رد: كل يوم بقلم مرسي عطا الله

44468

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

5

‏5 من رمضان 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

ها
نحن الان في رحاب شهر رمضان المعظم الذي يحمل معه اجواء روحيه فريده تجدد
ايماننا بالله وتزيد من ثقتنا بانفسنا وتحيي في صفوفنا روح العزيمه
الصادقه والاراده القويه التي تستمد طاقتها من الصبر‏.‏

يظل شهر
رمضان بالنسبه لمن يفهم معني ومغزي فريضه الصوم بمثابه فرصه لمراجعه النفس
والتامل في عظمه الخالق الذي وهبنا هذا الكون العجيب‏,‏ وكيف يتعاقب الليل
والنهار وتظهر وتختفي الاهله وتنصرم الشهور والاعوام‏.‏

وايضا يظل
شهر رمضان كالعاده شهرا للتزود بالحسنا وتجنب السيئات حيث يستشعر المرء ان
الدنيا زائله لامحاله‏,‏ وان الاجل قد يحين في ايه لحظه‏,‏ ومن ثم لايصبح
هناك وقت لغسل الذنوب وطلب المغفره لمن اصر علي ارتكاب المعاصي وخضع
لشهوات الحياه‏!‏

ان هذا الشهر العظيم هو الدلاله علي الالتزام
باركان الاسلام الخمسه الاساسيه‏:‏ شهاده ان لا اله الا الله وان محمدا
رسول الله‏..‏ واقام الصلاه‏..‏ وايتاء الزكاه‏..‏ وصوم رمضان‏..‏ وحج
البيت لمن استطاع اليه سبيلا‏.‏ ففي رمضان يلتقي المسلمون حول اركان
الاسلام في تلاحم وحب وتكافل لايتوافر في اي شهر اخر‏.‏

واذا كان
الصوم هو احدي علامات الشهر الكريم‏,‏ فانه في المقام الاول احد اركان
الاسلام‏,‏ وهو عنوان تقرير الاراده واتصال الانسان بربه اتصال طاعه
وانقياد‏,‏ كما انه بمثابه فرصه لاثبات قدره الانسان المسلم لتاكيد
الاستعلاء علي ضرورات الجسد كلها‏...‏ وهو تجربه فريده يخوضها الانسان
ليخرج منها معافي في دينه ودنياه وقد ارتدي غطاء التقوي كتعبير صادق عن
شخصيه المسلم‏.‏

ثم ان الصوم له فوائد جمه‏...‏ فهو حرمان مشروع
وتاديب بالجوع وخشوع لله وخضوع‏,‏ كما انه بمثابه رياضه للجسد تمنح
الانسان الوقايه وتضفي علي القلب والروح نقاء وصفاء بلا حدود‏!‏

واسعد
المسلمين حظا هم الذين يجعلون من شهر الصيام حركه في النهار سعيا وراء
الرزق الحلال وحركه في الليل باداء الصلاه وقراءه القران وترديد الدعاء
طلبا للمغفره‏.‏

وليس هناك مايعكر صفو الشهر الكريم علي نفوس
المسلمين في كل بقاع الدنيا سوي تلك المجازر البشعه التي يتعرض لها
اخوانهم في العراق وافغانستان واقليم دارفور وفلسطين‏...‏ ومن ثم لم يكن
غريبا ان تنطلق صيحات الدعاء في كل مساجد العالم الاسلامي في اثناء صلاه
التراويح ابتهالا الي الله لكي يزيح الغمه‏,‏ وان يمد الصامدين دفاعا عن
دين الاسلام بالقوه والعزم وان ينصر الحق علي الباطل‏.‏

ويقينا فان
معين الامه الاسلاميه لن ينضب ابدا‏...‏ ورب العزه والجلال يخلق في كل عصر
رجالا يكون علي ايديهم نصره الاسلام واعلاء كلمه الحق‏.‏

واللهم
لاترد لنا دعاء في هذه الايام المباركه بان تخفف عن امتنا الكرب وان
تمنحنا القوه التي تفرض كلمه الحق علي قوي البغي والعدوان في كل مكان‏..‏
ورمضان كريم‏.‏

44469

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

6

‏6 من رمضان 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

مع
التسليم بان حريه الصحافه تعني الانطلاق والاختراق وكشف المستور والجراه
في قول كلمه الحق فان ذلك ينبغي ان يكون تحت مظله من الفهم الصحيح بان
قيمه الحريه ترتبط بان يكون الكلام المنشور كلاما جادا وموثقا وليس كلاما
ظنيا يجاري الشائعات وجلسات النميمه‏.‏

واذا كانت حريه الصحافه حقا
وليست منحه او هبه من احد فان هذه الحريه ينبغي ان تكون محكومه باخلاقيات
ومواثيق تضمن احترام عقليه القارئ والمستمع والمشاهد وتحافظ علي سمعه
الافراد والهيئات بعيدا عن التورط في خطيئه السب والقذف والتشهير
والافتراء‏.‏

ويخطئ من يظن ان الانفلات هو عنوان لجراه الصحفي او
المذيع خصوصا في الدول التي لاتضع سقفا لحريه الصحافه وبينها مصر لان الكل
يعلم انه لم يعد هناك اي قيد علي النشر والبث سوي قيد الضمير وسلطه
القانون‏.‏

ان جراه الكاتب وشجاعه الصحفي امر مطلوب لضمان عدم ركود
الحوار السياسي والصحفي في المجتمع‏,‏ ولكن ما ابعد الفارق بين جراه
الكاتب الذي يتحسس حروف الكلمات قبل ان يخطها بقلمه تجنبا للاساءه لاحد
دون ذنب جناه وبين جراه مفتعله ترتكز الي الرغبه في جذب الانتباه واحداث
فرقعات سرعان ما يتلاشي دويها بعد ان ينكشف امرها‏!‏

والحقيقه ان
شجاعه وجراه الكاتب ليست في التهجم والتطاول والافتراء علي الاخرين وانما
في صدق الكلمات المستنده الي قاعده من المعرفه والمعلومات والمستهدفه نشر
الحقائق وتوسيع مساحات الاستناره في المجتمع‏.‏

ولعلنا نتفق علي ان
الجراه في الصدق‏,‏ وان الوقاحه في الكذب‏,‏ وكلما كان الكاتب صادقا مع
نفسه ومع من يخاطبهم كانت كلماته اكثر قدره علي النفاذ الي النفوس لان
الكلمه الصادقه هي اسلحه الحق للكاتب والتي لاتستطيع كل اسلحه الباطل ان
تصمد امامها‏!.‏

وربما لهذا كله يظل الامل متجددا في ضروره اسراع
الحكومه بتفعيل قانون حريه تدفق وتداول المعلومات الذي هو السبيل الوحيد
لكشف وتعريه محترفي اطلاق ونشر الشائعات الذين يستطيعون التسلل الي مزاج
الراي العام بروايات وحكايات لاتجد من ينفيها علي الفور ودون ابطاء‏.‏

والحقيقه
انني كتبت هذا الحديث ولم اكن بعيدا للحظه عن وحي ساعتين كاملتين من
المناقشات الجاده والحيه خلال الاجتماع الاخير للمجلس الاعلي للصحافه
برئاسه السيد صفوت الشريف‏,‏ حيث حظي تقرير الممارسه الصحفيه بنصيب وافر
من اهتمام وملاحظات كوكبه من المفكرين والصحفيين والكتاب الذين يشرفون
بعضويه المجلس ويشرف المجلس بعضويتهم فيه مع نخبه متميزه من رجال القانون
والشخصيات العامه‏.‏

وما احوجنا الي الصدق والشفافيه‏...‏ وكلاهما
لايجيء بمجرد التمني‏,‏ وانما يجيء من خلال مسئوليه الصحافه في التدقيق
ومسئوليه الحكومه في توفير المعلومات‏!‏

44470

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

7

‏7 من رمضان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

احد
اهم متغيرات العصر الذي نعيشه ان علوم قراءه المستقبل‏,‏ اصبحت اهم العلوم
التي تدرس‏,‏ منذ سنوات في كبريات الجامعات بمختلف دول العالم‏,‏ وبالذات
في الدول الكبري المتقدمه‏,‏ بل ان هذه العلوم اصبحت من اهم العلوم التي
ينبغي ان يتسلح بها اصحاب القرار علي جميع مستويات العمل الوطني‏..‏ فهل
نحن فعلنا ذلك او علي الاقل بدانا اولي خطواتنا علي هذا الطريق؟‏.‏

اريد
ان اقول بوضوح ان قراءه المستقبل ينبغي ان تصبح شغلا شاغلا لكل مستويات
العمل الوطني‏,‏ وفي مختلف مجالات التاهيل‏,‏ والاعداد التعليمي والتثقيفي
والانتاجي والتنموي في بلادنا‏.‏

وهذا الذي اتحدث عنه يتطلب جهدا
جادا من كافه موسسات العمل الوطني في قطاعات الصناعه‏,‏ والزراعه‏,‏
والاقتصاد‏,‏ والبحث العلمي‏,‏ والتعليم‏,‏ والثقافه‏,‏ وغيرها لمواجهه
الاحتمالات المتعدده التي يتحتم علينا التعامل معها علي المستويين
الاقليمي والعالمي في ضوء مانشهده من متغيرات عميقه ومتلاحقه‏!.‏

ولست
بحاجه الي القول بان الدول الناهضه هي تلك التي تنظر مبكرا الي
المستقبل‏,‏ وكانها تعيشه في اللحظه الراهنه‏,‏ حتي لا تدهمها المفاجات
والتطورات غير المتوقعه عندما يجيء المستقبل حاملا معه قوانينه واحكامه‏,‏
ومعطياته الجديده‏.‏

وفي اعتقادي انه ليس هناك من هو احوج الي
قراءه المستقبل قدر امتنا العربيه التي شاءت اقدارها ان تعيش في منطقه
تغلي وتموج منذ سنوات باحداث وتطورات‏,‏ وتتوالي فوق ارضها متغيرات كانت
قبل سنوات تبدو في حكم المستحيلات‏..‏ وبالتالي فان علي العرب ان يرتفعوا
الي مستوي القدره علي المنافسه من ارضيه صلبه تبني حسابات التعاون بلغه
الواقع‏,‏ وتتجاوز تلك المرحله التي طالت مع احلام واوهام لم نجن منها سوي
بناء قصور في الهواء‏.‏

ان من الضروري ان تتسارع الجهود العربيه
سواء داخل كل قطر علي حده‏,‏ او في اطار منظومه العمل العربي المشترك من
خلال الجامعه العربيه ومجالسها المتخصصه من اجل الاسراع باجراء قراءه
امينه وصادقه وعلميه لاحتمالات الغد‏,‏ لكي نحدد سويا وباراده مشتركه‏..‏
ما هو شكل التعاون الاقتصادي الذي يتحتم ان ناخذ به‏..‏ كيف نتعاون معا
لمواجهه مخاطر المغامرات العالميه في اسواق الصرف واسواق الطاقه‏..‏ وما
هي نوعيه المشروعات المشتركه التي ينبغي ان تاخذ درجه الاولويه لكي تعطي
مردودات سريعه لصالح الواقع الاقتصادي في اغلب الدول العربيه‏..‏ ماذا عن
البرنامج الواقعي الذي يودي الي ازاله الحواجز الجمركيه‏,‏ ويحقق حريه
انتقال العماله‏,‏ وسهوله انتقال رءوس الاموال في ظروف
مامونه‏..‏و‏..‏و‏...‏؟‏.‏

ان هذه الاسئله لم تعد تحتمل مزيدا من
التباطو في الاجابه عنها‏,‏ اذا كنا نريد لامتنا العربيه ان تجد لنفسها
مكانا لائقا بين الامم وان تستعيد مصر مكانتها كصاحبه اول اشعاع علمي
وحضاري وروحي منذ فجر التاريخ الذي يشهد عليه حتي اليوم بعض ما تبقي من
اثار ومخطوطات وكنوز عصر الفراعنه‏!‏

هيا بنا نتوقف عن قراءه الكف ونتوجه دون ابطاء لدراسه وقراءه كل جديد حول علوم المستقبل‏!‏

44471

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

8

‏8 من رمضان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

من
بين المبادئ الراسخه في علوم الاداره ان المسئول الناجح هو الذي يقول
لنفسه منذ اللحظه‏,‏ التي يقع عليه الاختيار‏:‏ ليس من حقي ان افعل ما
اشاء‏,‏ فحقوقي تخضع لمدي ما اقوم به في سبيل خدمه المجتمع ككل‏!.‏

والحقيقه
ان الناس منذ قديم الازل لا يستطيعون الاستمتاع بحبهم وولائهم لاوطانهم
اذا نما شعور بان هناك قصورا في تقديم خدمات الحياه الاساسيه‏,‏ او اذا
كان منهج العمل في اي موقع ينتصر للمظهريه علي حساب الجوهر‏,‏ والمضمون‏,‏
الذي ينبغي ان يصل الي الناس مباشره‏.‏

ومن الموكد انه عندما يشعر
الناس باعلاء قيم الجديه والطهاره والنزاهه والشرف‏,‏ وتتسم تصرفات
الاجهزه المعنيه بالشفافيه‏,‏ فان التجاوب مع كل دعوات الانضباط والالتزام
مهما تكن تكاليفها سوف تسبق تلقائيا المطالبه بالحقوق مهما تكن
مشروعيتها‏...‏ ولعلنا نتذكر اننا جربنا ذلك في مصر مرارا خلال ازمات
ومواقف عصيبه كان الجميع يشعرون فيها بان الواجب ينبغي ان يسبق الحق‏,‏
وان تحمل المسئوليه له كل الاولويه عن اي مزايدات‏.‏

وهذه الروح
الايجابيه مصدرها اننا بطبيعتنا شعب معدنه اصيل يومن بالوسطيه‏,‏ وينتصر
للاعتدال‏,‏ ومن ثم فان صوت الرضا‏,‏ والاقتناع بما يجري يرتفع‏,‏ ويتزايد
عندما يومن الناس عن يقين من واقع المعايشه ان الحكومه تسعي باخلاص باتجاه
تحقيق الاهداف‏,‏ التي تلبي رغباتهم في حياه كريمه وميسوره‏!‏

ولاشك
ان اي حكومه تبحث عن النجاح الحقيقي وليس النجاح المظهري او الموقت هي تلك
التي يبدو في خطواتها وقراراتها انها تتحرك تحت مظله من الالتزام الاخلاقي
مع المجتمع‏..‏ وبقدر صيانتها للحقوق تكون تصرفاتها صحيحه‏,‏ اما اذا
ادارت ظهرها لهذه الحقوق او حصرت نفسها داخل نطاقها فيسقط عنها حقها في ان
تستمتع بتجاوب الناس معها‏!‏

اريد ان اقول بوضوح‏:‏ ان المواطن لا
يويد الحكومه ولا يبارك خطواتها الا اذا ايقن ان ما تهدف اليه في كل خطوه
من الخطوات يستهدف المصلحه العامه‏,‏ ومن الخطا ان تتصور اي حكومه ان
الناس يمكن ان ترضي عنها لمجرد الاطمئنان الي ان نياتها حسنه ومقاصدها
شريفه فقط‏!‏

واذا كان ضمير الفرد هو المصدر الحقيقي لطاعه الواجب
وادائه علي اكمل وجه فان علي الحكومه ان تدرك ان مجرد اغماض العين عن
المخالفات وفي مقدمتها مخالفات البناء خصوصا في مواسم الانتخابات‏,‏ وتحت
ضغط بعض النواب لا يشكل فقط مجرد بدايه صنع مثل هذه الكوارث وانما يزعزع
الثقه‏,‏ ويقوض الالتزام ويفتح الباب لمزيد من القيل والقال‏!‏

وليست
صرخات الغضب‏,‏ التي انطلقت من صدور المكلومين من ضحايا كارثه انهيار صخره
الدويقه سوي تعبير عن غياب الاحساس بان الحكومه قريبه من نبض الناس‏,‏
برغم كل ما تبذله الحكومه من جهد لاداء رسالتها وفي حدود امكاناتها علي
امتداد ارض الوطن‏.‏

واظن انه ينبغي ان يتوازي مع جهود الانقاذ
والايواء والتعويض جهد اهم لازاحه جدار الشك وعدم الثقه بين الحكومه
والراي العام‏!..‏ فهل تستطيع الحكومه ذلك؟‏...‏ هذا هو السوال‏..‏ وهذا
هو التحدي‏!‏

44472

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

9

‏9 من رمضان 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

يرتبط
شهر رمضان المعظم في ذاكرتي باحداثه العظيمه سواء في الماضي البعيد او
الماضي القريب‏,‏ ولعل اهم واعز واغلي هذه الذكريات هي التي حملت اسم بدر
لانها صنعت تحولا عظيما اعز الله به امه العرب والمسلمين‏...‏ كانت بدر
الاولي‏,‏ هي معركه بدر الكبري يوم السابع عشر من رمضان‏,‏ في العام
الثاني من الهجره‏,‏ الموافق الخامس عشر من يناير عام‏642‏ ميلاديه‏...‏

وكانت بدر الثانيه يوم العاشر من رمضان عام‏1394‏ هجريه‏,‏ الموافق السادس من اكتوبر عام‏1973‏ ميلاديه‏.‏

فما هي ارض بدر تلك التي نرفع الرءوس باسمها ونتغني بافضالها؟
بدر
هو واد فسيح محاط بالهضاب والكثبان من كل جانب يمثل موقعا استراتيجيا
فريدا يقطع طريق القوافل بين مكه والشام في مجمع ابار تتوافر فيه المياه
بكثره‏,‏ حيث تقع هذه الابار قريبا من سفوح الوادي الشماليه‏....‏

ومع
ان طبيعه ارض وادي بدر لينه الا انها غير موحله عند هطول الامطار في حين
ان طبيعه الارض المحيطه بالوادي من الشمال تختلف بعض الاختلاف عنها في
سفوح الوادي الجنوبيه‏,‏ فبينما تتلبد الارض فيسهل السير عليها في القسم
الشمالي نجد الامر علي العكس من ذلك في جنوبي الوادي حيث تصبح فيه الارض
موحله يتعذر السير عليها‏.‏

وفي اليوم الثامن من رمضان عام اثنين
من الهجره الموافق‏8‏ يناير عام‏642‏ ميلاديه خرج رسول الله صلي الله عليه
وسلم مع رجاله من المدينه قاصدا وادي بدر بهدف اعداد كمين للمشركين وهم في
طريق رحلتهم الي الشام‏.‏

وعلي بعد‏96‏ كيلو مترا من المدينه وعلي
مقربه من جنوب غرب مكه عسكر الرسول مع رجاله في ارض ذفران القريبه نسبيا
من وادي بدر‏,‏ وبعث باثنين من افضل رجاله يتعسسان له الاخبار عن ابي
سفيان وقافله المشركين‏.‏

وجاء الرجلان الي محمد صلي الله عليه
وسلم بمعلومات مفادها ان قريشا علمت بحمله المسلمين‏,‏ وانها استعدت
لذلك‏,‏ وجهزت جيشا قوامه ثلاثه اضعاف جيش المسلمين‏.‏

وكان من
الطبيعي ان يدفع ذلك محمدا صلي الله عليه وسلم الي الانسحاب بعد انكشاف
خطه الكمين‏,‏ ولكن رسول الله كان له راي اخر‏...‏ كان لابد من قتال
المشركين لان انسحاب المسلمين سوف يوثر في معنويات المسلمين‏,‏ ويشجع
المنافقين علي العبث ويجدد مطامع اليهود الذين كانوا قد قبلوا بالاستسلام
لظهور الدين الجديد بعد ان اعطاهم محمد صلي الله عليه وسلم الامن والامان
عقب دخوله الي المدينه المنوره‏.‏

وكان لزاما علي محمد صلي الله
عليه وسلم من ناحيه اخري ان يستشير اصحابه في الموقف الذي ينبغي اتخاذه
خاصه انه كان يخشي الا يهب الانصار معه الا في حاله تعرضه للهجوم وهو في
المدينه معهم‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44473

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

10

‏10 من رمضان 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏2‏

عندما
احس سعد بن معاذ زعيم الانصار من اهل المدينه المنوره بان رسول الله صلي
الله عليه وسلم يريد ان يطمئن الي مسانده اهل المدينه له في معركه بدر قال
له تلك المقوله التاريخيه الشهيره‏:‏ امض يارسول الله لما اردت فنحن معك
فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ماتخلف منا
رجل واحد‏,‏

وما نكره ان تلقي بنا عدونا غدا‏...‏ انا لصبر في
الحرب‏..‏ وصدق في اللقاء لعل الله يريك منا ماتقر به عينيك فسر بنا علي
بركه الله‏.‏

وهنا بدت علامات السرور والحبور علي وجه الرسول عليه
الصلاه والسلام من كلمات سعد بن معاذ وقال‏:‏ سيروا وابشروا فان الله
تعالي قد وعدني احدي الطائفتين‏..‏ والله لكاني الان انظر الي مصارع
القوم‏.‏

وارتحل محمد صلي الله عليه وسلم ورجاله من ذفران فسلكوا
ثنايا تسمي الاصافر ثم هبطوا منها الي الدبه واقاموا معسكرا يبعد‏40‏ كيلو
مترا فقط من وادي بدر‏.‏

وذهب محمد صلي الله عليه وسلم بنفسه ومعه
سيدنا ابو بكر لاستطلاع المنطقه‏,‏ وعند عودته ارسل مفرزه بقياده علي بن
ابي طالب الي ماء بدر للاستطلاع والرصد فعثرت المفرزه المسلحه علي رجلين
من قريش جاءا ايضا للسقايه فاسروهما وعادوا بهما الي سيدنا محمد‏.‏

ويظهر
لنا من الحديث الذي اداره الرسول عليه الصلاه والسلام مع الرجلين الاسلوب
الشائق في استنباط الاخبار رغم حرص الرجلين علي كتمانها الامر الذي يعكس
جانبا مبكرا من جوانب النبوغ في القياده وفن الاستجواب‏:‏

محمد‏:‏ اخبراني عن قريش‏.‏

الاسيران‏:‏ هم والله وراء هذا الكثيب الذي تري بالعدوه القصوي‏.‏

محمد‏:‏ كم القوم؟

الاسيران‏:‏ كثير‏.‏

محمد‏:‏ ماعدتهم؟

الاسيران‏:‏ لاندري

محمد‏:‏ كم تنحرون من الذبائح كل يوم

الاسيران‏:‏ يوما تسعا ويوما عشرا‏...‏

فقال محمد موجها كلامه لاصحابه‏:‏ القوم مابين التسعمائه والالف‏.‏

محمد‏:‏ من فيلم من اشراف القوم؟

الاسيران‏:‏
عقبه بن ربيعه‏,‏ وشيبه بن ربيعه‏,‏ وابو النجدي بن هشام‏,‏ وحكم بن
حزام‏,‏ ونوفل بن خويلد‏,‏ والحرث بن عامر‏,‏ وطليحه بن عدي‏,‏ والنصر بن
الحرث‏,‏ وازمعه بن الاسود‏,‏ وابو جهل بن هشام‏,‏ واميه بن خلف‏,‏ ونبيه
ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمر‏...‏

فالتفت محمد صلي الله عليه وسلم الي جيشه‏,‏ وقال لهم‏:‏ هذه مكه قد القت عليكم افلاذ كبدها‏.‏

وهكذا كسب المسلمون معركه بدر الكبري قبل ان تبدا بفضل العبقريه الفطريه لمحمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم‏.‏

مجرد خواطر نستمد منها القوه والعزم ونستلهم منها المثل والقدوه في رحاب هذا الشهر الكريم‏.‏

44474

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

11

‏11 من رمضان 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لا
وجه للغرابه في ان يترحم الناس علي ايام زمان عندما كانت هناك وفره بغير
حدود وموارد بغير استخدام وشكوي من قله عدد السكان وخلو المدن من الفوضي
والزحام والضوضاء‏.‏

وايضا فانه ليس غريبا ان تزداد معاناه المجتمع
البشري في السنوات الاخيره بسبب الزياده الرهيبه في عدد سكان العالم والتي
ادت الي نشوء مشكلات حاده وخطيره مثل الفقر ونقص المواد الغذائيه وتلوث
البيئه وتناقص المخزون الاستراتيجي من الموارد والطاقه‏.‏

والشئ
العجيب انه رغم كل اجراس الانذار الماثله للعيان فان معدلات الانجاب
المرتفعه لم تتراجع في معظم الدول الفقيره حتي الان‏,‏ وهو ما يعني ان
العالم مهدد بزياده جديده توازي مليار نسمه اخري في غضون ال‏25‏ عاما
المقبله‏..‏ هكذا تقول الاحصائيات الرسميه الدوليه‏.‏

واذن فربما
كانوا علي حق اولئك الذين تنباوا قبل عده سنوات بان الخطر الذي يهدد
البشريه بالفناء لايتمثل في خطر اللجوء لاستخدام القنبله النوويه‏,‏ وانما
في خطر القنبله السكانيه التي توشك علي الانفجار في وجه الجميع‏.‏

وصحيح
ان‏90%‏ من حجم الزياده السكانيه يحدث في الدول الناميه التي تعاني من
مشكلات حاده في الفقر والبطاله ونقص الغذاء وقله الموارد‏,‏ الا ان خطر
القنبله السكانيه المحتمل انفجارها لن يستثني احدا من الاغنياء والفقراء
علي حد سواء‏!‏

وربما تكون بشائر هذا الخطر قد بدات في الظهور منذ
سنوات في ازدياد معدلات الهجره غير المشروعه من دول الجنوب نحو دول الشمال
وباساليب لم تفلح معها كل محاولات اغلاق الحدود‏,‏ فقد تفتق ذهن الراغبين
في تحقيق حلم الهجره الي بلاد الوفره عن اساليب ووسائل تصعب مواجهتها
وبينها وسائل التسلل عبر مياه البحر سباحه بعد ان تلقي بهم السفن في عرض
المياه ويلقي عدد كبير منهم حتفهم غرقا او موتا برصاص حرس السواحل‏!‏

واذا
كانت تقديرات المنظمات الدوليه تقول بان مايقرب من مليار ونصف المليار
نسمه يعيشون حاليا تحت خط الفقر في الدول الناميه والفقيره‏,‏ فان هذا
الرقم سوف يتزايد بنسبه مخيفه مستقبلا‏..‏ وربما يزيد من حجم الكارثه ان
هذه الزياده السكانيه يقابلها بكل اسف نقص في الغذاء‏.‏

ومعني ذلك
ان الذين سيتركون الحبل علي الغارب لمثل هذه الاوضاع المترديه‏,‏ سوف
يزدادون فقرا علي فقرهم‏..‏ والفقر والعياذ بالله افه مرعبه لان الفقر ليس
مجرد احتياج واستدانه وعجز عن الوفاء بالمطالب الاساسيه‏,‏ وانما الفقر
كارثه متعدده الاجنحه‏!‏

ففي ظل الفقر تنتشر اخطر الامراض
الاجتماعيه والصحيه التي كما تقول احصائيات وتقارير المنظمات الدوليه انها
تودي الي توقف عجله التنميه بشكل عام‏,‏ مما يتعذر معها توفير مساكن
لايواء البشر‏,‏ وتراجع امكانات توفير فرص التعليم والرعايه الاجتماعيه
الواجبه‏,‏ فضلا عن تزايد معدلات اصابه الاطفال بالامراض المعوقه او بلوغ
حاله الوفاه‏.‏

تلك هي الكارثه الحقيقيه وهذا هو الخطر المرعب قبل وبعد انهيار صخره جبل المقطم فوق مساكن الدويقه العشوائيه‏!‏

44475

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

12

‏12من رمضان 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

كلنا
نتحدث عن حب الوطن‏,‏ ولكن مفهوم الحب يختلف بقدر اختلاف فهمنا لمعني
الوطن‏,‏ الذي هو اكبر وابقي من اي عرض زائل في هذه الدنيا‏!‏

واذا
كان البعض يتصور ان حب الوطن يتمثل في ترديد الاغاني الوطنيه‏,‏ ورفع
الشعارات الرنانه فهو خاطئ بمثل ما يخطئ الذين يعتقدون ان حب الوطن يتمثل
في نشر اجواء الياس والاحباط بدعوي حق النقد‏,‏ والمراجعه‏.‏

ان
الحب الحقيقي للوطن يقاس فقط بقدر العمل‏,‏ والعطاء‏,‏ ولعلنا نتذكر جميعا
كيف كانت مشاعرنا بالحب في اوج عظمتها يوم السادس من اكتوبر عام‏1973,‏
ابان ملحمه العبور‏..‏ وقبل ذلك بسنوات بلغت عواطفنا المتاججه درجه الذروه
ونحن نتصدي للعدوان الثلاثي عام‏1956,‏ ونعلن تصميمنا علي بناء السد
العالي الذي بنيناه بالفعل بعد ملحمه رائعه للحب والعطاء‏.‏

والحقيقه
ان قدرتنا علي اثبات حبنا للوطن في فترات الشده‏,‏ والتحدي فقط لا يعتبر
كافيا بمقاييس الحب المعروفه‏,‏ فالحب لا يعرف اوقات الشده فقط‏..‏ ولكن
الحب الحقيقي هو الحب المتصل بالعطاء ليل نهار والذي يتجدد صباح مساء‏,‏
ولا يعرف توقفا او انقطاعا‏!.‏

اننا في مصر نعيش فوق ارض وطن يملك
كل مقومات الاندفاع الي حبه والتفاني في الاخلاص له‏,‏ فقد حبانا الله
واديا سهلا ومنبسطا يشقه نهر عظيم ليس له في الدنيا مثيل‏,‏ وتظللنا
السماء معظم ايام السنه بمناخ معتدل يحسدنا عليه الجميع‏,‏ وتحيط بنا بحار
هادئه وغنيه باعظم ما في الدنيا من كنوز بيئيه‏..‏ ثم ان اجدادنا من
فراعنه وقبط ومسلمين تركوا لنا كنوزا اثريه تحلم الدنيا كلها بالحضور الي
مصر لرويتها والاستمتاع بها‏.‏

ومعني ذلك ان مصر تستحق من ابنائها
ان يعيشوا ليل نهار يحلمون بها ويفكرون في كيفيه اسعادها والحفاظ علي
رونقها وابهتها وجمالها‏,‏ ولكن للاسف الشديد فان بعض ما نراه من سلوك
البعض منا لا يعبر عن وجود هذا الحب‏!.‏

ان القاء المخلفات في نهر
النيل التي بلغت حد دفن الحيوانات النافقه وتصريف مياه المجاري فيه لا
يعكس حبا لمصر‏..‏ وايضا فان استمرار الاعتداء علي التربه الزراعيه
وتجريفها‏,‏ واغتيال الارض المنتجه باقامه المباني عليها‏,‏ برغم ما نملكه
من الصحاري الشاسعه لا يعبر عن حب لمصر‏!‏

ان تكديس القمامه في
الشوارع حتي يتجاوز ارتفاعها ارتفاع بعض العمارات‏,‏ ثم احراقها‏,‏ واحداث
تلوث بيئي لا يمكن ان نسميه بانه نوع من الحب‏!‏

وفي الجعبه اسئله
كثيره حول بعض سلوكياتنا في القري والحضر علي حد سواء‏,‏ ومن خلال الاجابه
الموضوعيه والصحيحه علي هذه الاسئله‏,‏ يمكن ان نعرف ان كنا نحب مصر حقيقه
ام لا‏!!‏

واترك الاجابه لكم بعيدا عن صخب الدق المتصل علي الام
واوجاع المنكوبين في كارثه سقوط صخره جبل المقطم فوق مساكن الفقراء في
منطقه الدويقه‏!‏

فقط اقول ان الذين اغمضوا اعينهم عن البناء
العشوائي في الدويقه ومنشيه ناصر وسائر المناطق العشوائيه يتوهمون للاسف
الشديد انهم فعلوا ذلك حبا في مصر‏..‏ بئس هذا الحب‏!‏

44476

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

13

‏13من رمضان 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

برغم
هذا التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل يبقي دور الانسان هو العلامه
البارزه التي تحدد تقدم اي وطن عن غيره من الاوطان او نجاح اي موسسه عن
غيرها من الموسسات‏....‏ وهذا هو سر تعاظم الاهتمام بعلوم الاداره في
العصر الحديث باعتبار ان الاداره هي المفرخه الحقيقيه لانتاج القاده علي
جميع المستويات من ناحيه وتوفير القدره علي تفادي وتجنب الازمات والكوارث
من ناحيه اخري‏.‏

ومن احدث النظريات زوال الاعتقاد السائد بان
الاداره السليمه هي فقط تفعيل الاداره العلميه التي تقوم علي الحسابات
الدقيقه والنظريات العلميه فقط‏,‏ بمعني انه عند حدوث س ينتج ص ولابد من
اتخاذ ع والسبب في ذلك اننا اصبحنا نعيش في عصر يتسم بتلاحق المتغيرات من
ناحيه وفجائيه التطورات من ناحيه اخري‏,‏ وهو ما يستلزم تطوير رويه جديده
واسلوب اداري جديد للتعامل مع الواقع الجديد الذي تعددت تحدياته وازدادت
مشاكله‏!‏

اريد ان اقول بوضوح ان ما كنا نعتقد مثلا بانه الاسلوب
السليم في الاداره عند حدوث خطا بضروره البحث عن المخطئ وتوجيه اللوم
له‏,‏ لم يعد له وجود في علوم الاداره الحديثه التي تري ان التوقف عند
حدود الكشف عن المخطئ وتوقيع العقاب او القاء اللوم عليه فقط يمثل قصورا
يمكن ان تترتب عليه مصادره فكره الابداع في عصر اصبحت فيه التجربه ضروره
لبناء التقدم‏...‏ وكل تجربه تحتمل الصواب والخطا‏....‏ ولابد ان يكون
هناك فرق في التعامل مع الخطا الناشئ عن تجربه في اطار الابداع وخطا ناشئ
عن الاهمال او اللامبالاه‏!‏

وكل الدول المتقدمه التي تعمل علي
تشجيع الابداع بدات تسقط من داخلها معظم المسلمات القديمه في علوم الاداره
مثل ان تمنح المكافات والحوافز لمن ينفذون الاوامر ويلتزمون بالتعليمات
فقط‏,‏ حيث اصبحت اولويه منح المكافات والحوافز للمبدعين الذين يقدمون
حلولا وافكارا ابداعيه‏.‏

ان الاداره الحديثه انهت تماما مفهوم
الطاعه العمياء التي قد تصل الي حد العبوديه وتلغي اي مساحه للحوار بين
المسئول الاول ومرءوسيه‏..‏ كما قللت من كل اشكال الصدام المدمر بين
المسئول الاول ومعاونيه تحت مظله العناد والتشبث بالراي بصرف النظر عن
الخطا والصواب‏..‏ وايضا فان الاداره الحديثه اصبحت اقرب الي فرقه موسيقيه
ينبغي ان تتناغم جميع الاتها علي اصابع وافواه العازفين بها تحت قياده
مايسترو ماهر يقدر علي استبعاد اي نشاز في هدوء وبغير ادني جلبه او ضجيج‏.‏

ان
دور الرجل الاول في اي موقع لم يعد يدور في اطار السيطره او التوجيه فقط
كما كان الحال من قبل‏,‏ وانما يتحتم عليه ان يخرج من اطار السيطره
والتوجيه الي اطار المشاركه واقتسام المسئوليه مع معاونيه‏,‏ وان يشجع
مرءوسيه علي مصارحته بكل شجاعه في اي خطا يرونه او اي ملاحظه يتوجب
الافصاح عنها‏,‏ لان هناك فرقا بين الطاعه التي تعبر عن التزام المرءوس
بقرارات واوامر رئيسه وبين العبوديه التي تلغي اي حوار بين الرجل الاول
ومعاونيه‏.‏
باختصار شديد اقول ان العنوان الابرز للدوله الحديثه هو الاداره الحديثه‏!‏

44477

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

14

‏14من رمضان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

يبدو
ان مسرح السياسه الدوليه لم يعد يختلف كثيرا عن مسرح التمثيل الدرامي بعد
ان صعد الي سده الحكم في الدول الكبري الممسكه بمفاتيح وخيوط مسرح العرائس
السياسي ممثلون بارعون يجيدون اشعال الحريق في مكان‏,‏ واطفاء اللهب
المستعر في مكان اخر دون مسوغات قانونيه وشرعيه الا بما تتطلبه الحبكه
الدراميه المتوافقه مع لعبه الصراع علي استعاده مناطق النفوذ مره اخري‏.‏

ان
مسرح السياسه الدوليه يشهد منذ سنوات عددا من المسرحيات التي اظن انها
السبب الرئيسي في انصراف ملايين البشر عن متعه الذهاب الي المسرح والتسمر
في بيوتهم امام شاشات الفضائيات لمتابعه هذه المسرحيات السياسيه المثيره
سواء في العراق وافغانستان او في فلسطين وجورجيا والسودان‏!‏

ولو
انني احترفت النقد المسرحي لكتبت الكثير والكثير عن هذه المسرحيات الداميه
التي يشاهدها المجتمع الدولي بصمت مريب‏,‏ وفي احسن الاحوال نسمع ما يشبه
مصمصه الشفاه تعبيرا عن عدم القدره علي احتمال المشاهد الماساويه لدي بعض
من تبقي عندهم ضمير في المجتمع الدولي‏.‏

والحقيقه ان المسرحيات في
مجملها ركيكه الصياغه تفتقر الي البناء الدرامي المتكامل ويعيبها اساسا ان
ابطال الشر فيها لا يملكون ايه جاذبيه جماهيريه‏..‏ ومثل هذا النوع من
العروض المسرحيه لا يمكن له ان يعيش طويلا‏,‏ لان قدره المشاهدين علي تحمل
الغم والهم والنكد والعذاب دون مبرر درامي مفهوم‏,‏ هي قدره محدوده وربما
ينجم عنها رد فعل غاضب لايقتصر علي مجرد مقاطعه العرض‏,‏ وانما من المرجح
ان يجد الجمهور نفسه مضطرا الي ان يقذف هولاء الممثلين وكتاب السيناريو
ومخرجي هذه الاعمال بالطوب والحجاره في نهايه المطاف‏!‏

وصحيح ان
احد جوانب العمل الدرامي الناجح وهو الخداع يبدو متوافرا بشكل كبير في هذه
العروض‏,‏ ولكن ليس بالخداع وحده تنجح المسرحيات‏!‏

وربما يقال
ايضا ان احد عوامل نجاح هذه العروض وضمان استمراريتها فتره طويله ان
المنتجين الكبار يغدقون بلا حساب خصوصا علي الابطال الاشرار الذين هم عماد
هذه المسرحيات وان هولاء المنتجين لا يهتمون كثيرا بما يمكن ان يترتب علي
احجام الجمهور من خسائر‏,‏ لانهم يعتقدون ان بامكانهم ان يستقدموا
بالاجبار والاكراه جمهورا بديلا يداوم الحضور ويصفق لهذه الاعمال من وراء
قلبه‏.‏

واتوقف عند هذا الحد من مغامره ادعاء القدره علي منافسه
الكتاب والنقاد المسرحيين حتي لا اقع في مطبات فنيه محرجه واكتفي بان اقول
ان هذه المسرحيات تمثل نموذجا فظا للابتزاز السياسي المفضوح للدول الضعيفه
المجني عليها لحساب الدول القويه التي تباهي باداء دور الجاني ببراعه
تمثيليه منقطعه النظير‏.‏

وما اكثر الملاحظات التي يمكن تسجيلها
حول هذه المسرحيات الهزليه البغيضه التي يتواصل عرضها منذ سنوات علي مسرح
من الدمار والاشلاء ووسط اجواء من الالام والدموع‏!‏

478

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

15

‏15من رمضان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(1)

كان
الله في عون الذين تفرض عليهم طبيعه عملهم وانا واحد منهم مهمه المتابعه
المستمره والدءوبه لكل ما تبثه القنوات الفضائيه‏,‏ وما تكتبه الصحف
المصريه والعربيه والاجنبيه لان ذلك يضع المرء تحت وطاه ضغط عصبي ونفسي
شديد‏,‏ يصل الي حد الحيره والعجز عن تفسير هذه الجرعات المنظمه والمنتظمه
باتجاه نشر الهم والغم والدفع باتجاه الياس والاحباط‏.‏

ان المرء
يخيل اليه من هول ما يشهد ويقرا ويسمع في هذه الصحف والفضائيات اننا
اصبحنا في غابه تسودها قواعد الجاهليه الاولي عندما لم يكن الاولون يقيمون
وزنا لصله الرحم‏,‏ او يراعون مشاعر واحاسيس الغير‏..‏ عندما كان الاغنياء
يستعبدون الفقراء‏,‏ والاقوياء يدوسون علي الضعفاء وكل شئ مباح فلا حرمه
ولاتحريم ولاخجل ولااستحياء‏!‏

ولست هنا اتكلم عن بلد بعينه‏,‏
وانما اتكلم عن ظاهره عالميه‏,‏ ومن حسن الحظ ان الذي يحدث في مصر اقل
نسبيا من الذي يحدث في بلاد الدنيا الاخري خصوصا في الدول التي صنعت تقدما
علميا وتكنولوجيا رهيبا‏,‏ وتراجعت الي حد التدهور اجتماعيا وسلوكيا
واخلاقيا‏.‏

فما هو السبب وما الذي اصاب المجتمع الانساني حتي تحدث
له هذه الرده السلوكيه والاخلاقيه من نوع الجريمه البشعه التي ارتكبها
طبيب واستاذ جامعي شهير باستخدام منشار كهربائي في تشريح جثه انسان بعد
قتله داخل عيادته‏,‏ وذلك انتقاما منه لخلافات ماليه بينهما‏!‏

هناك
من يقول‏:‏ ان ما حدث من تقدم علمي وتكنولوجي مذهل وماترتب عليه من ازاله
الحدود والفواصل وتحويل العالم الي قريه صغيره بفضل ثوره الاتصالات
والمعلومات قد ادي الي مزيد من طغيان القيم الماديه علي القيم الروحيه
والسلوكيه في ظل موجه اغراء استهلاكي تغزو كل بيت دون حسيب او رقيب‏.‏

ولان
الانسان كائن طموح في اغلب الاحيان بطبعه فان مثل هذه الموجات الاستفزازيه
المغريه‏,‏ التي تحرض علي الاستهلاك واقتناء ادوات العصر ومجاراه بعض
سلوكياته‏,‏ تدفع ضعاف النفوس الي استعجال تغيير اوضاعهم وتوفير موارد دخل
اضافيه تلبي شهواتهم‏.‏

وتحت وطاه الاحساس بالحاح الرغبه في
الاقتناء لاشباع النفس تتوافر الاجواء النفسيه‏,‏ التي تبرر الخروج علي
القيم والتقاليد‏,‏ بدعوي ان ما يستطيع الاخرون اقتناءه ينبغي ان يكون له
حق مماثل فيه‏,‏ ومن ثم فان بلوغ هدف الاقتناء او التقليد يمكن ان يدوس في
طريقه اي ضوابط دنيويه او اي قيم وتعاليم دينيه‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44479

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

16

‏16من رمضان 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

استكمالا
لحديث الامس عن الاجواء السلبيه التي افرزتها تقنيات الاعلام الحديث علي
المستويين المرئي والمكتوب‏,‏ اقول ان حائط الصد الذي يمكن ان يحمي
مجتمعاتنا من هذه الرياح والعواصف المدمره للاخلاق والقيم والسلوكيات هو
حائط الوازع الديني وليس اي حائط سواه‏.‏

بوضوح شديد اقول اننا يجب
ان نتنبه تماما الي ان هذه الرياح والعواصف الاعلاميه الوافده تستهدف
اقتلاع جذور الوازع الديني الممتد في اعماق النفس العربيه والاسلاميه بوجه
عام والنفس المصريه بوجه خاص‏.‏

واظن اننا نتفق جميعا علي انه في
حاله غياب الوازع الديني الذي يفرز الضمير الحي لايكون مستغربا ان يهتز
البناء الاجتماعي وان تنفلت السلوكيات‏,‏ وان تقل متانه الروابط بين البشر
بما في ذلك روابط القربي وصلات الرحم‏.‏

اريد ان اقول بصراحه ان
غياب الفهم الحقيقي لروح الدين هو الذي يدفع بالبعض الي التعامل مع شهوه
الرغبه في مجاراه موجات الاستهلاك الاستفزازيه المغريه‏,‏ والسلوكيات
الملبيه للشهوات والغرائز بمنهج الرغبه في تشجيع التوجه نحو مجتمع غير
منضبط يسمح للكسالي وغير المنتجين بان يعيشوا حلم القدره علي مجاراه
الاخرين في انماط حياتهم المترفه حتي لو كان السبيل الي ذلك هو منهج
الجريمه في شتي صورها التي تبدا بالنصب والاحتيال وتصل الي حد السرقه
والقتل مرورا بالخيانه وربما ايضا الاغتصاب‏!‏

واذن فان قدره اي
مجتمع علي تحجيم وحصار هذه الظواهر الوافده مع مجمل افرازات عصر العولمه
وشواهده الاستهلاكيه المستفزه التي تحرض علي الجريمه لدي من يفتقدون قوه
الاراده الذاتيه نفسيا وروحيا سوف تتحدد بمدي قدره المجتمع علي تجديد
تاكيد التمسك بالقيم الدينيه الصحيحه المنطلقه من الفهم الصحيح للدين‏.‏

ولانه
ليس بامكاننا ان نعزل انفسنا عما يجري حولنا من بث لاينقطع ليل نهار‏,‏
فان علينا ان نبحث كيف نستطيع ان نقلل من خطر الغزو الثقافي الذي يتضمن
مشاهد وسلوكيات لاتلائم مجتمعاتنا وتخترق عقول ضعاف النفوس من انصاف
المتعلمين الذين تبهرهم هذه السلوكيات الفاضحه والمرذوله‏.‏

وفي
اعتقادي ان القضيه تحتاج الي اجتهادات كثيره وحوار اوسع يشارك فيه الخبراء
والمحللون لوضع وصياغه منهج للمقاومه يقينا خطر الوصول الي مرحله طلب
العلاج‏.‏

ومن حسن الحظ اننا في مصر مازلنا والحمد لله مجتمعا سويا
تسود فيه القيم الدينيه علي القيم الماديه وتنتصر في ربوعه سلوكيات
التكافل الاجتماعي لتهزم كل سلوكيات الانانيه والجشع والاباحيه‏!‏

وربما
يكون ذلك دافعي للمطالبه بتعزيز دور الدوله بدور مواز تقوم به سائر منظمات
المجتمع المدني الاهليه والتي ينبغي ان يشارك فيها الاثرياء الشرفاء بنصيب
وافر من الدعم اللازم لتمويل رسالتها التنويريه التي تقوي من جدار الصد
الداخلي للانسان المصري ضد اي مغريات وافده‏,‏ سواء كانت في شكل سلع
استفزازيه او افكار وسلوكيات لا تتناسب مع قيم وتقاليد مجتمعنا‏.‏

واذا
كانت بعض الجرائم اللاانسانيه واللااخلاقيه قد صدمت مشاعرنا في الاونه
الاخيره‏,‏ فانها ليست سوي اجراس انذار تنبهنا الي مخاطر الثقافه الوافده
في رياح الغزو الثقافي والتي لاتمثل احداثها اي عيب او انحراف في
المجتمعات التي انتجتها‏..‏

44480

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

17

‏17من رمضان 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏1‏

يعتبر
التجسس ثاني اقدم مهنه بدائيه ظهرت في بدايه التجربه الانسانيه بعد
الدعاره وهناك تسميات متشابهه لكلمه جاسوس في اللغات الاجنبيه فهي
بالفرنسيه ايسبيون وبالانجليزيه سباي‏,‏ وبالايطاليه سبيوني‏,‏
وبالاسبانيه اسبيون‏,,‏ وبالروسيه شبيون‏,‏ وبالالمانيه سبيون‏..‏ وفي
اللغه العربيه قد تستخدم تسميه المخبر او العميل‏,‏ او رجل الاستخبارات‏,‏
او رجل المخابرات‏.‏

وياتي الجواسيس رجالا ونساء من كل اوساط
المجتمع بمختلف طبقاته الاجتماعيه ومستوياته التعليميه والمهنيه
والاخلاقيه‏,‏ فقد يكون الجاسوس ممرضا او طبيبا في مستشفي او مضيفا او
قبطانا في طائره او طالبا او استاذا في الجامعه او باحثا اكاديميا او
صحفيا او مالكا لصحيفه او جنديا او ضابطا في الشرطه والجيش او مديرا لمطعم
او مالكا لفندق او حارسا او سفيرا في سفاره‏....‏ بل ان هناك في سجلات
الجاسوسيه ما يوكد ان روساء للدول تم تجنيدهم كعملاء لمخابرات اجنبيه‏.‏

وعالم التجسس يقع بين الحقيقه الصعبه والخيال الغريب من نوع ما عرفناه في شخصيه جون فيليبي وايلي كوهين ورافت الهجان‏.‏

ولعل
ذلك هو السر في انجذاب الناس في كل دول العالم الي الروايات البوليسيه‏,‏
التي تجسد بطولات بعض الجواسيس مثل روايات اجاثا كريستي‏,‏ التي تجذب
القارئ او المشاهد الي عالم بوليسي ملئ بالاعمال القذره‏,‏ يتجلي فيها بطل
خارق يكشف عن المجرمين‏,‏ ويعمل كمحقق وعميل وجاسوس في ان واحد‏..‏ وايضا
روايات الجاسوس ارسين لوبين‏,‏ التي تبرز شخصيه الجاسوس المحببه الذكيه‏..‏

وكذلك
روايات جيمس بوند‏,‏ التي انتقلت الي السينما وذاع صيتها في جميع انحاء
العالم حتي اصبح العميل‏(007)‏ مثلا للصغار والمراهقين‏,‏ وموضع اهتمام
الكبار والناضجين‏...‏ وفي المقابل هناك الروايات‏,‏ التي تروي دناءه
الجواسيس الذين يخونون اوطانهم ويبيعون اسرارها وامنها القومي من نوع
الروايه‏,‏ التي صورتها السينما المصريه في فيلم الصعود الي الهاويه‏.‏

ويعتبر
الجاسوس بالنسبه للدوله‏,‏ التي تجنده ثروه مهمه تحتاج الي كل وسائل
الحمايه والرعايه والاندفاع في الدفاع عنه في حال اكتشافه‏...‏ بل ان بعض
الدول اصبحت تري في اسرار عمليات التجسس التي تقوم بها‏,‏ شيئا من
المحرمات التي لايجوز البوح بها بعد عشرات السنين نظرا لاتصال الحلقات
التجسسيه‏.‏

ولعلنا نذكر كيف حاولت الحكومه البريطانيه منع نشر
كتاب صائد الجواسيس‏,‏ الذي يتضمن مذكرات ضابط سابق من جهاز الاستخبارات
البريطانيه يدعي بيتر رايت‏,‏ ووصل الامر بالحكومه البريطانيه الي استنفار
اجهزه الجمارك في المطارات والمواني البريطانيه للتفتيش في حقائب
القادمين‏,‏ خصوصا من امريكا لمنع دخول الكتاب الي اراضيها لا لشيء الا
لحمايه بعض الجواسيس من الانكشاف‏!‏

وايضا فكلنا نتذكر كيف حاولت
اسرائيل عام‏1990‏ وقف نشر كتاب لضابط سابق في الموساد هو فيكتور او
ستروفوسكي برغم انه طبعه في امريكا وكندا وكان هدف اسرائيل‏,‏ الذي لم
تنجح فيه هو عدم كشف بعض العملاء والجواسيس‏,‏ الذين جندتهم وزرعتهم داخل
بعض الفصائل الفلسطينيه المتطرفه ليكونوا عينها واداتها الرئيسيه في
عمليات الاغتيال القذره او اثاره المصادمات والفتن بين الحين والحين في
الصف الفلسطيني‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44481

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

18

‏18من رمضان 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏2‏

علي
الرغم من التقدم العلمي الهائل ودخول عصر الاقمار الصناعيه التي ترصد دبه
النمله في اي مكان وعصر الكمبيوتر الذي يحلل الرموز والارقام يظل الجاسوس
البشري هو الاهم بالنسبه لكافه اجهزه الاستخبارات في العالم حتي اليوم‏.‏

واخطر
وسائل التجسس الان هي ارتداء عباءه البحث العلمي او التستر بعضويه
الجمعيات والمنظمات متعدده الجنسيات وتحت لافته الحق في دراسه سيكولوجيه
الشعوب او الاطمئنان لاحترام حقوق الانسان يوجد الخيط الرفيع بين التجسس
وممارسه العمل العام‏...‏ وهنا لاتقتصر مهمه الجواسيس علي مجرد نقل
المعلومات فقط وانما تشمل في المقام الاول زرع انطباع بان عالم اليوم لم
يعد فيه اسرار‏,‏ وان كل شئ معلن ومذاع وان اجهزه الاستخبارات القويه لها
عيون في كل مكان وعلي كافه المستويات‏.‏

ولعلنا نتذكر ماحدث في
اعقاب هزيمه يونيو‏1967‏ عندما نشرت الاستخبارات الاسرائيليه عددا من
الكتب وجندت عددا من الكتاب وامدتهم ببعض الروايات حول نشاط الاستخبارات
ليتولوا صياغتها بالاسلوب الذي تهدف اليه وهو اظهار التفوق العسكري
الاسرائيلي ومقدره وهيمنه جهاز الموساد‏....‏ ومن هذه الكتب تحطمت
الطائرات عند الفجر والميراج ضد الميج وعين تل ابيب وحرب الظلام وايخمان
في القدس وغيرها من الكتب التي استهدفت التاثير علي عقل القارئ العربي
وخداعه بمقدره الاستخبارات الاسرائيليه وتفوقها‏!‏

بل اننا نتذكر
ايضا ماحدث عشيه حرب يونيو‏1967‏ مباشره عندما حاولت اسرائيل ان تحول
فضيحه ضبط جاسوسها الشهير في دمشق ايلي كوهين عام‏1966,‏ والذي كان يحمل
اسم كامل امين ثابت ومحاكمته واعدامه الي اسطوره نجاح‏,‏ وذلك باصدار عده
كتب ابرزها كتاب رجلنا في دمشق حتي غدا المواطن العربي يخشي من وجود
المزيد من امثاله في اكثر من المراكز الحساسه في اقطاره‏.‏

وقبل ان
تبدا الطلقه الاولي في حرب يونيو‏1967‏ في اطار تداعيات مرسومه انطلقت من
ترويج خبيث لحشود اسرائيليه علي طول الجبهه السوريه كانت المخابرات
الاسرائيليه قد كثفت جهدها عبر شبكه عملائها لتنميه هذا الخوف بالاحساس من
انتشار جواسيسها في كل مكان واعتبرت قضيه ايلي كوهين بمثابه النابالم
الفكري‏,‏ والسلاح التكنولوجي الفعال لاقناع البعض في العالم العربي بان
الجواسيس الاسرائيليين منتشرون بينهم ويعرفون عن اسرار اقطارهم اكثر مما
يعرفون هم عنها‏!‏

وقصه العميله الاسرائيليه بولاند هامر التي
جندها الاسرائيليون عام‏1948‏ في مصر لترصد كل المعلومات المتعلقه
بالتناقضات السياسيه والحزبيه والاجتماعيه في مصر ليست بعيده وقابله
للتكرار‏...‏ فقد كانت بولاند التي غيرت اسمها بعد ذلك الي اسم عبري هو
هومر فاتنه شقراء استغلت جمالها في اللهو بعدد من العشاق منهم بعض اثرياء
مصر‏,‏ وبعض كبار الصحفيين وعدد من اعضاء السلك الدبلوماسي وتحت غطاء
العمل كصحفيه تراسل عددا من الصحف الفرنسيه سجلت اسمها كواحده من اشهر
جواسيس الموساد‏,‏ حيث امدت المخابرات الاسرائيليه بمعلومات وتحليلات حصلت
عليها من فراش عشاقها‏!‏

والنصيحه لي ولك ولكل من يهمه امر الوطن‏...‏ انظر حولك‏...‏ اقتصد في قولك‏...‏ والحذر فطنه قبل ان يكون ضروره‏!‏

44482

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

19

‏19من رمضان 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏‏1‏

كل
الاديان السماويه حملت في رسالاتها دعوات صريحه للاهتمام بالعلم خصوصا
الدين الاسلامي الذي عمل‏-‏ منذ ظهوره في وسط الجزيره العربيه قبل اكثر
من‏14‏ قرنا من الزمان علي دعوه اتباعه الي ان يردوا رحبات العلم ليعرفوا
اسرار الكون وان يجتهدوا في الاصول ليستنبطوا الاحكام وان يجولوا ويصولوا
في ميادينه وان يتعمقوا في تفكيرهم ما شاءت لهم طاقاتهم العقليه ان يبحروا
في بحور العلم‏.‏

وليس هناك نص في الشريعه الاسلاميه يجرم اي انسان
يفكر حتي لو اوصله تفكيره الي استنتاجات خاطئه وانما الاسلام يقرر ان
للمجتهد اذا اخطا اجرا واذا اصاب اجرين‏..‏ بل ان قمه التقوي والخشيه من
الله تعالي لا يذوق حلاوتها الا العلماء‏:‏ انما يخشي الله من عباده
العلماء صدق الله العظيم‏..‏ وفي القران الكريم ايضا توجد ايه واضحه
وصريحه في الحث والدعوه الي مواصله البحث والدراسه والعمل علي كشف اسرار
الكون قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق صدق الله العظيم‏.‏

واذن فان الاسلام دين يعتمد علي العقل ويقدسه ويضع العلماء والباحثين في المكانه الساميه التي تليق بهم‏.‏

ان
الاسلام هو الذي يدعو الي النظر والبحث والتامل من اجل استخراج الحقائق
واكتشافها واستنباطها والعلم باسرارها‏,‏ وربما لهذا كانت اول ايه نزلت من
القران الكريم بمثابه دعوه صريحه الي العلم والمعرفه اقرا باسم ربك الذي
خلق‏,‏ خلق الانسان من علق‏,‏ اقرا وربك الاكرم الذي علم بالقلم‏,‏ علم
الانسان مالم يعلم صدق الله العظيم‏.‏

ولعل ذلك هو الذي دعا مفكرا
كبيرا مثل الراحل العظيم عباس محمود العقاد ان يصدر كتابا بعنوان التفكير
فريضه اسلاميه موكدا بالادله والبراهين واستنادا الي الايات القرانيه
والاحاديث النبويه ان الاسلام يحض المسلمين علي التفكير والتامل والنظر
وحب الاستطلاع حول كل ما في الكون من مخلوقات لكي يدرك المسلمون عظمه هذه
المخلوقات وما فيها من اسرار ودقائق تكون مدخلهم وسبيلهم الي المعرفه
الصحيحه بقدره المولي عز وجل الذي اودع فيها من عظمته وحكمته كل هذه
العظمه وكل هذه الحكمه‏.‏

ومعني ذلك اننا كمسلمين نملك كل الادله
والبراهين التي تدحض اي مزاعم تستهدف ان تنفي عن الاسلام صلته الوثيقه
بالعلم ودعوته الصريحه لاعمال العقل والتفكير في كل شئون الحياه‏.‏

وليس
اسوا ولا اجهل من بعض حمله ودعاه الفكر المغلوط الذين لايفهمون حقيقه
الاسلام لدرجه ان يصوروه علي انه دين التواكل الذي يرفض الاخذ باسباب
العلم‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44483

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

20

‏20من رمضان 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏2‏

من
ينظر الي العنايه والدقه والحكمه في سائر الكائنات والموجودات من مخلوقات
الله لابد ان يسلم بعظمه الخالق ويطرد من الذهن كل اكاذيب وتخاريف
الملحدين والماديين الذين اذا عجزوا عن تفسير اي معجزه من معجزات الخلق
والوجود نسبوها للمصادفه وللنظريه الماديه فالله وحده هو الحكيم الصانع
المبدع الذي افاض عنايته علي جميع الكائنات‏:‏ الذي احسن كل شئ خلقه وبدا
خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلاله من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من
روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئده قليلا ما تشكرون صدق الله العظيم‏.‏

ولو
نظرنا وتاملنا ما في عالم الحيوان من عجائب في خلقه وتكوينه واجهزته
الدمويه والهضميه والعصبيه والتنفسيه وحيوانات كبيره فقريه وثدييه
وحيوانات اخري ملساء الجلد واخري مكسوه الجلد بالريش او الصوف وكائنات
اخري ميكروبيه وحشريه وحيوانات بريه وبحريه وهوائيه‏..‏ لو تاملنا ذلك مع
مايصحبه مع تنوع كاختلاف الالوان والاصوات وطريقه الحياه واسلوب تناول
الطعام وتدرج نظام المعيشه من حيوانات فطريه بدائيه الي اخري راقيه كالفيل
والفرس والنحل والنمل لادركنا ان هذا التخصص والتمايز والتنوع لم يكن من
صنع المصادفه وانما كان بصنع فاعل حكيم مختار‏:‏ والله خلق كل دابه من ماء
فمنهم من يمشي علي بطنه ومنهم من يمشي علي رجلين ومنهم من يمشي علي اربع
يخلق الله ما يشاء ان الله علي كل شئ قدير صدق الله العظيم‏.‏

ويقول
الله تعالي في سوره الانعام‏:‏ وما من دابه في الارض ولا طائر يطير
بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم الي ربهم يحشرون صدق
الله العظيم‏.‏

واذا انتقلنا الي عالم النباتات لوجدنا ابلغ
العنايه والدقه وقمه الحكمه التي تتدرج بهذا العالم من نباتات فطريه شبيهه
بالجماد الي نباتات راقيه هي قمه عالم النبات مثل النخيل والاعناب واشجار
السنط التي تقتنص الذباب والحشرات واشجار عباد الشمس التي تميل مع الشمس
حيث تميل‏:‏ وهو الذي انشا جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع
مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه صدق الله العظيم‏.‏

ويقول
الله تعالي في سوره عبس‏:‏ فلينظر الانسان الي طعامه انا صببنا الماء صبا
ثم شققنا الارض شقا فانبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق
غلبا وفاكهه وابا متاعا لكم ولانعامكم صدق الله العظيم‏...‏ ثم هو القائل
جل شانه في سوره الرعد‏:‏ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم
استوي علي العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمي صدق الله
العظيم‏...‏ وقوله تعالي في سوره النحل‏:‏ وسخر لكم الليل والنهار والشمس
والقمر والنجوم مسخرات بامره صدق الله العظيم‏...‏ وقوله تعالي في سوره
الانعام‏:‏ هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر صدق
الله العظيم‏.‏

ورغم ذلك يزعمون ان الاسلام دين يدعو الي التواكل ويخاصم العلم‏...‏ بئس ما يزعمون‏!‏‏

44484

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

21

‏21من رمضان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

كل
يوم يحمل الينا العلم جديدا‏,‏ خصوصا في مجال الابحاث الطبيه التي تسهم في
فتح الطريق امام امكانيه القضاء علي الامراض وتخفيف معاناه المرضي‏,‏ ليس
فقط بالنسبه للامراض الفتاكه والمستعصيه مثل السرطان والايدز‏,‏ وانما
ايضا بالنسبه للامراض الموسميه التي تهاجم الانسان بين الحين والحين‏,‏
دون ان يعرف لها سببا محددا‏.‏

ومن احدث ما توصل اليه العلماء
اخيرا بحث عكف عليه فريق من العلماء لما يزيد علي ثلاثه اعوام‏,‏ ثم خرجوا
بنتيجه مفادها ان اصابه الاسنان واللثه بامراض ربما يزيد من معاناه المرضي
بالرئه‏.‏

واستخلص العلماء من نتائج ابحاث اجروها انه من الاهميه
بمكان ان يواظب المصابون بامراض الرئه المزمنه‏,‏ علي غسل الاسنان
والعنايه بالفم‏..‏ حيث اعتمد الفريق علي معطيات جري جمعها من عينات
مختلفه لدراسه احوالهم الصحيه‏,‏ وكيفيه تغذيتهم‏.‏

وقد لاحظ
الباحثون وجود علاقه وثيقه بين امراض اللثه والاصابات المزمنه في الجهاز
التنفسي‏....,‏ وكان بحث سابق قد اشار الي ان هناك صله ما بين امراض الفم
والعديد من الامراض المزمنه‏.‏

ورغم انه لم تتضح بعد الاليه
الرابطه بين الحاله الصحيه للفم ومرض الرئه‏,‏ الا ان العلماء القائمين
علي البحث في جامعه بافلو الامريكيه يرجحون في الوقت نفسه ان يعود السبب
الي بكتيريا تعيش في الفم‏,‏ حيث ان البكتيريا الملتصقه عاده بالاسنان تصل
الي اللعاب‏,‏ ثم تدخل الي اعلي القصبه الهوائيه‏,‏ فتحدث تغييرا في تلك
المنطقه‏,‏ ثم تمهد السبيل لميكروبات اخري تصيب الشعب الهوائيه بالعدوي‏.‏

وفي
اعتقاد العلماء ان حاله الفم الصحيه تتضافر مع عوامل اخري كالتدخين‏,‏
وملوثات الهواء‏,‏ والحساسيه‏,‏ لتجعل مشاكل الرئه تتفاقم‏,‏ حيث اظهرت
الابحاث ان مرض الرئتين يتفاقم كلما كانت الاسنان متدهوره‏!.‏

وليس
معني ذلك ان رئتيك ستصابان ان لم تغسل اسنانك‏,‏ وانما اذا كان جهازك
التنفسي مصابا‏,‏ فان العنايه بالاسنان امر في غايه الاهميه‏,‏ ولكن يمكن
القول ان العنايه بالاسنان قد تسهم في منع تفاقم مرض الرئتين الذي يودي
سنويا بحياه‏2.2‏ مليون شخص في العالم‏.‏

وكانت ابحاث علميه
بريطانيه سابقه اجريت قبل سنوات‏,‏ قد اثبتت وجود علاقه وثيقه بين مرض
اللثه‏,‏ وامراض اخري‏,‏ من بينها اصابه تاجيه القلب‏,‏ والتعرض للسكتات
الدماغيه‏.‏

ويا سبحان الله‏..‏ العلم يتقدم‏,‏ ومع ذلك يظل القول
الفصل هو قول المولي عز وجل في كتابه العزيز‏‏ وما اوتيتم من العلم الا
قليلا‏)!.‏

44485

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

22

‏22 من رمضان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

العلم
والحريه لا يفترقان فالعلم لا ينتعش ولا يزدهر‏,‏ الا اذا استنشق العلماء
نسيم الحريه‏,‏ وفي المقابل فان العلم يقدم اكبر دعم ومسانده للروح الحره
المتاصله في داخل الانسان‏,‏ ولابد ان ندرك ان هذه الروح الحره‏,‏ ليست
موهبه طبيعيه فقط‏,‏ وانما هي موهبه تتطلب منا تغذيتها وتنميتها حتي لا
نفقدها‏!.‏

وعظمه العلم والبحث العلمي ان العلم يحتل في حد ذاته
قوه قاهره تفوق في امكاناتها اي قوه اخري عرفها الانسان علي طول
التاريخ‏,‏ حيث كل شيء في الحياه قابل للهزيمه‏,‏ والقهر‏,‏ ما عدا
العلم‏.‏

وليست هناك امه تقدمت خطاها علي طريق العلم والبحث
العلمي‏,‏ بغير علماء نذروا انفسهم للقراءه والبحث‏,‏ ووجدوا متعتهم في
الحياه داخل المعامل البحثيه بعد ان توافرت لهم الاجواء الصحيه‏,‏ التي
تشجعهم وتحفزهم علي الابداع والابتكار‏.‏

ولعل ذلك ما يدفعني الي
القول بحاجتنا الي العمل علي سد الهوه الناشئه من ازدواجيه التعامل مع
العلماء‏,‏ وان نعيد العلم الي حظيره الحياه كمشروع انساني يحوي في باطنه
اليقين وعدم اليقين والمرونه‏,‏ والذاتيه‏,‏ والاعتماد علي القدره
الابداعيه‏,‏ والايمان الذي يسمح للعلماء بان ياخذوا مكانهم الملائم في
المجتمع‏!.‏

وعندما ياخذ العلماء مكانهم الصحيح‏,‏ ويصبح للعلم
قيمته‏,‏ ومكانته‏,‏ وهيبته‏,‏ في اي مجتمع يختفي الدجل‏,‏ ويتراجع مروجو
العلم الكاذب الذين يجدون سوقا رائجه في الدول‏,‏ التي يتواري فيها صوت
العلماء‏,‏ وتتكدس فوق ارفف المكتبات انواع هزيله من الكتب التي تنسب ظلما
للتصنيف العلمي مع انها في حقيقه الامر ليس لها وصف دقيق سوي العلم
الكاذب‏!.‏

وفي اعتقادي ان افضل وسيله لمحاربه الدجل ومحاصره العلم
الكاذب تتحقق من خلال دور موثر للعلماء في توجيه الراي العام عبر قنوات
الاتصال الشرعيه‏,‏ والاوسع انتشارا مثل التليفزيون‏,‏ والاذاعه‏,‏ والصحف
الكبري‏,‏ الامر الذي يودي الي توسيع مساحه‏,‏ وحجم الاستناره عند الراي
العام‏,‏ بحيث يكون قادرا علي التمييز بين العلم الصادق‏,‏ والعلم
الكاذب‏.‏

ومعني ذلك ان العلماء الحقيقيين هم الذين ينبغي ان
ياخذوا مكان الصداره في عمليه الاطلال الدائم علي الراي العام عبر وسائل
الاعلام لقطع الطريق علي المدعين والدجالين‏,‏ الذين يتسلل البعض منهم بين
الحين والحين الي صفحات الصحف‏,‏ وشاشات التليفزيون‏,‏ فلا يقدمون شيئا
مفيدا‏,‏ وانما تكشف اقوالهم عن شعور بالعظمه الكاذبه‏,‏ وادعاء
العبقريه‏,‏ واتهام الاخرين بالجهل والغباء‏,‏ وعدم الامانه‏.‏

واعتقد
ان بعض ما تبثه فضائيات عربيه عديده من ترويج للدجل‏,‏ والخرافه ينبغي ان
يكون بمثابه جرس انذار لليقظه‏,‏ والانتباه‏,‏ واعاده الاعتبار للعلم
والعلماء‏!.‏

44486

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

23

‏23 من رمضان 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لاشك
في ان اعظم ما في الانسان كمخلوق بشري انه يملك عقلا يفكر به وتلك ميزه
اختص الله بها الانسان عن سائر مخلوقاته الاخري‏,‏ ومن ثم فان معني وجود
العقل ان هناك مساحه واسعه للتفكير الذي لايقع اسيرا لكل ما هو قديم
ومتوارث فقط وانما يظل العقل هو عنوان القدره علي رويه الجديد والمتغير‏!‏

ولاشك
ايضا في انه من خلال العقل ولد المنطق‏,‏ الذي نما وكبر تحت ظلال الفكر‏,‏
وقام برد الجميل بان جعل عقول الناس قابله للمرون‏,‏ه ومنحها ماكان ينقصها
من المقدره علي خفه الحركه‏...‏ ولكن اسوا مايمكن ان يترتب علي الاستثمار
السيئ للمنطق هو الاغراق في الجدليه والانزلاق الي متاهات تثبت صحه الشئ
ونقيضه الي الحد الذي يجعل كل الادله والبراهين مشكوكا في امرها‏!‏

اريد
ان اقول بوضوح ان العقل هو نعمه الله التي اختص بها الانسان‏,‏ ومن الظلم
لانفسنا ان نصيب هذا العقل بالكسل والاهمال عن طريق الاستسلام لمنظارين
فقط احدهما ابيض والاخر اسود عند تعاملنا مع امورالحياه التي هي بطبعها
متجدده ومتغيره‏!‏

ومعني ذلك ان الاحتفاء بالعقل كنعمه ربانيه
يتطلب من المرء الا يتشبث باي نظريه تشبثا شديدا لكي يستمتع بقيمته كانسان
يملك موهبه وفن التفكير المستقل والمستقبلي‏!‏

وكل النظريات
الفلسفيه والمنطقيه توكد ان اصعب الاشياء ليس العثور علي الاشياء‏,‏ ولكن
في استيعاب مانجده‏,‏ فنحن لانملك المعرفه حقا الا اذا هي قدمت نفسها الي
العقل في وقت الحاجه‏!‏

وقد علمتنا دروس الحياه علي مدي كل العصور
ان المعرفه ليست مجرد ثقافه‏...‏ ففي عقل الرجل المثقف حقا تنتظم الحقائق
وتولف عالما حيا في صوره تتفق مع واقع الحياه‏,‏ وما عدا ذلك يبقي مجرد
حشو في الراس لاطائل من ورائه‏!‏

وايضا فقد علمتنا الحياه ان حصر
الانسان لنفسه في قالب محدد يخاصم التجديد والتطوير يودي الي اصابه العقل
بالكسل من ناحيه‏,‏ وعدم تقبل اي جديد‏,‏ وهو ما قد يصل بهذا النوع من
البشر الي العراك والخصام دفاعا عن كل قديم وتقليدي اعتادوا عليه‏,‏ مما
يودي الي الاصابه بالقلق نتيجه للتوتر والشد العصبي الذي ينجم عن اجواء
العراك والخصام‏.‏

نصيحتي لك ولنفسي ايضا ان نعمل علي تجنب احد اهم
مسببات القلق الذي يمثل اخطر امراض العصر طبقا لما قالت واكدت ابحاث علميه
عديده من ان القلق يودي الي الارتفاع في نسبه هرمون الكورتيزون في
الجسم‏,‏ والذي يوثر سلبا علي كميات الطاقه التي تتزود بها خلايا المخ‏,‏
وبالتالي تعرض الانسان لخطر فقدان الذاكره تدريجيا‏...‏

بل ان
افراز الكورتيزون يوازي درجه القلق التي يشعر بها الفرد الذي كلما زاد
قلقه زاد حجم افراز هذا الهرمون ويزداد معه معدل الضرر والخطر‏!!.‏

44487

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

24

‏24 من رمضان 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

كلما
ازدادت نبره الدق علي اوتار الكراهيه في بعض الكتابات والاحاديث الغاضبه
عن حق او عن غير حق ازداد يقيني باننا مطالبون بتغذيه مشاعر الحب‏,‏
ومحاربه كل اشكال الكراهيه والتعصب والخصام لان الحب‏,‏ فضلا عن انه ضروره
لاستمرار الحياه‏,‏ عاده غريزيه في ذات الوقت‏,‏ يمكن تنميتها باعتبارها
احد مقومات البناء الاجتماعي‏.‏ وكلما نجح المجتمع في الانتصار للحب علي
الكراهيه كان مجتمعا قويا متماسكا مهما تعددت الرايات وتنوعت الروي
والاتجاهات‏!‏

ان الحب عندما يزدهر تزدهر ثقافه المجتمع‏,‏
فالثقافه ايضا موروث اجتماعي شانه شان الحب‏...‏ فكلاهما ينمو ويقوي كلما
كان المناخ صافيا ورائقا مثلما وكلاهما يذبل ويموت كلما تعكرت الاجواء
وسادت الفوضي‏.‏

وعلي طول التاريخ كان سلاح الحب والتسامح ونبذ
الكراهيه هو اقوي سلاح تواجه به الامم والشعوب امراضها الاجتماعيه وعللها
الاقتصاديه التي تتكاثر في الاجواء المسمومه عندما تتراجع قيمه الحب لصالح
الكراهيه‏..‏ فالحب يتميز بانه معجون بثقافه تسامحيه‏!‏

وكما في
الحب الانساني يجيء حب الاوطان‏,‏ واعذب الحب في الحالتين هو الذي يجيء
بعد طول معاناه وكلما طالت المعاهاه ازداد الاستمتاع بالمحبوب وازداد
التمسك به والحرص عليه‏.‏

ومثلما يتجسد الحب الانساني في استعداد
المحب ان يموت من اجل حبيبته يتجسد حب الاوطان بنفس الدرجه عند الشدائد
والازمات‏,‏ حيث ترتفع درجات التضحيه بالدم والروح دفاعا عن الكرامه
والحريه والسياده والاستقلال‏!‏

ولعل اكثر ما يغيب عن البعض انهم
يتصورون ان الكلمه الغاضبه والنقد الجارح تمثل العناوين الصحيحه للممارسه
الديمقراطيه‏,‏ لانه مع التسليم بمشروعيه الغضب وضروره النقد فان الاهم
والاصعب هو كيفيه توظيف الكلمه تحت ظلال الحريه باتجاه زراعه الحب والامل
ونفض كوابيس الياس والاحباط والتشاوم‏.‏

ان زراعه الحب هي قمه
العمل السياسي الذي يبني الاوطان باستراتيجيات التبشير بعيدا عن النبوءات
الصادمه للاحاسيس والمغلقه لكل ابواب الامل والرجاء‏.‏

والسياسه
تظل اوسع واشمل من عناوين الحروب والصراعات والمكائد والمفاوضات والفضائح
والمزايدات لان هدفها في النهايه ان تخدم مفردات الحياه الاساسيه للبشر من
طفوله وامومه وحب وعاطفه‏.‏

وليست هناك سياسه ناجحه في اي وطن يمكن ان تستغني عن مخزون كاف من البذور اللازمه لزراعه شجيرات الحب‏!‏

44488

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

25

‏25 من رمضان 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اتحدث
اليوم عن المسرح باعتباره احد اهم منابر التنوير والتوجيه والتثقيف قبل ان
يكون مجرد ساحه للمتعه والفرفشه وغسل الهموم خصوصا وان المسرح الجاد
والملتزم الذي يودي مهمه التنوير والتوجيه والتثقيف لا يلغي اهميه الامتاع
والاضحاك‏!‏

ان المسرح في نظر الدنيا كلها خصوصا في الدول المتقدمه
والديمقراطيه يعتبر احد اهم ادوات صنع الحضاره واحد اهم منابر الاعلام
الصادقه التي تعكس بدقه وامانه وموضوعيه حجم وطبيعه التطور في اي
مجتمع‏...‏ والتاريخ يقول لنا ان هناك ارتباطا وثيقا بين ازدهار الحضاره
وازدهار المسرح‏!‏

بل انني لا اتجاوز الحقيقه اذا قلت ان المسرح لا
يقل اهميه عن دور الاسره ودور المدرسه في بناء الانسان وصياغه افكاره
وتشكيل وجدانه وتعميق انتمائه‏...‏ وفي غيبه من كلمه راقيه يصبح المسرح
عاجزا عن اداء رسالته‏.‏

واذن فان عوده الاعتبار للمسرح المصري رهن
بعوده الاعتبار للنص المسرحي الذي يكتبه ادباء ومبدعون حقيقيون لهم رصيد
مشهود من الاعمال الادبيه التي حصلت علي شهاده الجوده من الجماهير التي
اقبلت علي اقتناء اعمالهم‏.‏

ان المسرح الان ومع كامل الاحترام
لقله محدوده تحاول الحفاظ علي بعض تقاليده يتجه الي الارتداد كليه نحو عصر
الارتجال الذي يسمونه تادبا خروجا عن النص والسبب ان النص المكتوب لم يعد
له وجود واذا وجد فهو ضعيف لايوفر امام الممثل المسرحي مايطمح اليه من
مساحه واسعه لحريه الحركه والابداع التي تثير اعجاب المشاهدين‏!‏

والذي
يحدث في المسرح ليس مسئوليه المسرحيين وحدهم وانما هو انعكاس للواقع
الثقافي والفني والادبي الذي يشهد تراجعا في قيمه الكلمه لصالح الاستعراض
والابهار‏...‏ والدليل علي ذلك ان السنوات الحقيقيه لازدهار الحركه
المسرحيه في مصر كانت هي سنوات ازدهار الكلمه المكتوبه لان المسرح في
البدايه وفي النهايه كلمه صادقه وامينه تعكس واقع المجتمع وتعالج هموم
الناس ومشاكلهم بمنهج درامي جذاب‏!‏

ان ازمه المسرح الراهنه سببها
الاساسي ان العروض المسرحيه لاتعتمد علي ادب رفيع يبدعه مولفون يحترمون
قيمه الكلمه ويقدرون دورها وحجم تاثيرها في صياغه وجدان الامه‏..‏ ولان
الامر كذلك فلم يعد غريبا ان تتراجع قيمه المولف المسرحي واهميته الان
بعكس ماكان عليه الحال في سنوات النهضه المسرحيه عندما كان اسم المولف
المسرحي هو نجم الشباك الاول في المسرح‏.‏

لقد اصبح الهم والشاغل
الاساسي للمنتجين المسرحيين خصوصا بعد تراجع دور الدوله هو مجرد الربح
وضمان امتلاء المقاعد باي وسيله وبصرف النظر عن نوعيه النص او نوعيه
المشاهير‏!‏

باختصار شديد اقول حزينا ان المسرح الذي اعرفه ويعرفه
كل جيلي الذي تفتحت مداركه في سن البلوغ والوعي مع بدايه حقبه الستينيات
لم يعد له وجود الان‏...‏ المسرح الموجود حاليا شئ اخر تماما يخلو من
المتعه الفنيه والذهنيه ويستهدف فقط اشباع رغبه الفرجه والمشاهده وسط
اجواء صاخبه وايقاعات سريعه وابهار ضوئي وديكوري‏!‏

44489

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

26

‏26من رمضان 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

في
ليله القدر يستحب الدعاء ويتجدد الرجاء‏,‏ فاللهم احفظ لمصر امنها
واستقرارها وعزتها ومنعتها‏,‏ ووفر لها كل اسباب القوه التي تتغذي بقواعد
العدل ورايات الحق‏.‏

يارب ساعدنا علي ترسيخ جذور الحب والتسامح
بين جنبات هذا الوطن لان سلامنا مع انفسنا هو ركيزتنا للاطمئنان علي
قدرتنا في صنع سلامنا مع الاخرين وحمايته من اي عدوان‏!‏

يارب اننا نسالك التوفيق والسداد لكي نحقق احلامنا المشروعه وطموحاتنا في حاضر مستقر وغد مشرق وان تعيننا علي رويه الطريق الصحيح‏.‏

يارب
ساعدنا علي الفهم الصحيح لجوهر ديننا الحنيف واهدي بنورك من لايفرقون بين
حق المعارضه وخطيئه الافتراء‏,‏ وبين واجب النقد والمراجعه ومحظور جلد
النفس والذات الذي يودي لنشر رياح الياس وتثبيط الهمم‏.‏

يارب ان
السجود لك والتسبيح بحمدك اناء الليل واطراف النهار لايكفي للتعبير عن
الشكر والامتنان لما انعمت به علينا من جزيل نعمك التي لاتعد ولاتحصي‏:‏
فمازالت مصر بحمد الله عنوانا لروح التكافل التي لاتسمح لجائع ان ينام دون
عشاء او لمريض يتسول طلبا للعلاج او الدواء في عصر ترتفع فيه شعارات
العولمه المتجبره التي تريد تغييبا كاملا لقواعد العدل الاجتماعي باسم
متطلبات حريه السوق‏.‏

يارب اجعل هذا البلد ملجا لكل مطارد يبحث عن
ملاذ شرعي وامن وساعدنا بعظيم فضلك ان نكون للارض معمرين وللعلم محصلين
وللجهل طاردين وللحب والتسامح داعين وللفضيله حافظين‏.‏

يارب نبتهل
اليك ان تنير امامنا السبيل الي اتباع تعاليمك وفهم الجوهر الصحيح لسماحه
ديننا حتي يظل هذا الوطن متمتعا باستقلاليه قراره ووحده ترابه الوطني‏,‏
بعيدا عن فخاخ وكمائن الكارهين والمتربصين‏.‏

يارب نسالك التوفيق
والسداد لبلوغ امالنا التي لا تتجاوز حدود الممكن والمتاح وان ترد عنا كيد
الكائدين وغل الحاقدين وشرور الحاسدين‏!‏

يارب ان الكرب عظيم بعد
ان اصاب جبروت القوه البعض بالعمي ودفع بهم الي توهم القدره علي فرض اجنده
للسلوك علي غيرهم‏...‏ ولهذا نتوسل اليك في هذه الايام المباركه ان تحمي
نفوسنا من شرور الانفعال مهما تمادي الاخرون في استفزازاتهم وان تمنحنا
حكمه التصرف ورجاحه التفكير لكي نفرق بين حق الغضب والرفض وبين خطيئه
الاستدراج غير المحسوب لمغامرات غير محسوبه‏.‏

يارب احفظ لهذا
البلد وحدته الوطنيه التي تتغذي بثقافه تاريخيه عنوانها الدين لله والوطن
للجميع تحت مظله جيش وطني قوي‏,‏ وامن داخلي متماسك وقدره متجدده للدفاع
عن الحق في وجه الباطل‏.‏

يارب‏..‏ان مصر هي كنانتك في ارضك التي
نعتز بالانتماء لها ونشعر بالنعمه عندما نتلفت حولنا ونلقي بابصارنا علي
جيراننا‏...‏ ففي مصر امن وامان وديمقراطيه تسمح بحق الاختلاف في الراي
وحق معارضه الحاكم دون خشيه من عوده زوار الفجر مره اخري‏!‏‏

44490

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

27

‏27من رمضان 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لست
ادري الي متي سنظل ندور في تلك الحلقه المفرغه التي تستنزف كل جهودنا
وتبدد معظم طاقاتنا من خلال محاولات مفتعله لجرنا الي الماضي‏,‏ واشعال
معارك‏,‏ وخصومات يفترض انها دفنت وووريت تحت التراب مع اصحابها الحقيقيين
من رموز الماضي القريب‏,‏ والبعيد معا؟

ان من غير المعقول ان نظل
مشدودين الي الماضي مفتونين بمعاركه وخصوماته‏,‏ التي عطلت مسيرتنا سابقا
ويريد لها البعض ان تظل عائقا امام مسيرتنا حاضرا ولاحقا؟

انني
اعتقد ان تحديات الحاضر وطموحات المستقبل‏,‏ تفرض علينا ان نوقف هذا
السيرك الهزلي المتمثل في حرب المذكرات‏,‏ والتي لم تعد مقصوره علي ما
ينشر في الكتب والصحف فقط‏,‏ وانما اصبح هذا السيرك الهزلي ماده خصبه في
ارسال العديد من الفضائيات العربيه‏,‏ التي لا تمارس حريه النقد والتشهير
الا بالنسبه لمصر‏,‏ وتاريخها ورموزها؟

ان هذه الاسماء والرموز
لايليق بها ان تطير الي هذه العاصمه او تلك لكي تنبش في القبور‏,‏ وتزعم
بانها وحدها التي تملك الحقيقه‏,‏ لانها لا تسيء لمصر بقدر ما تسيء
لنفسها‏,‏ ثم ان ذرات الغبار التي تستهدف وجه مصر سرعان ما تزول‏,‏ ولكن
ما يصدر عن هولاء من مقولات خائبه سوف تبقي بمثابه بقع سوداء تلطخ سيرتهم
ومسيرتهم‏.‏

ان لدينا من القضايا المعاصره مايستوجب الاهتمام بدلا
من اضاعه الوقت في حرب المذكرات التي تفتش في سجلات الموتي‏,‏ وتعتمد علي
شهادات للغائبين والراحلين‏,‏ وتهييء المناخ لكي يناصب بعضنا البعض الاخر
العداء في خضم جدل ممقوت بين ما كان قبل ثوره يوليو‏,‏ وما حدث بعدها‏,‏
وبين ما جري في الحقبه الناصريه‏,‏ وما وقع في الحقبه الساداتيه
ومابعدها‏!‏

ان من الافضل لنا ولاجيال الحاضر‏,‏ وبراعم الغد ان
يتحول الجدل والخصام بشان الماضي الي حوار ومصالحه حول الحاضر‏,‏ وان يسعي
جميع الفرقاء المشاركين في حرب المذكرات الي اثبات قدرتهم علي الخروج من
خنادق الماضي والتعايش مع تطورات العصر‏,‏ الذي يحتاج الي افكار متجدده
واراء مستنيره لا علاقه لها من قريب او بعيد بتلك المعارك المنصوبه حول
جثث الموتي والراحلين؟‏!‏

لقد تغيرت الدنيا‏,‏ ولم تعد السياسه
مجرد شعارات براقه او خطب رنانه او مواقف تسجيليه للمباهاه او المزايده‏,‏
ولكن السياسه الان عمل وجهد لا يعرف منهج استسهال البكاء علي اطلال
الماضي‏!‏

ان انظمه الحكم في عالم اليوم مطالبه بان تواجه
المتطلبات والطموحات المشروعه لشعوبها بتحركات ديناميكيه لا مكان فيها
للانتظار او التريث‏,‏ فالكل في سباق مع الزمن‏,‏ ومع المشاكل التي تتزايد
كنتاج طبيعي للتطور والتقدم الانساني‏.‏

لقد تغيرت المقاييس والاسس
التي كانت تحكم سياسه العالم‏,‏ وتوجهاته الاقتصاديه والثقافيه‏,‏
والفكريه‏,‏ والسلوكيه‏,‏ وبالطبع لا ينبغي لنا ان نتخلف لحظه واحده عن
فهم واستيعاب ما هو قادم حتي نكون موهلين للتعايش معه والتاقلم مع
قوانينه‏.‏

ومن الموكدان رويه المستقبل اصعب بكثير من سهوله الحديث عن الماضي كروايات للتسليه والفضفضه وتسجيل المواقف‏!‏

44491

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

28

‏28من رمضان 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

يوافق
اليوم مرور ثمانيه وثلاثين عاما بالتمام والكمال علي رحيل جمال عبدالناصر
قائد ومفجر ثوره‏23‏ يوليو‏1952‏ التي غيرت وجه الحياه علي ارض مصر
والمنطقه العربيه‏...‏ كما يوافق اليوم ايضا مرور‏47‏ عاما بالتمام
والكمال علي نكسه الانفصال بين مصر وسوريا وفشل اول تجربه للوحده العربيه
في العصر الحديث التي كان جمال عبدالناصر هو بطلها الموعود وضحيه انفصالها
المشئوم‏!‏

وفي اعتقادي اننا مازلنا مطالبين باستمرار مراجعه
وتقويم ونقد التجربه الناصريه باعتبار انها في البدايه والنهايه عمل
انساني يخضع للصواب والخطا وفي اطار الفهم الصحيح بان هناك خيطا فاصلا بين
عبدالناصر كشخص بذاته وبين المرحله الناصريه كتجربه شارك فيها رفاقه من
الضباط الاحرار فمنهم من اختلف وانسحب او اجبر علي الانسحاب ومنهم من اكمل
معه المشوار حتي لحظه الرحيل في‏28‏ سبتمبر عام‏1970.‏

ان
عبدالناصر كقائد وزعيم امتدت شرعيته الدستوريه في مصر لتصبح شرعيه
جماهيريه علي امتداد الامه العربيه كلها‏..‏ كان فارسا نبيلا باجماع اغلب
الذين اقتربوا منه وعملوا الي جواره ومن ثم فان من الظلم لسيرته ومن الظلم
للتاريخ ان تعلق في رقبه الرجل وحده كل خطايا وممارسات بعض الاجهزه في
عصره‏.‏

وليس معني ذلك انني ابرر تجاوزات المرحله الناصريه وعدم
ادراكها لاهميه الاسراع بوضع المبدا السادس من مبادئ ثوره يوليو موضع
التنفيذ باقامه حياه ديمقراطيه سليمه‏,‏ ولكنني اقول للانصاف ان كل
ماقراناه من شهادات ومذكرات ادلي بها دراويش متيمون بالناصريه وخصوم
يطيقون العمي ولايطيقون سماع اسم عبدالناصر‏..‏

ان الرجل لم يكن
اسطوره تسمع دبه النمله هنا وهناك وتمسك بكل خيوط اللعبه دون منازع او
شريك‏,‏ وانما كان حاكما تحيط به بطانات الخير وبطانات السوء علي حد سواء
وانه كان بحكم طبيعه الثورات والانقلابات‏,‏ مشدودا بحسابات وتوازنات
دقيقه بينها مايتعلق بالرغبه في استمرار الرفاق علي الدرب دون افتراق
ومنها مايتعلق بتغليب عنصر الثقه علي عنصر الخبره ضمانا للامن وتحسبا
للاستقرار خصوصا ان ثوره يوليو لم يكن لها خيار في انها فتحت علي نفسها
عده جبهات في وقت واحد‏..‏ جبهه المضارين من قراراتها وتوجهاتها في
الداخل‏...‏ وجبهه القوي الاجنبيه التي رات فيها خطرا علي مصالحها الحيويه
في الشرق الاوسط‏.‏

ولهذا فان من الظلم ان يجري تقويم تجربه
عبدالناصر في اطار ضيق ينحصر بين انجازات الغاء الملكيه واقامه النظام
الجمهوري والاصلاح الزراعي وتاميم قناه السويس‏,‏ وبناء السد العالي‏,‏
ومجانيه التعليم‏,‏ وبين سلبيات الغياب الديمقراطي والانتكاس العسكري
المولم في يونيو‏1967...‏ وانما التقويم الصحيح يجئ من خلال الرويه
المنصفه لمدي ارتباط ماتحقق خلال مرحله حكمه بما يتواصل عملنا عليه حاضرا
ومستقبلا‏,‏ وهل كان في التجربه بناء يمكن ان يتم تعليه بناء الحاضر
والمستقبل عليه ام ان في التجربه هدما كثيرا استنزف جهدا ووقتا في ازاله
المخلفات واحداث الترميم قبل الشروع في مواصله البناء‏!‏

ان
التاريخ بحقائقه ووقائعه اكبر من الذين يعتقدون انهم يشوهون بافتراءاتهم
سيره عبدالناصر لحساب مرحله ماقبل يوليو واكبر ايضا من الذين يرتدون قميص
الناصريه ويعتقدون ان تبييض وجه المرحله الناصريه لايتحقق الا بتشويه
مرحله مابعد عبدالناصر وشطب مرحله ماقبل يوليو من سجلات التاريخ‏!‏

التاريخ لايعرف منهج الافلام والمسلسلات وتجاره المذكرات‏!‏

44492

‏السنه 133-العدد

2008

سبتمبر

29

‏29 من رمضان 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

بعض
الدوائر الرسميه في العالم العربي مشغوله هذه الايام بقراءه الكف لمعرفه
ما اذا كانت معطيات الصحوه الروسيه الاخيره مقدمه لعوده الحرب البارده
وانهاء انفراد امريكا بقياده دفه السياسه العالميه ام ان الامر مجرد العاب
تكتيكيه لاستعاده بعض مظاهر الهيبه الضائعه في موسكو منذ انهيار الاتحاد
السوفيتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي‏.‏

وهذا الذي اتحدث
عنه بالاسي والاسف معا يعكس استمرار حاله الغيبوبه السياسيه في بعض
العواصم العربيه لانه فضلا عن ان السياسه لاتعرف قراءه الكف فان المطلوب
عربيا ليس الرهان علي متغيرات قد تحدث او لاتحدث وانما المهم هو الرهان
علي القدره الذاتيه للامه العربيه والتي تمكنها من التعامل مع الواقع
الدولي تحت رايات الوفاق او تحت وطاه رياح وعواصف الحرب البارده‏.‏

ان
ما نحتاج اليه في المقام الاول هو اعاده النظر في رويتنا للعلم
والتعليم‏..‏ ومن هنا تجئ اهميه الاسراع بتحديث وعصرنه التعليم واعاده
النظر في المناهج والتخصصات والخروج بجراه وشجاعه من الاصنام والتوابيت
الموروثه‏,‏ التي جعلت من التعليم سباقا لحصد الدرجات‏,‏ وليس ميدانا
للتحصيل والمعرفه والخطو علي طريق البحث والتدريب‏.‏

ان نقطه
البدايه يجب ان تنطلق من ضروره اعاده النظر في فلسفه التعليم بكل مراحله
ومستوياته‏,‏ بدءا من دور الحضانه وحتي نهايه المرحله الجامعيه فنحن بحاجه
الي تكثيف الاهتمام بالعلوم الجديده‏,‏ التي تندرج تحت لافته البرمجه
الالكترونيه بكل افرعها المتنوعه التي تشمل برامج الالات الحاسبه والعقول
الالكترونيه‏,‏ وغزو الفضاء والتي يمكن توظيفها في مجال عمليات التحكم
والرقابه والاتصال ونشر وتحليل المعلومات كما ونوعا‏!‏

ان القضيه
اكبر من ان ينظر اليها في اطار حاله من الانبهار بتلك التكنولوجيا فائقه
الجوده‏,‏ التي تجعل من اله صغيره يمكن حملها علي الكتف ان تقوم بما كان
يقوم به عشرات الرجال‏,‏ سواء كان هذا العمل عضليا او ذهنيا‏,‏ وانما في
كيفيه استثمار هذه الثوره التكنولوجيه للانتقال بنا من اوضاع جلب واستيراد
التكنولوجيا الي اوضاع جديده تسمح لنا بقدره الابتكار‏.‏

لقد بات
محتما علينا ان نخرج من عباءه الاساطير التي تتحدث عن خطر التكنولوجيا
الحديثه علي العماله البشريه التي تعاني من بطاله مفزعه في العالم العربي
لان هذه الثوره التكنولوجيه ليست خطرا علي قوي العمل البشريه الا بالنسبه
للذين لايفهمون متطلبات واستحقاقات هذه الثوره‏,‏ واهم هذه المطالب
والاستحقاقات يتمثل في اعطاء التدريب والتاهيل للعماله نفس الاعتمادات
الماليه التي يجري تخصيصها لاستيراد التكنولوجيا‏.‏

وليتنا ندرك
قبل فوات الاوان ان البخل والتقتير علي مشروعات التدريب والتاهيل يمثل
عوره فكريه تعكس عدم الفهم لاستحقاقات ومتطلبات عصر التكنولوجيا‏,‏ الذي
يلزمه انفاق علي تدريب العماله ربما يزيد علي الانفاق اللازم لاستجلاب
المعدات التكنولوجيه‏.‏

وليس كل الذي تحدثت عنه سوي بعض العناوين
المختصره لحزمه التحديات التي تواجهنا كامه عربيه ولا مفر امامنا من توفير
القدره علي قهر هذه التحديات وتجاوز كل المصاعب والعقبات بدلا من الانشغال
في قراءه الكف وربط مصيرنا باحتمال عوده الحرب البارده ام لا‏....‏ شيئ
بارد صحيح‏!‏