العاص فساله
احد الحاضرين وكان من اقليم خراسان‏:‏ ماهو الايمان يافضيله الامام‏...‏
فرد الشافعي‏:‏ ماذا تقول انت فيه؟‏..‏ فاجاب الخرساني‏:‏ الايمان
قول‏...‏ فساله الشافعي‏:‏ من اين جئت بذلك؟‏!‏

فاجاب الرجل‏:‏ من
قوله تعالي ان الذين امنوا وعملوا الصالحات فصارت الواو فصلا بين الايمان
والعمل‏...‏ فساله الشافعي‏:‏ معني ذلك انك تري ان الواو حرف فصل‏..‏
فاجابه الخراساني نعم‏...‏ وعندها قال الشافعي‏:‏ ان الاخذ بما تقول به
معناه انك تعبد الهين‏..‏ الها في المشرق والها في المغرب لان الله تعالي
يقول رب المشرقين ورب المغربين‏..‏ فانتفض الخراساني‏:‏ سبحان الله
اتجعلني وثنيا كافرا يا فضيله الامام؟‏!..‏

وبكل هدوء اجابه الشافعي‏:‏ بل انت الذي جعلت نفسك كذلك بزعمك ان الواو حرف فصل‏!‏

وكان
للامام الشافعي نظام حياه لم يحد عنه‏..‏ كان يبدا دروسه بعد صلاه الفجر
بعلوم القران فاذا انتهي منها جلس الي درس الحديث‏..‏ ثم يعقد بعد هذا
مجلسا لعلوم اللغه والشعر وشتي المعارف الانسانيه الاخري‏..‏ وفي هذا
المجلس الاخير كان يعظ من يستمع اليه او يحاوره‏:‏ انما العلم علمان‏..‏
علم الدين وعلم الدنيا فاما الذي هو علم الدين فهو الفقه‏,‏ والعلم الذي
للدنيا هو الطب فلا تسكنن بلدا ليس فيه عالم يفتيك عن امر دينك ولا طبيب
ينبئك عن امر بدنك‏.‏

ولم يسلم الامام الشافعي‏,‏ شان كل العلماء
والفقهاء المستنيرين‏,‏ من سخافات ورذالات المتعصبين والمتطرفين الذين
يضللون بافكارهم الرجعيه عقول السفهاء الذين بلغت ببعضهم الحماقه الي حد
الاعتداء عليه بضرب مبرح ذات يوم حتي سقط مغشيا عليه وهربوا‏...‏ ولم
يسعفه احد فارسل الي السيده نفيسه يسالها الدعاء فقالت للرسول الذي جاءها
من عنده احسن الله لقاءه ومتعه بالنظر اليه‏..‏ فعلم انها النهايه‏.‏

وهكذا
لقي الامام الشافعي وجه ربه بعد واقعه الاعتداء عليه باسابيع قليله يوم
الجمعه الاخير من شهر رجب سنه‏204‏ هجريه ولم يكن قد تجاوز الرابعه
والخمسين من عمره بعد حياه حافله في خدمه الاسلام وتاكيد انحيازه لحريه
الراي وحريه الفكر‏...‏ رحمه الله فقد كان كالشمس في الدنيا وكالعافيه في
الناس علي حد تعبير الامام احمد بن حنبل الذي جاء ايضا الي مصر ليكون نعم
الخلف وخير العوض عن رحيل الامام الشافعي‏.‏

attalla@ahram.org.eg

44415

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

14

‏11 من رجب 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

مع
ان كثيرين داخل منطقه الشرق الاوسط وخارجها هيئ لهم ان استرداد مصر لكامل
ترابها الوطني مع زوبعه الرفض والغضب العربي ضد مصر بعد توقيع اتفاقيه
السلام المصريه الاسرائيليه هو امر كفيل باخراج مصر نهائيا من معادله
النزاع العربي الاسرائيلي ‏..‏ الا ان مصر استطاعت بفضل حكمتها وبعد نظرها
ان تثبت ان هذه تهيوات خاطئه‏,‏ لان مصر لاتستطيع ان تخلع عباءاتها
الجغرافيه او ان تمسح ذاكرتها التاريخيه‏,‏ او ان تلغي روابطها القوميه
والروحيه مع جيران واشقاء ارتبطوا بها وارتبطت بهم وجمعتهم جميعا علي مدي
التاريخ اجنده خطر واحده واجنده مصالح مشتركه‏!‏

وهكذا نشا اصرار
مصر علي التمسك بموقفها الداعم لخيار السلام والملتزم بالموقف القومي‏..‏
وهو موقف لم ينجح احد في ان يثنيها عنه‏,‏ او ان يدفعها لمجرد التفكير في
التراجع عنه ابدا منذ ان بدا دوران عجله عمليه السلام قبل‏30‏ عاما وحتي
اليوم‏.‏

كان صوت مصر واضحا ومعلنا وصريحا في خطابها السياسي
والاعلامي‏,‏ بان المنطقه في حاجه الي سلام يرتكز الي العدل والشموليه‏,‏
وليس مجرد تسويه لتسكين الاوضاع علي طريقه الحقن والحبوب المهدئه فقط‏!‏

ولم
تترك مصر اي فرصه في اتصالاتها الثنائيه او في بياناتها الرسميه من اجل
تجديد تاكيد ان اي اتفاقيات يتم ابرامها بالاكراه والاملاء دون ان تفي
بتطلعات جميع الاطراف دون استثناء‏,‏ او مراعاه مصالح احد الاطراف علي
حساب الاطراف الاخري او الاكتفاء بمسار وترك مسار‏..‏ لن تودي الي قيام
سلام دائم ومستقر‏.‏ كانت المعادله التي طرحتها مصر ومازالت تصر عليها
ترتكز الي مبادئ موتمر مدريد عام‏1991‏ من خلال قرارات مجلس الامن
ارقام‏242‏ و‏338‏ و‏425‏ اضافه الي مبدا الارض مقابل السلام‏.‏

وكان
راي مصر ولايزال ان الترجمه الحقيقيه لهذه المبادئ تتمثل في ضروره انسحاب
اسرائيل من الاراضي العربيه المحتله بما فيها القدس‏,‏ وحق الفلسطينيين في
تقرير المصير الذي يتضمن حق اعلان الدوله وحق العوده للاجئين‏,‏ فضلا عن
حق جميع الاطراف بما فيها اسرائيل في العيش في سلام داخل حدود امنه‏,‏
بحيث لاتتعرض لاستخدام القوه او التهديد بها‏.‏

ولعل الذين تجاهلوا هذه النصائح المصريه من داخل المنطقه ومن خارجها يدركون الان‏..‏ علي من تقع مسئوليه المازق الراهن‏...‏

لقد
اثبتت الاحداث ان لمصر استراتيجيه ثابته لم ولن تتغير‏,‏ ثم ان مصر لاتفرض
نفسها علي احد كما انها لاتوصد ابوابها في وجه احد يطلب مشورتها او يستعين
بدورها‏!‏

وعلي الجميع ان يراجعوا انفسهم وان يعيدوا ترتيب اوراقهم بموضوعيه وعقلانيه ودون استكبار علي الحقيقه‏!‏

واذا
كانت عمليه السلام قد حظيت مجددا باهتمام دولي ملحوظ في قمه الاتحاد من
اجل المتوسط التي استضافتها باريس امس‏,‏ فان ذلك لم يكن بعيدا عن جهد
مصري بارز ورويه مصريه صريحه‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44416

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

15

‏12 من رجب 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بعيدا
عن الدخول في نتائج قمه باريس التي حملت عنوانا لافتا هو‏:‏ الاتحاد من
اجل المتوسط وشارك فيها اكثر من‏40‏ رئيس دوله وحكومه في مقدمتهم الرئيس
مبارك الذي تولي مع الرئيس ساركوزي رئاسه اعمال القمه فان من الضروري ان
نتوقف بالتامل امام اهميه ومغزي هذا الطموح الجغرافي‏.‏

وفي
اعتقادي انه مهما قيل عن محدوديه النتائج السياسيه والاقتصاديه لاعلان
باريس فان علينا ان ننظر الي الحلم المشروع لمنطقه البحر المتوسط علي ضوء
القيمه التاريخيه لهذه المنطقه باعتبارها مهد الديانات السماويه الثلاث
ومحور التقاء الحضارات والثقافات‏.‏

اريد ان اقول بوضوح ان الامال
العظيمه تبدا بافكار طموح مستنده الي معطيات حقيقيه وفي منطقه البحر
المتوسط تتوافر الان فرصه تاريخيه للتلاقي بين حلم دول الجنوب نحو سرعه
التخلص من النزاعات المسلحه التي تنهش فيها وحلم دول الشمال التي ترغب في
تامين المجال الاستراتيجي الحيوي لها‏.‏

وبصرف النظر عن وجود حزمه
من التناقضات بين شمال المتوسط وجنوبه وهذه التناقضات تتنوع بين السياسه
والاستراتيجيه واللغه والثقافه والدين فان السعي لايجاد نقطه التقاء في
هذا الفضاء المتوسطي يشكل مدخلا مهما وضروريا لاجهاض مفهوم صراع الحضارات
الذي اطلقه هنتنجتون قبل عده سنوات ووجد للاسف الشديد بعض الرواج علي ضفتي
المتوسط حيث نقطه الفصل الحاده بين الشرق والغرب سياسيا وبين الشمال
والجنوب جغرافيا‏.‏

واذا كان مفهوما ان تصدر اصوات اوروبيه عديده
تعارض فكره الاتحاد من اجل المتوسط مثلما تري المانيا انه يشكل تهديدا
لقلب الاتحاد الاوربي او كما تري اسبانيا انه انحراف عن اطار مسيره
برشلونه فان من غير المفهوم ان تصدر اصوات معارضه من جنوب المتوسط خشيه
التطبيع مع اسرائيل ودون ادراك بانه فضلا عن ان هذه المخاوف لا اساس لها
فان من مصلحه دول جنوب وشرق المتوسط قيام منطقه سلام وديمقراطيه وتعاون
وازدهار تحت رايات واضحه من الحوار والاحترام المتبادل بين الثقافات‏!‏

اننا
نتحدث منذ سنوات عن الحاجه الي دور اوروبي ينهي هذا الانفراد الامريكي
الكامل بتوجيه ورعايه عمليه السلام في الشرق الاوسط‏,‏ وربما يمثل الاتحاد
من اجل المتوسط نقطه بدايه حقيقيه لصناعه وصياغه هذا الدور الاوروبي
المنشود للمساعده في تحقيق تسويه عادله وشامله للصراع العربي الاسرائيلي
ترتكز علي قرارات الشرعيه الدوليه‏.‏

ولن نخسر شيئا بتجربه الرهان علي هذا الفضاء المتوسطي‏...‏ والتقاط الفرص المتاحه عنوان الوعي السياسي للامم والشعوب الناهضه‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44417

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

16

‏13 من رجب 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لست
بحاجه الي القول ان قرار المحكمه الجنائيه الدوليه تجاه الرئيس السوداني
عمر البشير يمثل نقطه فاصله في مسار العلاقات الدوليه‏,‏ ويفتح الباب امام
التباسات مخيفه تتداخل فيها القرارات السياسيه مع عرائض الاتهام القانونيه
حسب الاهواء الدوليه‏!‏

ثم انني لست بحاجه الي القول ان التعامل مع
هذا الملف الشائك يحتاج الي قراءه متجدده للواقع الاقليمي والدولي تحت
مظله من الوعي والادراك باننا ازاء عصر جديد بحسابات جديده‏,‏ وهو مايتطلب
بناء تصور عربي وافريقي مشترك حول كيفيه التعامل مع هذه الاوضاع والحسابات
والموازين الجديده‏.‏

لعلي اكون اكثر صراحه واشد وضوحا واقول اننا
نعيش عالما جديدا لايحترم ولا يضع في اعتباره حسابا سوي لمن لديهم القدره
علي اثبات عمق معرفتهم لانفسهم وعمق معرفتهم للاخرين‏.‏

اننا في
لحظه فاصله من تاريخ البشريه تستلزم تعاملا جديا يسهم في سرعه تفادي
المخاطر الراهنه والمخاطر المحتمله‏,‏ وهو مايستلزم كنقطه بدايه جديه
الرغبه في قراءه الاحداث بموضوعيه وامانه وعقلانيه‏,‏ بما في ذلك حتميه
وضروره نقد النفس والذات وعدم الاقتصار فقط علي القاء تبعيه المشاكل
والمخاطر والازمات علي القوي الخارجيه وحدها‏,‏ لان هذه القوي لم يكن لها
ان تعبث في اقدارنا ومصائرنا دون ان تجد لها سندا من صراعات مكتومه داخل
امتنا وداخل اوطاننا‏.‏

ان القضيه ليست مجرد اعلان برفض مقدمات
الوصايه الاجنبيه علي شعوبنا‏,‏ وانما المطلوب ان نبدا بمصارحه انفسنا
والتاكيد علي حاجتنا الملحه الي وضوح الرويه ومرونه الفكر عند التعامل مع
مثل هذه الازمات الحاده‏.‏

ان المطلوب ابعد ما يكون عن قرارات
مفعمه بالعواطف تساير مشاعر الخوف والقلق التي تسيطر علي البعض‏,‏ وذلك
يتطلب ان نجد علي ارض الواقع وفي اسرع وقت ممكن مخارج تفتح باب الامل
وتكشف عن فكر جديد يعكس جديه التعامل مع مازق بهذا الحجم المخيف‏.‏

ولن
يكون بالامكان التحرك خطوه واحده علي الطريق الصحيح مالم يتوافر الادراك
الصحيح بحجم وخطوره المازق وضروره نشوء روح جديده تقدر علي الامساك بزمام
الحركه والمبادره حول سبل الخروج من المازق بالفهم السليم لاوضاع العالم
الراهنه وقوانينه واحكامه المستحدثه والمتسارعه‏.‏

ومن يري طريقا غير الذي تحدثت عنه فليدلنا عليه‏!‏

attalla@ahram.org.eg