رد: كل يوم بقلم مرسي عطا الله

44443

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

11

‏10 من شعبان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اكثر
مالفت نظري في زيارتي الاخيره الي جنوب افريقيا عباره سمعتها علي مائده
الغداء التي اقامها الرئيس مبيكي تكريما للرئيس مبارك والوفد المرافق
له‏,‏ ولحسن الحظ كان يشاركني علي المائده بعض اساتذه الجامعه هناك‏,‏
وقال لي احدهم ان التطور الحقيقي في جنوب افريقيا انها واحده من اسبق دول
العالم التي وضعت علم المستقبليات في صداره مناهجها التعليميه بهدف قراءه
المستقبل‏,‏ ورسم صوره دقيقه لمجمل التطورات المنتظر حدوثها في الخمسين
عاما الاولي من القرن الحالي‏!‏

ومعني ذلك ان هناك توجها جادا
لاستكشاف اتجاه الريح المستقبليه ودراسه مدي وكيفيه توفير الاليات القادره
للتعامل مع تطورات المستقبل‏,‏ وتحدياته المنتظره التي قفزت قبل الاوان
بسبب سرعه التداعيات المتلاحقه لاحداث الحادي عشر من سبتمبر‏.‏

والذين
يعكفون علي قراءه صور المستقبل لا ينكفئون علي انفسهم‏,‏ وانما يمدون
ابصارهم خارج حدود اوطانهم الي ابعد نقطه يمكن رويتها ورصدها علي سطح
الكره الارضيه بعد ان تلاشت المسافات وسقطت الحواجز والحدود كاحد
الاستحقاقات الحتميه لعصر العولمه ولحقبه الهيمنه المطلقه للولايات
المتحده الامريكيه علي مفاتيح السياسه الدوليه‏!‏

ولعل ذلك هو
التفسير المنطقي الوحيد لتعاظم الاهتمام البحثي في علم المستقبليات داخل
الدول الاكثر غني والاكثر تقدما في عصرنا الراهن بظاهره التطور السكاني في
العالم‏,‏ ومدي انعكاسات هذا التطور علي مصالح هذه الدول بشكل اساسي‏,‏
وعلي الوضع العالمي سكانيا واقتصاديا واجتماعيا بشكل عام خصوصا مع
احتمالات تغيير الخرائط وتوزيع واقتسام الثروات في مناطق عديده من العالم
بينها منطقه الشرق الاوسط وافريقيا‏!‏

والحقيقه ان وطاه الاحساس
بمخاطر التزايد المحتمل لحركه النزوح والهجره من دول الجنوب الي دول
الشمال باتت تشكل هاجسا مزعجا لهذه المجتمعات التي ارتفعت فيها نسبه
البطاله وباتت مرشحه لما هو اخطر من ذلك عندما تتدفق عليها الايدي العامله
الرخيصه من ملايين النازحين الذين سيفرون من مناطق الحروب والصراعات
ليشكلوا بطاله مقلقه امنيا واجتماعيا يصطلح علي تسميتها بالبطاله
النازحه‏.‏

ويزيد من حده المازق الذي يقلق المجتمع الدولي كله‏,‏
ان هناك ادراكا للحقيقه المره التي تقول ان الكره لم تعد في ملعب
السياسيين‏,‏ وصناع القرار السياسي وحدهم‏,‏ كما كان عليه الحال طوال
القرون الماضيه‏,‏ وانما ظهر هناك شركاء اقوياء لهم ملاعبهم وساحاتهم وفي
المقدمه اصحاب الشركات العملاقه عابره القارات ومعامل المختبرات البحثيه
والاختراعات العلميه والشركات والموسسات التي تحتكر انتاج السلاح‏..‏
وهولاء لهم قوه نفوذ هائله توثر علي منطقه صناعه القرار‏!‏

وربما
لهذا السبب تحديدا‏..‏ لم تعد قرارات الحرب والسلام مرتهنه بقرارات تتخذها
هذه الحكومه او تلك‏,‏ وانما اصبحت رهنا في المقام الاول بالسياسات
والقرارات التي تتخذها هذه الشركات العملاقه‏,‏ والتي تجيء في اغلب
الاحيان متوازيه مع ما تنتجه معامل الابحاث والاختراعات العلميه الحديثه
ومصانع الاسلحه‏,‏ وضروره توفير التسويق الامثل لمنتجاتها لضمان الارباح
الهائله لاصحابها الذين يتحملون العبء الاكبر في فاتوره تزكيه الروساء
واعضاء الكونجرس في المواسم الانتخابيه‏.‏ انه عالم جديد حسابات المستقبل
فيه لا تقل اهميه عن حسابات الحاضر‏!‏

44444

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

12

‏11من شعبان 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لايمكن
الحديث عن دوره الالعاب الاوليمبيه في بكين وما عكسه حفل الافتتاح
الاسطوري من ابهار بعيدا عن الادراك لحقيقه هذه الامه الصينيه العملاقه‏,‏
وما تختزنه في جوفها من عوامل القوه التي اهلتها للظهور علي السطح
والتعبير عن نفسها بهذه الروعه الاخاذه التي مكنت الخزينه الصينيه من
تدبير اكثر من‏50‏ مليار دولار حتي تخرج الدوره الاوليمبيه بهذه الصوره
المشرفه‏.‏

وفي اعتقاد كثير من الخبراء والمحللين ان اهم عوامل
القوه الخفيه والكامنه للصين ليست فقط داخل حدودها‏,‏ وانما في جالياتها
المنتشره في كل انحاء العالم‏,‏ وبالذات في المحيط الاسيوي القريب
والملاصق للصين‏,‏ والذي يشكل عمقا استراتيجيا فريدا علي حد تعبير الباحث
الفرنسي الشهير جان بودريا مولف كتاب السيناريوهات السبعه لقيامه العالم
والذي يخصص فيه فصلا كاملا للحديث عن الصين‏.‏

ان الصينيين الذين
يعيشون في البلدان الاسيويه الاخري ينقسمون الي ثلاث فئات‏,‏ بعضهم احتفظ
بجنسيته الاصليه‏,‏ وهناك اخرون اخذوا وضع المقيمين الاجانب‏,‏ اما
الباقون فقد اصبحوا مواطنين في البلدان التي يعيشون فيها‏..‏ ويقال ان
مجموع هولاء يتراوح ما بين‏25‏ و‏30‏ مليونا حسب الاحصائيات المختلفه‏..‏
لكن عددهم الدقيق يشكل جانبا من اسرار الدوله في بعض البلدان‏,‏ لان هولاء
ليسوا مهاجرين بكل معني الكلمه‏,‏ وليسوا مستعمرين حقيقيين‏,‏ وبالتالي
يمثلون نوعا من الشتات الذي لامثيل له في التاريخ‏,‏ وبما ان اصولهم تعود
الي دوله حضاره قائمه بذاتها‏,‏ فانهم يوكدون انتماءهم الي الثقافه
المسيطره في اسيا‏.‏

ومن خصوصيه بل وفراده الوضع الذي يعيشه ذوو
الاصول الصينيه في بقيه بلدان اسيا‏,‏ انهم لعبوا باستمرار دور الوسيط بين
البلدان التي تستقبلهم وبين الوطن الام الصين‏..‏ وقد حافظوا في هذه
البلدان علي وضعيه الاقليه التي تحافظ علي هويتها ولاتذوب في الثقافه التي
تحيط بها‏,‏ حتي لو انهم اكتسبوا جنسيتها‏..‏ ويبقي القاسم المشترك بين
الصينيين الذين يوجدون في الخارج هو وصولهم الي تجميع ثروات كبيره كما
تبين حالات لي كا تشنج احد اكبر اثرياء العالم واوبون هاو مخترع مرهم بلسم
النمر وغيرهما من رموز الثراء الصيني في الخارج‏!‏

ويقدر مجمل
ثروات صينيي الشتات حسب احصائيات شبه رسميه بما يزيد علي‏2000‏ مليار
دولار امريكي‏,‏ وهذا يعني انه في حال تجميعها في دوله واحده يكون اجمالي
دخلها القومي يقارب دخل دوله مثل اسبانيا‏.‏

وفي تايلاند تمتلك
الجاليه الصينيه‏89%‏ من مجموع تحويلات البورصه‏..‏ وفي سنغافوره‏81%‏ وفي
اندونيسيا‏73%‏ اما في الفلبين فتتركز نسبه‏60%‏ من التجاره بايدي
الصينيين‏.‏

وفي اعتقادي ان الطفره التي حققتها الصين في كل
المجالات تستند اساسا الي هذه الاستثمارات الهائله التي تدفقت في السنوات
الاخيره‏,‏ واغلبها يمثل ثمره عمل الصينيين الذين يعيشون خارج بلادهم‏..‏

ان
التجربه الصينيه تحمل في طياتها دروسا كثيره بينها درس التواصل بين الوطن
وابنائه في الخارج‏..‏ وهو درس نحتاج اليه عربيا لكي نكون قادرين علي صنع
طفره اقتصاديه عربيه مماثله تستند الي الثروات العربيه الهائله المكدسه في
البنوك الاجنبيه‏..‏

44445

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

13

‏12من شعبان 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(1)

اخطر
ما يمكن ان يهدد الحقيقه في اي مجتمع هو استسهال تعميم الاشياء لانه في ظل
استسهال التعميم لاتتوه الحقيقه وحدها‏,‏ وانما تختلط الامور وتتشابك الي
الحد الذي يصعب فيه تسميه الاشياء بمسمياتها الصحيحه من نوع فوضي الالقاب
والوظائف والمراكز الاجتماعيه والاقتصاديه‏.‏

وبسبب هذه الفوضي
اصبح مصطلح رجال الاعمال متداولا في الشارع المصري دون تفرقه بين غالبيه
شريفه‏,‏ تسهم في دعم جهود التنميه والاستثمار‏,‏ وبين اقليه فاسده تاخذ
ولا تعطي وتسيء ولا تصلح‏!‏

والحقيقه ان مصر لم تعرف مسمي رجل
الاعمال الا بعد هوجه الانفتاح في النصف الثاني من سبعينيات القرن
العشرين‏,‏ عندما بدات تخلع رداء الاشتراكيه‏,‏ وتتجه نحو العوده لنظام
الاقتصاد الحر‏,‏ الذي كان سائدا في مصر قبل ثوره يوليو عام‏1952.‏

كانت
مصر تتداول مسميات عديده قبل ثوره يوليو مثل رجال الصناعه‏,‏ ورجال
المال‏,‏ وذوي الاملاك للاشاره الي فئات الثراء والغني في المجتمع‏,‏ التي
تهيمن علي شئون الصناعه وحركه سوق المال والمجتمع الزراعي‏,‏ حيث لم تكن
هناك رابطه تجمعهم سوي ذلك الانتشار الملحوظ لهذه الفئات في مواقع الصداره
داخل الاحزاب المصريه‏,‏ التي كانت في اغلبها احزابا يمينيه‏.‏

وحتي
اليوم فانه ليس هناك تعريف علمي او اجتماعي محدد لرجل الاعمال‏,‏ وانما
توجد فقط صفات مشتركه تنحصر في تراكم الثروه والسعي لتوفير الغطاء
الاجتماعي والسياسي‏,‏ الذي يكفل الحمايه ويضمن الامان‏.‏

وربما
يكون مفيدا ان نشير الي ان مصطلح رجال الاعمال يعتبر جديدا لم تعرفه
اوروبا الا مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‏,‏ وان هذا
المصطلح نشا كمرادف طبيعي للهجمه الاستعماريه وكسبب من اهم اسبابها‏!‏

وعندما
بدات اوروبا تدخل عصر الصناعه لم تكن الصوره واضحه تماما‏,‏ وجري التوسع
في انشاء المصانع باعتبار انها تمثل مدخلا سريعا للربح يفوق عائد الانتاج
الزراعي‏,‏ ونتيجه لهذه التخمه الانشائيه في المصانع ظهرت علي السطح مشكله
عدم توافر خامات التشغيل‏,‏ التي تكفي لتدوير عجله الانتاج‏..‏ واتجهت
الابصار الي خارج الحدود نحو دول الجنوب ذات الموارد الهائله من المواد
الخام‏,‏ التي لاتتوافر في دولها وسائل حديثه للاستثمار والتنميه ولم يكن
هناك من سبيل لنهب هذه الثروات سوي عن طريق غزوات استعماريه توزعت فيها
المناطق حسب قوه وامكانيه كل دوله اوروبيه‏,‏ ومدي قدرتها العسكريه
والاقتصاديه‏.‏

وفي ظل هذه الهجمه الاستعماريه طفت علي السطح فئه
جديده من التجار والمرابين الاوروبيين‏,‏ الذين نقلوا جانبا كبيرا من
اعمالهم واستثماراتهم في الدول المستعمره‏,‏ واصبح يشار اليهم كفئه اكثر
ثراء واكثر نفوذا في المجتمعات الاوروبيه‏,‏ حيث لم يعد يصلح ان يطلق
عليهم فقط لقب تجار كبار او مستوردين ومن ثم تفتق ذهن بعضهم عن طريق
ابتداع مسمي مميز لهم هو مسمي رجال الاعمال‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44446

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

14

‏13من شعبان 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لابد
ان نضع في اعتبارنا ان بعض ما نسمعه عن ممارسات سيئه لعدد محدود ممن
ينسبون لانفسهم في مصر صفه رجال الاعمال حدث مثلها تماما في اوروبا في
بدايات عصر الثوره الصناعيه‏,‏ ولكن سرعان ما انجلت الحقيقه وتمكنت
المجتمعات الاوروبيه من فرز الغث من السمين ولم يعد لقب رجل الاعمال يطلق
سوي علي من تتوافر فيه عناصر المسئوليه الوطنيه والاخلاقيه التي تفصل بين
حق الربح وحق المجتمع‏,‏ بين الاستثمار الانتاجي الذي يوفر فرص العمل
واستثمارات السمسره التي تقتصر علي المراهنات والمضاربات غير المسئوله‏!‏

وليس
من الانصاف لانفسنا كمجتمع يخطو علي طريق التنميه والبناء‏,‏ ولا لرجال
الاعمال الجدد كفئه تسهم الان بنسبه كبيره من حجم الاستثمارات المطروحه في
سوق العمل المصريه‏,‏ ان يصادر احد علي هذه الشريحه حقها في الحصول علي
المكانه الاجتماعيه المرموقه او الوضع السياسي في الخريطه الحزبيه
والبرلمانيه مادام ذلك سوف يتم بعيدا عن شبهه المصالح الشخصيه والاهداف
النفعيه المجرده‏.‏

وربما يكون صحيحا ومطلوبا ان ينبه البعض الي
ضروره وضع الضوابط التي تكفل عدم اختلاط الخاص بالعام تحت مظله المكانه
الاجتماعيه المرموقه والوضع السياسي المميز ولكن مثل هذا التنبيه لايندرج
فقط علي رجال الاعمال‏,‏ وانما يندرج ايضا علي رجال الحكومه وسائر قيادات
اجهزه السلطه التنفيذيه‏.‏

لعلي اكون اكثر وضوحا واقول انه لا ضرر
ولا ضرار من وجود رجال الاعمال تحت قبه البرلمان وفي صداره العمل السياسي
والحزبي مثلما لا ضرر ولاضرار من ان يحظي هولاء بالمكانه الاجتماعيه التي
تتناسب مع حجم عطائهم في الجهود الذاتيه والاعمال الخيريه‏,‏ ولكن المحظور
الوحيد هو ان يتوهم احد ان ذلك يمثل مدخلا للايحاء بانهم قريبون من دوائر
صنع القرار وان ذلك يمنحهم تلقائيا حق الحصول علي بعض ما ليس لهم حق فيه
من موافقات وتاشيرات تجعل منهم نموذجا للقدره علي فرض الاستثناءات وتجاوز
اللوائح والقوانين والتعليمات‏!‏

ان رجل الاعمال شانه شان اي مواطن
يتمتع بجميع الحقوق وعليه جميع الواجبات المنصوص عليها في الدستور
والقانون‏..‏ ومن ثم فان الذي يحكم الامر في نهايه المطاف هو الدستور
والقانون‏,‏ وليس الادعاء بالقدره علي تشكيل جماعات ضغط سياسيه او السيطره
علي وسائل التوجيه الاعلاميه لان ذلك امر غير قابل للنشوء في اطار صيغه
العمل السياسي التي تعيشها مصر منذ نصف قرن والتي من اجلها قامت ثوره
يوليو عام‏1952‏ متضمنه بين مبادئها السته هدف ضرب الاحتكار‏,‏ وانهاء
سيطره راس المال علي الحكم‏!‏

واي لغو خارج هذا الاطار هو نوع من
العبث واضاعه الوقت في مرحله نحتاج فيها الي التكاتف والتوحد واجتذاب ايه
قوه مضافه تزيد من متانه الاستقرار السياسي والاجتماعي وتلبي متطلبات
الطموح التنموي والاقتصادي‏!‏

44447

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

15

‏14من شعبان 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

عندما
وقفت في شرفه القصر الرئاسي في مدينه عنتيبي خلال زياره الرئيس مبارك
الخاطفه لاوغندا واطللت بنظري علي بحيره فكتوريا التي تمثل احد المنابع
الاساسيه لنهر النيل الذي ندين له كشعب بنعمه يحسدنا عليها كل من يعرف
قيمه نقطه المياه‏,‏ طافت في خيالي خواطر كثيره وافكار متعدده‏.‏

في
هذه اللحظه النادره تجسدت امامي كل المعاني الجميله لقصه النهر العظيم‏,‏
ولكن بقدر احاسيس السعاده برويه نقطه البدايه لهذه الثروه المائيه التي
لاتماثلها ثروه اخري كان في داخلي هاجس عتاب مع النفس والذات يتعلق بسوء
سلوكنا وتعاملنا مع هذه الثروه وعدم ادراك قيمتها‏.‏

ان نهر النيل
كثروه نادره يستحق ان نعامله معامله المحميات الطبيعيه وان نوفر له كل
اسباب الحمايه من التلوث‏..‏ وهذا النهر يستحق ايضا ان تكون له هيئه
مستقله بلوائح متطوره تسمح بحسن رعايته وتنظيم اساليب الاستفاده منه
كمشروع اقتصادي استثماري يتجاوز حدود توفير مياه الري ومياه الشرب‏!‏

اتحدث
عن مشروع اقتصادي متكامل سياحيا وبيئيا علي سطح نهر النيل الذي يمكن ان
تتعدد اوجه الاستفاده منه برويه علميه متكامله يصبح معها بمرور الايام
منجما استثماريا غير قابل للنضوب‏!‏

لقد ان الاوان لمراجعه شامله
لاساليب الري التي نستخدمها والتي تتسبب في فقدان كميات كبيره من المياه
دون طائل بسبب اساليب الغمر والفتح المباشر لقنوات الري علي الترع
والمساقي مباشره‏.‏

ان كل مواطن مصري يشعر بان له نصيبا في مياه
النيل وذلك امر لاغبار عليه ولايتعارض مع استمرار اعتبار مياه النهر منفعه
عامه ولكن هذا الحق ينبغي تنظيمه بل وترشيده لتجنب مخاطر ارتفاع نسبه
التلوث‏...‏ وهي مخاطر لاتنسحب فقط علي نقاوه مياه الشرب وانما تمتد الي
تعطيل امكان الاستفاده الكامله من الثروه السمكيه التي يمكن ان يوفرها لنا
نهر النيل‏.‏

ان هذا الشريان الطبيعي الذي يربط شمال الوادي بجنوبه
ويتفرع شرقا وغربا في رياحات وترع كبري ينبغي توظيفه توظيفا امثل كوسيله
للنقل والمواصلات للتخفيف من عبء انشاء طرق بريه جديده او مد خطوط اضافيه
للسكك الحديديه فضلا عن التوفير الهائل في استهلاك الوقود‏.‏

اننا
بحاجه الي وقفه موضوعيه مع هذا النهر العظيم الذي نحتفل هذا الشهر بعيد
وفائه لتكون مدخلا لتصحيح كل ما ارتكبناه من اخطاء وخطايا في حقه وفي حق
انفسنا‏!‏

44448

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

16

‏15 من شعبان 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اعتقد
اننا نتفق علي ان الديمقراطيه تعتمد علي قاعده المساواه في القدره
السياسيه صوت انتخابي واحد للشخص الواحد‏..‏ في حين ان الراسماليه تقوم
علي الحركه المطلقه للسوق التي تسمح بتباين كبير في القدرات الاقتصاديه‏,‏
وهو ما فرض ضروره حل التناقض بين طابع المساواه الذي يميز الديمقراطيه‏,‏
وطابع عدم المساواه الذي يميز الراسماليه‏,‏

عن طريق دمج
الاستثمارات الاجتماعيه ونظم الضمان الاجتماعي في قلب وصلب البنيان
الراسمالي الذي ساد العالم طوال القرن العشرين وقبل ان تهب عواصف
العولمه‏,‏ وذلك من خلال مظلات التامين الاجتماعي لرعايه العجائز والمرضي
والعاطلين والفقراء‏,‏ وايضا من خلال توفير الاستثمارات الاجتماعيه في
التعليم والصحه والمواصلات العامه‏,‏ بما يكفل تقليل الفوارق الناجمه عن
حريه السوق‏.‏

ولكن الوضع الذي نحن امامه الان جد متغير‏!‏

ان
مساحه الاستيعاب الاجتماعي لرعايه الفقراء والضعفاء تتراجع باطراد لتحتل
مكانها فلسفه البقاء للاقوي‏,‏ وسوف يترتب علي ذلك ان يتحول المضارون من
هذه الفلسفه الاقتصاديه الجديده الي قوقعه رفض للانظمه والحكومات‏..‏
وعاده ما تكون هذه القوقعه احد انماط الاصوليه الدينيه التي يتوقع ان
يزداد تناقضها وتباينها كلما ازدادت الراسماليه توحشا‏!‏

والخلاصه
انه عندما تتعارض افاق التطور العلمي التكنولوجي الهائل مع الجذور العميقه
للايديولوجيه السياسيه والعقائد الروحيه‏,‏ ينفجر البركان وتنتشر الزلازل
الاجتماعيه وتزداد ضراوه الصراع الاجتماعي المحتمل‏,‏ لان هذا الكائن الذي
تمكن في السابق من البقاء من اجل ان يبقي لفتره اطول وكانه صراع سمكه تم
اخراجها من النهر‏,‏ وتتشبث بحق العوده والبقاء في الماء لن يستسلم بسهوله
لهذه المتغيرات‏..‏ انها تقلصات عصبيه مجنونه تسعي بها السمكه للعوده الي
النهر‏,‏ وهي لا تدري ان النهر لم يعد موجودا‏..‏ انها تقلصات تنذر باخطار
اجتماعيه بعيده المدي‏!‏

ولعل ذلك هو ما يحتم علي الدول الاخذه في
النمو مثل مصر ان تسعي بكل جهد للتعرف علي ملامح هذه المتغيرات
وانعكاساتها المحتمله علي اوضاعنا والتي لم تعد بعيده الصله بشكل او باخر
باوضاع غيرنا الذين نتشارك معهم في الاستظلال بمظله العولمه الراهنه التي
تغطي سحاباتها كل السماوات دون استثناء‏!‏

بوضوح اكثر اقول ان اكثر
ما يهمنا ونحن نخطو بثبات وثقه نحو الراسماليه والاخذ باقتصاديات السوق‏,‏
بعد ان تحررنا من قيود الاقتصاد الموجه‏,‏ ان نكون علي بينه مما يجري علي
امتداد الساحه العالميه‏.‏

لابد ان نضع في اعتبارنا ان اكبر اخطاء
الراسماليه التقليديه في الغرب انها تمكنت من اقناع الجميع بمعارضه تدخل
الدوله‏,‏ بل انها التفت حول دول الحكومات عن طريق العولمه وذلك لايعكس
قصر نظر مخيفا فحسب‏,‏ وانما يعكس ايضا رغبه في استمرار للسير غير المحسوب
علي درب الجشع بلا حدود‏!‏

وذلك امر ينبغي علينا ان نضعه نصب اعيننا‏.‏

44449

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

17

‏16 من شعبان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

كان
الله في عون اي امه تعجز عن قراءه مايجري من تحولات رهيبه تتجه بالعالم
نحو افاق بعيده اغلبها مجهول وبعضها مرئي من نوع ما ترصده عيوننا من
متغيرات عميقه متلاحقه في التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل‏,‏ وفي
استحداث مناهج ونظريات جديده في السياسه والاقتصاد والفكر‏..‏ وتلك حاله
يمكن تصويرها بمنظور اللحظه الراهنه علي انها عمليه تحول فجائي لابد ان
تفضي الي قواعد جديده‏,‏ ونظريات جديده باليات جديده تتلاءم مع متطلبات
هذا التحول الفجائي الذي لم يسبق للبشريه ان واجهته علي طول تاريخها بمثل
هذا العمق وبمثل هذا الاتساع‏!‏

والذي يدفعني الي القول بذلك اننا
ازاء مشهد غير مسبوق في تاريخ البشريه حيث نري باعيننا كيف تتساقط كل
الثوابت الابديه في الفكر السياسي وفي النظام الاقتصادي مثلما تتساقط
اوراق الشجر في الخريف‏.‏

وعلي سبيل المثال فان الذين عاشوا لقرون
طويله يومنون بنظريه سياده واستقلال الدوله ينبغي ان يدركوا ان هذه
النظريه قد سقطت وانتهت علي ارض الواقع‏,‏ بعد ان استباحت القوي العظمي
لنفسها تحت مظله النظام العالمي الجديد حق التدخل في الشئون الداخليه
للدول الاخري بمبررات وذرائع مختلفه مثل اسلحه الدمار الشامل والديمقراطيه
وحقوق الانسان ومصالح الاقليات وحمايه البيئه‏..‏ وايضا فان الذين عاشوا
لقرون طويله اسري لنظريتين اقتصاديتين فقط هما النظريه الشيوعيه التي لفظت
انفاسها اخيرا والنظريه الراسماليه التي ترتدي ثيابا جديده الان ينبغي ان
يدركوا ان هناك شكا كبيرا في ان تبقي النظريه الراسماليه صالحه للمستقبل
بعد ان تراجعت اهميه ركائزها الاساسيه المتمثله في النمو والتوظيف الكامل
لقوه العمل والاستقرار المالي والارتفاع الحقيقي للاجور‏,‏ لتحل محلها
ركائز جديده اهمها ركيزه التقدم العلمي والتكنولوجي وثوره الاتصالات
والمواصلات‏.‏

ان هناك ما يشبه الاجماع بين خبراء الاقتصاد
العالميين علي ان العالم يشهد منذ سنوات تحولات جذريه لايمكن القول بانها
في معظمها ذات طبيعه ايجابيه‏,‏ خصوصا بعد ان فرضت احداث الحادي عشر من
سبتمبر فاتوره باهظه علي الاقتصاد العالمي ككل‏.‏

وقد يكون صحيحا
ان المجتمع الدولي واجه المازق نفسه تقريبا عند مطلع القرن العشرين‏..‏
ولكن الحكومات انذاك سارعت بالتدخل لتحول دون انهيار النظام الاقتصادي
العالمي‏,‏ فسنت قوانين الحد الادني للاجور والقبول بحكم اجتماعي واخلاقي
يمنع مغالاه راس المال في التجاوزات والتوسع في توفير خدمات الضمان
الاجتماعي للعاطلين وغير القادرين علي الكسب‏..‏ اما الان‏,‏ فان عولمه
الاقتصاد تحتاج الي تكاتف عالمي لان ما قامت به الحكومات في مطلع القرن
العشرين كان في اطار سيطره كل دوله علي اقتصادها‏..‏ اما الان فان السيطره
الاقتصاديه تتجاوز حدود الدوله وتعبرها لقارات وقارات اخري‏.‏

وظني
اننا في مصر لانملك ترف الابتعاد الكامل للدوله عن ساحه السوق الاقتصاديه
لاعتبارات اجتماعيه وسياسيه وامنيه يعرفها من هم اكثر منا علما وخبره‏!‏

انها
مجرد كلمات صادقه تعكس حرصا علي الراسماليه المصريه‏,‏ بمثل ما تعكس حرصا
اكبر علي استقرار البنيان المصري ككل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا‏.‏

والاجتهاد في مثل هذه القضايا ليس فقط مجرد حق‏...‏ وانما هو ايضا واجب ومسئوليه‏!‏

44450

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

18

‏17 من شعبان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏( 1) ‏

اعتقد ان الذي جري في الاسكندريه علي مدي الايام الاخيره من سلسله لقاءات عربيه علي مستوي القمه يفرض علينا سوالا ضروريا ومهما هو‏:‏

اذا
كان العالم العربي يشكل امه واحده ذات مصالح مشتركه يجمعها مصير مشترك
وهذا صحيح فلماذا يراد من خلال بعض دعوات التيئيس‏,‏ التي تصاعدت حدتها في
الفتره الاخيره‏,‏ ان يبقي حالنا علي ماهو عليه من تشتت وعجز فاضح عن لم
الشمل‏,‏ وتوحيد الصفوف؟

انني لا اظن ان الامر يتعلق بموامرات
اجنبيه فقط‏,‏ ولا هو رهن بمتغيرات دوليه اضعفت قوانا‏..‏ وانما الامر في
اعتقادي ان امتنا تعيش حاله من الغيبوبه الثقافيه والفكريه‏,‏ التي مسحت
من العقل العربي اجمل ما في التاريخ والتراث المشترك‏,‏ وسمحت لافكار
الشعوبيه والاقليميه والانانيه الذاتيه بان تدوس علي كل دروس الماضي‏,‏
وان تفتح الابواب لمناهج فكريه جديده لاتري من الماضي سوي هزائم وانكسارات
ونكبات‏..‏ مع ان الحقيقه عكس ذلك تماما‏!‏

ان تاريخنا يشهد باننا
لسنا ضعفاء او مهزومين علي طول الخط حتي يخرج علينا من يقول‏:‏ اننا اذا
لم نقدر علي حمايه اوطاننا وتاكيد استقلاليه قرارنا فليس امامنا سبيل الا
الاستسلام لاقدارنا‏,‏ وقبول الامر الواقع‏,‏ فتلك فريه ظالمه واكذوبه
خادعه‏,‏ لان دعوتنا للعقلانيه والاعتدال يجب الا تنطلق من ارضيه ضعف‏,‏
وانما ينبغي ان تظل بمثابه دعوه ترتكز لمبادئ وعقائد مسكونه في داخل النفس
العربيه منذ قديم الازل‏.!‏

ان الامه العربيه لم تكن قط امه
ثكلي‏..‏ ولم تكن شعوبها شعوبا متخلفه‏,‏ وانما كانت امه سبقت الكثير من
الامم في شتي مجالات الحضاره الانسانيه‏..‏ فضلا عن ان تاريخ العرب
العسكري يمثل انصع صفحات التاريخ العربي باسره‏.‏

والحقيقه اننا
لسنا وحدنا الذين نقول بذلك بالمبالغه او بالتحيز للنفس والذات وانما
يقوله معظم المورخين علي مدي التاريخ‏,‏ ذلك ان التاريخ الانساني لم يشهد
تجربه تضاهي تجربه الامه العربيه عندما بعث الله رسوله الكريم محمد بن
عبدالله صلي الله عليه وسلم حاملا رسالته الخالده فجمع صفوف القبائل
المتناحره‏,‏ ووحد اجزاء الجزيره العربيه‏,‏ ورسم لامته خطوط دورها‏,‏
الذي يجب ان توديه علي مسرح الانسانيه جمعاء‏.‏

ان من الخطا والخطر
معا ان نهون علي انفسنا وينزلق البعض منا الي حد مجاراه الحمله الشرسه
الراميه لافقاد الامه العربيه ثقتها بنفسها‏!‏

ليس صحيحا علي
الاطلاق اننا اصبحنا الان امه لا حول لها ولا قوه من نوع ما كان يراد له
ان يرسخ في النفوس بعد هزيمه يونيو‏1967‏ لبذر بذور الياس والاحباط
اعتمادا علي نكسه طارئه‏!‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44451

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

19

‏18 من شعبان 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(2)

استكمالا
لحديث الامس في مواجهه حملات التيئيس‏,‏ التي تستهدف اضعاف ثقه الامه
العربيه بنفسها اعتمادا علي بعض اوضاع اللحظه الراهنه‏,‏ اعتقد اننا بحاجه
الي اعاده قراءه تاريخنا العربي والاسلامي قراءه صحيحه‏.‏

ان علينا
ان نتذكر ان هذه التجربه الفريده التي ليس لها نظير في التاريخ الانساني
نجحت في ان تصهر تلك القبائل البدويه المتناحره والمتفرقه تحت رايه امه
واحده لتقيم دوله عظمي موحده‏,‏ استطاعت ان تنتزع استقلالها وان تطرد
الغزاه من فوق ترابها‏,‏ برغم ان هولاء الغزاه كانوا اكبر قوتين في العالم
انذاك وهما الفرس والروم‏.‏

لابد لنا ان نسترجع تاريخ تلك الامه
العربيه‏,‏ التي وحد صفوفها محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم فاستطاعت
تحت رايات الاسلام ان تندفع شرقا وغربا وجنوبا وشمالا‏,‏ والي اقصي اطراف
الدنيا التي كانت معروفه انذاك في قارات ثلاث فقط هي‏:‏ اسيا واوروبا
وافريقيا‏..‏ وقبل ان يكون هناك شئ اسمه القاره الامريكيه‏,‏ او قاره
استراليا‏.‏

لم يندفع العرب والاقوياء الموحدون للتخريب والثار
والانتقام‏,‏ كما فعلت امم كثيره قبلهم‏,‏ او كما فعلت فيما بعد امم اخري
مثل التتار من المغول وغيرهم‏..‏ ولم يكن هدف الاندفاع العربي للاستعمار
واستغلال الاخرين كما فعل الاوروبيون في القرون الاخيره‏,‏ وانما كان
الهدف نشر رساله انسانيه مثلي تدعو للخير والرحمه والسلام وتنادي بحق جميع
الامم والشعوب في ان تتخلص من نير الاستعمار والاستعباد المادي والروحي
علي حد سواء‏.‏

لقد كان اجدادنا من العرب القدامي هم اول من قالوا
بحقوق الانسان‏,‏ ودونما حاجه الي انشاء جمعيات مشبوهه ذات اهداف
غامضه‏..‏ اليست اول دعوه في التاريخ لتحرير العبيد وتحريم الرق نبعت من
هنا من ارضنا العربيه بفضل تعاليم الاسلام السمحه؟

وحزينا اقول‏:‏
ان الذين يتجاهلون تاريخهم ويطمسون اعظم ما فيه‏,‏ ويركزون فقط علي سلبيات
ونواقص الحاضر‏,‏ لايمثلون هذه الامه العظيمه‏,‏ ولايحق لهم ادعاء القدره
علي التعبير عن نبضها الحقيقي‏.‏

ان بعض ما يقال ويكتب هذه الايام
بافواه واقلام عربيه الاسم يمثل اساءه بالغه لحيويه هذه الامه وقوه
صمودها‏...‏ فنحن لسنا هكذا‏..‏ ولن نكون‏..‏ وعار علينا ان يكون لفحيح
الافاعي اي نوع من الوجود المشروع في صفوفنا‏,‏ وبين ظهرانينا‏.‏

اننا
طلاب سلام عادل وشامل ومتكافئ‏..‏ ولكننا لسنا عجزه عن استرداد حقوقنا‏,‏
وحمايه استقلاليه قرارنا اذا سدت امامنا السبل‏,‏ واعيتنا الحيل في دفع
الاخرين الي طريق السلام‏,‏ وانتهاج سبيل الحكمه والرشاد‏,‏ والكف عن
محاوله دس الانف في شئوننا الداخليه‏!.‏

44452

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

20

‏19 من شعبان 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

علمتنا
سوابق التجارب اننا نجيد التحمس للافكار والمبادرات الخلاقه ونستنزف كل
جهدنا في الطنطنه والتاييد عند البدايه‏,‏ ثم ما يلبس الحماس ان يهدا
والفوره تخفت لتصبح الفكره او المبادره مجرد ذكري‏..‏ ولكن مشروع القراءه
للجميع الذي دخل عامه الخامس عشر كسر هذه القاعده بامتياز بعد ان اصبح
واقعا حيا وملموسا في كل انحاء مصر علي مدار العام‏.‏

ومن يلقي
نظره علي المشهد المصري لابد له ان يعترف بان صحوه فكريه واسعه تغطي منذ
سنوات ارض الوطن لكي تنشر الثقافه والمعرفه‏,‏ وتزرع العلم والتنوير في
عقول اجيال جديده تبدا مشوارها الطويل‏,‏ ومنذ الطفوله مع قراءات مختاره
ومنتقاه تستهدف بناء العقول والقلوب علي الحب والاخلاص والانتماء
والتجرد‏,‏ وتضع البذره الصالحه لنبت يقدر في المستقبل علي الابداع
والابتكار والتغلب علي المصاعب والعقبات‏!‏

والحقيقه ان عظمه هذا
المشروع لا تكمن فقط في هذا الكم الهائل من المكتبات الحديثه التي تم
انشاوها في مختلف المحافظات وتزويدها باحدث الكتب والقصص والروايات‏,‏ ولا
تقتصر روعه هذا المشروع علي قدره اجتذاب افضل الكتاب والمشاهير لحوارات
ولقاءات مباشره مع اطفال وشباب مصر في ندوات مفتوحه‏,‏ وانما العظمه
والروعه تتمثل في الانعكاسات الايجابيه للمشروع علي المناخ الثقافي للوطن
كله بشكل عام‏.‏

والذي لا شك فيه هو ان هذا المشروع افرز احساسا
ايجابيا لدي الكبار والصغار علي حد سواء بان القراءه التي تحقق الثقافه
والمعرفه هي المدخل الصحيح لبناء انسان مصري سليم العقل‏,‏ متزن الفكر‏,‏
يقدر علي حمل الامانه‏,‏ وتحمل المسئوليه‏,‏ في مواجهه عالم جديد ينطلق
الي الامام بسرعه الصاروخ اعتمادا علي سبق المعرفه والقدره علي انتقاء
الفكر السليم‏.‏

اريد ان اقول بوضوح ان ثمه احساسا يتسع عاما بعد
عام‏,‏ بان القراءه هي السبيل الوحيد لتسليح الشعب بادوات المعرفه
والتنوير في مواجهه هجمات الرده والظلام التي استطاعت في غفله منها ان
تلعب علي بعض الاوتار الحساسه لكي تهيج المشاعر وتلوي الحقائق وتزعم بان
الباطل حق‏,‏ وان الماضي افضل من الحاضر‏,‏ رغم ان واقع الحال يشهد بغير
ذلك‏!.‏

وليس تجاوزا للحقيقه ان اقول ان هذا الاحساس الذي يسود
الوطن في السنوات الاخيره تحت مظله الدعوه الكريمه القراءه للجميع‏,‏ التي
اطلقتها ورعتها السيده سوزان مبارك‏,‏ يمثل صحوه شعبيه‏,‏ كنا في امس
الحاجه اليها منذ سنوات طويله ولكننا لم نكن قد اهتدينا الي السبيل الذي
يمكننا من بلوغها باسلوب السهل الممتنع‏,‏ الذي تميزت به مراحل المشروع
منذ بدايته‏,‏ وحتي اليوم‏.‏

وبصرف النظر عن ملاحظات بسيطه تتعلق
بكيفيه وضع الاولويات للكتب المنتقاه عاما بعد عام‏,‏ وضروره ان يكون
الاختيار موضوعيا‏,‏ ومرتبطا بتطورات الشان الجاري‏,‏ فان الانصاف للحقيقه
يقتضي الاعتراف بان المشهد الثقافي بعد مشروع القراءه للجميع يختلف
اختلافا جذريا عما كان عليه الحال قبل خمسه عشر عاما مضت‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44453

‏السنه 132-العدد

2008

اغسطس

21

‏20 من شعبان 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

الحقيقه
انه سواء كانت هذه الصحوه الثقافيه علي امتداد ارض الوطن نتاج تخطيط مسبق
لفكره القراءه للجميع‏,‏ او انها جاءت نتاجا تلقائيا في اطار المعطيات
والظروف الراهنه التي صاحبت توقيت تنفيذ الفكره‏,‏ الا ان الذي لا خلاف
عليه الان ان هذه الصحوه تحسب للفكره وصاحبه الدعوه اليها السيده الفاضله
سوزان مبارك‏.‏

ومن هنا تجئ اهميه العمل علي استثمار هذه الصحوه‏,‏
وتحويل مهرجان القراءه للجميع الي سلوك عام يتجاوز حدود الزمان والمكان‏,‏
بحيث تصبح القراءه للجميع عملا مستمرا طوال العام‏,‏ وليس مجرد مهرجان
موسمي يقتصر علي اشهر الصيف فقط‏.‏

بوضوح شديد اريد ان اقول ان هذه
الصحوه الشعبيه والفكريه يجب ان تظل جزءا من البرامج الثابته للتربيه
والتعليم والثقافه والاعلام بمختلف الادوات والوسائل‏,‏ وعبر مختلف الفصول
والقاعات والمنابر والقنوات‏.‏

والحقيقه انه لايوجد امامنا خيار
اخر‏,‏ الا اذا كنا علي استعداد لان نسلم زمام امور اجيال الحاضر
والمستقبل لافواه المتاجرين باي شيء‏,‏ والمزايدين علي كل شيء‏,‏ وبذلك
يمكننا ان نختصر الطريق‏,‏ وان نوفر في الجهد والتكاليف‏,‏ وان نتقي شر
الوصول الي مرحله اشبه بمرحله المريض الذي يبحث عن سبيل الشفاء باي طريقه
من طرق العلاج‏,‏ وقد يمن الله عليه بالشفاء‏,‏ او يدركه قدر الموت‏..‏

ومن حسن الحظ اننا مازلنا في مرحله نملك فيها كل اسباب الوقايه‏..‏ والوقايه خير من العلاج‏!.‏

وليكن
واضحا ومفهوما لنا جميعا ان اخطر ما نواجهه من مشكلات وتحديات لم يكن لها
ان تنجح في اختراق عقول بعض ذوي النفوس الضعيفه‏,‏ لولا غيبه الحد الادني
من مقومات البناء الثقافي‏,‏ والفكري‏,‏ والديني السليم‏.‏

ان بعض
مظاهر السلبيه والاتكاليه التي نعاني منها ليست مجرد تعبير عن الرفض او
الاحتجاج علي اي تناقضات اجتماعيه صحيحه كانت ام غير صحيحه‏,‏ ولكن هذه
المظاهر تعكس في المقام الاول عجزا عن الفهم والاستيعاب لطبيعه التطور في
المجتمعات البشريه‏,‏ وبينها المجتمع المصري الذي لا يستطيع اي جاحد ان
ينكر حجم ما حدث به من تطور ايجابي ملموس في تركيبته الاجتماعيه علي
امتداد السنوات الاخيره‏.‏

ولو ان هولاء الذين قبلوا بسجن انفسهم
خلف قضبان السلبيه والاتكاليه‏,‏ كانوا يقراون فكرا صحيحا ويتداولون ثقافه
واعيه تواكب حجم التطور الذي لحق بالمجتمع‏,‏ لما كان هذا حالهم‏,‏ ولا
كان هذا حال الوطن‏!.‏

تحيه للدعوه الكريمه التي اثمرت صحوه حميده
كنا في اشد الاحتياج اليها‏..‏ وتحيه لمن اطلقت الشعار‏,‏ وتحملت بكل
الامانه مسئوليه تحويله الي واقع حي وملموس‏!.‏

ثم لابد من تحيه
لقافله المثقفين والكتاب الذين حملوا مسئوليه هذا المشروع الفذ علي
اكتافهم‏,‏ واثبتوا علي ارض الواقع انهم الاوفياء علي تراث هذا الشعب
العظيم‏.‏

والتحيه ايضا لروح المفكر الراحل الدكتور سمير سرحان‏,‏
الذي ولد هذا المشروع عملاقا علي يديه‏,‏ وتولاه بالرعايه لاكثر من‏10‏
سنوات‏,‏ ثم حمل الرايه من بعده وباقتدار الدكتور ناصر الانصاري ملتزما
بذات الدرب السليم‏!‏

44454

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

22

‏21 من شعبان 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اكثر
ما يغيب عن المتحاملين علي الاسلام ان الشريعه الاسلاميه تعطي للانسان
الحق في ان يفكر فيما شاء‏,‏ كما يشاء وهو امن من التعرض للعقاب علي هذا
التفكير حتي لو امتد تفكيره لاتيان اعمال تحرمها الشريعه الاسلاميه‏,‏
والعله في ذلك ان الشريعه لاتعاقب الانسان علي احاديث نفسه‏,‏ ولاتواخذه
علي مايفكر فيه من قول او فعل محرم‏,‏ وانما تواخذه علي ما اتاه من اقوال
او افعال محرمه‏,‏ يقول الرسول صلي الله عليه وسلم في حديث نبوي شريف‏:‏
ان الله تجاوز لامتي عما وسوست او حدثت به انفسها ما لم تعمل به او تكلم‏.‏

ثم
انه يغيب عنهم سماحه الشريعه الاسلاميه بشان حق الاعتقاد حيث انها اباحت
حريه الاعتقاد وعملت علي صيانه هذه الحريه وحمايتها الي اخر مدي‏..‏ فلكل
انسان ان يعتنق من العقائد ما شاء‏,‏ وليس لاحد ان يحمله علي ترك عقيدته
او اعتناق غيرها او يمنعه من اظهار عقيدته‏.‏

ان الاسلام يكفل حريه
العقيده للناس عامه مسلمين وغير مسلمين‏,‏ من خلال نصوص صريحه تحمي هذه
الحريه لغير المسلمين في بلاد الاسلام‏,‏ ففي اي بلد اسلامي يستطيع غير
المسلم ان يعلن عن دينه ومذهبه وعقيدته‏,‏ وان يباشر طقوسه الدينيه‏,‏ وان
يقيم المعابد والمدارس لاقامه شعائر دينه ودراسته دون حرج عليه‏.‏

ولعل
اكبر دليل علي سماحه الشريعه الاسلاميه هو اوضاع اليهود في الدول
الاسلاميه‏,‏ حيث تحترم عقائدهم وتصان معابدهم ويسمح لهم بالتعبد علنا
وبطريقه رسميه‏,‏ بل ان لهم مدارسهم التي يدرسون فيها الدين اليهودي‏,‏
ولهم ان يكتبوا ما يشاءون عن عقيدتهم وان يقارنوا بينها وبين غيرها من
العقائد في حدود النظام العام والادب والاخلاق الفاضله‏,‏ وكذلك الحال مع
اخواننا المسيحيين مع اختلاف مذاهبهم وتعددها‏,‏ فلكل اصحاب مذهب كنائسهم
ومدارسهم وهم يباشرون عباداتهم علنا ويدرسون عقائدهم في المدارس بكل
حريه‏.‏

واكبر دليل علي جديه الشريعه الاسلاميه هو اقرار حق حريه
التفكير وحق حريه الاعتقاد فضلا عن حق حريه التعبير الذي ينتقل بتفكير
الانسان واعتقاده الي دائره العلن لكي يكون ذلك بمثابه اشهار لصحه الحق في
التفكير والحق في الاعتقاد‏!‏

لقد اباحت الشريعه الاسلاميه حريه
التعبير وجعلتها حقا لكل انسان‏,‏ بل جعلت حريه التعبير واجبا علي الانسان
في كل ما يمس الاخلاق والمصلحه العامه‏,‏ وفي كل ما تعتبره الشريعه منكرا
يجب التصدي له‏,‏ يقول المولي عز وجل في سوره ال عمران‏:‏ ولتكن منكم امه
يدعون الي الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر‏,‏ ويقول ايضا عز وجل
شانه في سوره الحج‏:‏ الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاه واتوا
الزكاه وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر صدق الله العظيم‏.‏

والاهم
من ذلك كله ان الشريعه الاسلاميه لاتسمح للانسان بان يومن بشيء الا بعد ان
يفكر فيه ويعقله ولا تبيح له ان يقول مقالا او ان يفعل شيئا الا بعد ان
يفكر فيما ينتوي ان يقول او ان يفعل‏..‏ اعقلها وتوكل‏!‏

44455

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

23

‏22 من شعبان 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اذا
كان نادي الزمالك بشعبيته العريضه‏,‏ وتاريخه العريق قد هان علي من تولوا
امره في الفتره الاخيره ومرغوا سمعته في الوحل والتراب بهزائم ونكسات
وقضايا ومشاحنات وبلطجه وصراعات‏..‏ فهل يمكن ان يكون هناك عذر للدوله
واجهزتها المعنيه بشئون الرياضه يمكن ان يبرر هذا الصمت الرهيب علي ما
يجري ويحدث في نادي الزمالك؟‏!.‏

ان القضيه اكبر من ان ينظر اليها
علي انها فشل في اهم البطولات الرياضيه التي صنعت تاريخ وشعبيه نادي
الزمالك فالرياضه فوز وهزيمه‏,‏ ولكن القضيه اخطر من ذلك واعمق‏,‏ لانها
اصبحت تتعلق بوجود نادي الزمالك‏,‏ واستمرار جماهيريته‏.‏

ان
القضيه التي تتجاهلها الجهه الاداريه حتي الان‏,‏ هي قضيه انهيار لم يسبق
له مثيل في صرح رياضي وشبابي لا يختلف احد علي انه احد قطبين رئيسيين
ووحيدين في الرياضه المصريه علي مدي تاريخها‏.‏

ومثل هذا الصمت
والسكوت عن الحركه من جانب الجهه الاداريه يغذي شكوكا وشائعات كثيره حول
وجود حمايه للخلل‏,‏ والارتباك الذي لم يعرفه الزمالك او اي ناد مصري من
قبل‏!.‏

وقد يكون مفهوما ان في مجلس اداره الزمالك اناسا افاضل من
ذوي الخبره والسمعه الحسنه‏,‏ ولكن المعيار في النهايه هو كفه النجاح وكفه
الفشل‏,‏ واظن ان الارقام والنتائج لا تحتاج مني او من غيري الي دليل
ليوكد ان الفشل المستمر ليس علي مستوي البطولات الرياضيه فقط‏,‏ وانما علي
مستوي الامن والاستقرار الذي اصبح رهنا باقامه شبه دائمه لقوات امن الجيزه
حول اسوار النادي‏,‏ ووجود بالليل والنهار لاجهزه الامن المعينه برواتب
خياليه والتي لم يسبق لنادي الزمالك ان عرف بوجود مثل هذه المسميات
الوظيفيه به علي طول تاريخه‏.‏

ان هذا الموقف السلبي من جانب الجهه
الاداريه يثير تساولات عديده بينها مايصل الي حد التشكيك في نيات الجهه
الاداريه‏,‏ ورغبتها في استمرار عدم الاستقرار الذي يودي تلقائيا الي ضياع
البطولات‏..‏ وكفي زجا باسماء بعض الشخصيات الكبيره في هذا المستنقع العفن
من الصراعات والانقسامات لانه لا يوجد في مصر الان من يملك القدره علي
حمايه منحرف او التستر علي مخطئ‏!.‏

ومن اسف ان بعض هذه الشائعات
التي تحاول الايحاء بوجود حمايه للخلل والفشل واتهامات الفساد في الزمالك
تنطلق من داخل مبني الجهه الاداريه للايحاء بوجود قوه ضاغطه تشل يد الجهه
الاداريه عن تصحيح المسار‏!.‏

وليت من يروج لهذه الشائعات ان يقول
لنا عن هويه‏,‏ واسماء هذه القوي الخفيه التي تعيد للاذهان ذكري مراكز
القوي القديمه التي سقطت الي غير رجعه ليس في ساحه الرياضه فحسب‏,‏ وانما
في ساحه العمل العام باسره‏!.‏

واكتفي بهذه العناوين المختصره
لازمه نادي الزمالك‏,‏ واملي ان تكون بمثابه رد علي مئات البرقيات
والرسائل التي تلاحقني‏,‏ وتحمل اتهامات لي‏,‏ ولغيري من قدامي المنتمين
للنادي العريق بالسلبيه‏,‏ والهروب من السفينه الغارقه‏..‏ مع ان ذلك غير
صحيح‏!.‏

وعندما تنشغل الجهه الاداريه المسئوله عن الرياضه المصريه
بالمشاحنات والخلافات الشخصيه وتنزلق دون وعي الي لعبه تصفيه الحسابات‏,‏
فليس غريبا ان يصبح حال نادي الزمالك هو الوجه الاخر للوكسه الكبري
لمنتخباتنا الوطنيه في دوره بكين الاوليمبيه‏!‏

44456

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

24

‏23 من شعبان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اسعدني
الحظ بلقاء حدث بالمصادفه مع عدد من شباب الجامعات المصريه‏,‏ خلال زياره
خاطفه الي الاسكندريه لمتابعه وقائع اللقاءات المهمه بين الرئيس مبارك‏,‏
وعدد من الزعماء العرب‏,‏ ولم اتصور للحظه ان يمتد الحوار لاكثر من
ساعه‏,‏ بسبب سخونه وجديه الحوار‏,‏ الذي اسقط من حساباتي كل ارتباطاتي‏,‏
ومواعيدي المسبقه‏.‏

واذا كان لي ان اسجل في البدايه ملاحظه
ضروريه‏,‏ فهي تتعلق بدرجه الوعي العاليه‏,‏ التي يتمتع بها شباب اليوم
علي عكس ما يتردد ويقال ظلما فقد احسست انني اتحاور مع عقول بالغه
التفتح‏,‏ تستند الي ركيزه اساسيه تبشر بالامل في مستقبل افضل لمصر‏,‏ وهي
ركيزه الانتماء الحقيقي للوطن والارتباط الوثيق بهمومه ومشاكله من ارضيه
فهم عميق للواقع بكل معطياته الايجابيه والسلبيه‏.‏

ولعل هذا ما
جعلني استمع باكثر‏,‏ مما اتكلم‏,‏ فقد كانت افكارهم جديره بالانصات
والتامل خصوصا ما يتعلق بالرويه المستقبليه لمصر في ضوء ما يحدث من
تغييرات دوليه عميقه ومتسارعه‏,‏ تستوجب اعاده النظر ومراجعه الحسابات
بشان مختلف السياسات الداخليه والخارجيه‏.‏

كان بينهم من طرح
افكارا ايجابيه حول ضروره اعاده النظر في البناء التعليمي باكمله‏,‏
واعطاء اكبر قدر ممكن من الاهتمام والرعايه لمرحله التعليم الابتدائي‏,‏
بحيث يتوافر لهذه المرحله افضل المدارس من حيث الشكل الجمالي‏,‏
والامكانات المعمليه‏,‏ والملاعب الرياضيه‏,‏ والمدرس المتفرغ تفرغا تاما
طوال اليوم الدراسي‏,‏ لان نقطه البدايه الصحيحه لمواكبه التقدم العلمي
المذهل تبدا من مرحله التعليم الابتدائي‏.‏

وكان بينهم من طالب
باستراتيجيه واضحه المعالم مقسمه المسئوليات بين جميع اجهزه الدوله
والمجتمع المدني لمواجهه ظاهره الغزو الثقافي‏,‏ واخطار البث الفضائي
المباشر الذي يقتحم علينا حياتنا دون استئذان‏,‏ ويحتاج الي اسلحه دفاعيه
ووقائيه غير تقليديه بعد ان تاكد لنا ولغيرنا انه لم يعد بالامكان اغلاق
السماوات المفتوحه او حجب هذا الغزو الثقافي والفكري‏,‏ الذي تشير بعض
ملامحه الي انه غزو خبيث ومقصود‏,‏ وانه موجه بالاساس ضدنا لزعزعه قيم
الانتماء الوطني وركائز القوه الروحيه‏,‏ وليس مجرد بث عفوي يعكس واقع
الحال المتردي في دول البث‏.‏

وكالعاده حظيت الصحافه بقدر كبير من
الاهتمام وتناوب الكثيرون من الجنسين الحديث باستفاضه عن اشمئزازهم من
ظاهره صحف الاثاره‏,‏ التي تزايدت اعدادها في السنوات الاخيره‏,‏ والتي لا
تنشر سوي فضائح جنسيه مثيره وروايات عن مجتمع الشائعات والنميمه‏,‏ ودون
وضع ادني اعتبار لسمعه المجتمع ككل‏,‏ او سمعه المواطنين‏,‏ الذين ينالهم
مثل هذا الرذاذ وبينهم رموز ومسئولون‏.‏

ان الحوار مع شباب مصر متعه لا تقدر بثمن لانهم مازالوا يتسلحون بالامل رغم شده المصاعب‏,‏ وقسوه التحديات‏!.‏

44457

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

25

‏24 من شعبان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اذا
كنا نتحدث عن رغبه جاده وصادقه في مواكبه المنافسه العالميه الشرسه في
مختلف المجالات‏,‏ فان هذا الحديث سوف يظل مجرد لغو فارغ من اي مضمون ما
لم نضع ايدينا‏,‏ وبكل صراحه علي جوهر العيوب المتفشيه في جسد الجهاز
الاداري للدوله‏,‏ وان يكون ذلك مدخلا لوضع اسس العلاج الجذري الذي يقضي
علي كل هذه العيوب‏,‏ ويودي الي ازاله هذه التشوهات القبيحه‏.‏

اريد
ان اقول بوضوح انه من غير المعقول مثلا ان يكون من بين اهم اسباب العجز
والقصور في الجهاز الاداري للدوله ذلك التناقض الرهيب في توزيع قوي
العمل‏,‏ بحيث نجد عماله زائده تتجاوز كل حد في دواوين ومصالح لا عمل
بها‏,‏ ثم نجد عجزا ونقصا في دواوين ومصالح تحتاج الي اضعاف العاملين
الموجودين بها حتي يمكن تلبيه احتياجات الجماهير‏,‏ وقضاء حاجاتهم دون
طوابير‏.‏

ومع التسليم بان هذا الواقع المولم هو نتاج طبيعي
لتراكمات عمرها عشرات السنين تمكن خلالها المرض الروتيني البيروقراطي من
الانتشار والاتساع في معظم جسد الجهاز الاداري للدوله‏,‏ وساعدت علي ذلك
عوامل كثيره بينها علي سبيل المثال تدني وانخفاض الاجور عن مثيلتها في
القطاع الخاص‏..‏ لكن ذلك لا يمثل كل الحقيقه‏.‏

ان علينا ان نعترف
باننا مازلنا نتعامل داخل الدواوين والمكاتب بنظم ولوائح تجاوزتها متغيرات
عديده‏,‏ وذلك لان هذه النظم واللوائح لم تضع في اعتبارها حقوق الجماهير
او راحتهم‏..‏ ثم ان هذه اللوائح العقيمه والنظم الباليه يتولي مسئوليه
تنفيذها اناس لم يوهلوا لمهمه التعامل مع الجماهير‏,‏ ولم يسع احد منهم
لشغل وظيفته عن اقتناع وبعد حصاد تجربه وخبره‏,‏ وانما يبدو الواحد منهم
وكانه قد ابتلي بهذه المهمه‏,‏ وان كل همه ان يحتفظ بسلامه الاوراق
والتوقيعات التي تبرئ ذمته ضد اي مساءله‏.‏

ومعني ذلك اننا بحاجه
الي عمل حقيقي وشجاع يعيد للجهاز الاداري في الدوله هيبته ويضمن
للمتعاملين معه راحتهم واطمئنانهم‏,‏ وذلك يتطلب اعاده النظر في كل النظم
واللوائح والاسراع بتبسيطها دون المساس بجوهر الرغبه في سلامه الاجراءات
وغياب الثغرات عن طريق الاخذ بالاساليب العلميه الحديثه في حفظ
المستندات‏,‏ واصدار الترخيصات ومنح الموافقات‏,‏ وادراك اهميه الدخول في
عصر الكمبيوتر‏,‏ حتي لا يفوتنا الركب‏,‏ كما فاتنا من قبل عصرا البخار
والكهرباء‏.‏

ان كل موسسات الدوله تحتاج الي تحديث في اساليب
عملها‏,‏ وفي وسائل تامينها ضد الاخطار والكوارث وبما يضمن تبسيط النظم
واجراءات التعامل وتوزيع السلطات والصلاحيات علي مختلف مستويات الاداره‏,‏
ضمانا لسهوله دوره العمل‏,‏ ولاتاحه الفرص لبروز كوادر قياديه جديده في
مختلف المواقع‏.‏

واظن ان تحديات العصر الذي نعيشه تحتم علينا
ضروره الاسراع بتحديث اداره الدوله‏,‏ خصوصا واننا قطعنا شوطا كبيرا في
مهمه اعاده بناء البنيه الاساسيه‏,‏ وتجديد المنشات‏,‏ والموسسات
الانتاجيه‏.‏

والذين يحلمون بركوب قطار النهضه عليهم ان يضعوا في
اعتبارهم ان حلم التنميه الانتاجيه الشامله يصعب تحقيقه في غيبه من تنميه
اداريه واعيه وحديثه ومتطوره‏!.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44458

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

26

‏25 من شعبان 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

من
الموكد اننا لسنا اقل من دول كثيره نحن بالتاريخ والحضاره اقدم منها
عمرا‏,‏ واعرق منها شانا‏,‏ ومع ذلك فان خطواتهم‏,‏ التي حققوا بها بعض
السبق‏,‏ الذي يثير غيرتنا وحفيظتنا‏,‏ ويولم نفوسنا‏,‏ لم تكن الا نتاجا
لاحترام النظام العام‏.‏

وهنا يتحتم علينا ان ندرك ان احترام
النظام واقناع الناس بذلك قبل اجبارهم عليه هو في البدايه والنهايه مساله
اداره‏...‏ والاداره ليست مجرد ثواب وعقاب فقط‏,‏ وانما هي علم وفن وموهبه
خصوصا عندما ترتبط هذه الممارسات الاداريه بسلوكيات الجماهير ومصالحها
المباشره‏.‏

والاداره ليست قوانين ولوائح وثوابا وعقابا فقط وانما
هي روح في العمل تقدم المثل والقدوه‏,‏ ولاتتباهي بقدرتها علي الاستثناء
وتجاهل القوانين من نوع ما نشهده احيانا في شوارع القاهره من ممارسات
صارخه لاتستفز المشاعر لانها ممارسات خاطئه فقط‏,‏ وانما لان القائمين
عليها هم الحراس والامناء علي منع وضبط مثل هذه الممارسات الخاطئه‏.‏

واظن
ان من يلقي نظره مدققه علي المشهد العام في الشارع المصري سوف يتاكد ان
غياب النظام يقف وراء كل تقصير واهمال وسلبيه ولا مبالاه في اي موقع من
مواقع العمل العام‏....‏ وليس هذا فحسب بل ان الشارع المصري‏,‏ وما يعانيه
من فوضي لايمكن لاحد ان يصدق ان سببها زياده السكان فقط‏,‏ وانما السبب
الاساسي هو عدم النظام بدءا من مخالفات السير‏,‏ ومرورا بمخالفات
المباني‏,‏ ووصولا الي المخالفات الصارخه للمركبات‏...‏ وكلها اشياء تندرج
تحت مسمي واحد هو عدم احترام النظام‏!‏

ومعني ذلك ان اي قوانين
لضبط المرور‏,‏ مهما بلغت صرامتها‏,‏ سوف تظل مجرد حبر علي ورق اذا لم تكن
اللائحه التنفيذيه واضحه والقائمون علي تنفيذها اناسا يقدمون المثل
والقدوه في احترام النظام‏,‏ لانه في غيبه من ذلك الالتزام لا يمكن لاحد
ان يحلم ولو بمجرد بقاء الحال علي ماهو عليه من درجه الفوضي الراهنه في
الشارع المصري‏.‏

ان علينا ان ندرك ان لغه العصر الان هي
الاداره‏...‏ فليس هناك في ظل التقدم التكنولوجي مجال للمنافسه والتفوق
سوي مجال الاداره‏....‏ وكلما ارتفع مستوي التنظيم الاداري في اي مجتمع
انعكس ذلك علي مجمل الاداء العام‏...‏ والف باء الاداره هي النظام‏...‏
لان النظام معناه ان يلتزم كل انسان في سلوكه وتعاملاته‏,‏ ومستوي ادائه
لمسئولياته بقواعد واضحه‏,‏ واسس ثابته لامجال فيها للاستثناء او الفوضي
او اللامبالاه‏.‏

وتجربه العمل الوطني في مصر اكدت لنا بما لا يدع
مجالا لاي شك ان الفرق بين الانجاز والقصور في اي موقع من مواقع العمل ليس
بالضروره فرقا في الامكانات والطاقات‏,‏ وانما هو في الاغلب فرق واضح بين
الاداره العلميه‏,‏ التي تجيد فن قياده العمل في موقع‏,‏ وبين الاداره غير
المنضبطه والقياده المتراخيه في موقع اخر‏!‏

ان الفرق بين الانجاز
والقصور في اي موقع مرتبط في الاساس بقوه وهيبه الاداره الواعيه‏,‏ ومدي
امتلاكها القدره علي قياده العمل بسلاسه‏,‏ وبما يضمن حسن استثمار
الطاقات‏,‏ والكفاءات المتاحه‏!‏
وغدا نواصل الحديث

44459

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

27

‏26 من شعبان 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏3‏)

ليس
يكفي ان نعيش الحلم‏,‏ وان ننتظر تحقيقه لان تحويل الاحلام الي حقيقه رهن
اساسي بقدره الذين يحلمون علي ان يحدثوا بانفسهم قدرا من التغيير في الفكر
والسلوك يتناسب وحجم الحلم المنشود في السياسات والاشخاص‏!.‏

اريد
ان اقول بوضوح ان تحويل الحلم الي حقيقه في اي مجتمع ليس رهنا فقط
بالقرارات التي تصدر‏,‏ والاستراتيجيات التي يجري تعديلها او علي الاقل
مراجعتها‏,‏ واعاده النظر فيها‏,‏ ولكن الحلم لا يمكن ترجمته الي واقع
ملموس الا اذا تكاتفت اراده الجميع علي قبول متطلبات عديده اهمها ما يتعلق
بالتغيير الجمعي الذي ينتقل بالانسان من مقعد المشاهد الي موقع المشارك من
اجل تعظيم الاداء‏,‏ والعطاء القائم علي الابداع‏,‏ والابتكار‏,‏ والذي
يزيد من مساحه الاجواء الصحيه الملائمه لتفجير الطاقات الكامنه‏.‏

ان
الذي نحلم به جميعا ليشمل كل مناحي الحياه لن يتحقق بخطط وسياسات جديده‏,‏
وخروج اشخاص ومجيء غيرهم رغم اهميه وضروره ذلك ولكنه يتحقق بجديه التحرك
الفوري نحو تنميه الانسان‏,‏ واعاده تاهيله بما يمكنه من تنفيذ استحقاقات
هذا المنشود‏.‏

لعلي اكون اكثر وضوحا‏,‏ واقول انه قد ان الاوان
لاعطاء اهتمام اكبر للعنصر البشري‏,‏ وتاهيله لمتطلبات تلبيه الحلم
المنشود سواء علي المستوي التنموي او المستوي الديمقراطي‏,‏ وذلك لا يتاتي
الا بربط سياسه التعليم بسياسات متشعبه للتدريب والتاهيل‏,‏ بحيث لا تكون
الشهاده المدرسيه او الجامعيه هي نهايه المطاف‏!.‏

ثم انه لابد من
اعاده تحريك روح الحافز الايجابي علي كل مستويات العمل الوطني‏,‏ وتاكيد
جديه الرغبه في استثمار العقول‏,‏ والافكار دون تعال ودون اهمال حتي يشعر
الانسان في كل موقع بقيمته‏,‏ واهميته‏,‏ وكرامته تحت مظله من القيم
الايجابيه الصحيحه التي تفتح ابواب التنافس علي مصراعيها‏,‏ وتسد كل ابواب
ونوافذ الصراع المهني المدمر‏.‏

ان السعي الصحيح لبلوغ الاحلام
المشروعه في اي مجتمع ينبغي ان يرتبط ارتباطا وثيقا باعاده الاعتبار لقيم
العمل الشريف المنتج‏,‏ وترسيخ مبدا الثواب والعقاب تحت مظله من المحاسبه
الامنيه التي تعطي كل ذي حق حقه في اطار الحقوق والواجبات المكفوله التي
تسهم في توفير القدرات التنافسيه امام المجيدين والمبدعين‏,‏ وتمنحهم ما
يميزهم عن الكسالي ومثبطي الهمم‏.‏

والحديث عن امكانيه بلوغ الحلم
المشروع في النهضه ومواكبه العصر يحتاج الي فتح باب الاجتهاد بشان محاور
عديده من محاور العمل الوطني‏,‏ لكي يودي في النهايه الي حسن تنظيم الجهد
الوطني وتوجيهه صوب الاتجاه الصحيح الذي يسمح لنا بان نستثمر الي اقصي حد
ممكن كل امكاناتنا الذاتيه المتاحه‏,‏ وذلك بدقه الاداء والاتقان في
العمل‏,‏ والحرص علي الجوده‏,‏ وعدم حجب الفرص عن اصحاب الموهبه والمعرفه
والخدمه لكي ياخذوا مكانهم الطليعي في المجتمع‏,‏ والذي يوكد لدي كل فرد
عمق الشعور بالانتماء‏.‏

44460

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

28

‏27 من شعبان 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

من
يتابع مشهد انتخابات الرئاسه في امريكا لابد وان يصاب بالدهشه‏,‏ لان
مزايدات المرشحين لكسب اصوات الناخبين اختصرت كل قضايا السياسه الخارجيه
لاكبر دوله في العالم في عنوان واحد هو اسرائيل وما يسمي احتياجاتها
الامنيه‏..‏ اما ما يجري علي بقيه ارض الله من جورجيا الي كوسوفا‏,‏ ومن
كوريا الي فنزويلا‏,‏ فهو مجرد هوامش لا تزيد اهميتها علي اهميه بعض
التوابل في موائد المصابين بامراض التخمه‏!.‏

لقد نسي المرشحان
الرئيسيان للرئاسه الامريكيه جون ماكين عن الحزب الجمهوري‏,‏ وباراك
اوباما عن الحزب الديمقراطي ازمه الملف النووي لكوريا الشماليه‏,‏ ومدي
تاثيرها علي المصالح الامريكيه‏..‏ وتجاهل الاثنان وكان بينهما اتفاقا كل
ما كان يثار في الميديا الامريكيه طوال السنوات الاخيره عن الارهاب
العالمي بقياده اسامه بن لادن‏,‏ والخطر النووي الايراني‏,‏ ولم يعد لهما
شاغل سوي حمايه المطامع التوسعيه لاسرائيل علي حساب الحقوق الفلسطينيه
المشروعه وخاصه في القدس العربيه ولتذهب الشرعيه الدوليه ومصالح العرب
والمسلمين الي الجحيم‏!.‏

وليت الامر اقتصر علي ذلك فحسب‏,‏ وانما
اصبحت اسرائيل هي اهم عنوان يسبق قضايا المعركه الانتخابيه في امريكا‏,‏
بما في ذلك قضايا الداخل بدءا من تقليص الضرائب‏,‏ ودعم التعليم‏,‏ ووصولا
الي اجنده الضمان الاجتماعي‏,‏ والضمان الصحي‏,‏ حيث توارت كل هذه القضايا
الحيويه للمواطن الامريكي لتسبقها في الاهميه احتياجات اسرائيل من اسلحه
الدفاع الاستراتيجي المتطوره‏.‏

وتلك والله كارثه في الفهم والسلوك
لا يقتصر ضررها علي شعوبنا‏,‏ وسائر الشعوب التي تعاني خطيئه الانحياز
الامريكي‏,‏ وانما يمتد خطرها وضررها علي مصلحه الشعب الامريكي نفسه‏!.‏

ولكن ماذا يفعل الشعب الامريكي الذي يقترب من ان يكون مغلوبا علي امره مثل بعض الشعوب الضعيفه او المستضعفه؟‏.‏

نعم
ماذا يفعل الشعب الامريكي وهو يصحو ويبيت علي نغمه اعلاميه صاخبه وزاعقه
تري في تمسك الفلسطينيين بحقوقهم دليلا علي عدم الرغبه في السلام‏,‏
وتعتبر ان كل ما تمارسه اسرائيل من اعتداءات وانتهاكات بمثابه ضرورات
حيويه للدفاع عن النفس؟‏.‏

نعم ماذا يفعل الشعب الامريكي‏,‏ وهو
يعيش تحت ضغط اعلامي رهيب يتم بثه بمختلف الوسائل علي مدي سنوات متصله
تروج الي ان قتل اطفال العراق تحت نيران الحصار هو الضمان لامن واستقرار
منطقه الخليج‏,‏ وان قصف مناطق القبائل الباكستانيه عند الحدود الافغانيه
هو السبيل لاغلاق منابع التمويل للارهابيين المعادين لامريكا‏..‏ وان
مجزره قانا‏,‏ وسائر الاعتداءات الوحشيه التي تعرضت لها لبنان علي يد
اسرائيل هي مجرد حق مشروع من حقوق الدفاع عن النفس‏..‏و‏..‏و‏....‏؟‏!.‏

وهكذا
اصبح المواطن الامريكي اسيرا لرويه تميل نحو الباطل الذي يعتقد انه حق‏,‏
خصوصا ان هذه الرويه تتسلل الي عقله ومشاعره عبر مقالات مسمومه‏,‏ وافلام
محبوكه ومسلسلات مفبركه لكي تصب جميعها في خانه هدف واحد هو اظهار اسرائيل
بانها رغم كل ما تملكه في ترسانتها الرهيبه من اسلحه مازالت هي الطرف
الاضعف‏,‏ والمعرض للخطر والعدوان‏.‏
‏
..‏ وبعد ذلك يتحدثون عن سر ازدياد كراهيه معظم شعوب العالم للسياسه الامريكيه؟‏.‏

44461

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

29

‏28 من شعبان 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

كلما
توقفت بالتامل امام بعض المشاهد‏,‏ والاحداث الماساويه الساخنه التي تهز
مشاعر المجتمع بين الحين والحين يزداد اعتقادي بصحه ما اومن به‏,‏ وهو ان
معرفه النفس هي المدخل الصحيح لتمكين الانسان من اقامه سلامه الذاتي مع
نفسه‏..‏ لانه في غيبه من وجود سلام مع النفس يصبح المرء اسيرا لهواجس
مقلقه حتي لو كان اغني الاغنياء‏,‏ واصح الاصحاء‏.‏

والحقيقه ان
معرفه النفس هي التي تجنب المرء الوقوع في حالات مزاجيه سوداء تعكس واقع
انعدام الثقه في الحاضر‏,‏ والياس من المستقبل‏,‏ واعتبار السلبيه
واللامبالاه هي طريق الهروب من المواجهه المستحيله امام هموم ومشاكل تتضخم
باكثر من حجمها‏!.‏

واذا كانت ضغوط العصر وقوانينه القاسيه
ومتغيراته المتلاحقه لم ترحم احدا من بعض مسببات التوتر والانفعال الذي
يقود الي التهور والتاثير سلبيا علي سلام النفس‏..‏ الا ان الحياه علمتنا
بدروس عديده ان من يملكون زادا ايمانيا وروحيا كافيا قد اثبتوا علي ارض
الواقع انهم قادرون علي طرد القلق والتوتر وعدم الاستسلام لاعراض الاكتئاب
والياس والاحباط‏,‏ وبالتالي تجنب الاندفاع الي ارتكاب الجرائم‏,‏
والخطايا المحرمه‏!.‏

اريد ان اقول بوضوح انه بالايمان والعقيده‏,‏
وتوافر الزاد الروحي يكتسب المرء قوه مضافه تساعده علي استجماع قواه
الذهنيه والنفسيه والبدنيه التي تمكنه من درء مثل هذه الاخطار الداهمه اما
بالتكيف مع الواقع دون تنازل او بالانسحاب الامن المنظم دون خسائر‏!.‏

والحقيقه
ان معظم الدراسات الاجتماعيه والنفسيه الحديثه تقول بان ضغوط الحياه يمكن
ان تودي لنشوء مشكلات اقتصاديه ونفسيه لان كل انسان لديه حدود معينه
لطاقته ولقدرته علي الاحتمال‏,‏ ولكن المسلحين بزاد معرفه النفس والمحصنين
بقوه العقيده والايمان بقضاء الله وقدره هم الذين يحولون هذه الضغوط في
اتجاه معاكس لتصبح قوه ايجابيه تزيد من قدرتهم علي تحدي الازمات وتضاعف من
مشاعر الاحساس بالثقه في الغد‏!.‏

ومعني ذلك ان الانسان هو طبيب
نفسه بشرط ان يحسن معرفه نفسه وان يتحرك بثبات نحو اقامه سلام داخلي مع
النفس قبل ان يبحث عن سلام مع الاخرين او سلام مع ضغوط الحياه
وتحدياتها‏!.‏

والذي قاله سقراط قبل عشرات القرون من الزمان مازال
هو الاصح والاصلح لتوفير القدره الذاتيه للمرء علي حل مشاكله دون اذي
لنفسه او للاخرين لان سقراط عندما اطلق مقولته الشهيره اعرف نفسك كان
يستشعر عن حق ان الانسان هو طبيب نفسه‏,‏ وانه لكي ينعم باكبر قدر من
السعاده عليه ان يفتش داخل نفسه قبل ان يستجدي دعما من غيره‏,‏ لانه اذا
فتش في نفسه عرف جوانب القوه والضعف بصدق‏,‏ واستطاع ان يكيف حياته علي
ميزان دقيق من الامانه والصدق مع النفس‏!.‏

ومن ثم ليس غريبا ان
يكون اكثر الناس توازنا نفسيا واجتماعيا هم الذين لديهم القدره علي
الانفتاح علي الاخرين بمرونه‏,‏ ووعي ويضعون دائما في اعتبارهم حقوق
ومشاعر وطموحات الاخرين بنفس درجه وعيهم بحقوقهم‏,‏ وعدم تفريطهم في
امالهم وطموحاتهم المشروعه‏.‏

44462

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

30

‏29 من شعبان 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

امر
طبيعي ان يحظي السودان وطنا وشعبا باهتمام العرب جميعا بشكل عام‏,‏
واهتمام شعب مصر بوجه خاص‏,‏ فالسودان اولا واخيرا ليس فقط مجرد بلد عربي
شقيق يدين معظم اهله بالاسلام وليس مجرد عمق استراتيجي للامه العربيه
باعتباره بوابه التواصل بين العرب‏,‏ وافريقيا فحسب‏,‏ وانما السودان هو
ايضا يمثل الاحتياطي الاستراتيجي للامه العربيه بما يملكه من موارد وثروات
مازالت مدفونه في ترابه الشاسع الذي يمتد ويتسع بحجم قاره متكامله‏..‏ ومن
ثم فانه من الصعب علي العرب ان يتجاهلوا ما يجري في السودان‏,‏ خصوصا اذا
كانت هناك موشرات توحي باحتمال ان يتعرض استقراره للخطر‏,‏ وترابه
للتقسيم‏!.‏

اما بالنسبه لنا في مصر فان الشرح يطول لان السودان
ليس مجرد الامتداد الطبيعي لمصر‏,‏ والشريك الاساسي في وادي النيل فقط‏,‏
وانما هناك عوامل معنويه ونفسيه وروحيه لا يدرك مغزاها سوي شعبي البلدين
اللذين بقيا علي مر الزمن‏,‏ وفي ظل اسوا الظروف عنوانا للوحده والتقارب
والتكامل والمحبه التي تتجاوز ايه اتفاقيات رسميه وبروتوكوليه‏!.‏

ومع
ان مصر وجميع الاشقاء العرب متفقون علي ان الوضع في السودان يظل في
البدايه والنهايه شانا داخليا محضا‏,‏ الا ان المسئوليه القوميه في اطار
وحده الانتماء العربي هي التي تحتم علي الجميع العمل علي دعم كل ما من
شانه تقويه السودان‏,‏ ودفع انطلاقاته نحو افاق ارحب واوسع‏,‏ وبما يودي
الي انهاء ازماته الداخليه وتنشيط الحوار بين جميع الفعاليات السودانيه
حتي يمكن توظيف هذه الاجراءات التصحيحيه لمصلحه الخروج بالوطن السوداني من
اجواء الاختناقات والصراعات التي انجر اليها في السنوات الاخيره لاسباب
متعدده بعضها داخلي‏,‏ والبعض الاخر نتيجه زياده اطماع القوي الدوليه في
ثرواته‏,‏ وموارده الطبيعيه‏.‏

وليس هناك من يستطيع ان يتجاهل
صعوبه المهمه التي تواجه السودان للخروج من تلك المشكلات التي تراكمت عليه
بحده في السنوات الاخيره‏,‏ وبالذات ما يتعلق بنزيف الصراع في اقليم
دارفور‏,‏ وواقع العزله والصدام مع المجتمع الدولي‏,‏ والقوي الفاعله
فيه‏,‏ فضلا عن اجواء التوتر مع الجيران علي طول الحدود الشاسعه التي
يمتلكها السودان مع عدد من دول القاره الافريقيه‏.‏

ومن هنا فان كل
ما يهمهم امر الحفاظ علي السودان موحدا وقويا‏,‏ ومتماسكا يتمنون ان تسهم
كل الفعاليات السياسيه في السودان في اغتنام الفرصه الراهنه‏,‏ وتمكين
القياده الشرعيه من احكام السيطره علي الامور‏,‏ ومنع اي سبب من اسباب
التوتر‏,‏ والانفجار‏,‏ وابعاد السودان‏,‏ وشعبه عن كل الصراعات الحزبيه
والعرقيه التي لا تخدم الوطن‏,‏ ولا ترعي مصالح المواطنين‏.‏

وكفي
السودان ما عاناه من حروب في الجنوب‏,‏ وصراعات‏,‏ وحزازات سياسيه في
الشمال تركت انعكاساتها السلبيه علي الاوضاع الاقتصاديه والاجتماعيه في
بلد كان يمكن ان يكون اغني بلاد الدنيا كلها‏!.‏

ان السودان بحاجه
الي صحوه جديده لاستعاده مناخ الاستقرار ليس فقط علي صعيد اخماد بور
التوتر‏,‏ وانما ايضا باتجاه منظومه عمل جديده تراعي في الياتها جميع
المتغيرات الاقليميه‏,‏ والدوليه‏,‏ ودون المساس بالثوابت الوطنيه‏.

44463

‏السنه 133-العدد

2008

اغسطس

31

‏30 من شعبان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بصرف
النظر عن الماخذ والملاحظات العربيه الفلسطينيه حول اتفاقيات اوسلو‏,‏ فان
الذي لاشك فيه ان هذه الاتفاقيات كانت تشكل مازقا سياسيا واستراتيجيا
لاسرائيل‏,‏ ولم يكن بامكان احد في اسرائيل سوي اسحق رابين ان يمضي في
تنفيذها حتي نهايه الشوط ولهذا قتلوه‏!‏

وربما يعزز من صحه ما اقول
به ان السنوات الاخيره حملت دلالات توكد ان اغتيال اسحق رابين في
نوفمبر‏1995,‏ كان بمثابه اول اشاره من جانب اسرائيل بانها ليست مستعده
لمواصله دفع الاستحقاقات الواجبه في اتفاقيات اوسلو وفق المنهج المرحلي
الذي نصت عليه هذه الاتفاقيات حتي لو كان الثمن ازاحه احد الابطال
القوميين في نظر الشعب اليهودي وهو الجنرال اسحق رابين‏!‏

لقد اتضح
بما لا يدع مجالا لاي شك ان تحالفا رهيبا نشا بعد بدء تنفيذ اتفاقيات
اوسلو عام‏1995‏ بين صقور الموسسه العسكريه ورموز اليمين الديني السياسي
المتطرف في اسرائيل وكان جوهر التحالف بين هذه الاطراف هو رفض اي تنازلات
حول قضايا مصيريه مثل اللاجئين والقدس والمستوطنات‏.‏

كانت فلسفه
هذا التحالف الذي اعطي اشاره الخلاص من رابين ان اتفاقيات اوسلو وبرغم ما
قد يبدو ظاهريا انها مكسب سياسي كبير لاسرائيل فان جوهرها يستند الي فلسفه
انتقاليه تلزم اسرائيل باعاده انتشار تدريجيه من كل من الضفه الغربيه وغزه
باستثناء القدس والمواقع العسكريه والمستوطنات وان ذلك سوف يودي الي اضعاف
موقف اسرائيل التفاوضي عندما يحين الوقت للتفاوض حول قضايا الوضع
النهائي‏.‏

كان هناك فيما يبدو اتفاق بين قوي التحالف الاسرائيلي
علي رفض اي مساومه بشان الموقف الاسرائيلي الرافض لعوده اللاجئين او
التخلي عن القدس او تفكيك المستوطنات‏.‏

وكان لابد من ايجاد ظروف
جديده تبرر توقف اسرائيل عن مواصله عمليه اعاده الانتشار الوارده في
اتفاقيات اوسلو لكي تضاف المفاوضات بشان الاراضي الي اجنده مفاوضات الحل
النهائي‏,‏ ومن ثم بدات عمليات التلاعب منذ اغتيال رابين وحتي الان بوسائل
مختلفه برغم تتابع حكومات بيريز ونتنياهو وباراك وشارون واولمرت علي سده
الحكم‏,‏ حيث ابتدعوا جميعا لعبه دمج استحقاقات اعاده الانتشار التدريجي
المنصوص عليها في اتفاقيات اوسلو مع القضايا النهائيه ضمن صفقه واحده توفر
لاسرائيل امكانيه المساومه علي قضايا الوضع النهائي مقابل المرونه في قضيه
اعاده الانتشار التي جمدت تماما في الضفه الغربيه منذ مجئ حكومه نتنياهو
عام‏.1997‏

التاريخ واضح ولكن بعضنا لا يقرا وان قرا لايفهم‏...‏ وتلك واحده من اهم مشاكل وازمات العقل العربي‏!‏

44464

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

1

‏غره رمضان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بعيدا
عن مزاعم اسرائيل في ان الهاجس الامني هو الذي دفع بها الي بناء ما يسمي
الجدار الواقي‏,‏ الذي يعزل المدن الاسرائيليه‏,‏ وكبري المستوطنات عن
مناطق السلطه الفلسطينيه‏,‏ يكمن الدافع الاساسي‏,‏ الذي يختفي وراء هذه
الجريمه التي تشكل اكبر عائق امام حلم السلام في المنطقه‏.‏

اريد
ان اقول‏:‏ ان الدافع الحقيقي وراء فكره بناء الجدار الواقي هو استكمال
عزل وتهويد مدينه القدس حتي يمكن اخراجها نهائيا من ملف مفاوضات الوضع
النهائي‏,‏ بعد ان ادرك الاسرائيليون ان صفقه قمه كامب ديفيد عام‏2000,‏
قد تحطمت علي صخره الاستمساك الفلسطيني بالقدس‏,‏ ومن ثم تفتق ذهن اسرائيل
حول ضروره فرض واقع جديد‏,‏ يدعم وجهه نظر اسرائيل ببقاء القدس بشطريها
عاصمه موحده وابديه للدوله العبريه‏.‏

وربما يساعد علي فهم ما اقول به ان نستعرض منهج التعامل الاسرائيلي مع القدس منذ عام‏1948‏ وحتي الان‏.‏

لقد
احتل اليهود القدس الغربيه في حرب‏1948(‏ وهي تساوي نحو‏84.1%‏ من المساحه
الكليه للقدس‏),‏ وقاموا بتهويد هذه المنطقه التي تعود‏85%‏ من ملكيتها
للعرب وبناء احياء سكنيه يهوديه فوق اراضيها‏,‏ واراضي القري العربيه
المصادره حولها‏,‏ مثل قريه لفتا التي بني عليها الكنيست‏,‏ وعدد من
الوزارات‏,‏ وقري عين كارم‏,‏ ودير ياسين‏,‏ والمالحه‏,‏ وغيرها‏.‏

وفي
عام‏1967‏ اكملت اسرائيل احتلالها للقدس الشرقيه‏,‏ التي تعد جزءا من
الضفه الغربيه‏,‏ والتي يقع فيها المسجد الاقصي‏,‏ ومنذ ذلك الوقت بدات
حمله تهويد محمومه لشرقي القدس‏,‏ فاعلن عن توحيد شطري القدس تحت الاداره
الاسرائيليه في‏27‏ يونيو‏1967,‏ ثم اعلن رسميا في‏30‏ يوليو‏1980‏ ان
القدس عاصمه ابديه‏,‏ موحده للكيان الاسرائيلي‏.‏

لقد كان التركيز
علي القدس مساله مركزيه في الفكر اليهودي الصهيوني لما تمثله من ابعاد
دينيه وتاريخيه‏,‏ وقبل ان ينشا الكيان الاسرائيلي بنحو خمسين عاما قال
هرتزل‏,‏ موسس المنظمه الصهيونيه العالميه‏:‏ اذا حصلنا علي مدينه
القدس‏,‏ وكنت لاازال حيا‏,‏ وقادرا علي القيام باي عمل فسوف ازيل كل
شيء‏,‏ ليس مقدسا لدي اليهود فيها‏,‏ وسوف احرق جميع الاثار التي مرت
عليها قبل قيام اسرائيل‏.‏

وكان الموسس الفعلي للكيان
الاسرائيلي‏,‏ واول رئيس وزراء له ديفيد بن جوريون يقول دائما‏:‏ انه لا
معني لاسرائيل دون القدس‏,‏ ولا معني للقدس دون الهيكل‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44465

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

2

‏2 من رمضان 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

يسكن
القدس بشقيها الغربي والشرقي نحو‏650‏ الفا‏(‏ حسب تقديرات سنه‏2000)‏ من
بينهم‏450‏ الف يهودي‏,‏ و‏200‏ الف عربي‏(‏ كل العرب تقريبا يسكنون شرقي
القدس‏),‏ وبسبب سياسه المصادره‏,‏ والقهر استولي الاسرائيليون علي‏86%‏
من مساحه القدس‏,‏ وبقي للعرب الفلسطينيين فعليا‏4%,‏ بينما هناك‏10%‏ منع
العرب من الانتفاع بها‏,‏ ومعده لمشاريع يهوديه‏,‏ مما يشير الي الخطوره
التي وصل اليها مشروع تهويد مدينه القدس‏,‏ مع العلم بان الفلسطينيين
كانوا يملكون‏90%‏ من القدس عند بدء الاحتلال البريطاني‏1918.‏

وقد
قامت اسرائيل بتوسيع نطاق بلديه القدس تدريجيا لتتمكن من ضم مناطق اخري من
الضفه الغربيه‏,‏ ولتقوم بعمليه تهويد القدس علي نطاق مبرمج واسع‏,‏ فتوسع
البلديه شرقي القدس من‏6.5‏ كم‏2‏ سنه‏1967‏ الي‏123‏ كم‏2‏ سنه‏1990,‏
اما خطه ما يسمي بالقدس الكبري التي تطمح لتنفيذها فتشمل‏840‏ كم‏2‏ اي
نحو‏15%‏ من مساحه الضفه الغربيه‏.‏

اما الحرم القدسي المسجد
الاقصي فهو قصه ماساه اكثر ايلاما‏,‏ فبعد ايام من احتلال القدس الشرقيه
عام‏1967‏ قاموا بتدمير حي المغاربه المقابل للحائط الغربي للمسجد
الاقصي‏(‏ حائط البراق او ما يسميه اليهود حائط المبكي‏),‏ وهو حي مكون
من‏135‏ بيتا‏,‏ ومسجدين‏,‏ وجرت تسويته بالارض ليكون ساحه يستخدمها
اليهود لاغراض عبادتهم‏,‏ برغم ان الحي ارض وقف اسلامي‏,‏

كما بدا
اليهود حمله محمومه من الحفريات تحت المسجد الاقصي‏,‏ وحوله مركزين علي
المنطقتين الغربيه والجنوبيه للمسجد محاولين ايجاد اي دليل حول هيكلهم‏,‏
لكن كان معظم ما وجدوه اثارا اسلاميه تعزز مكانتها وهويتها الاسلاميه‏.‏

ومنذ
عام‏1967‏ وحتي الان مرت عمليات الحفريات بعشر مراحل‏,‏ كانت تتم بنشاط
ولكن بهدوء وتكتم‏,‏ وتم حفر عدد من الانفاق تحت المسجد الاقصي‏,‏ وبلغت
الحفريات مراحل خطيره عندما اخذوا يفرغون الاتربه والصخور من تحت المسجد
الاقصي‏,‏ وقبه الصخره مستخدمين المواد الكيماويه لتذويب الصخور مما يجعل
الاقصي تحت خطر الانهيار في اي لحظه بسبب عاصفه قويه او مجرد زلزال خفيف‏.‏

لقد
صدرت عشرات القرارات الدوليه عن الامم المتحده‏,‏ ومجلس الامن الدولي برفض
ضم اسرائيل للقدس الشرقيه‏,‏ ورفض اي اجراءات ماديه او اداريه او قانونيه
تغير من واقع المدينه‏,‏ واعتبار ذلك لاغيا‏,‏ واعتبرت هذه القرارات ان
اسرائيل قوه احتلال يجب ان تخرج من القدس‏,‏ ومن الضفه الغربيه‏,‏ وقطاع
غزه ككل‏,‏ واستمرت القرارات في الصدور الي الان غير انها وان كانت تعترف
بحقوق الفلسطينيين‏,‏ الا انها تفتقر الي الجديه اللازمه لارغام الدوله
العبريه علي احترام القرارات الدوليه‏.‏

وخلاصه القول ان شماعه
الامن التي يختفي وراءها مشروع بناء الجدار الواقي ليست سوي كذبه كبري في
سلسله الاكاذيب والمغالطات الاسرائيليه‏,‏ بل انني ربما اقول ما هو اكثر
من ذلك‏,‏ واكاد ازعم ان كل المماطلات الاسرائيليه لتعطيل عمليه السلام هي
جزء من المخطط الرامي لايجاد الظروف المواتيه لتمكين اسرائيل من استكمال
ابتلاع وتهويد القدس‏,‏ وفرض امر واقع يصعب التفكير في تغييره‏!.‏

44466

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

3

‏3 من رمضان 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

من
الموكد انه كلما كان اسلوب الممارسه الديمقراطيه ملائما ويتسم
بالشفافيه‏,‏ كان هناك ازدهار ديمقراطي تعكسه المناقشات‏,‏ وذلك بالبعد عن
الشكليات والاستغراق في الموضوعيه‏.‏

والحقيقه ان عمق وجديه
الممارسه الديمقراطيه يتوقف علي دور رئيس الجلسه فمن يراس اجتماعا لمجلس
اداره اي موسسه انتاجيه او هيئه خدميه ينبغي ان يكون بعيدا عن التحيز وان
يمتنع عن الاشتراك في مناقشه ايه قضيه معروضه من كرسي الرئاسه‏,‏ وان كان
ذلك لايحول دون حقه وواجبه في ان يقدم خبرته ومشورته القانونيه كلما اقتضي
الامر ذلك‏!‏

واذا كان من مواصفات من يراس اي اجتماع ديمقراطي
الحرص علي عدم احتكار الراي‏,‏ وعدم خنق ومصادره الاراء الطيبه قبل ان
تبزغ فان من اهم مسئولياته ان يلعب دورا ايجابيا في تطوير الاراء
والمقترحات‏,‏ وان يسهم اسهاما ايجابيا في اثراء المناقشات الموضوعيه كلما
كان ذلك مفيدا‏!‏

وربما لهذا يكون العبء كبيرا علي من يراس اي
اجتماع ديمقراطي فهو مطالب بان يستعد للاجتماع‏,‏ كما يستعد الاستاذ
والمدرس لتحضير المحاضره قبل القائها لان جزءا كبيرا من اسباب ضمان النجاح
للحوار الديمقراطي هو استعداد رئيس الجلسه وفهمه الكامل لمختلف القضايا
التي يمكن ان يتناولها النقاش‏!‏

وليس هناك مايضمن النجاح للممارسه
الديمقراطيه سوي سريان روح التقاليد الرياضيه التي ينبغي ان يتحلي بها
الجميع علي اعتبار ان النقاش حول ايه قضيه اشبه بمباراه لابد فيها من فائز
ومهزوم‏,‏ وانه متي انتهت المباراه انتهي كل جدل وكل تراشق واستعاد
المشاركون روح الوحده والالتئام التي تجمعهم تحت مظله العمل الديمقراطي‏.‏

وهذه
الروح التي اتكلم عنها لها مسمي علمي هو‏:‏ روح تقبل مبدا الحريه في ظل
القانون‏...‏ فالمعارك الكلاميه ينبغي توقعها وتقبلها لانها ليست خصومه
شخصيه‏,‏ وانما هي اثراء للعمليه الديمقراطيه‏,‏ ولكن ما ان يتم التصويت
النهائي ينبغي ان تتحد جهود الاقليه والاغلبيه معا علي احترام ماتم
الاتفاق عليه‏,‏ وضمان تنفيذه تنفيذا دقيقا وامينا‏!‏

وخلاصه القول
ان الديمقراطيه ليست مجرد لافته يجري تعليقها او مبادئ يتم الاعلان
عنها‏,‏ وانما هي اسلوب وممارسه فلابد ان تكون هناك رابطه قويه بين
الديمقراطيه واسلوب الممارسه الديمقراطيه‏,‏ بحيث يسيران معا جنبا الي جنب
ليس كمجرد حصان وعربه وانما كالحب والزواج‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44467

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

4

‏4 من رمضان 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اعتقد
ان اخطر ما يسيئ الي الممارسه الديمقراطيه هو ان يسود مناخ تدوس فيه
الاغلبيه علي الاقليه وتصبح العمليه مجرد عمليه عد للاصوات لان جوهر ولب
الممارسه الديمقراطيه هو المناقشه الحره والصريحه‏.‏

ومن هنا تجئ
اهميه الدور الملقي علي عاتق الاغلبيه في اي حوار ديمقراطي فالاغلبيه
ينبغي دائما ان تحظي باستماع منصف لراي الاقليه التي يمكن ان تكون علي حق
او علي الاقل محقه بعض الشئ فاذا لم يتم الاستماع لرايها فكيف تتضح
الحقيقه‏...‏

والشئ نفسه يمكن القول به عن ان الاقليه يجب ان تحظي
باستماع منصف لراي الاغلبيه فربما يستبين لها من الامور مايدفعها الي
اعاده النظر في برنامجها‏.‏

واذا كنا نقول بحق الاقليه في ان تقول
رايها‏,‏ وان تحسن الاغلبيه الاستماع لهذا الراي والتعامل معه فان ذلك
لايعني ان يتم الاستماع الي صوت الاقليه الي مالانهايه خصوصا عندما يستشف
رئيس الاجتماع ان المعارضه غير معقوله او انها صادره عن دوافع تتعارض
بوضوح مع الصالح العام‏..‏

ومن ثم فان علي رئيس الاجتماع ان يكبح
جماحها‏,‏ وحتي في حاله ما اذا كانت المعارضه معقوله وصادره عن دوافع
مخلصه فان لها ان تحظي باستماع عادل لا اكثر‏,‏ فالديمقراطيه تقوم علي
قاعده الاغلبيه ومن ثم فان المواءمه السياسيه تقتضي اقفال باب المناقشه
بعد قدر معقول من المساجله‏.‏

وقد يقال ان القواعد المنظمه لاي
اطار ديمقراطي مجلس نيابي او مجلس اداره او جمعيه عموميه تتيح اطارا عاما
للمناقشه المجديه‏,‏ ولكن ينبغي ان يوخذ في الاعتبار ان هذه القواعد
لاتتيح البراعه في اقامه العلاقات بين الاشخاص او البراعه في الحديث وحسن
القاء الكلام‏...‏

وهذان عنصران بالغا الاهميه في الممارسه الديمقراطيه‏....‏ ولهذا فان الدول العريقه ديمقراطيا تعكف علي تنميه مثل هذه المهارات‏.‏

وقبل
هذا وذلك يبقي الحرص علي استخدام الذوق السليم في الحوار والمجادله سواء
عند طلب العضو للكلمه او عند اضطرار رئيس الاجتماع للمقاطعه او قفل باب
المناقشه‏!‏

وما دمنا نتكلم عن الديمقراطيه فان من يراس اجتماعا
ديمقراطيا لابد ان يكون شخصيه مرموقه تملك حدا ادني من المواصفات الضروريه
اهمها تمتعه بصله وثيقه بالاعضاء الي حد معرفتهم اسما اسما والقدره علي
تفهم دوافعهم وافكارهم‏,‏ وبما يضمن الاطمئنان لعدالته والاحترام الصادق
لحزمه‏!‏

واذا كان للجهل ان يكون نعمه فهو بالتاكيد ليس كذلك
بالنسبه لمن يراس اجتماعا ديمقراطيا‏,‏ والذي ينبغي ان يتوافر له اكبر قدر
من الثقافه العامه والقانونيه بوجه خاص وان يكون قادرا علي الكلام بصوت
عال بحيث يسمعه الجميع‏,‏ وان يملك فراسه تمكنه من سرعه اتخاذ القرارات
واستخدام الاجراءات الملائمه لضمان سير المناقشات‏.‏

باختصار فان
من يراس اجتماعا ديمقراطيا ينبغي ان يكون العنوان الصادق للحكم الصائب علي
الامور والذوق السليم واللباقه في اداره الامور وعدم التحيز لوجهه نظر دون
الاخري‏!‏

ولهذا تبقي الديمقراطيه رغم ايه ملاحظات عليها هي افضل نظام ارتضته البشريه منذ مطلع التاريخ حتي الان‏!‏‏