رد: كل يوم بقلم مرسي عطا الله

44418

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

17

‏14 من رجب 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

ليست
هناك حريه صحافه في غياب حريه الصحفي من ناحيه‏,‏ ومسئوليته الادبيه
والمهنيه من ناحيه اخري‏,‏ فالحريه التي لاتقترن بالمسئوليه هي التي يمكن
ان تفتح الباب امام امكانيه تلوين الاخبار وتحريفها وفتح الطريق نحو
ممارسات خاطئه لاتسيء فقط للمجتمع‏,‏ وانما تهدد حريه الصحافه
ومصداقيتها‏!‏

ولعلنا نتفق بدايه علي الحق المطلق للشعوب والافراد
في الحصول علي صوره موضوعيه للواقع من خلال وسائل اعلاميه دقيقه
وموتمنه‏,‏ ومن ثم فان في مقدمه المهام المنوطه بالصحافه والصحفيين هو
ضروره الوفاء بهذا الحق من خلال عرض الحقائق بموضوعيه وامانه بعيدا عن اي
تحريف‏,‏ لكي يكون الراي العام علي بينه كامله من وقائع الاحداث من ناحيه
وبما يمكنه من فهم طبيعه ومغزي وجذور ما يشهده علي ارض الواقع من ناحيه
اخري‏!‏

ومع التسليم بمتغيرات العصر الذي نعيشه وطغيان الحسابات
والروي الماديه علي كل شيء فان الصحافه تظل ذات خصوصيه فريده في فهمها
لوظيفتها وضروره مراعاه ان الخبر والراي والمعلومه مصلحه اجتماعيه وسياسيه
قبل ان تكون سلعه تجاريه يحكمها منطق المكسب والخساره بالبعد الاقتصادي
والمالي فقط‏!‏

لعلي اكون اكثر وضوحا واقول ان مغريات النشر والجذب
والرواج لاينبغي لها باي حال من الاحوال ان تمس مبدا اساسيا هو احترام حق
الافراد في الخصوصيه وتجنب القذف والتشهير والافتراء‏..‏ وانه مهما اتسعت
مساحه الحريه فان اخلاقيات المهنه تفرض علي ممارسيها الالتزام بالاحترام
الكامل للمجتمع وموسساته الديمقراطيه والاخلاق العامه‏.‏

ولست اظن
ان احدا يمكن ان يجادل في ان الصحافه رساله قبل ان تكون بضاعه في سوق
العرض والطلب ومن ثم فان الواجب الاساسي الملقي علي عاتق الصحفي والصحيفه
هو موازره ودعم كل مايعزز من القيم الانسانيه المرتبطه من ناحيه وكل ما
يسهم في معالجه القضايا المعيشيه الحيويه للمواطن من ناحيه اخري‏.‏

ان
نزاهه المهنه تحتم علي الصحفي والوسيله الاعلاميه التي يعمل بها عدم قبول
ايه صوره من صور الرشوه المنظوره وغير المنظوره درءا لشبهه المسانده
للمصالح الخاصه علي حساب الصالح العام‏.‏

واذا كانت ابجديات
الصحافه المحترمه تقول بضروره احترام حقوق الملكيه الفكريه للاخرين او
الامتناع عن انتحال الافكار فان حق الرد والتصحيح ينبغي ان يظل حقا مقدسا
لكل صاحب حق‏,‏ لان ذلك هو البعد الاعمق في مفهوم حريه الصحافه‏.‏

وظني
ان الشعور بالمسئوليه نداء داخلي قبل ان يكون التزاما بحكم القانون‏,‏ او
بما تنص عليه هذه الوثيقه او تلك‏,‏ لان كسب احترام الراي العام اهم بكثير
من تجنب الوقوع تحت طائله القانون‏!‏‏

attalla@ahram.org.eg

44419

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

18

‏15 من رجب 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اذا
كان من واجب كل مسلم ان يدعو الي تقوي الله وان يبذل كل جهد مستطاع في
سبيل نشر الحق والخير والامان‏,‏ فان الافتاء امر جد مختلف‏,‏ وينبغي ان
يقتصر علي اولي العلم والمعرفه من ذوي الحكمه والبصيره الذين لاتنطق
افواههم شيئا الا استنادا للادله الشرعيه والاحكام الثابته‏.‏

وحتي
فيما يتعلق بالدعوه الي تقوي الله التي هي واجب كل مسلم حسب مقدرته فان
الاسلام حدد قواعدها عندما خاطب المولي عز وجل نبيه الكريم محمد بن
عبدالله صلي الله عليه وسلم بقوله‏:..‏ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من
حولك‏...‏ وهو جل جلاله القائل ايضا في محكم كتابه‏:‏ ادع الي سبيل ربك
بالحكمه والموعظه الحسنه وجادلهم بالتي هي احسن‏.‏

لم يقل الاسلام
بحق احد في التشنج او ارتداء عباءه المزايده باسم الحرص علي الدين‏,‏
وانما قال الاسلام بضروره التخاطب المهذب والحوار العقلاني تحت مظله
الرغبه في ابقاء الود والتفاهم ونبذ القطيعه والكراهيه‏...‏ ولكن الامر
الذي يوسف له ان امثال هولاء المتشنجين يتكاثرون كالطفيليات ويستغلون
سماحه المجتمع في مواصله بث سمومهم في اوساط البسطاء الذين تسحرهم بعض
كلمات ظاهرها الحق وباطنها الباطل‏!‏

لقد عاش الاسلام وازدهر علي
مدي اكثر من‏14‏ قرنا من الزمان كدين ودنيا بفضل الدعاه الحقيقيين الذين
مازلنا نامل في ان يتكثف ويتعاظم جهدهم لتعريه الدعاه المزيفين الذين
بلغوا حد الدخول في المناطق المحظوره والخطيره عندما يقدمون علي جريمه
الافتاء بغير علم التي تصل بهم الي مرتبه الشرك بالله‏...‏ فالمولي عز وجل
يقول في كتابه العزيز‏:‏ ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا
حرام لتفتروا علي الله الكذب‏....‏ وهو ايضا القائل جل شانه‏:‏ قل انما
حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ومابطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا
بالله مالم ينزل به سلطانا وان تقولوا علي الله مالاتعلمون‏.‏صدق الله
العظيم‏.‏

ان الدعاه الحقيقيين ليسوا متشنجين وليسوا شتامين
متخصصين في الشجب والتنديد‏,‏ وانما هم رجال علم ورواد نصيحه يتميزون
بالحلم وسعه الافق وتجنب الجدل وتقديم المثل الطيب في السلوك الحسن من
خلال عفه اللسان وطهاره اليد والسريره‏...‏ والدعاه الحقيقيون يفترضون
دائما حسن النيه في غيرهم ولايوزعون الاتهامات علي احد بغير دليل او
بينه‏..‏ والله عز وجل يقول في محكم كتابه قل هذه سبيلي ادعو الي الله علي
بصيره انا ومن اتبعني صدق الله العظيم‏.‏

attalla@ahram.org.eg

44420

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

19

‏16 من رجب 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اعتقد
ان اخطر ما يتسلل الي العقل العربي هو القول بان الصمت او العجز الامريكي
تجاه السياسات والمواقف الاسرائيليه المجافيه لابسط مبادئ القانون
والشرعيه الدوليه يرجع الي تاثير اللوبي اليهودي الامريكي فقط والذي لا
يعمل لدعم وتاييد اسرائيل فحسب وانما يعطل رغبه امريكيه حقيقيه في اقامه
علاقات طيبه مع العالم العربي‏!‏

لقد كان بالامكان الترويج لمثل
هذه المغالطات ابان حقبه الحرب البارده عندما كانت حسابات الاستقطاب تجعل
من اسرائيل هي الكفه الراجحه في معطيات الاوزان بمنطقه الشرق الاوسط ولكن
ذلك شئ يصعب فهمه الان‏,‏ لان جميع الشواهد تشير الي ان امريكا لديها
اسبابها الذاتيه في الانحياز لاسرائيل قبل وبعد الحرب البارده وقبل وبعد
انهيار الشيوعيه العالميه حيث ينظر الامريكيون للدوله العبريه علي انها
قاعده عسكريه لخدمه مصالح امريكا في المنطقه‏.‏

لقد ثبت بوضوح ان
انتهاء الحرب البارده لم يخفف من العلاقه العسكريه بين الولايات المتحده
الامريكيه واسرائيل التي تستلهم الي حد بعيد المقتضيات الاقتصاديه لتجمع
صناعتيهما العسكريه والاهداف السياسيه للمسئولين الحكوميين في كلا
البلدين‏..‏ والدليل علي ذلك ان الدعم الامريكي لاسرائيل وصل في السنوات
الاخيره الي درجه الذروه رغم ان اسرائيل لم تكن في تاريخها اكثر امنا
استراتيجيا مما هي عليه الان‏..‏ والسبب الاخر لهذه المستويات المستمره من
التعاون الاستراتيجي يمكن ربطه بالاعتقاد بانه لا تزال هناك تهديدات كامنه
لمصالح البلدين لاعلاقه لها بالشيوعيه الدوليه التي انتهت ولكنها تتطلب
المحافظه علي تفوق عسكري ساحق لاسرائيل يضمن القدره علي ترهيب الفضاء
الاقليمي الواسع للشرق الاوسط وليس الدول العربيه وحدها‏!‏

وربما
يعزز من صحه ما اقول به ان بعض الاصوات الحكيمه في اسرائيل بدات تعبر عن
انزعاجها علي اساس ان مثل هذا التعاون الاستراتيجي يساعد الحكومات
الاسرائيليه علي استمرار مقاومه التسويات الضروريه للوصول الي سلام يوفر
الامن والاستقرار الدائم لاسرائيل وجيرانها‏..‏ بل ان هذه الاصوات
الاسرائيليه العاقله تعتقد ان الضعف الفلسطيني والتصلب الامريكي قد اجتمعا
معا ليعيدا الافكار والمخططات التوسعيه ثانيه الي الساحه الاسرائيليه‏,‏
وان هذا التطور يضاعف اكتئاب المرء لان الجمهور الاسرائيلي اكثر استعدادا
الان لتقديم تنازلات في موضوع الاراضي اكثر من اي وقت مضي‏.‏ ومن ارضيه
المتابعه الدقيقه لبعض ما يكتب في اسرائيل من دراسات وابحاث اقول ان بعض
الاسرائيليين يشعرون خلال السنوات الاخيره بانه يجري استخدامهم لتحقيق
الاهداف السياسيه لامريكا في المقام الاول‏,‏ كما ان اسرائيليين اخرين
يشبهون مايحدث الان بما سبق ان حدث لليهود في اوروبا في العصور الوسطي
الذين خدموا كمرابين وجامعي ضرائب نيابه عن النخبه الحاكمه ليجدوا في
النهايه ان سادتهم قد تخلوا عنهم فاصبحوا كبش فداء سهلا‏.‏

وفي
اعتقادي ان حاله الالتباس المعقده واجواء الحيره والتردد بشان اسلوب
التعامل مع الملف النووي الايراني ليست بعيده عن مشاعر القلق المتناميه
لدي قطاع واسع من التيار العقلاني داخل اسرائيل حيث يسود انطباع بان
الدوله العبريه وبرغم وجود مصلحه لها في ضرب ايران فان امريكا ستكون
المستفيد الاكبر علي عكس اسرائيل التي ستدفع الثمن الاكبر‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44421

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

20

‏17 من رجب 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اذا
كان الارهاب عملا مدانا ومرفوضا تجب مقاومته ضمن نطاق تعاون دولي يتم في
اطار الامم المتحده ويستند الي مبادئ ميثاقها فان المقاومه ضد الاحتلال
الاجنبي حق دولي لا احد يستطيع انكاره‏..‏ ومعني ذلك ان المقاومه ضد
الاحتلال شئ والارهاب شئ اخر واي ربط بين المقاومه والارهاب لايعدو كونه
ربطا تعسفيا جائرا غايته المساواه بين المقاومه والارهاب‏,‏ في محاوله
مكشوفه لاسقاط المقاومه كحق مشروع للشعوب في مواجهه اشكال الاحتلال التي
تتعرض لها‏.‏

ومن يقرا في صفحات الثقافه السياسيه والانسانيه علي
طول التاريخ يجد ان المقاومه عمل مشروع تقوم به جماعه او شعب لتحرير ارضها
من نوع ما يحدث علي ارض فلسطين منذ اكثر من نصف قرن‏,‏ حيث اسرائيل تمارس
نهجها العدواني الجائر بغرض التوسع والاستيطان‏,‏ وحيث يواصل الشعب
الفلسطيني المقاومه بكل الوسائل المشروعه المتاحه لديه دفاعا عن وجوده
وحقه في الحياه وفي العوده الي دياره واقامه دولته المستقله التي احتلتها
اسرائيل بقوه العدوان والارهاب وحروب التهجير والاباده‏.‏

اما
الارهاب فلا يختلف احد علي انه عمل مرفوض يقوم به شخص او جماعه او قوه
محتله ضد الابرياء بقصد ترويعهم وبث الرعب والخوف في صفوفهم او بقصد
الحصول علي اهداف معينه سياسيه او غير سياسيه‏,‏ وقد يستغل الارهاب بعض
الظروف للتغطيه علي طبيعته في بعض الاحيان لكنه في كل الحالات يلتقي مع
الاحتلال والعدوان بكل اشكالهما والوانهما بل ان الاحتلال بكل المعايير هو
ذروه الارهاب‏.‏

ولو ان العالم استجاب للدعوه التي سبق للرئيس
مبارك ان طرحها اكثر من مره منذ عام‏1984‏ وحتي اليوم بخصوص عقد موتمر
دولي يكون مخولا للتوصل الي تعريف دقيق للارهاب يحدد معناه وجذوره واسبابه
واشكاله ومصادره وخطره علي الامن الدولي لكان المجتمع الدولي قد تفادي
الكثير من معاناته الناجمه عن الارهاب وممارساته الواقعه من قبل قوي ظاهره
وخفيه او حتي من قوي تمارسه علانيه وتلقي بتهمته علي العرب والمسلمين في
محاوله مكشوفه لاخفاء طبيعتها الارهابيه والارهاب المنظم الذي يشكل جوهر
سياساتها‏.‏

ان من الموسف له ان يجري عن عمد تغييب حقائق واضحه
وضوح الشمس بشان الفروق الجوهريه بين الارهاب المرفوض والمقاومه المشروعه
ضد الاحتلال‏,‏ حيث يدرك ذلك تماما كل من ينطلق من نظره موضوعيه لفهم
المقاومه علي حقيقتها والتعامل معها باعتبارها حقا اقرته الشرائع الدوليه
حتي يمكن تجنب الخلط المعيب عن سوء قصد بين المقاومه والارهاب من جانب
اولئك الذين يصفون المقاومه في مكان ما بالارهاب ويعتبرونها شكلا من اشكال
العنف لتشويه حقيقتها بينما لايرون الارهاب الحقيقي بكل وحشيته وهو يصدر
عن احتلال جائر سوي انه دفاع عن النفس‏.‏

وفي النهايه اقول ان
الارهاب قضيه واسعه‏,‏ وقد كنا ولانزال اكبر ضحاياه واول من نادي بمطاردته
بتعاون دولي وتبادل للمجرمين ايا كانت الاسباب‏,‏ ومع ذلك كانت اصواتنا مع
اصوات عربيه واسلاميه ودوليه تضيع في متاهه اللامبالاه الامميه‏!‏

44422

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

21

‏18 من رجب 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

في
شهر يوليو من كل عام تشهد مصر احتفالات متتاليه بتخريج دفعات جديده من
الكليات العسكريه وكليه الشرطه‏,‏ وربما يكون مفيدا وضروريا ان ننعش ذاكره
اجيال جديده من حقها ان تعرف ان اختيار شهر يوليو لم يجيء بالمصادفه وانما
لان هذا الشهر شهد مولد ثوره‏23‏ يوليو عام‏1952‏ التي غيرت وجه مصر ووجه
منطقه الشرق الاوسط باسرها‏!‏

والحقيقه ان ما تنعم به مصر من امن
واستقرار يرجع الي تلك العيون الساهره علي امتداد حدود الوطن‏,‏ وداخل
ربوعه‏,‏ والتي استطاعت بحسن تدريبها وعمق ايمانها وقوه عزيمتها ان تحفظ
لمصر امنها وسلامتها واستقرارها‏.‏

وهذا الذي تقوم به العسكريه
المصريه ليس بالامر الجديد لان التاريخ يشهد لها بسجل ناصع من الاعمال
المجيده التي توكد عمق الانتماء الوطني والقومي لهذه الموسسه العريقه التي
قدمت الدليل تلو الدليل علي شرف التضحيه والفداء في الحرب والسلم علي حد
سواء‏.‏

وفي اعتقادي ان حرص الرئيس مبارك وكبار رجال الدوله علي
حضور هذه الاحتفالات كل عام يمثل رساله تحيه وتقدير من شعب مصر تحمل في
طياتها كل معاني العرفان بالجميل والاعتراف بالفضل للدور العظيم الذي
توديه موسستا الجيش والشرطه حمايه للوطن‏,‏ ودعما للاستقرار في مواجهه كل
المحاولات والمخططات الشرسه التي كانت تستهدف تعطيل دوران عجله التنميه
والاستثمار في الداخل ودفع مصر باتجاه الانكفاء علي نفسها والتخلي عن
دورها القومي والاقليمي‏..‏ وهي محاولات لم يكتب لها النجاح بحمد الله رغم
الاضطرابات والقلاقل التي تسود معظم ارجاء المنطقه التي نعيش فيها‏!‏

واليوم
يحق لنا ان نفخر بما يجري من تحديث وتطوير في القوات المسلحه‏,‏ وفي اجهزه
الامن‏,‏ وهو تحديث وتطوير شمل الافراد والاليات‏,‏ بحيث اصبحت علي مستوي
تحديات العصر من ناحيه‏,‏ وقادره علي اداء ادق واصعب المهام باقل قدر من
التضحيات من ناحيه اخري اعتمادا علي فكر جديد يرتكز الي العلم
والتكنولوجيا‏.‏

وهذا الذي تحقق ونشهد معه جديدا في مثل هذا الموعد
من كل عام لم يكن له ان يتحقق بعيدا عن رويه استراتيجيه واعيه تتخطي حدود
الوطن‏,‏ وحدود الاقليم‏,‏ الذي نعيش فيه‏,‏ وفي ذات الوقت تستند هذه
الرويه الي دعم وتاييد من الشعب الذي يبني رهانه علي قدره هاتين الموسستين
علي حمايه المنجزات الوطنيه تحت مظله من الانضباط المسئول الذي يعكس هيبه
الدوله من ناحيه‏,‏ ويحمي مناخ الحريه والديمقراطيه ضد اي عبث غير مسئول
من ناحيه اخري‏.‏
وكل عام ومصر بكل خير‏!‏‏

attalla@ahram.org.eg

44423

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

22

‏19 من رجب 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

في
ظل هذه الثوره الاعلاميه التي حولت العالم الي قريه صغيره لاينبغي ان
ننشغل بالهوامش والتفاصيل ونتغافل عن المعاني والمضامين‏...‏ بل انه يتحتم
علينا ان ندرك ان هناك فارقا كبيرا بين ان نعيش هذه الثوره الاعلاميه
كمتفرجين ننبهر بما يجري حولنا‏,‏ وبين ان نستثمر هذه الثوره الاعلاميه
للدخول الي العصر كشركاء قادرين علي اقتسام الربح والفائده مثلما يفعل
الاخرون الذين سبقونا في السير علي هذا الطريق‏.‏

واذا كانت مقاعد
المتفرجين لا تحتاج الي استعداد وتاهيل وانما فقط مجرد الحصول علي تذاكر
المشاهده والمتابعه والاستمتاع‏,‏ فان الشراكه شيء اخر تماما لان الشركاء
لابد ان يكونوا علي قدم المساواه او علي الاقل لهم نصيب موثر في المشاركه
والا اصبحوا مجرد هوامش وتوابع‏..‏ والشرط الاول من شروط المشاركه هو رصيد
العلم والمعرفه والبحث والاجتهاد في رويه وقراءه المستقبل‏.‏

وهذا
الشرط الضروري لا يتحقق بمجرد المني فقط‏,‏ او بملكات الفهلوه وحدها‏,‏
وانما السبيل اليه علم وتعليم وبحث وتنقيب في اطار منظومه اعلاميه
متكامله‏,‏ يكون هدفها الاساسي توفير متطلبات الحداثه ومجاراه العصر‏...‏
ولست اقصد هنا التقدم العلمي والتكنولوجي فقط برغم اهميته واولويته‏,‏
لكنني اقصد اساسا المناخ العام الذي يستحيل الحديث عن معايشه العصر الجديد
في غيبه منه‏,‏ فالاعلام الصحيح هو المراه الصحيحه لما يجري ويتحقق علي
ارض الواقع‏.‏

اريد ان اقول بوضوح اننا بحاجه الي توفير مناخ عام
يوفر القدره اللازمه لتفجير واطلاق طاقات العمل نحو اهدافها الحقيقيه التي
تناسب ظروفنا ومواردنا‏,‏ ويرتقي بالذوق العام ويزداد اقتناعا بان الفنون
والاداب وكل مجالات الثقافه الرفيعه هي السبيل الامثل للارتقاء بالمشاعر
وشحذ الهمم وتهذيب الاحاسيس ليس من اجل معالجه الواقع الراهن الذي نعيشه
حاليا فقط‏,‏ وانما من اجل الاسهام في رويه صحيحه لافاق المستقبل‏,‏ ودفع
الوطن نحو امتلاك اليات القدره علي التحليق في سماوات الطموح المشروع‏!‏

ان
علينا ان نتجه نحو انتاج ثقافه المشاركه كبديل حتمي لثقافه التلقين لانه
لاقيمه ولافائده من وراء اي عمل ابداعي لايقوم علي التفاعل‏,‏ ويودي الي
تحريك المياه من طاقات الابداع كما تفعل شلالات المياه الحقيقيه في توليد
الطاقه والكهرباء‏!‏

ولعل ذلك هو ما يستوجب ان تكون الرويه واضحه
بشان ضروره اقامه علاقه صحيحه بين الاعلام والمجتمع‏,‏ فالاعلام الحقيقي
ليس مجرد ابهار يخطف الابصار او زغزغه تحرك مشاعر الضحك‏,‏ او جلد للنفس
والذات باسم ضرورات المراجعه والتصحيح فقط‏,‏ وانما الاعلام الحقيقي هو
الذي ينجح في اقامه علاقه تبادليه وتفاعليه مع مجتمعه بحيث يوثر فيه
ويتاثر به بقدر متساو‏!‏

واهم من ذلك كله اننا بحاجه الي فهم صحيح
لقيمه ومعني حريه التعبير‏,‏ لان حريه الابداع ليست نوعا من الشطط غير
المسئول كما يتصور البعض وانما هي في المقام الاول التزام بالقدره علي
الاسهام في بناء مجتمع حر ومفتوح‏,‏ يومن بالترابط الانساني ويرتضي العدل
الاجتماعي تحت مظله من الاحترام الامين والدقيق لحقوق الوطن وحريات
المواطنين التي هي هدف وجوهر الديمقراطيه الصحيحه‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44424

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

23

‏20 من رجب 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اخشي
ان اقول‏:‏ ان امتنا العربيه علي اعتاب ازمه غذائيه خانقه طالما اننا
مازلنا عاجزين عن انتاج الغذاء‏,‏ وبالذات في مجال الحبوب والزيوت‏,‏
وعاجزين عن اقتلاع جذور ثقافه المصالح القطريه الضيقه التي تجاوزتها ثقافه
العصر‏,‏ حيث التكتلات الاقتصاديه هي العنوان الابرز لقوه وقدره الامم
والشعوب‏.‏

والحقيقه ان من يستعرض ملامح الصوره الاقتصاديه العربيه
بامانه ربما يصاب بالفزع والهلع من تحديات الحاضر ومخاطر المستقبل‏,‏ اذا
بقي الحال علي ماهو عليه‏,‏ واستمر موقف عدم الاكتراث بمشروعات الوحده
والتكامل في المجال الاقتصادي العربي‏.‏

ولست اريد هنا ان اثير
المخاوف‏,‏ وانما اريد ان انبه قبل فوات الاوان الي مجموعه من الظواهر
التي يصعب تجاهلها والتعامي عن رويتها‏,‏ وقراءه دلالاتها‏,‏ واهم هذه
الظواهر ان غالبيه الاقطار العربيه تشهد منذ عده عقود زياده كبيره في
معدلات الهجره من الريف والباديه الي المدن الكبري‏,‏ نتيجه عجز التنميه
المحليه عن توفير فرص العمل‏,‏ خصوصا مع الاهمال الواضح لمهنه الفلاحه‏.‏

والاهم
والاخطر ان السنوات الاخيره شهدت تصاعدا ملحوظا في درجه اعتماد العالم
العربي علي الاغذيه المستورده من الخارج‏,‏ وبالذات في مجال الحبوب
والزيوت والسكر‏,‏ وذلك نتيجه تراجع الاهتمام بالقطاع الزراعي في اغلب
الدول العربيه الي الحد الذي تقول فيه تقارير دوليه صادره عن بعض منظمات
الامم المتحده‏:‏ ان العالم العربي يقترب من ان يكون منطقه العجز الغذائي
الاولي في العالم‏.‏

اريد ان اقول بوضوح‏:‏ انه برغم وضوح هذه
المخاطر والتحديات فان بعض السياسات العربيه مازالت تصب في اتجاه ترسيخ
تبعيه الاقتصاد العربي للاقتصاد العالمي تحت دعوي استحقاقات العولمه التي
لا قبل لنا بها والارتكاز علي مثل هذه المقولات الخاطئه لتبرير عجز وقصور
السياسات عن دفع عمليات التنميه الاقتصاديه دفعا موثرا‏,‏ واخراجها من
دائره التنميه القطريه الضيقه الي افاق التنميه القوميه الواسعه‏!‏

ان
علامات استفهام كبيره تطرح نفسها حول استمرار توظيف رووس الاموال العربيه
خارج الوطن العربي الي الحد‏,‏ الذي تفيد فيه احصاءات دوليه بوجود مايزيد
علي الف مليار دولار لمستثمرين عرب في الدول الاجنبيه‏,‏ وانه مقابل كل
دولار عربي يستثمر داخل الوطن العربي يتم استثمار‏75‏ دولارا في الخارج‏,‏
مما يودي الي حرمان الاقتصاد العربي وبرامج التنميه والاستثمار من فوائض
الاموال الهائله‏.‏

ولعل مايزيد الطين بله انه مع تفاقم مشكله
الامن الغذائي وتضخمها عاما بعد عام نتيجه الزياده المطرده في عدد السكان
والتراجع الواضح في معدلات الانتاج تبرز ظاهره تدهور موشرات التنميه
البشريه‏,‏ وزياده الاستقطاب في المجتمعات العربيه الي الدرجه التي تنذر
ببلوغ حاله من التشرذم الاجتماعي‏,‏ خصوصا مع تزايد نسبه البطاله‏.‏

وللاسف
الشديد فان الكل يعلم ان اهميه الوحده الاقتصاديه العربيه‏,‏ او التكامل
الاقتصادي العربي‏,‏ ليست في توفير الاحتياجات وسد الفجوات بمنظور توفير
احتياجات البطون‏,‏ وانما اهميه الوحده والتكامل في المجال الاقتصادي ترجع
الي ان ذلك هو الركيزه الاساسيه للامن القومي العربي‏,‏ اذا كان هناك من
لايزال يعتقد في ضروره وجود نظام للامن القومي العربي‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44425

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

24

‏21 من رجب 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لست
ضد الانفتاح علي الثقافات الاخري‏,‏ ولست ايضا ضد اكتساب ادوات واليات
القدره علي مجاراه العصر وبينها تشجيع تعلم اللغات الحيه‏,‏ ولكنني
بالتاكيد ضد ايه محاوله تستهدف تهميش ثقافتنا الذاتيه والتقليل من اهميه
لغتنا القوميه من خلال اعتبار الاستخدام المتزايد للمصطلحات الاجنبيه نوعا
من الوجاهه الاجتماعيه في مجتمعاتنا العربيه‏.‏

وربما يعزز من صحه
ما اقول به منبها ومحذرا ان المصطلحات الاجنبيه التي يراد اغراق مجتمعاتنا
بها اليوم تختلف اختلافا كبيرا عن المصطلحات التي واجهها اسلافنا حيث ان
المصطلحات في عصرنا الراهن ليست مجرد الفاظ لغويه‏,‏ وانما هي مصطلحات
تكمن وراءها منظومه حضاريه تختلف في مقدماتها ونتائجها عن منظومتنا
الحضاريه ونمطنا الاجتماعي‏.‏

ولست ابالغ في تضخيم هذا الخطر اذا
قلت ان الاستسلام لمنهج توسيع استعاره واستخدام المصطلحات الحضاريه
الاجنبيه بدعوي انها اصبحت لغه عالميه ربما يشكل مدخلا خطيرا لتهديد لغتنا
العربيه لغه القران التي تشكل الرابط الاساسي لوحده العرب والمسلمين‏.‏

ومن
هنا تاتي اهميه التنبه الي ضروره المحافظه علي المصطلحات الذاتيه
والاحتفاظ بمدلولاتها والعمل بكل جد علي ترسيخ هذه المدلولات في ذهن
الاجيال المتتاليه‏,‏ لان هذه المصطلحات الذاتيه هي نقاط الارتكاز
الحضاريه لامتنا وهي ايضا ركيزه المعالم الفكريه التي تحدد هويتنا اعتمادا
علي رصيد نفسي ومعنوي هائل يستمد زاده وقوته من عظمه التاريخ العربي
والاسلامي‏.‏

ولست اعارض في تعلم اي شيء يوفر لنا القدره علي
مجاراه العصر‏,‏ ولكن ذلك ينبغي ان يكون في اطار منهج يدعو الي التوفيق
بين مبادئنا التي نعتز بها وبين الجوانب الانسانيه والاقتصاديه
والاجتماعيه المميزه في الحضاره الحديثه دون اغفال ان لكل من الاسلام
والحضاره الغربيه ارضيته الخاصه ونمطه الحضاري المتميز‏.‏

واحد اهم
وابرز البديهيات الثابته في علم الاجتماع ان المجتمعات البشريه متنوعه في
انماطها الحضاريه التي تشكل خلفيتها التاريخيه وتوثر في حياتها حاضرا
ومستقبلا‏..‏ وهذه الانماط الحضاريه يرسم تفاصيلها التطور التاريخي للامم
في عقائدها وثقافتها وادابها وفنونها واعرافها وتقاليدها التي تشكل
منظومتها الحيويه الداخليه‏..‏

ومن ثم فان ايه دعوه جاده للمحافظه
علي حضاره اي امه بملامحها المميزه ووحدتها المتماسكه وشخصيتها المستقله
لابد ان تنطلق من فهم لضروره الحفاظ علي المكونات الثقافيه الذاتيه وفي
المقدمه منها المصطلحات التاريخيه لكي لاتنقطع الامه عن ماضيها وخصائصها
وتذوب في حضارات امم اخري‏.‏

وعلينا ان نتذكر جيدا ان مجتمعنا
العربي والاسلامي يستند منذ اربعه عشر قرنا الي صياغه حضاريه انطلقت من
رويه متقدمه استشرفت افاق الكون والحياه‏,‏ ومن ثم فان اي تخطيط للتغيير
الاجتماعي لابد ان يستند الي الركيزه الحضاريه والتاريخيه للامه حتي يمكن
الحفاظ علي هذه الحضاره العربيه الاسلاميه باسسها وخصائصها وضمان حمايتها
من الانحراف او السقوط امام الحضارات الاخري‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44426

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

25

‏22 من رجب 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

ما
من مره جلست فيها مع احد من الاقارب او الاصدقاء او الزملاء‏,‏ الا وكان
الحديث عن حاجه الجسم الي الراحه وحق الانسان في الاجازه‏..‏ ومع ذلك فان
اغلب الذين تحدثت معهم لايعرفون الراحه بالمعني الذي يتحدثون به ولاعلاقه
لهم بالاجازه بالمفهوم المتعارف عليه اسبوعيا وسنويا‏.‏

وقد يكون
صحيحا ان معظمهم افضل مني في القدره علي استقطاع وقت للراحه والاستمتاع
بين الحين والحين بمتعه الاجازه ولكن في المجمل العام كلنا في الهم شرق
نتوهم ان عجله الحياه ستتوقف اذا توقفنا عن الذهاب الي مكاتبنا او متاجرنا
مع ان ذلك وهم كاذب جمله وتفصيلا‏,‏ لان الحياه قادره علي ان تستمر بنا او
بغيرنا مثلما كانت قائمه قبل وجودنا ووجود غيرنا‏.‏

وقد اكتشفت
موخرا ان العيب ليس فينا كافراد لانعرف متي نعمل ومتي نستريح وانما هو عيب
في نظام الحياه الذي نعيش به في مصر‏,‏ وقد اراد احد اصدقائي المقيمين في
الخارج ان يوكد لي صحه ذلك بان ضرب مثلا بنفسه حيث اصبحت الاجازه منذ
اقامته الدائمه في الخارج منذ اكثر من عشرين عاما ليست فقط حقا مقدسا له
وانما واجب مفروض عليه بعكس ما كان الحال عليه عندما كان في مصر مع ان حجم
مسئولياته ومشاغله في بلاد الغربه اضعاف اضعاف ما كان يتحمله هنا‏!‏

ان
الراحه الاسبوعيه والاجازه السنويه في معظم بلاد الدنيا جزء من نظام
العمل‏,‏ لان احدا لم يعد يجادل في ان العامل او الموظف او المدير المرهق
لايمكن ان يودي عمله بكفاءه مثلما يكون الحال عليه بعد الحصول علي قسط من
الراحه ومساحه كافيه من الاجازه‏.‏

وكل الابحاث الطبيه والنفسيه
الحديثه توكد ان حالات الارق التي تصيب البعض منا مصدرها الاساسي هو التعب
والاجهاد والارهاق الذي نتغافل عنه فاذا بنا بعد ارق الليل نستقبل النهار
بوجه مكدود وعصب مشدود‏!‏

ومع انني اعتقد الي حد الايمان بصحه هذه
النظريات فانني دائما ما اسال نفسي‏..‏ لماذا لانريح انفسنا كما يفعل
الاخرون وننظم حياتنا كما يقول الاطباء والمتخصصون؟

انني اعرف ذلك
جيدا‏..‏ بل انني قرات كتبا عديده في هذا المجال ورغم ذلك فانني املك
شجاعه الاعتراف بان الكلام سهل ولكن التنفيذ هو الصعب وانني رغم ايماني
بصحه وصدق هذه النصائح الطبيه والنفسيه فان المسافه مازالت بعيده جدا بين
ما اكتبه ليقراه غيري وبين ما اطبقه علي نفسي بعد ان اصبحت ايام الاجازات
الاسبوعيه والعطلات الرسميه هي افضل فرصه متاحه للقراءه والكتابه بعيدا عن
صخب وهموم العمل اليومي‏!‏

والحمد لله علي كل شئ‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44427

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

26

‏23 من رجب 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اذا
كنا نسلم بان سلام الامم والشعوب هو السبيل الوحيد لتجنيب البشريه جمعاء
مخاطر الحروب والصراعات والفتن‏,‏ فان المصالحه مع النفس داخل الامه
الواحده هي ابرز علامات قدرتها علي ان تبني سلاما مع نفسها‏,‏ قبل ان تبحث
عن صنع وبناء السلام مع الاخرين‏,‏ وتتمكن من حمايه نفسها من شرور
الصراعات ومخاطر الفتن‏!‏

والحقيقه ان سلام النفس والذات لايتحقق
الا بعد بلوغ مرحله التصالح مع النفس والذات‏,‏ وعندما تنجح الامه في بناء
سلامها الذاتي مع نفسها يصبح سهلا عليها وميسورا لها ان تبني سلامها مع
الاخرين من ارضيه القدره والتكافو‏,‏ ومن خلال منهج واضح في الحياه يقوم
علي الحب ضد الكراهيه والتسامح ضد التعصب والقناعه ضد الطمع‏!‏

ومعني
ذلك انه ليس هناك ما يهدد مسيره اي امه سوي ابتعادها عن المصالحه مع النفس
والقاء تبعه الصراعات الذاتيه التي تمزقها والمخاطر التي تهددها علي قوي
خارجيه مع ان الازمه في جوهرها ازمه صراعات مكتومه في الداخل‏...‏ وهذه
الصراعات المكتومه هي التي تعطل قدره الرويه السليمه للقضايا والاحداث‏,‏
وتدفع بمسارات العمل الوطني في اتجاهات مكلفه وربما غير مجديه من اجل
استرضاء الغير والمصالحه مع الاخرين‏!‏

ومعني ذلك ايضا ان المصالحه
مع النفس ليست نوعا من الرومانسيه السياسيه كما يعتقد البعض‏,‏ وانما هي
قراءه موضوعيه لدروس التاريخ وتجارب الامم‏...‏ وكل هذه الدروس والتجارب
توكد بما لايدع مجالا لاي شك ان نقطه البدايه الحقيقيه نحو الانطلاق
والتقدم ارتكزت علي قدره الامه في بلوغ مرحله المصالحه مع النفس‏...‏ وهي
مرحله لاتتحقق بالاكراه وانما تنشا بالتراضي والاقتناع‏!‏

والتاريخ
يقول وهو خير معلم ان الامه التي تتمكن من التصالح مع نفسها هي الامه التي
تتوافر فيها كل ضمانات الحريه المسئوله‏,‏ وتحترم فيها حقوق الانسان التي
كفلتها الاديان والشرائع السماويه‏,‏ وينظر الي ادميه الانسان علي انها من
المقدسات التي لايجوز الجور عليها‏.‏

ثم ان التاريخ تشهد سجلاته
وصفحاته بان الامه التي تتمكن من التصالح مع نفسها هي الامه التي تتكافا
فيها الحقوق مع الواجبات‏,‏ ويسبق فيها الاحساس بالواجب والمسئوليه
والرغبه في العطاء والتضحيه علي ايه مطالب او استحقاقات في ظل شعور صادق
بان العائد والمردود سوف يلقي بفضائله وخيراته علي الجميع دون استثناء‏.‏

وما
احوج امتنا العربيه الي المصالحه مع النفس بدءا من المصالحه داخل كل قطر
علي حده‏,‏ ووصولا الي المصالحه الشامله بين اقطار الامه مجتمعه‏....‏
ولحظتها يمكن لنا ان نتعامل باطمئنان مع ايه عواصف تهب علينا من نوع عاصفه
المحكمه الجنائيه الدوليه باسم جرائم الحرب في اقليم دارفور‏.‏

attalla@ahram.org.eg

44428

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

27

‏24 من رجب 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏1‏)

تحيه طيبه‏..‏ وبعد‏,,...‏
يطيب لي الاشاره الي عمود سيادتكم المنشور في جريده الاهرام تحت عنوان كل
يوم بتاريخ‏2008/6/29‏ والذي اشار الي مشكله الضوضاء والتلوث السمعي‏...‏
وفي هذا الصدد اعتقد ان سيادتكم تتفقون معي علي ان الازعاج والضوضاء
انعكاس لسلوكيات الزحام الناجمه عن تكدس السكان وافرازات العشوائيات غير
المخططه واستخدام مكبرات الصوت والسماعات في المناسبات الاجتماعيه بما
لاتستطيع اي اذن تحمل قوه وشده الصوت الصادر منها‏,‏ دون ادني اعتبار لما
سيترتب علي ذلك من تاثير علي افراد المجتمع‏.‏

ومعني ذلك اننا امام
قضيه سلوك اجتماعي في المقام الاول كما اشرتم سيادتكم‏,‏ بالرغم من ان
هناك العديد من القوانين الخاصه بالحمايه من الضوضاء‏,‏ ومنها القانون
رقم‏45‏ لسنه‏1949‏ والخاص بمنع استخدام مكبرات الصوت‏,‏ وقانون المرور
رقم‏66‏ لسنه‏1973‏ والمعدل بالقانون رقم‏155‏ لسنه‏1999‏ والخاص بمنع
استخدام الات التنبيه الا في الضروره القصوي‏,‏ وعدم استخدام السارينه في
مواكب الافراح وعدم ارتفاع صوت الكاسيت او الراديو داخل المركبات‏,‏ وكذلك
قانون العمل رقم‏137‏ لسنه‏1981‏ والمعدل بالقانون رقم‏12‏ لسنه‏2003‏
الذي يحدد مستوي ومده تعرض العامل للضوضاء خلال ساعات العمل‏,‏ وصولا الي
قانون البيئه رقم‏4‏ لسنه‏1994‏ لتحديد مستويات الضوضاء المسموح بها في
المناطق المختلفه وداخل بيئه العمل‏.‏

واود هنا ان اشير الي ان عدد
المخالفات الخاصه بالضوضاء والتي تم تحريرها خلال عام‏2007‏ فقط بيانها
كالتالي‏:120564‏ مخالفه استخدام الات التنبيه والسارينات في
المركبات‏,16976‏ مخالفه لمواكب الافراح‏,30667‏ مخالفات تشغيل الكاسيت
بصوت مرتفع داخل المركبات‏.‏

فهل انتهت مشكله الضوضاء بتحرير تلك المخالفات وتوقيع الغرامات علي المخالفين؟

هذا
هو السوال الذي طرحه المهندس ماجد جورج وزير الدوله لشئون البيئه في الجزء
الاول من رسالته الكريمه ويتولي الاجابه عنه في حديث الغد‏.‏

ودون
ان اقطع سياق الرساله الكريمه‏,‏ فانني اسجل ملاحظه ضروريه علي الجزء
الاول منها‏,‏ حيث اشار الوزير الي وجود سته قوانين مصريه تنظم الحمايه من
الضوضاء‏...‏ وهو مايعني اننا لانفتقر الي القوانين‏,‏ وانما المشكله في
عدم تطبيقها بالجديه الكافيه‏.‏

وغدا نواصل الحديث

44429

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

28

‏25 من رجب 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏2‏)

استكمالا
لحديث الامس انشر اليوم الجزء الثاني من رساله المهندس ماجد جورج وزير
البيئه حيث يجيب عن السوال الذي طرحه بنفسه وهو‏:‏ هل انتهت مشكله الضوضاء
بتحرير تلك المخالفات وتوقيع الغرامات علي المخالفين؟

يقول السيد
الوزير‏:‏ انه حتي لو تم تخصيص شرطي لكل مواطن وهذا من المستحيل او تم
انشاء اكثر من جهه لردع المخالف او منع جميع اشكال التلوث‏,‏ فلن نستطيع
ذلك بدون مشاركه المواطن وايمانه بان التلوث بجميع اشكاله وانواعه هو امر
يعود عليه هو شخصيا بالضرر في النهايه‏.‏

ولذلك فاننا امام قضيه
توعيه للكبار وتربيه للصغار منذ النشاه الاولي‏,‏ بما يتطلب تضافر كل
الاجهزه المعنيه في الدوله‏,‏ قضيه يشارك فيها كل اعلامي مثقف وكل صحفي
وكاتب واع بعمق المشكله‏,‏ يتبني فيها قضايا السلوك وكيفيه تغيير
الموروثات الخاطئه والاحتفاظ بالعادات والسلوكيات الطيبه حتي نصل الي
السلوك المتحضر‏,‏ وعدم الاضرار بمصالح الاخرين واحترام خصوصيتهم وحقوقهم
الانسانيه‏,‏ وليبدا كل مواطن بنفسه‏.‏

وايمانا باهميه تضافر
الجهود لحل المشاكل البيئيه فقد قامت وزاره الدوله لشئون البيئه باعداد
خطه قوميه لمكافحه الضوضاء تشارك فيها جميع الوزارات المعنيه وهي‏:‏
الداخليه والاعلام والسياحه والاوقاف والتعليم والتنميه المحليه والنقل
والصناعه والاسكان للتنسيق والتعاون علي اعلي مستوي للحد من الضوضاء‏,‏
وفق مسئوليه كل وزاره‏,‏ بالاضافه الي قيام وزاره الدوله لشئون البيئه
بالتفتيش البيئي الدوري علي المنشات التي تتجاوز الحدود المسموح بها
لمستويات الضوضاء في ضوء القانون رقم‏4‏ لسنه‏1994,‏ وقد تم دعم الاداره
العامه لشرطه البيئه والمسطحات المائيه باجهزه قياس للضوضاء وتم تدريب
العاملين بها علي استخدام هذه الاجهزه واعداد التقارير الفنيه‏,‏ وذلك
لتسهيل مهمه القائمين علي التفتيش علي المنشات المختلفه للقيام بمهامهم
علي اكمل وجه‏,‏ واعود لتاكيد اهميه رفع مستوي الوعي البيئي للمواطن حتي
يومن بضروره تغيير سلوكه واهميه احترام القانون‏.‏

واني انتهز
الفرصه لاتقدم لسيادتكم بخالص الشكر والتقدير علي اهتمامكم بقضايا البيئه
وحرصكم علي ايجاد الحلول لها‏,‏ متمنيا لسيادتكم دوام التوفيق‏.‏
‏................‏

شكرا
معالي الوزير‏..‏ واوكد اننا معك في ان حمايه البيئه مسئوليه مجتمعيه‏,‏
ولكن لابد لهذه المسئوليه من جهه تنظمها وتحدد مسارها‏!‏

ان الشعوب
التي سبقتنا علي هذا الطريق لم يكن لها ان تحقق اي تقدم في مجال حمايه
البيئه بالاعتماد فقط علي رفع مستوي الوعي البيئي‏,‏ وانما ايضا من خلال
رفع مستوي الوعي الرقابي وجديه التعامل مع اي مخالفات للشروط والمواصفات
البيئيه المتعارف عليها عالميا‏!‏

وفي اعتقادي ان الوعي الرقابي
وجديه التعامل مع المخالفات لا يستلزم تخصيص شرطي لكل مواطن ولا يتطلب
انشاء اكثر من جهه لردع المخالف وانما الامر يستلزم رويه واضحه للمشكله
وقرارات حازمه لا تستثني فردا او جهه‏!‏

44430

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

29

‏26 من رجب 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(1)

لا
اظن ان التعامل الصحيح مع الكوارث والنكبات يتم من خلال تحويلها الي مندبه
للبكاء واللطم علي الخدود‏,‏ واثاره المشاعر والاحزان‏,‏ والولوج الي
مناطق الخطر بالقفز الي تصفيه الحسابات وخلط الاوراق‏.‏

انني اظن ولست وحدي في هذا الظن اننا مطالبون بان نناقش اي حدث مهما بلغ حجمه بلغه العقل والمنطق فقط‏!‏

وربما
يكون حادث مطروح الاخير مدخلا لاعاده طرح سوال ضروري هو‏:‏ من الذي يفرض
النظام والانتظام في اي مجتمع؟‏..‏ هل هو احترام القانون؟ ام هو هيبه
السلطه؟‏..‏ ام انه انعكاس لدرجه الوعي‏,‏ وادراك الجميع بان البديل لذلك
هو الفوضويه‏,‏ التي يمكن تحت ظلالها استباحه كل شيء‏,‏ واستثناء اي
شيء‏,‏ والاحتكام الي قانون الغابه القديم‏,‏ الذي يسمح للقوي بان يفعل ما
يشاء‏,‏ حيث تكون القوه وحدها هي سيده الموقف‏,‏ سواء كانت في شكل مال او
نفوذ او قوه بدنيه واجتماعيه؟

وبادئ ذي بدء اقول‏:‏ ان احترام
النظام العام وجديه الانتظام في دولاب العمل العام هما العنوان الرئيسي
لاي مجتمع متقدم‏,‏ فليست هناك دوله بلغت درجه من التقدم والرقي والنهوض
بعيدا عن التطبيق الصارم والدقيق للافته احترام النظام العام وجديه
الانتظام في دولاب العمل العام‏.‏ واحترام النظام يبدا باحترام القواعد
والضوابط‏,‏ التي تحكم حركه المجتمع بما يخدم المصلحه العامه‏,‏ ويتجاوز
انانيات الافراد والسلوكيات غير السويه‏.‏

والدوله في اعراف الشعوب
المتقدمه ليست هي الحكومه فقط‏,‏ ولا هي السلطات التشريعيه والقضائيه
فحسب‏,‏ وانما هي كل موسسات المجتمع المدني‏,‏ سواء كانت حكوميه او
اهليه‏,‏ وسواء كانت ظاهره علي السطح‏,‏ ولها صوت موثر ومسموع مثل وسائل
الاعلام‏,‏ او بعيده عن الاضواء في مراكز البحوث والدراسات‏.‏

ان
الدوله لم تعد في عصر العولمه والسماوات المفتوحه مجرد اجهزه وهيئات
تتوافر لديها الموارد والامكانات اللازمه لتحقيق اهداف الحكم فيها‏,‏
وانما اصبحت الدوله تركيبه جديده اشبه بالنسيج المتكامل‏,‏ الذي قد يضم
خيوطا متباينه ومتنافره‏,‏ ولكنها تشكل معا ثوبا يصلح ارتداوه صيفا او
شتاء‏,‏ ويمكن توظيف استخدام قماشته المتميزه في الاغراض والمقاصد‏.‏

وفي
ظل الاحساس الصادق بان الكل شركاء في غزل خيوط هذا النسيج الواحد‏,‏ تتسع
مساحه الحقوق المكفوله للافراد الي الحد الذي لايكون فيه هناك اي وجود
لسقف الطموح المشروع تحت مظله الضوابط والسلوكيات المتعارف عليها‏,‏
والواجب احترامها‏,‏ وتقديسها من الكبير والصغير علي حد سواء‏,‏ وفي مقابل
ذلك يتراضي الجميع مسئوليه اقتسام الواجبات‏,‏ وتحمل تكاليف فاتوره العطاء
الواجبه والسداد كل حسب طاقته وقدرته وامكاناته‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

attalla@ahram.org.eg

44431

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

30

‏27 من رجب 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(2)

استكمالا
لحديث الامس حول التعامل الصحيح مع الكوارث والنكبات واهميه التفرقه بين
واجب النقد من ناحيه وضروره التبشير بالقدره علي التصحيح من ناحيه اخري
لابد من استمرار تعميق الاحساس لدي كل فئات المجتمع بان امنهم واستقرارهم
وضمان مصالحهم وراحه معيشتهم رهن باحترام العام بنفس درجه احترام الخاص‏,‏
ومن ثم يصبح الحفاظ علي نظافه الشوارع واحترام نظم وقواعد المرور بها
موازيا تماما لمسئوليه الحفاظ علي نظافه المنازل من داخلها وخارجها علي
السواء‏.‏ فالكل لابد ان يشعر بانه شريك في ملكيه الشارع والحديقه ووسيله
النقل العام‏,‏ والكل يشعر بان احترام النظام والحفاظ علي الذوق والجمال
يعود عليه في النهايه بالفائده عندما تزدهر السياحه وتنشط الاسواق وتروج
التجاره‏.‏

باختصار اقول ان الوعي وحده لا يكفي لفرض النظام وتحقيق
الانتظام لدولاب العمل والحركه في اي مجتمع وانما لابد من هيبه وجديه
السلطه في تاكيد احترام القوانين واللوائح واعمال قاعده الثواب والعقاب
دون استثناء ودون تمييز‏!‏

ان اخطر ما لفت نظري في تعامل بعض
الكتابات والاراء مع حادث مزلقان مطروح‏,‏ انها تحمل رائحه الرغبه في
اعاده الدق علي اوتار الياس والاحباط ومحاوله خلق انطباع بان الاصلاح
مستحيل‏.‏

ان النقد حق وواجب ولكن ينبغي علي من يري في نفسه القدره
علي تشخيص المرض ووضع روشته العلاج ان يلتزم بقاعده اساسيه تقول‏:‏ ان
العلاج ينبغي ان يكون علي قدر الالم بعد التشخيص الدقيق للمرض وبغير اي
زياده او نقصان‏!‏

ان من الضروري الا نستسلم لبعض ما يعكر صفو
حياتنا نتيجه مرض خطير اسمه الاهمال‏,‏ ومن الضروري ايضا الا نستسلم لما
يحدث ونرفع الرايه البيضاء بدعوي ان ذلك واقع يصعب تغييره‏,‏ او ان نخدع
انفسنا وان نقول انه ليس في الامكان ابدع مما كان‏!‏

ان من الخطا
والخطر معا ان يدفعنا الانفعال بحدث ما مهما كانت بشاعته الي اعاده احياء
اجواء الياس والاحباط بكتابات تخاطب الغضب والرفض المكتوم في بعض النفوس‏!‏

وعلينا
ان نعترف بان حادث مزلقان مطروح وغيره من حوادث مشابهه سبقته هي سلوك عام
تركناه يستفحل ويستشري ويجعل من ارتكاب الاخطاء والمخالفات امرا اعتياديا
في حياتنا حتي اصبح البعض يعتقد ان السير المروري في الاتجاه الصحيح نوع
من العبط والسذاجه‏,‏ وان المخالفه بالسير في الاتجاه المعاكس او الانتظار
تحت لافته ممنوع الانتظار يمثل احد مظاهر الوجاهه واستعراض القوه
والنفوذ‏!‏

ان علينا جميعا ان نتقي الله عندما يتعلق الامر بالوطن والمصالح العليا له والتي هي في الاساس مصالح المواطنين جميعا‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44432

‏السنه 132-العدد

2008

يوليو

31

‏28 من رجب 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(1)

هذا
الكم الهائل من الاتصالات والرسائل التي تلقيتها حول ما كتبته في هذا
المكان يوم الجمعه الماضي عن مخاطر واضرار عدم وجود ثقافه للاجازات
الاسبوعيه والسنويه وكيفيه استغلالها في الترويح عن النفس والعوده مره
اخري الي العمل بطاقه متجدده يوكد اننا ازاء شيء اقرب الي الظاهره في
السلوك المجتمعي وغياب الفهم الصحيح لمعني وقيمه الاجازه في حياتنا‏.‏

والحقيقه
ان معظم الناس في مصر يشكون بين الحين والحين من شعور مفاجئ بالتوتر دون
ان يكون هناك سبب ظاهر يبرر ذلك‏,‏ وهذا العجز عن معرفه السبب يودي الي
توتر اضافي يزيد من وطاه الاحساس بنوع من التعب النفسي والجسماني الذي
يساعد علي ثقافه الاستمتاع بالاجازه في النوم او الجلوس علي المقاهي كنوع
من الكسل اللذيذ‏!‏

واغلب الذين تعاملوا مع هذه الظاهره باللجوء
الي الطبيب لم يجدوا اي اسباب عضويه تبرر نشوء هذا الشعور‏,‏ وكالعاده لا
يجد الطبيب مبررا لمزيد من الفحص او كتابه روشته علاج ومن ثم يضطر الي ان
يتحول الي صديق للمريض ويشير عليه بالنصيحه المتوارثه‏:‏ عليك بالحصول علي
اجازه والسفر الي مكان هادئ بحثا عن اجواء متغيره وطلبا للراحه
والاستجمام‏.‏

والحقيقه ان هذه النصيحه التي يقول بها الاطباء من
موقع الاصدقاء والتي يظن الكثيرون بمن فيهم اغلب الاطباء انها مجرد روشته
نفسيه فقط‏,‏ ليست كذلك‏,‏ انما هي حقيقه علميه وطبيه موكده‏,‏ وان كان
العلماء والباحثون لم يتوصلوا بعد الي كيفيه القياس الصحيح للاعراض
العضويه التي تصاحب الاحساس بهذا النوع من التوتر المفاجئ بغير سبب ظاهر‏.‏

فما حقيقه هذا النوع من التوتر الذي يدهم الانسان علي غره وبغير ادني مقدمات؟

ان
احدث الابحاث العالميه يعزو ذلك الي ان طبيعه العصر واتساع حجم الطموحات
والمطالب دفعا بقطاعات كثيره من الناس الي العمل والانشغال بما هو فوق
طاقه الاحتمال‏,‏ وان ذلك ادي الي اصابه الكثيرين بمرض جديد اسمه
الاجهاد‏.‏

وهذا الاجهاد البدني قد يملك الانسان قدره علي
احتماله‏,‏ لكن الذي يصعب احتماله هو الاجهاد الذهني‏,‏ حيث يجئ مصحوبا
بمرض اخطر هو الاجهاد النفسي الذي يمهد لبدايه دخول الانسان في دائره
التعرض للشعور المفاجئ بالتوتر دون ان يكون هناك سبب ظاهر‏!‏
‏
..‏وغدا نواصل الحديث‏.‏

attalla@ahram.org.eg

44433

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

1

‏29 من رجب 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(2)

كل
الابحاث الطبيه والدراسات النفسيه الحديثه توكد ان الذين يستسلمون لدوامه
العمل دون الحصول ولو علي قدر بسيط من الراحه كل يوم وكل اسبوع وكل عام
يمارسون عمليه بشعه للانتحار النفسي لانهم يخنقون عواطفهم ومشاعرهم
الانسانيه بايديهم ولا يفيقون الا بعد فوات الاوان عندما تتزايد الشكوي من
جفائهم‏,‏ خصوصا من جانب الاهل والاصدقاء‏.‏

والذي اقول به ليس
اكتشافا علميا جديدا‏,‏ وانما هو تراث عاش عليه اجدادنا وفارقوا الحياه
بعد رحله اعمارهم المكتوبه دون ان يصابوا بداء التوتر المفاجئ دون سبب
ظاهر‏,‏ لانهم استطاعوا بالفطره وحدها ان ينظموا حياتهم اليوميه
بالتساوي‏8‏ ساعات للنوم‏..‏ و‏8‏ ساعات للعمل‏..‏ و‏8‏ ساعات للمتعه
والراحه النفسيه بمعايشه الاهل ومخالطه الاصدقاء‏.‏

واعظم المبدعين
والمفكرين في تاريخ البشريه لم يكونوا مجرد تروس في اله الحياه‏,‏ وانما
كانوا يمتلكون الذكاء الذي يساعدهم علي معرفه كيف ومتي يعتزلون العمل بين
الحين والحين‏,‏ والسفر او الترحال الي مناطق هادئه لاتسمح لهم بالانشغال
بشيء من امور الحياه سوي الهدوء والاستجمام ليتحرروا من كل التبعات
والمسئوليات بما في ذلك من تربطهم بهم علاقات الود والصداقه‏.‏

وليس
من هم احوج الي تجنب الاصابه بالاجهاد وبالتالي عدم التعرض للشعور بالتوتر
المفاجئ دون سبب ظاهر قدر الذين يمتهنون عملا عقليا‏,‏ فهولاء هم اكثر
الفئات تعرضا للاجهاد البدني والنفسي‏.‏

ومن بين اهم النصائح‏,‏
التي حققت نتائج ايجابيه في هذا المجال‏,‏ دعوه الذين يعملون عملا عقليا
الي ان يخصصوا جزءا من وقتهم اليومي لممارسه اي نوع من العمل اليدوي‏,‏
لان العمل اليدوي الذي يبدو في ظاهره انه اكثر اجهادا للبدن يحقق علاجا
وترويحا نفسيا يمنع الشعور بهذا النوع من التوتر المفاجئ دون سبب ظاهر‏.‏

ان
قضاء نصف ساعه يوميا في رعايه اصص الزرع او ممارسه بعض اعمال النجاره في
البيت هي افضل روشته للوقايه من التوتر المفاجئ‏,‏ فاذا كنت ممن ينتابهم
هذا الشعور المقلق بين الحين والحين فليس عليك الا ان تجرب روشته الاجازه
والسفر‏,‏ فان لم يكن ذلك متيسرا فعليك بروشته الفلاحه او النجاره او ايه
هوايه يدويه تجيدها وتتوافر امكانيه ممارستها يوميا في منزلك‏!‏

وهذه الروشته البسيطه ليست سوي تاكيد للمنطق الذي يقول‏:‏ ان لكل شيء سببا‏..‏ وان لكل داء دواء‏!‏

جرب وسوف تدعو لصاحب النصيحه‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44434

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

2

‏غره شعبان1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

خلف
الكواليس كل شئ مباح‏..‏ الضرب تحت الحزام‏...‏ الدس والوقيعه‏..‏ فتلك هي
قواعد اللعبه السياسيه والحزبيه في معظم بلاد العالم‏!‏

وانجح السياسيين هو ابردهم اعصابا واقدرهم علي كظم غيظه بين جوانحه وعدم التعبير الصريح عن مشاعره تحت وطاه الغضب والانفعال‏!‏

وقد
عرفت الحياه البرلمانيه والحزبيه في مصر علي طول تاريخها نماذج شامخه تعكس
القدره علي عدم الاستجابه لاي استفزاز وعدم الاستدراج لدخول معارك في غير
زمانها وفي غير مكانها‏..‏ وفي المقابل كانت هناك نماذج لم تستطع ان تواصل
مشوار العمل السياسي وسقطت مبكرا رغم نقائها ونظافتها وطهارتها لانها لم
تفهم قواعد اللعبه جيدا‏,‏ ولم تدرك ان هناك خيطا رفيعا بين الصراحه
والمواجهه‏..‏ وان هناك خطا فاصلا بين ضرورات الحذر وضرورات المناوره‏!‏

وبرغم
تعدد وسائل الاعلام والفضائيات المرئيه والمسموعه فقد ظلت الصحافه احد اهم
المسارح التي تعرض علي صفحاتها بعض مشاهد تلك العمليات الخفيه التي
يتبادلها الخصوم والمتنافسون في الحياه السياسيه والحزبيه‏..‏ وهذه
المشاهد يختلف حجمها وزمن عرضها ومساحه نشرها حسب وزن وقيمه الخصوم ومدي
ارتباطاتهم وعلاقاتهم وتحالفاتهم الحزبيه والصحفيه معا‏!‏

ولعل ذلك
هو احدي اهم علامات العلاقه الحساسه والمعقده بين الصحافه والسياسه‏,‏
خصوصا في المجتمعات التي يكون احد طرفي المعادله او كلاهما معا لم يبلغ
درجه النضج الكافي‏,‏ وايضا عندما يتصور البعض في هذا الجانب او ذاك ان
موقعه يسمح له بحق التوجيه والايعاز للطرف الاخر‏,‏ لان بعض الرموز
السياسيه والحزبيه تتصور ان من حقها ان توجه دفه الصحافه الي حيث ترغب
وتتمني‏..‏

كما ان بعض الصحف تتوهم ان من حقها القفز من دائره
الملاحظه والنقد والتوجيه الي دوائر المشاركه في صنع القرار وفرض اتجاهات
بعينها‏!‏

وللانصاف فليس كل من يعمل بالسياسه لديه الرغبه في
الهيمنه علي شئون الصحافه وتوجيه دفتها في الاتجاه الذي يريد‏...‏ وكذلك
فليس كل قاده الراي العام من قيادات الصحف وكتابها البارزين من الذين
يتوهمون في انفسهم القدره علي صنع الاحداث‏!‏

وليس هناك اسوا من
الاستسلام للمقوله الخاطئه التي تقول ان السياسه والصحافه شريكان في شئ
واحد وهو انهما بلا قلب لتبرير بعض التجاوزات الصارخه التي يرصدها المجتمع
من بعض السياسيين وبعض الصحفيين وبدعوي ان ذلك هو ثمن الحريه‏!‏

ثم
اقول في النهايه ان الحديث عن سياسه رشيده وصحافه محترمه لاينبغي ان يتم
بعيدا عن سياج اخلاقي متين مادام هناك ارتباط وثيق بين الحريه والاخلاق‏,‏
واظن انه ليس هناك عنوان بارز يعكس واقع الحريه في اي مجتمع قدر ما تعكسه
سلوكيات السياسيين وممارسات الصحفيين‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44435

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

3

‏2 من شعبان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بسبب
قسوه الطبيعه وتفاقم ازمه المياه وقله المراعي شهدت منطقه اقليم دارفور
السوداني منذ بدايه القرن الماضي احتكاكات واشتباكات بلغت حد الصراع
المسلح اكثر من مره وقد زاد من حده هذه النزاعات ان موجه الجفاف التي ضربت
شمال افريقيا وتداعيات سنوات الحرب بين ليبيا وتشاد ادت الي زياده معدلات
النزوح باتجاه اقليم دارفور وهي محمله بكل امراض الفقر والبطاله وسلوكيات
النهب والاغتصاب وزياده الحاجه الي قيام كل قبيله بتسليح نفسها‏.‏

ورغم
كل هذا المسلسل من الصراعات والنزاعات القبليه علي مدي‏70‏ عاما فان
المجتمع الدولي لم يلتفت الي اقليم دارفور الا عندما اندلع النزاع في
فبراير‏2003‏ وفي توقيت مواز لتوقيت بدء الحرب ضد العراق وفي ظل اجواء
دوليه يحكمها خطاب سياسي امريكي يتحدث عن ضروره اعاده رسم خريطه الشرق
الاوسط الكبير‏.‏

وهكذا تهيات الاجواء لبعض قوي التمرد في اقليم
دارفور لكي تستثمر الاجواء الدوليه المواتيه وفي ذهنها ما حققته المعارضه
العراقيه عندما عبرت الي سده الحكم في بغداد علي ظهور الدبابات الامريكيه
التي نفذت ضربه الغزو واوجدت واقع الاحتلال‏.‏

ولعل ما ساعد قوي
التمرد في اقليم دارفور علي الباس النزاع الدائر في الاقليم ثوبا سياسيا
ان حركه التمرد في جنوب السودان نجحت في التوصل الي اتفاق مع حكومه
الخرطوم يقضي باقتسام الثروه والسلطه‏...‏ وايضا فان الانشقاق الذي حدث
عند سده الحكم في الخرطوم بعد عزل مجموعه الشيخ حسن الترابي التي افسدت
الحياه السياسيه السودانيه كان بمثابه فرصه لاتعوض لزعماء الحركات
المعارضه في دارفور اعتمادا علي انشغال حكومه البشير في ترتيب الاوضاع
الداخليه بعد ازاحه تيار الفكر المتطرف الذي وضع بذرته الشيخ الترابي
وكانت‏-‏ ومازالت‏-‏ لهذا التيار امتدادات وتحالفات مع القوي المعارضه في
اقليم دارفور‏.‏

وبسبب كل هذه الاوراق المخلوطه وفي ظل اوضاع
الترصد والتحامل ضد كل ما هو عربي واسلامي كاحدي علامات عالم مابعد‏11‏
سبتمبر اصبحت قضيه دارفور علي صدر اهتمامات المجتمع الدولي الذي لزم الصمت
تجاه ما يجري في الاقليم لاكثر من‏70‏ عاما‏.‏

والحقيقه ان حكومه
الخرطوم تستطيع ان تغلق الباب امام كل محاولات دس الانف بخطوات واجراءات
جريئه تبدا بالتعامل الصحيح مع اسباب وجذور الصراع القبلي في اقليم دارفور
وان تعطي اشارات جاده توكد ان حمل السلاح ليس من حق احد سوي السلطه
الشرعيه المنوط بها حفظ الامن والنظام علي امتداد الوطن السوداني وليس في
اقليم دارفور فقط‏!‏

وفي اعتقادي ان التعديلات التي ادخلت علي قرار
مجلس الامن الاخير لكي يتضمن عباره تعكس مخاوف الاتحاد الافريقي من ان
اتهامات المحكمه الجنائيه الدوليه للرئيس البشير قد تخرج عمليه السلام
الهشه في دارفور عن مسارها‏...‏ تمثل رغم محدوديتها ثغره يمكن النفاذ منها
لاسقاط المطالبه بمحاكمه الرئيس السوداني وتسريع خطوات بناء الثقه بين
كافه القوي السياسيه لحمايه وحده واستقلال الوطن السوداني‏.‏

attalla@ahram.org.eg

44436

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

4

‏2 من شعبان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اصعب
ما في قضيه القدس ان العرب يتعاملون بمنطق سياسي يستند الي حقائق التاريخ
وثوابت الجغرافيا في حين ان القرار التفاوضي في اسرائيل يخضع لخرافات
خطيره ومزعجه يروج لها غلاه اليهود المتطرفون الذين يتمسكون بضروره اعاده
بناء المعبد اليهودي الهيكل في ساحه الحرم القدسي الشريف الذي هو اولي
القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبه للمسلمين‏.‏

وهولاء
المتاجرون بالخرافه والاسطوره وسط الشعب اليهودي يزعمون ان ذلك البناء
المزعوم للمعبد اليهودي الذي يستعجلون تشييده هو الذي سوف يعجل بظهور
المسيح المخلص ويقولون انهم يستندون في ذلك الي التوراه التي جري تحريفها
علي ايديهم‏!‏

والعقلاء في دوله اسرائيل يرون ان الخطر الاكبر علي
الدوله العبريه يتمثل في هولاء المتطرفين وليس في العداء العربي الذي يعشش
فقط في رووس مجانين الهيكل‏.‏

لقد بدا هولاء الذين يطلق عليهم في
اسرائيل ذاتها اسم مجانين الهيكل منذ عده سنوات في بناء اماكن البخور
ومكانس الرماد المخصصه للذبائح الحيوانيه والالات الموسيقيه القيثارات
والابواق المصنوعه من الفضه وازياء الحاخامات من قماش الكتان الرمادي
اللون اضافه الي شمعدان ضخم من سبع شعب مصنوع من الذهب الخالص‏.‏

ويخطئ
من يظن ان هولاء المتطرفين يتصرفون بعيدا عن موافقه الدوله الاسرائيليه او
ان هولاء يعبرون عن شريحه محدوده في الشعب الاسرائيلي لان هذه المواد التي
قاموا ببنائها وتصنيعها انتظارا للحظه الموعوده ليست مخباه بعيدا عن
الانظار والعيون وانما يجري عرضها علنا في وضح النهار في متحف رسمي يطلق
عليه اسم متحف معهد جبل الهيكل الذي اقيم بتمويل من وزاره التربيه
الاسرائيليه والتي تتولي بنفسها تنظيم زيارات دوريه للمعهد لجميع تلاميذ
المدارس حتي يكونوا علي علم بفكره الحياه داخل معبد الهيكل كما تقول
الاسطوره التي يروج لها المتطرفون‏!‏

واكثر من ذلك فان وزاره
التربيه الاسرائيليه اشرفت بنفسها علي اصدار كتيب عن هذا المعهد يجري
توزيعه علي اوسع نطاق داخل اسرائيل وبالذات في وسط الاجيال الجديده حيث
ورد في الكتيب بالحرف الواحد‏:‏ ان اهدافنا في المدي المنظور تكمن في
اعاده الروح الي شعله جبل الهيكل في قلوب الانسانيه اما علي المدي الطويل
فيتعلق الامر ببذل اقصي مايمكن من اجل اعاده تشييد المعبد المقدس في هذه
الايام‏.‏

وفي اعتقادي ان ذلك هو الخطر الاكبر لان السلام يقوم علي
العقل والمنطق ويستند الي التاريخ والجغرافيا ولايمكن ان تقوم له قائمه
علي الاساطير والخرافات المجنونه والمزعجه من نوع مايجري الترويج له بشده
بواسطه هولاء المتطرفين داخل اسرائيل‏!‏
وليكن الله عونا لمن يفاوض هولاء الناس‏!‏

44437

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

5

‏4 من شعبان 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بعيدا
عن الدخول في تفاصيل اللعبه الاسرائيليه المعروفه باسم الحاجه الي تشكيل
حكومه ائتلافيه جديده او الدعوه لانتخابات نيابيه مبكره‏,‏ اعتقد ان احدا
لم يعد يساوره ادني شك في ان هذه اللعبه مهما تعددت اسبابها تصب في
النهايه لخدمه هدف اسرائيل في الافلات من دفع اي استحقاقات لصنع سلام
حقيقي يضمن حلا عادلا وشاملا للقضيه الفلسطينيه‏.‏

والحقيقه ان من
يقرا القضيه الفلسطينيه‏,‏ سوف يكتشف دون عناء ان اسرائيل ربما تقبل بعقد
تسويات مرحليه ولكنها ليست مستعده للسلام الكامل‏,‏ لان منهج التسويات
يندرج ضمن الوسائل والاليات الضروريه لتنفيذ المشروع التوسعي الكبير علي
مراحل‏,‏ اما السلام فانه يمثل قيدا علي المطامع والمقاصد الاسرائيليه‏.‏

ولعلنا
نتذكر تلك المقوله الشهيره لرئيس وزراء اسرائيل الاسبق ديفيد بن جوريون
عقب توقيع اتفاقيات الهدنه في رودس عام‏1949,‏ وتعرضه لانتقادات عنيفه من
قوي التطرف انذاك بقياده مناحم بيجين‏,‏ باسم اضاعه فرصه اسرائيل في ابرام
اتفاق سلام نهائي مع العرب‏,‏ يضمن شرعيه وجودها‏...‏ يومها قال بن جوريون
بالحرف الواحد‏:‏ اننا نحتاج الي اتفاق مع العرب وليس الي السلام‏,‏ لان
الاتفاق علي الهدنه مجرد وسيله علي طريق مشروع صهيوني كبير لم تتوافر بعد
الظروف الملائمه لاستكماله‏.‏

ومنذ ان قال بن جوريون ذلك‏,‏ وسياسه
اسرائيل تتغير في وسائلها التكتيكيه‏,‏ لكنها لم تحد ابدا عن الخط
الاستراتيجي الذي وضعه بن جوريون برغم التحول الكبير في الموقف العربي‏,‏
الذي ارتضي اعترافا صريحا بالدوله العبريه وابدي الجميع استعدادهم لاقامه
علاقات سياسيه واقتصاديه مع اسرائيل‏,‏ اذا وفت بالتزاماتها واعادت الحقوق
المغتصبه لاصحابها‏.‏

ومعني ذلك ان كل احاديث السلام التي تخرج من
اسرائيل‏,‏ ليست سوي احاديث للخداع والتضليل الي الحد الذي بدا فيه كثير
من انصار السلام في العالم العربي‏,‏ يتشككون في جدوي مواصله الرهان علي
خيار السلام‏,‏ في ضوء ما ظهر من حقائق علي الارض‏,‏ توكد ان بعض اتفاقيات
السلام التي وقعتها اسرائيل مع العرب وبالذات اتفاقيه اوسلو لم تكن سوي
محطات لانتزاع اثمان باهظه‏,‏ ثم التخلص بعد ذلك من دفع الاستحقاقات
الواجبه عليها باختلاق الحجج والاعذار‏!‏

هكذا ينبغي ان نفهم اللعبه التي قد تتغير اسبابها وظروفها ولكنها تظل محكومه بهدف اساسي هو الهروب من السلام الشامل‏!‏

ان
الحكومه الائتلافيه والانتخابات المبكره وكل ما في قاموس السياسه
الاسرائيليه من حجج وتبريرات ليست سوي مناوره لكسب الوقت ودفن اي محاوله
لسلام حقيقي كامل وعادل‏!‏

ومن سوء الطالع ان نشهد في الساحه
الفلسطينيه هذه الايام صراعا واقتتالا وتناحرا لايخدم اللعبه الاسرائيليه
فحسب‏,‏ وانما يعزز ويقوي الحجج والمبررات الاسرائيليه لاستمرار كسب الوقت
وبالتالي تمييع القضيه حتي يحين موعد دفنها نهائيا‏!‏

والتاريخ لن
يغفر لاحد من الذين يساعدون اسرائيل علي مواصله لعبتها الخبيثه سواء من
القوي الدوليه الداعمه لها او اصحاب القضيه الذين باعوها في سوق صراعاتهم
الرخيصه‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44438

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

6

‏5 من شعبان 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لا
خلاف علي حق الصحافه في اي وطن حر مستقل في ان تطارد الفساد‏,‏ وان تلح
علي تاكيد الضمانات الكفيله بعدم افلات احد من دائره الحساب ومن قبضه
العقاب اذا كان قد اخطا او انحرف ولكن ليس من واجب الصحافه ان تتحول بعض
وقائع الفساد الي عنوان عام‏,‏ يوحي بان المجتمع كله قد اصبح مجتمعا
فاسدا‏!‏

وايضا لا خلاف علي حق الصحافه تحت مظله حريه الراي
والتعبير في ان تطالب بالضرب بشده علي ايدي من يعبثون بالمصالح العليا
للوطن والمواطن‏,‏ ولكن دون الانزلاق الي اعتلاء منصه العداله واصدار
الاحكام المسبقه دون تحقيق لكي لايوخذ الناس بالشبهات‏,‏ وبالتالي تحدث
رده تلقائيه تعود بالبلاد الي اجواء الاعتام التي تسمح بالحكم علي الناس
من واقع التقارير والوشايات فقط‏!‏

ان ابداء الانزعاج من بعض مظاهر
الفساد والتسيب والاهمال علامه صحيه لحيويه وصحوه المجتمع‏,‏ الذي لن يسمح
ببقاء الفساد امنا في جحوره‏,‏ ولكن المبالغه في التعبير والقفز الي خطيئه
التعميم لايمثلان خطرا علي تماسك المجتمع وثقته بنفسه فحسب‏,‏ وانما
يشكلان خطرا بصوره اكبر علي مصداقيه الصحافه‏,‏ ويفتحان الباب من جديد
امام من يريدون العوده الي اجواء التشكيك في جدوي حريه الصحافه باسم
مقتضيات المصلحه العامه‏.‏

ومن هنا فان من واجب الصحافه ان تغذي
قيم النزاهه والشرف والطهاره‏,‏ وان توكد انتصارها لمطارده الفساد وتعقبه
في كل مكان ولكن دون اغفال ان الفساد فضلا عن انه ليس ظاهره عامه لسنا
وحدنا المصابين بفيروساته‏,‏ ولسنا وحدنا الذين نعاني منه‏,‏ لان الفساد
سلوك انساني قائم وموجود منذ بدء الخليقه‏..‏ والامر الفيصل هو هل يجري
التستر عليه ام تتم ملاحقته اولا باول؟‏!‏

ولعلي اسارع بايضاح
ضروري‏,‏ هو انني لست من اولئك الذين يحبسون عقولهم وافكارهم داخل اسوار
اوهام كاذبه باننا مجتمع خال من الفساد والتسيب والاهمال‏,‏ وبه من نماذج
النزاهه والشرف والامانه اضعاف اضعاف ما ابتلينا به من ضعاف النفوس واصحاب
الذمم الخربه‏..‏ بل انني اقول ما هو اكثر من ذلك واوكد اننا مازلنا بحاجه
الي المزيد من القوه والقدره علي ملاحقه العديد من مظاهر الفساد والتسيب
والاهمال‏,‏ لانه ليس بامكاني ولا بامكان احد غيري ان يقول‏:‏ ان كل وقائع
الفساد قد تم كشفها ومحاسبه المتورطين فيها‏!‏

ومعني ذلك ان
استمرار ملاحقه ومطارده الفساد والكشف عن اوكاره شيء والسعي الي تلطيخ
وتشويه صوره مجتمعاتنا باقلامنا او اقلام المتحاملين علينا من خارج الحدود
شيء اخر‏!‏

وسيظل حلم البشريه في مجتمع المدينه الفاضله‏,‏ الذي
يضم الملائكه ولايعرف الشياطين‏,‏ مجرد حلم في سطور القصص والروايات
فقط‏,‏ فتلك هي معادله الحياه‏,‏ التي تقوم علي صراع دائم بين الخير
والشر‏...‏ ومن ثم فان علينا ان نواصل الانتصار للخير لكي نهزم الشر‏,‏
الذي يمثل الفساد والتسيب والاهمال احد ابرز ملامحه في العصر الحديث‏.‏

attalla@ahram.org.eg

44439

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

7

‏6 من شعبان 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

ليس
هناك شئ يحتاج الي الاصلاح قدر احتياجنا الي اصلاح النفوس تحت مظله من صدق
الضمائر وطهاره الذمم وجديه الاداء وتغليب المصلحه العامه فوق اي انانيات
او طموحات يصنعها تضخم الذات عند الكثيرين‏.‏

اننا بحاجه الي اصلاح
في النفوس ينبع من وعي ذاتي باهميه التخلص من كل العادات والثقافات
المريضه التي تتراوح بين الحقد علي الغير او الياس من الغد‏,‏ وهي ثقافات
ادت للاسف الشديد الي رواج اساليب التسلق لحجب الخبرات مثلما اشاعت اساليب
التسلط التي تستهدف ضرب كل نجاح‏!‏

ان اصلاح النفوس هو سبيلنا
الوحيد لامكانيه الرهان علي استعاده الاجواء المجتمعيه النقيه التي تسمح
لتفريخ وضخ الكفاءات في شتي مواقع العمل العام ومنحها كل الصلاحيات
وحمايتها من الدسائس والموامرات بعد ان عانينا طويلا من الذين لا يرون في
المراه سوي انفسهم‏,‏ ويسعون في كل المجالات الي احراق اي وجه جديد يطل
علي ساحه العمل العام‏.‏

ولست ابالغ اذا قلت ان اصلاح النفوس هو
المدخل الصحيح لتعريه النفاق والمنافقين وكشف النمامين والمراوغين الذين
يتزايد عددهم في اجواء الشلليه والمحسوبيه والاقطاعيات الوظيفيه
والحزبيه‏!‏

وهذا الذي اتحدث عنه لا يمكن ان يتحقق بالشعارات وانما
يتطلب حدا ادني من الاصلاح الوظيفي المعيشي الذي يدعم القابليه لاصلاح
النفوس‏,‏ لان الرواتب المجزيه ليست فقط ضروره معيشيه مستحقه‏,‏ وانما
لانها تمثل في ذات الوقت درع حمايه ضد الفساد والكذب والنفاق من ناحيه كما
انها تشكل حافزا للعطاء والاخلاص والصدق في العمل من ناحيه اخري‏!‏

ان
اصلاح النفوس هو الذي يجدد الحلم حول بناء معادله مجتمعيه جديده تجمع بين
حريه المعارضه من ناحيه وامانه ومسئوليه النقد من ناحيه اخري بحيث يكون حق
المعارضه والنقد منزها تماما عن لغه السب والقذف والتشهير من خلال السعي
للمعرفه بالمعطيات الصحيحه لكل قضيه قبل الخوض فيها او التعليق علي
مجرياتها‏.‏

وصدق المولي عز وجل وهو القائل في محكم كتابه‏:‏ ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم‏.‏

هيا الي تغيير النفوس‏,‏ فهو البوابه الاولي لاي اصلاح نبتغيه لانفسنا‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44440

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

8

‏7 من شعبان 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

من
بين التعبيرات السياسيه المستحدثه التي بدا يشيع استخدامها في وسائل
الاعلام الدوليه تعبير الاسلام الاوروبي في اشاره للتزايد المستمر في
اعداد الجاليات الاسلاميه في اوروبا والتي تزيد حاليا علي‏35‏ مليون
مسلم‏.‏

وطبقا لاحدث الاحصائيات فان في فرنسا وحدها يوجد خمسه
ملايين مسلم اغلبهم تعود جذورهم الي الجزائر‏,‏ والمغرب‏,‏ وتونس وبينهم
قرابه‏3‏ ملايين يحملون الجنسيه الفرنسيه‏,‏ بينما يوجد في المانيا نحو‏4‏
ملايين مسلم اغلبهم من اصول تركيه‏,‏ وفي بلجيكا‏,‏ وهولندا يوجد اكثر من
مليوني مسلم يحملون الجنسيتين البلجيكيه والهولنديه وفي بريطانيا اكثر من
مليونين ونصف المليون مسلم‏..‏ فضلا عن وجود ارقام في حدود المليون مسلم
لدي كل من اسبانيا وايطاليا وارقام في حدود مئات الالوف من المسلمين في
بلغاريا‏,‏ والمجر‏,‏ وعده ملايين في البوسنه والهرسك والبانيا‏.‏

وحتي
عقود قليله مضت لم يكن تعبير الاسلام الاوروبي مطروحا ولا متداولا في
وسائل الاعلام‏,‏ ولكن منذ منتصف حقبه السبعينيات بدا الاوروبيون يلتفتون
الي وجود الجاليات الاسلاميه وتاثيرهم في الحياه العامه ويعتبرونه وجودا
ايجابيا يدعم خاصيه التنوع العلماني‏.‏

وربما ساعد علي نمو
واستقرار هذه الجاليات المسلمه ان الدول الاوروبيه لم تشعر من ناحيتهم باي
خطر سياسي او ثقافي او امني حيث كانت هذه الجاليات بعيده تماما عن القيام
باي دور سياسي يتوازي مع وزنها الديموجرافي‏.‏

ولكن منذ مطلع
التسعينيات في القرن الماضي وفي ضوء التعاطف الاوروبي مع مسلمي البوسنه
والهرسك الذين تعرضوا لابشع المذابح علي ايدي الصرب بدا جيل جديد في
الجاليات الاسلاميه يسعي للعوده للجذور وينخرط في جمعيات وموسسات لتوحيد
الصفوف وحشد القوي من اجل الضغط علي الحكومات الاوروبيه لنصره المسلمين
المضطهدين في اي مكان بالعالم‏.‏

ومع وعي هذا الجيل الجديد وحركته
الواسعه في الشارع السياسي بدا استخدام تعبير الاسلام الاوروبي في
المانيا‏,‏ وفرنسا بعد ان كشف هذا الجيل الجديد عن قدره علي التاثير في
الانتخابات النيابيه والتشريعيه ومحاوله ربط اصواتهم بمواقف الحكومات من
القضايا التي تهم العالم الاسلامي‏.‏

وهكذا اكتشفت الجاليات
الاسلاميه مع حركه وفعاليه هذا الجيل الجديد من الشباب المسلم ان حلمها قد
دخل حيز التنفيذ وبمبادره من الاحزاب السياسيه الاوروبيه‏,‏ التي بدات
تغازل الصوت المسلم وتسعي لاسترضائه‏.‏

وقد ادي ذلك الاهتمام
الاوروبي بالجاليات الاسلاميه الي قلق المنظمات الصهيونيه واضطرارها
لممارسه سياسات الضغط والاحتجاج‏,‏ ولكن هذه المحاولات لم تفلح الي ان
وقعت احداث الحادي عشر من سبتمبر عام‏2001,‏ التي وفرت لاسرائيل والمنظمات
الصهيونيه في اوروبا فرصه العمر للتحريض بشده ضد الجاليات الاسلاميه
والعمل علي اشاعه استخدام تعبير الاسلام الاوروبي بالترويج للخطر المحدق
علي الحضاره الاوروبيه‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

attalla@ahram.org.eg

44441

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

9

‏8 من شعبان 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لعل
من الواجب ومن الضروري ايضا ان نعترف بان العقل الاوروبي يختزن في ذاكرته
ايام الغزو الاسلامي لاوروبا عند مطلع القرن الثامن الميلادي‏,‏ وكيف ان
الوجود العربي والاسلامي استمر في بعض الدول الاوروبيه مثل اسبانيا‏8‏
قرون‏,‏ اي نحو ثمانمائه عام قبل ان تشتعل حروب الرده ضد المسلمين في
اوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي‏.‏

واذن فاننا ازاء قضيه لها
جذورها القديمه واسبابها المتعدده تاريخيا واقتصاديا وسياسيا‏,‏ ثم ان
الاخطر من ذلك ان قضيه الاقليات المسلمه في اوروبا ظلت قضيه مدفونه الي ان
وقع زلزال المتغيرات الدوليه العنيفه في الاتحاد السوفيتي ودول شرق اوروبا
عام‏1989,‏ فاذا بهذه القضيه تطفو علي سطح الاحداث وتدخل بوره الاهتمام في
اوروبا بقسميها الغربي والشرقي علي حد سواء‏,‏ لان المسلمين الذين كانوا
اقليه داخل منظومه الاتحاد السوفيتي اصبحوا يمثلون اغلبيه في دولهم
الجديده المستقله‏.‏ والحقيقه ان بدايه الهاجس الاوروبي من الخطر الاسلامي
ظهرت مع الاعلان عن انضمام اذربيجان وطاجيكستان وتركمانستان الي منظمه
الموتمر الاسلامي باعتبارها دولا اسلاميه مستقله بعد ان كانت في نظر
اوروبا جزءا من الدوله الاوروبيه العظمي المسماه بالاتحاد السوفيتي‏...‏
بل ان هذا الهاجس الاوروبي غير المبرر باعتبار ان هذه الدول تقع جغرافيا
في قاره اسيا دفع الاوروبيين الي طرح تساولات حول وجود دوله اوروبيه
مستقله ذات اغلبيه مسلمه وهي البانيا والتي لها مواطنون خارج حدودها
يشكلون اقليات مسلمه ذات طموحات سياسيه من نوع الاغلبيه المسلمه في اقليم
كوسوفا الذي يقع سياسيا ضمن حدود دوله صربيا‏,‏ وبدات حمله مزايدات رقميه
حول تعداد الاقليات المسلمه في اوروبا حتي وصلت بها بعض التقديرات الي ما
يقرب من‏20‏ مليون مسلم في دول وسط وغرب اوروبا فقط‏,‏ والادعاء بهدف
التخويف ان المسلمين يمكن ان يشكلوا اغلبيه في معظم دول اوروبا مع حلول
منتصف القرن المقبل‏.‏

ومن اسف ان القوي الصهيونيه في اوروبا
استطاعت ان تلعب علي وتر الاقليات المسلمه في اوروبا لخدمه اغراضها في
استمرار عزل العرب عن التقارب مع اوروبا وراحت تروج بشده لصحه المقوله
الخائبه للرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون بان العدو الجديد والخطير
الذي يهدد الحضاره الغربيه بعد سقوط الشيوعيه هو الاسلام‏.‏

بل ان
هناك من اعاد صياغه منهج الفيلسوف الصهيوني البروفيسور ايلداه شايب بشان
الصراع العربي الاسرائيلي الذي يقول فيه انه لا مكان لامتين علي ارض
فلسطين ويجب علي احداهما ان تقضي علي الاخري‏,‏ وان الحياه ستكتب للشعب
اليهودي ولحركه تحرره القومي لكي تصبح هذه الصياغه العنصريه صالحه
للاستخدام ضد المسلمين في اوروبا بدعوي ان هذه القاره لا مكان فيها
للمسلمين والاوروبيين معا‏!‏

ومع ان اوروبا اكتوت طويلا من مثل هذه
الدسائس فانها للاسف الشديد بلعت الطعم بسهوله وساعدها علي ذلك اننا نعيش
حاله غفله فكريه وثقافيه بلغت مرحله الانكفاء بعد احداث‏11‏ سبتمبر
عام‏2001‏ بسبب هاجس الخوف من تهمه الارهاب‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44442

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

10

‏9 من شعبان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

احدث
الدراسات العلميه والطبيه في العالم توكد ان الرياضه هي افضل دواء وقائي
للانسان علي طول مراحل العمر طفلا وصبيا وشابا وكهلا‏..‏ ولكن الاحدث من
ذلك جدا جدا هو ما توصل اليه العلماء اخيرا من ان الرياضه يمكن ان تسهم في
تحسين القدرات العقليه عند الانسان بشكل عام‏,,‏ وايقاف التراجع العقلي
عند المسنين منهم بشكل خاص‏!‏

لقد وجد العلماء استنادا لدراسات
ميدانيه ومعمليه ان الرياضه تسهم في تعزيز القدرات العقليه او الوظائف
المعرفيه عند الانسان ومع ان العلماء لم يستطيعوا بعد ان يتوصلوا لسر هذه
العلاقه بين التدريبات الرياضيه وتحسين القدره العقليه الا ان عددا كبيرا
منهم يميل الي الاعتقاد بان ذلك ربما يعود الي ان الرياضه تودي لتحسين
قدره القلب علي ضخ الدم المحمل بالاكسجين الي جميع اجزاء جسم الانسان
وبالذات الي المخ‏..‏ ومن ثم يكون منطقيا ان يودي الانتظام في ممارسه
التدريبات الرياضيه الي تقليل مسببات التراجع العقلي الذي يحدث بسبب
التقدم في السن‏!‏

والحقيقه ان هذه الابحاث والدراسات التي ادت
لاستخلاص هذه النتيجه بشان العلاقه بين الرياضه وتحسين القدرات العقليه
جاءت بطريق المصادفه خلال انشغال عدد من العلماء الامريكيين ببحث يتركز
حول تاثير ممارسه الرياضه علي علاج امراض الكابه والاحباط التي يتزايد
انتشارها في المجتمع الامريكي علي مدي السنوات الاخيره‏.‏

وقد كشفت
هذه الدراسات ان التدريبات الرياضيه تودي لتحسين الذاكره وزياده التخطيط
والتنظيم والتعامل مع عدد من القضايا المختلفه في ان واحد‏.‏

وقد
تضمنت الدراسه عددا من المرضي تتراوح اعمارهم بين خمسين وسبعه وسبعين عاما
جري تقسيمهم عشوائيا الي ثلاث مجموعات‏,‏ حيث قامت المجموعه الاولي
باستخدام العجلات الرياضيه او المشي او الجري بينما قامت المجموعه الثانيه
بتناول ادويه مضاده للكابه اما المجموعه الثالثه فجمعت بين المنهجين‏.‏

وبعد
سته عشر اسبوعا اظهرت المجموعات الثلاث درجه من التحسن حسب المعايير
القياسيه للكابه مما قاد الباحثين الي الاستنتاج بان فعاليه التمارين
الرياضيه في معالجه الكابه تماثل فعاليه الادويه ولكن مع فارق مهم هو ان
ممارسه الرياضه لاينجم عنها ايه اثار جانبيه مثلما يحدث مع استخدام
الادويه‏.‏

والذي لم يقله الباحثون هو ان التدريبات الرياضيه تعتبر
اكثر اهميه للمسنين عن غيرهم من مختلف الاعمار لانها تتيح لهم الخروج
والالتقاء بالاخرين والشعور بالاهميه والامل في الحياه‏!‏

وقد
راينا في حفل الافتتاح الاسطوري لاولمبياد بكين امس الاول الذي حضره اكثر
من‏50‏ زعيما من زعماء العالم كيف ان الرياضه لاتتيح فقط الفرصه لمنافسات
رياضيه شريفه بين الامم والشعوب‏,‏ وانما توفر اجواء نقيه لحوارات سياسيه
بالغه الاهميه من نوع لقاء الرئيس الامريكي بوش مع رئيس وزراء روسيا بوتين
لبحث ازمه الصراع في جورجيا‏.‏

وكلنا يتذكر القصه الشهيره
لدبلوماسيه‏'‏ البنج بونج‏'‏ التي فتحت الابواب ومهدت الاجواء لاعتراف
امريكا رسميا بجمهوريه الصين الشعبيه قبل اكثر من‏30‏ عاما‏.‏