رد: كل يوم بقلم مرسي عطا الله

44543

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

19

‏21من ذي القعده 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏2‏)

يصعب
ان تجري حوارا مفتوحا مع اي مثقف هندي دون ان يتناول الحديث اشارات حتي
ولو جاءت عابره لرمز ولمشكله‏,‏ فالرمز هو المهاتما غاندي والمشكله هي
اقليم كشمير‏.‏

وقد ولد غاندي المهاتما او الروح الكبري عام‏1896‏
حيث درس القانون في الهند وانجلترا وبعد ان اصبح محاميا مارس مهنته اولا
في الهند ثم في افريقيا الجنوبيه حيث كان الالوف من المهاجرين الهنود
يعيشون في كبت وتعذيب هناك مما دفعه لقياده تمرد مدني لتحريض مواطنيه
المهاجرين علي رفض العمل في الادارات والمصانع التي كانت كلها ملك
المستوطنين البيض في جنوب افريقيا‏.‏

وبعد عوده غاندي الي الهند
عام‏1920‏ تبني نظريته القائمه علي النضال دون عنف وبدا معركته الشهيره ضد
زواج القصر غير البالغين وضد العاده المتوارثه المتعلقه باحتقار المنبوذين
مما عرضه للسجن عده مرات الي ان اصبح عام‏1921‏ زعيما للموتمر الوطني
الهندي اقوي الاحزاب الهنديه علي طول التاريخ‏.‏

وعند انتهاء الحرب
العالميه الثانيه ومع اقتراب فجر الاستقلال عارض غاندي بشده الانشقاق بين
الهند وباكستان وحاول ان يوقف اعمال العنف التي تلت الاستقلال فجري
اغتياله في نيودلهي عام‏1948‏ علي يد احد المتطرفين الهندوس‏.‏

والحقيقه
ان معظم المشكلات العالقه بين الهند وباكستان تعود الي فجر الاستقلال في
صيف عام‏1947‏ حيث ظهرت الدولتان من بطن دوله الهند البريطانيه من خلال
تقسيم البلاد علي اساس ديني وبصوره متسرعه ثم اخذت هذه المشكلات بعدا
شائكا بسبب عوامل اخري برزت في السنوات التاليه واهمها كشمير ثم دور الهند
في تقسيم باكستان بالتدخل العسكري لصالح الانفصاليين في بنجلاديش‏.‏

ولعل
ما زاد من قلق الهند انها فقدت تفوقها العسكري علي باكستان نتيجه سبقها في
التفجير النووي الذي كانت تريد به حسم الموقف نهائيا لصالحها‏,‏ ولكن الذي
حدث هو ان باكستان هي الاخري قامت بتفجيراتها النوويه في الوقت الذي كانت
فيه المخابرات الهنديه توكد لحكومتها طوال الوقت ان البرنامج النووي
الباكستاني بدائي للغايه‏..‏ بل واستمرت المخابرات الهنديه تدعي حتي بعد
التفجيرات الباكستانيه انها تفجيرات وهميه وانه لم يقع شئ كهذا‏..!‏

باختصار
فان قضيه كشمير تعود الي الاساس الذي تم به تقسيم شبه القاره الهنديه في
اغسطس‏1947‏ بين الهند وباكستان‏..‏ فقد كان بداخل الهند البريطانيه‏580‏
اماره لها استقلال ذاتي يحكمها الامراء والمهراجات ومن شابههم من حكام
محليين تركهم الانجليز يحكمون مناطقهم بعد نزع معظم سلطاتهم وتجريد
اسلحتهم الا مايلزم للمحافظه علي الامن وكانت بعض هذه المناطق ذات غالبيه
هندوسيه يحكمها امراء مسلمون وهناك مناطق ذات اغلبيه اسلاميه يحكمها امراء
هندوس وكان هذا تدبيرا اداريا ممتازا من وجهه نظر المستعمر البريطاني لان
هولاء الحكام المحليين كانوا يحكمون مناطقهم بيد من حديد اذا كانوا من غير
ديانتهم‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44544

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

20

‏22 من ذي القعده 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏3‏)

يخطئ
من يختصر الزياره التاريخيه التي قام بها الرئيس مبارك الي الهند في انها
زياره روتينيه في اطار الاهتمام السياسي الرامي لتنميه علاقات مصر مع كل
دول العالم كاحدي ركائز وثوابت الاستراتيجيه الحاكمه للسياسه الخارجيه
المصريه‏.‏

ان هذه الزياره في اعتقادي ينبغي النظر اليها في اطار
اهداف ومقاصد تتعلق بحتميه استشراف افاق المستقبل عن طريق تحركات مبكره
تستشعر ما يحتمل حدوثه من تغيرات سياسيه واستراتيجيه في المرحله المقبله
بعد فشل وتراجع مخططات الهيمنه من ناحيه ونتيجه التداعيات المحتمله للازمه
الماليه العالميه من ناحيه اخري‏.‏

والحقيقه ان الهند تمثل بغير شك
احدي ركائز الامن والتوازن الاستراتيجي في اسيا التي ينتمي اليها معظم
بلدان العالم العربي والتي توجد فيها للهند مصالح اقتصاديه وسياسيه
واستراتيجيه واسعه‏..‏ وربما لهذه العوامل مجتمعه تجيء اهميه التعامل
العربي بذكاء ومرونه كما في زياره الرئيس مبارك الاخيره بروح الرغبه
والقدره علي استثمار كل نقاط الاتفاق التي تجمع بين الدول العربيه
والهند‏.‏

ومع انني لست مع الذين يغرقون انفسهم في بحر التفاول
بسهوله فانني استطيع ان اقرر بضمير خالص ان زياره مبارك التاريخيه للهند
لن تمثل فقط اضافه للجهد العربي المشروع علي طريق حشد المجتمع الدولي
لخدمه القضايا الاساسيه وفي مقدمتها قضيه فلسطين وانما تمثل ايضا دفعه
جديده للعلاقات الاقتصاديه والسياسيه والعلميه بين مصر والهند‏,‏ حيث ابدي
المسئولون في نيودلهي استعدادا صريحا للتعاون في مجال التكنولوجيا
والبرمجيات المتطوره وتبادل الخبره والمشوره في المشروعات الزراعيه
والصناعيه والاستفاده من الخبره المصريه في بناء اقدم نظام للري في
العالم‏.‏

وربما يشجعني ذلك علي القول بان رحله الايام الاربعه
للهند قد حققت اكثر مما كان مقدرا لها في مختلف مجالات البحث والتفاوض بين
البلدين وقد ساعد علي ذلك اقتناع المسئولين في الهند بصحه الرويه المصريه
الحكيمه لقضايا الامن والسلام العالمي سواء علي امتداد منطقه الشرق الاوسط
او في منطقه شبه القاره الهنديه‏,‏ فقد كان الزائر الكبير لهم هذه المره
رجل دوله يتعاطي القضايا السياسيه في منطقته وخارج منطقته بمنهج لايعرف
الازدواجيه او سياسه الكيل بمكيالين‏.‏

والامر الموكد ان هذه
الزياره التاريخيه للهند لايمكن النظر اليها بمقياس النتائج المباشره التي
تترتب علي مثل هذه الزيارات في شكل اتفاقيات للتعاون وتبادل الخبرات وانما
هي تمثل بدايه الانطلاق نحو حوار استراتيجي بين البلدين في ظل متغيرات
دوليه متسارعه دعت الهند الي تبني فكره اعاده احياء الدور التاريخي
لمجموعه عدم الانحياز التي انطلقت قبل اكثر من نصف قرن بمبادره الزعيمين
الكبيرين جمال عبدالناصر وجواهر لال نهرو واللذين مازالا حتي اليوم يحظيان
بعظيم الاحترام والتقدير الرسمي والشعبي في الهند‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏.‏

44545

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

21

‏23 من ذي القعده 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏4‏)

هذا
الاهتمام السياسي والاعلامي علي امتداد قاره اسيا باكملها بزياره الرئيس
مبارك وراءه اسباب عديده في مقدمتها ان القاده الاسيويين بوجه عام وزعماء
الهند بوجه خاص يرون ورويتهم بالفعل صحيحه ان الرغبه في بناء علاقات دافئه
ومثمره مع العالم العربي لايمكن ان تتحقق بالشكل المرجو الا من خلال
البوابه المصريه‏.‏

ولان العلاقات السياسيه بين الامم والشعوب لا
تخضع لمشاعر الحب والكراهيه ولا تستند الي لغه العواطف الرومانسيه فان
علينا ان ندرك ان دوافع الرغبه عند زعماء الهند في بناء علاقات دافئه
ومتجدده مع العالم العربي تنطلق من حسابات ذاتيه للمصالح العليا لدوله في
حجم الهند من حيث المساحه وعدد السكان ودرجه التقدم العلمي والاقتصادي‏.‏

والحقيقه
ان لدي الهند رغبه صادقه في ترسيخ وتجديد علاقاتها التاريخيه مع العالم
العربي بوجه عام ومع مصر علي وجه الخصوص ليس فقط لاسباب اقتصاديه بحته
وانما لاعتبارات اخري عديده اهمها ان العالم العربي الذي يشكل القاعده
الاساسيه والروحيه للدول الاسلاميه هو الموهل لاداء دور ايجابي وفعال يمكن
ان يساعد علي تسويه مشرقه بين الهند وباكستان بشان ازمه كشمير التي اصابت
البلدين بحاله ملفته من الانهاك الاقتصادي والامني‏.‏

بل انني
استطيع ان اضيف الي ذلك اعتقادي بانه مثلما تحتاج الهند الي ورقه العلاقات
المتميزه مع العالم العربي للمساعده في تطبيع علاقاتها مع جارتها النوويه
باكستان فان العالم العربي يمكن له ان يوظف العلاقات الدافئه مع الهند في
تنميه التبادل التجاري وتنشيط مبيعات الصناعات الهنديه المتقدمه بما في
ذلك صناعات الاسلحه التي تقل اسعارها كثيرا عن الاسعار العالميه‏.‏

وفي
اعتقادي ان زياره الرئيس مبارك الي الهند ارتكزت في مرحله الاعداد لها وفي
وقائعها علي كل هذه المعطيات خصوصا وان مصر لديها القدره علي ان تستجيب
لما هو في مصلحتها ومصلحه امتها وان تتجنب كل مايتعارض مع مصالحها وثوابت
سياستها الخارجيه التي تقوم علي الانفتاح مع كل دول العالم‏.‏

ولست
اظن انني بحاجه الي القول ان قيمه ومكانه الدور المصري لم تنشا من فراغ
وانما هي نتاج فهم صحيح واستيعاب دقيق للمكانه الجغرافيه والدروس
التاريخيه والوزن التاثيري في المحيط العربي والاسلامي وبما يوفر لها
القدره المتجدده باستمرار علي حمايه ثوابتها الاستراتيجيه من ايه متغيرات
طارئه او موقته‏!‏

ولست اظن ايضا ان زياره الرئيس مبارك لدوله
الامارات العربيه المتحده بعد انتهاء زيارته للهند مباشره سوي دليل علي
صحه ما اقول به حول الابعاد المتعدده لرحله الهند والدور الذي تلعبه مصر
في توظيف علاقاتها الدوليه الواسعه لخدمه قضايا امتها في اطار من الفهم
الصحيح بان العنصر الحاكم في توجيه دفه السياسه الخارجيه لاي دوله في هذا
العصر هو العنصر القائم علي حسابات دقيقه للمصالح المتبادله وخاصه المصالح
الاقتصاديه‏..‏ ولمجرد العلم فان العماله الهنديه في دول الخليج بوجه عام
ودوله الامارات العربيه المتحده بوجه خاص تحتل مكانه متقدمه من حيث الحجم
والتنوع المهني وذلك امر تضعه الهند في اعتبارها عند رسم الخطوط العامه
لسياساتها تجاه منطقه الشرق الاوسط‏.‏

44546

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

22

‏24 من ذي القعده 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اعتقد
ان امريكا بحاجه الي اعاده قراءه بنود سياستها الخارجيه بوجه عام وتجاه
العرب والمسلمين بوجه خاص حتي تستطيع الاداره الجديده بقياده باراك اوباما
التي ترفع شعار التغيير ان تبني مواقفها علي معلومات دقيقه وليس علي
شهادات الزور التي يتطوع بها بعض من يزعمون صداقتهم لامريكا مع انهم اول
من سيغير الدفه وينقلب علي امريكا اذا برزت علي السطح قوه عالميه تملك
السيف والذهب‏!‏

والحقيقه انه لو ان احدا في واشنطن اجهد نفسه
وراجع بامانه ملف العلاقات العربيه الامريكيه لادرك علي الفور ان العرب
كانوا يراهنون دائما علي صداقه امريكا‏,‏ ويبذلون كل جهد لخطب ودها من
ارضيه الثقه وليس من ارضيه الخوف والنفاق‏,‏ وان مفردات العداء لم تكن
متداوله في سجل العلاقات العربيه الامريكيه لسنوات طويله‏.‏

نعم لم
يكن هناك اي شعور بالعداء تجاه امريكا حتي قرب مطلع الستينيات وقبل ان
تخلع عن نفسها برقع الحياء وتجاهر بانحيازها المطلق ودعمها غير المبرر
للسياسات العدوانيه والتوسعيه لاسرائيل علي حساب الحقوق والمصالح
العربيه‏.‏

ولعله لايخفي علي الذين يديرون الاسطوانه المشروخه
للزعم بوجود عداء عربي واسلامي دفين ضد امريكا ان الولايات المتحده كانت
هي القوه العظمي الوحيده التي تتربع وحدها في قلوب العرب وبالذات خلال حرب
السويس عام‏1956‏ عندما اجبرت اداره الرئيس الامريكي داويت ايزنهاور كلا
من اسرائيل وبريطانيا وفرنسا علي وقف العدوان الثلاثي ضد مصر‏.‏

لم
يقل احد في العالم العربي يومها ان الموقف الامريكي كان ناجما عن خوف من
رد فعل عربي مويد للاتحاد السوفيتي في اطار سياسه التحجيم والاحتواء
للمطامع السوفيتيه‏,‏ وانما قيل وقتها ان امريكا انطلقت في تحركها من
ارضيه انتصارها للقانون الدولي‏,‏ وانها لم تابه بان موقفها هذا يتصادم مع
مطامع ومصالح ثلاث دول من اقرب حلفائها‏!‏

واذن فان شعوب وحكومات
المنطقه كانت منذ البدايه تتعلق بالحلم الامريكي الذي يبشر بانهاء عصور
الاستعمار والسيطره الاجنبيه ورد الحقوق المغتصبه لاصحابها الشرعيين ودعم
حقوق الانسان والقانون الدولي‏.‏

فمن هو المسئول عن هذا التراجع في
ارضيه وشعبيه الدور الامريكي في المنطقه ولمصلحه من يعاودون العزف من جديد
علي نغمه الكراهيه المتاصله في النفوس العربيه ضد كل ماهو امريكي علي حد
زعمهم؟

لقد ساند العالم العربي الولايات المتحده الامريكيه
عام‏1991‏ عندما انتفضت باسم ضروره الدفاع عن الكويت ضد الغزو العراقي‏,‏
ولكن العالم العربي بدا يشعر بالصدمه وتساوره الهواجس والشكوك في النوايا
الامريكيه‏,‏ بعد ان كشفت السياسه الامريكيه تجاه المنطقه بوجه عام وتجاه
العراق بوجه خاص ان القضيه لم تكن انتصارا‏,‏ للشرعيه الدوليه وانما كانت
مدخلا لاخضاع المنطقه‏,‏ وبالذات دول الخليج ومعها العراق تحت مظله
الهيمنه الامريكيه‏,‏ وهو ما تجلي في الاصرار علي غزو العراق عام‏2003‏
دون غطاء من الشرعيه الدوليه اعتمادا علي حجج ومبررات اثبتت الايام انها
حجج ومبررات مصنوعه وكاذبه جمله وتفصيلا‏!‏

ان الاخطاء الفادحه في
سياسه اداره الرئيس بوش تجاه الشرق الاوسط يمكن ان تتحول الي فرصه نجاح
بالنسبه لاداره باراك اوباما‏..‏ وعلينا ان نراقب بحذر وان ننتظر دون
التسرع في اصدار ايه احكام بالتفاول او التشاوم‏!‏

44547

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

23

‏25 من ذي القعده 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لست
اتجاوز الحقيقه اذا قلت‏:‏ ان الازمه الماليه العالميه‏,‏ وبرغم ما بدا
يترتب عليها من تداعيات سلبيه‏,‏ فانها ربما تدفع اولئك المكابرين
المتحمسين للراسماليه المتوحشه الي اعاده النظر في قواعد اللعبه
الاقتصاديه والماليه ودون اغفال مخاطر سياسات المضاربه ومخاطر عدم ترشيد
سرعه استخدام اليات الثوره الالكترونيه التي دفعت الي الامام حركه العمل
والانتاج ولكن علي حساب تقليل فرص العمل نتيجه تزايد الاعتماد علي
البرمجيات بديلا عن الانسان‏!‏

ولعل ما يعزز من صحه ما اقول به ان
اكبر التحديات التي واجهت البشريه كلها دون استثناء في السنوات الاخيره
كانت هي التحديات الاقتصاديه والاجتماعيه التي اخذت نذرها تطل علينا وعلي
غيرنا في ظل دوران سريع ومتلاحق لحركه المتغيرات الدوليه العميقه في
السياسه والفكر والتقدم والتطور المذهل علي ساحه البحث العلمي والمخترعات
التكنولوجيه‏,‏ وهي متغيرات تتوالي تفاعلاتها وتداعياتها منذ بدايه حقبه
التسعينيات في القرن الماضي‏,‏ في شكل قواعد جديده واستراتيجيات جديده
اربكت الجميع في محاوله البحث كلا علي طريقته وحسب فهمه ورويته عن اليات
التكيف والتلاوم مع هذا الواقع الجديد‏.‏

والحقيقه ان هذا التسارع
العلمي والتكنولوجي الرهيب‏,‏ خصوصا ثوره الاتصالات والمواصلات لم يجعل
العالم مجرد قريه صغيره فحسب‏,‏ وانما بدات اشارات مزعجه عن الاقتراب من
دخول عصر اللاوطن في ظل غياب الرقابه والشفافيه لحركه انتقال الاموال‏.‏

ولعله
لم يعد سرا ان هذه الازمه الماليه قد كشفت بوضوح عدم صحه ماجري الترويج به
لسنوات بان الراسماليه العولميه هدفها انعاش التجاره العالميه ومحاربه
الركود والكساد الاقتصادي‏,‏ وحمايه البيئه واحترام حقوق الانسان ونشر
الديمقراطيه‏,‏ حيث اتضح ان الهدف في اعتقادي هو وضع مصير العالم باسره في
ايدي الاغنياء والاقوياء الذين غاب عنهم حقيقه مهمه هي ان مثل هذا العالم
لن يكون فيه في ظل هذه الراسماليه العولميه شيء يغري علي الامتلاك بعد
ذلك‏,‏ لانه لو قدر لهذا المخطط ان يكتمل فان الامم والاوطان‏,‏ بالشكل
الذي نعرفه منذ بدء الخليقه وحتي اليوم‏,‏ لن تكون موجوده وسوف تصبح بعضا
من ذكريات الماضي وصفحات كتب التاريخ‏.‏

اريد ان اقول بوضوح‏:‏ انه
اذا كانت الاسباب الظاهره للازمه الماليه تتمثل في الرهون العقاريه‏,‏
وتعدد الاقراض‏,‏ فانني اعتقد ان السبب الحقيقي انهم بوعي او دون وعي
رسموا سياسات تتعارض تماما مع الاسس الراسخه التي قام عليها البناء
البشري‏,‏ وهي اسس لم تهتز ولم تتغير رغم كل ما حدث من طفرات علي طول
التاريخ‏,‏ حيث كان التغيير باستمرار يطال فقط الوسائل والاليات التي
تساعد علي التقدم والتطور دون المساس بالقواعد والمبادئ التي بني عليها
هرم المجتمع البشري علي طول الزمان‏.‏

واظن ان بعض ما شهدناه علي
امتداد العالم كله من ازمات اقتصاديه واختناقات اجتماعيه لم يكن مجرد
مصادفه وانما هو نتيجه طبيعيه لازدياد حده الجشع والطمع عند المسيطرين علي
البنوك العالميه علي حد تعبير وزير الاقتصاد الالماني تعليقا علي الازمه
الماليه العالميه الراهنه‏!‏

44548

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

24

‏26 من ذي القعده 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(1)

هذه
السلسله من الاحاديث‏,‏ التي ابدوها اليوم حول الشان الداخلي ونحن في
بدايه دوره برلمانيه وتشريعيه جري استهلالها امس بخطاب بالغ الاهميه
للرئيس مبارك عرض فيه العناوين الرئيسيه لمسيره العمل الوطني في المرحله
المقبله‏,‏ تستهدف من وجهه نظري ان نتشارك معا في استعاده روح الثقه بشان
قدرتنا علي تخطي الصعاب وقهر التحديات التي تواجهنا مثلما تواجه غيرنا من
دول العالم سواء كانت غنيه او فقيره‏!‏

وكنقطه بدايه اقول‏:‏ انه
مع تسارع وتتابع التحديات والازمات‏,‏ واخرها الازمه الماليه العالميه‏,‏
فانه ينبغي علينا ان نتجنب الاغراق في التشاوم مهما كانت حده الازمه‏,‏
وان ندرك في ذات الوقت ان ادوات وافكار ونظريات ومقاييس الماضي لم تعد
تصلح للتعامل مع مثل هذا النوع من الازمات الحاده والعابره للقارات‏!‏

ثم
انني اريد ان اقول كنقطه بدايه ايضا‏:‏ ان وضع الروشتات الصحيحه ليس كافيا
وحده لضمان العلاج‏,‏ وانما نحن بحاجه الي مزيج من جديه‏,‏ وانضباط دولاب
العمل في سائر مواقع الانتاج من ناحيه‏,‏ كما اننا بحاجه الي اعاده ترتيب
الاولويات من ناحيه اخري‏.‏

وفي اعتقادي ان قدرتنا علي مواجهه
التحديات والازمات مرتبطه اساسا بمدي قدرتنا علي العمل دون كلل ولا ملل
لكي نوظف طاقاتنا وقدراتنا احسن توظيف‏,‏ فالعمل والعمل وحده تحت رايات
الاصرار والاراده وقوه العزيمه ووضوح الهدف هو سلاحنا الناجح‏,‏ الذي
جربناه مرارا وثبتت فعاليته في قهر الازمات والتغلب علي اصعب التحديات‏!‏

ومنعا
لاي التباس في الفهم اقول‏:‏ انه ينبغي الا يكون هناك مجال للشك في اننا
ماضون علي طريق الاقتصاد الحر وبما يضمن ان نظل جزءا من منظومه التطور
الاقتصادي العالمي الراهن‏,‏ ولكن بمفهوم ذاتي يضع اعتبارات العدل
الاجتماعي في المكان الصحيح من اولويات العمل الوطني‏.‏

وهنا يتحتم
ان اشير الي حاجتنا لاجواء جديده يتضح فيها بجلاء ذلك الخط الفاصل بين
الحريه والفوضي‏,‏ خصوصا في مجالات حريه التعبير‏,‏ وممارسات النقد
واساليب المراجعه‏,‏ واليات الحساب من خلال صحه اليقين بان الحريه في
جوهرها التزام وامانه وليست شططا او مزايده‏!‏

وما ابعد الفارق بين
مانحتاجه في المرحله المقبله لتشجيع الطموح وفتح نوافذ الامل وابواب الثقه
في النفس وبين ما يتحتم علينا تجنبه بالتوقف عن مواصله الدق علي اوتار
الياس والاحباط‏.‏ وفي الازمات الكبيره تظهر معادن الامم العظيمه
والكبيره‏!‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44549

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

25

‏27 من ذي القعده 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(2)

علينا
ان نسلم بان الحوار في اي مجتمع هو الدليل الابرز علي حيويته وحريته وعمق
ايمانه بالديمقراطيه‏,‏ لانه عندما يغيب الحوار يحل الخوف محل الامان
وتسود لغه الفرض والاذعان‏.‏

وعندما نقول ان الحريه تعني حق ابداء
الراي فان ذلك معناه ان الحوار يقوم علي حجه في مقابل حجه‏,‏ ومنطق في
مواجهه منطق‏,‏ وليس حق التطاول او توجيه الاتهامات دون دليل‏.‏

والحوار
في اي مجتمع ليس هدفا في حد ذاته‏,‏ وانما هو الوسيله المثلي‏,‏ التي تعمق
الاحساس بصدق الانتماء من ناحيه والثقه في القدره المجتمعيه علي صنع
مستقبل افضل وفق اهداف معقوله ومحدوده‏,‏ لاتقترب من دوائر المستحيلات من
ناحيه‏,‏ ولاتنكمش الي درجه الجمود والاستسلام للامر الواقع من ناحيه
اخري‏!‏

وعلي سبيل المثال فاننا اذا اردنا ان نجري حوارا بشان اي
قضيه فانه لابد ان يكون هناك اتفاق عام علي ان بناء الفرد ينبغي ان يسبق
اي بناء اخر مهما تكن اهميه هذا البناء اقتصاديا او اجتماعيا‏.‏

اتحدث هنا عن الحوار السليم‏,‏ وليس عن التراشق والتنابذ وبذر بذور الشقاق والصراع المدمر‏,‏ واستخدام الحريه في غير موضعها‏.‏

لعلي
اكون اكثر وضوحا واقول ان الحوار المجتمعي‏,‏ الذي يضمن تواصل الاجيال
وتفاعل الافكار‏,‏ هو احد اهم العناوين للديمقراطيه الصحيحه في اي
مجتمع‏,‏ فان نجاح مثل هذا الحوار لايمكن له ان يتحقق الا بتوفير الحمايه
الكامله له من وصايه المتسلطين او انحراف المزايدين‏.‏

وقد تتنوع
وتتعدد تفاصيل واليات الحوار حسب طبيعه وظروف وثقافه كل مجتمع علي حده‏,‏
ولكن تظل القضيه الاساسيه هي كيفيه الاعداد الجيد لاي حوار منشود‏,‏ خصوصا
ما يتعلق بضروره مراعاه الابعاد القانونيه والاجتماعيه والاقتصاديه لاي
قضيه يتحتم طرحها للنقاش علي موائد الحوار‏,‏ وبما يتيح لكل الاتجاهات ان
تعبر عن نفسها‏.‏

وفي اعتقادي ان امامنا حزمه من القضايا المهمه‏,‏
التي تحتاج الي حوار مجتمعي شفاف‏,‏ وفي مقدمتها قضيه اداره اصول وممتلكات
الدوله بكل ابعادها الاجتماعيه والاقتصاديه‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44550

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

26

‏28 من ذي القعده 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

3

‏لعلنا
نسلم جميعا بانه الي جانب الفوائد الجمه لحريه الصحافه كاحد الاستحقاقات
للانفتاح الديمقراطي فان هناك ايضا بعض خسائر يصعب تفاديها‏,‏ فكل
المجتمعات المفتوحه تدفع تلقائيا ضريبه حريه الصحافه ولكن الذين سبقونا في
هذا المجال لايسمحون لانفسهم بازاحه الفواصل الضروريه بين الشائعه
والحقيقه وبين الاتهام الذي لم يثبت والايحاء بوقوع الجريمه وان الحكم قد
صدر ولم يعد قابلا للنقض‏!‏

ولست بحاجه الي القول انه مهما تكن
فداحه الثمن الذي يترتب علي تجاوزات وممارسات غير مسئوله في استخدام حق
النقد وتحويله الي اداه للتشهير فان علينا ان نتحمل عبء هذه الضريبه
الثقيله تجنبا لمخاطر العوده لاجواء المجتمع المغلق الذي يسمح بكل شيء في
الخفاء ويداري عليه في العلن‏.‏

وهنا ينبغي علي المجلس الاعلي
للصحافه ونقابه الصحفيين ممارسه دورهما المنوط بهما من اجل حمايه حريه
الصحافه وحمايه حق المجتمع في المعرفه‏,‏ خصوصا في ظل اتساع اجواء من
اللغط بدات تساعد علي طمس وضياع الحقيقه بممارسات وكتابات غير مسئوله‏.‏

ان
الاسره الصحفيه كلها مطالبه بوقفه مع النفس والذات لحمايه الثوب الصحفي من
اي بقع سوداء نتيجه الاستثمار الخاطئ لحريه الصحافه من خلال الشطط بالنقد
لكي يصبح تشهيرا وبما يعطي الانطباع بان الوطن يخلو من اي شيء ايجابي مع
ان واقع الحال يختلف عن ذلك تماما‏!‏

واذا كنت مازلت عند رايي بانه
ليس بمقدور احد ان يشكك للحظه في ان الحرب ضد الفساد تعتبر احد اهم
الملامح الرئيسيه لمنهج الحكم في مصر وانه ليس هناك من هو فوق الحساب
والمساءله فانني ايضا لا ازعم ان كل قضايا الانحراف قد تم كشفها ومحاسبه
مرتكبيها‏,‏ ولكنني اعتقد والسجل شاهد علي انه لا توجد واقعه فساد او
انحراف او اساءه استخدام للسلطه جري كشفها ولم يتم تعامل الدوله معها بكل
جديه بصرف النظر عن شخصيه مرتكبها او مكان حدوثها‏.‏

وسوف يظل
اعتقادي جازما بان المجتمع المفتوح الذي يسمح باستمرار مصابيح الصحافه
مضاءه افضل بكثير من العيش في كنف مجتمع مغلق يري فيه الجميع الفساد
والانحراف ولايقدر احد علي الهمس ببنت شفه‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44551

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

27

‏29 من ذي القعده 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(4 )

لايمكن
ان يكون الحديث جادا حول بناء القدره الذاتيه اللازمه لاحتواء موجات
واعاصير الازمات التي تهب عواصفها علينا من الخارج تباعا من نوع الازمه
الماليه العالميه الراهنه مالم يتوافر لدينا كامل اليقين حول ضروره
التعامل مع الازمات والتحديات بمنهج علمي دقيق يستوعب الجذور الحقيقيه
لهذه الازمات حتي يمكن وضع العلاج الشامل بدلا من استسهال الاخذ بسياسات
تنتج حلولا موقته لايمكن لها ان تصمد طويلا‏!‏

والحقيقه ان اي حديث
حول بناء القدره الذاتيه ينبغي ان ينطلق من صدق الادراك باهميه تحديث
وعصرنه النظم الاداريه بعيدا عن التعقيدات البيروقراطيه وبالاعتماد
المباشر والصريح علي الكوادر الموهله ذات الافق الواسع والخبره المتجدده
التي يمكنها اتخاذ القرارات الصحيحه في التوقيتات الصحيحه‏.‏

بل
انني اصل الي القول صراحه بانه سوف يستحيل علي اي دوله في ظل معطيات
الازمه الماليه العالميه الراهنه ان توفر سرعه الحركه وقدره المباداه
اللازمتين لتقليل المخاطر في غيبه من وسائل عصريه للاداره الحديثه التي
تتمتع باعلي درجات الكفاءه عند قمه الموسسه الانتاجيه والخدميه وفي ذات
الوقت لديها اليات ولوائح توفر المرونه عند بقيه المستويات التحتيه خصوصا
تلك التي تتعامل مباشره مع مصالح الجمهور‏.‏

واظن ان ذلك الذي
اتحدث عنه ينبغي ان يكون مدخلا لاعاده النظر في رويتنا لاولويات التنميه
بحيث تاخذ التنميه البشريه موقعا متقدما يوازي درجه الاهتمام الضروريه
بمحوري التنميه الاقتصاديه والتنميه الاجتماعيه‏.‏

ولست بحاجه الي
القول بان اي استعراض للمشهد الدولي يوكد لنا ان الامم والشعوب التي نجحت
في الرويه المبكره لاهميه وضروره التنميه البشريه هي الامم والشعوب التي
قطعت خطوات واسعه علي طريق التقدم بفضل مالديها من قيادات وكوادر موهله
تدير دفه العمل في كافه المواقع بكل كفاءه وبكل اقتدار‏.‏

وعلينا ان نعي جيدا ان التنميه البشريه قد اصبحت في ظل تحديات ومتغيرات العصر احد اهم الارقام الاساسيه في معادله الحداثه والتقدم‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44552

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

28

‏30 من ذي القعده 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(5 )

انطلاقا
من حديث الامس عن ضروره الاهتمام بالتنميه البشريه كمرتكز اساسي لتوفير
القدره اللازمه لمواجهه واحتواء تداعيات العواصف العابره للقارات من نوع
الازمه الماليه العالميه اقول بصراحه ان التنميه البشريه لايمكن ان تتحقق
بعيدا عن العلم والتعليم والبحث العلمي‏.‏

واذا جاز لي ان اجتهد
كمواطن تسمح له ظروفه بمتابعه مايجري علي امتداد العالم فانني اسارع الي
القول بان الوقت قد حان لكي نجعل من مدارسنا وجامعاتنا ومراكز ابحاثنا
بمثابه اطلاله حقيقيه تستشرف طبيعه الحاضر وافاق المستقبل من خلال تصحيح
المفاهيم بحيث يصبح هدف وجوهر العمليه التعليميه والبحثيه هو كيفيه بناء
القدره المصريه علي مواجهه حزمه التحديات الاقتصاديه والتكنولوجيه
والثقافيه والمعرفيه‏.‏

وربما يكون ضروريا ومفيدا ان اشير الي ان
استراتيجيات التعليم في الدول المتقدمه قد تجاوزت منذ سنوات ذلك الدور
التقليدي للمعلم الذي يختصر في تقديم الافكار والمعلومات لتلاميذه بعد ان
اكتشفت هذه الدول ان هذا الاسلوب يشجع التلاميذ علي الكسل ويحد من
مبادراتهم باتجاه التفكير الذاتي والمستقل الذي تعطل تماما في دورنا
التعليميه بسياسه الحلول الجاهزه لاي مساله مستعصيه علي الحل في نماذج
الامتحانات‏.‏

لقد سبقتنا هذه الدول المتقدمه الي حقيقه ينبغي ان
نضعها في اعتبارنا وهي ان الامتحانات التقليديه التي لاتتطلب من التلميذ
سوي سرد الحقائق والمعلومات التي درسها هي مجرد قياس وقتي لقدره التلميذ
علي حفظ الماده واختزانها في عقله حتي يحين موعد افراغها في ورقه الاجابه
يوم الامتحان‏.‏

ومعني ذلك اننا في حاجه ماسه الي مراجعه نظم
التعليم والامتحانات بعيدا عن المناهج التقليديه والامتحانات النمطيه
والاستفاده من تجارب من سبقونا باتجاه مناهج عصريه ترتكز علي قياس مدي
قدره التلميذ علي التفكير وحسن تصرفه في استخدام المعلومات التي درسها‏.‏

وعلينا
ان نعترف بان احد اهم معوقات العمليه التعليميه في مصر هو جفاف المناهج
الدراسيه وعدم ارتباطها بحاجات واهتمامات التلاميذ مما يعطل ويضعف من قدره
التلاميذ علي التفكير العلمي الذي يمثل اول خطوه لتوظيف التعليم توظيفا
صحيحا باتجاه الحلم في بناء قاعده علميه بحثيه تضع اقدامنا جنبا الي جنب
مع الدول التي تتباهي بعلمائها ومخترعيها‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44553

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

29

‏غره ذي الحجه 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(6 )

‏اظن
اننا نتفق جميعا علي ان التعليم هو احدي الركائز الاساسيه لبناء امن مصر
القومي بمعناه الشامل خصوصا‏,‏ في ضوء ماجري من تطورات تكنولوجيه هائله في
السنوات الاخيره احدثت تغييرات اساسيه وجذريه في اساليب الانتاج واليات
التسويق وحسابات التكاليف‏.‏

واظن ايضا اننا نتفق جميعا علي ان
سبيلنا الوحيد لمجاراه هذه الثوره العلميه والتكنولوجيه والمعلوماتيه
الرهيبه هو التعليم الذي يتطلب تطويرا حقيقيا في مختلف مراحله وبما يتفق
وعمق فهمنا وصحه ادراكنا لحقائق ماوقع من متغيرات دوليه وماطرا من ازمات
اقتصاديه وتطورات اجتماعيه‏.‏

وعندما استخدم كلمه جميعا فانني اقصد
ان اقول صراحه ان هدف تطوير التعليم ليس مسئوليه وزارتي التعليم وحدهما‏,‏
وانما هو مسئوليه مجتمع باسره يتحتم علي كل من ينتمي اليه ان يسهم بكل ما
لديه من علم وجهد ومال في خدمه هذا الهدف الاستراتيجي النبيل والذي ليس
حلما للدوله وحدها وانما هو حلم كل المصريين‏.‏

اريد ان اقول بوضوح
ان تطوير وتحديث وعصرنه التعليم امر يستوجب التعامل معه برويه استراتيجيه
تتجاوز حدود النظره الضيقه والمحدوده في التعامل مع القضيه التعليميه علي
انها مجرد اعاده بناء للمدارس وترميمها او حذف بعض المناهج واضافه غيرها
او تغيير نظم الامتحانات وزياده او نقصان عدد السنوات الدراسيه لان هذه
كلها مجرد لوازم وضروريات ينبغي توفيرها‏.‏

ان ما اتحدث عنه يتعلق
بهدف استراتيجي هو احداث تطوير جذري في التعليم والبحث العلمي واختصار
الزمن اللازم لتوفير الاجواء الملائمه التي تهيئ للعقل المصري فرصه
الابداع والابتكار والقدره علي مواجهه التحديات والازمات الطارئه والعمل
علي تطويعها بالدرجه التي تلائم ظروفنا وقدراتنا‏.‏

اننا نحلم حلما
مشروعا في سرعه الانتقال من واقع القدره علي قراءه وتشخيص الازمات الي
القدره علي ابتكار الحلول الملائمه لامكانياتنا ومواردنا وظروفنا‏.‏

ومن
حسن الحظ ان لدينا رصيدا نعتز به من العقول المصريه المبدعه داخل وخارج
مصر والتي اعتقد انها لن تتردد في ان تضع علمها وخبرتها في خدمه الهدف
الاستراتيجي الشامل لتطوير التعليم والنهوض بالبحث العلمي‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44554

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

30

‏2 من ذي الحجه 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏7‏)

عندما
نتحدث عن جديه الرغبه في احداث تطوير حقيقي للتعليم باعتباره الركيزه
الاساسيه لمحور التنميه البشريه فلابد ان نضع في اعتبارنا ان نقطه البدايه
يجب ان تبدا من مرحله التعليم الاساسي سواء باتجاه تصحيح وتحديث المناهج
التعليميه او ما يتعلق بصياغه اسلوب جديد لتعامل المدرسين مع التلاميذ
وتحسين الظروف النفسيه والاجتماعيه لكليهما‏.‏

لنكن صرحاء مع
انفسنا ونعترف بانه اذا بقيت العمليه التعليميه علي حالها الراهن في شكل
مناهج تعليميه يجري تحفيظها للتلاميذ لتوفير القدره علي اجابه اسئله
الامتحانات في نهايه العام‏,‏ فانه لامعني ولاجدوي من ايه خطط وايه برامج
تحمل عناوين التحديث والتطوير‏.‏

اننا بحاجه الي فلسفه جديده
للعمليه التعليميه من اجل تنميه التفكير العلمي لدي التلاميذ والطلاب وذلك
امر يتطلب ان يكون المدرسون والاساتذه قد جري اعدادهم اعدادا علميا ومهنيا
بالدرجه التي لاتوهلهم فقط لمهنه التدريس والتوجيه وانما ايضا مايوهلهم
لان يكونوا قدوه في التفكير العلمي‏.‏

نحن بالفعل بحاجه الي صياغه
علاقه حميمه بين المدرس والتلميذ اساسها طاقه التسامح التي ينبغي ان
يمتلكها المعلم بدلا من مواصله اسلوب العقاب البدني او النفسي مع كل خطا
يقع فيه التلميذ‏,‏ لانه فضلا عن ان العقاب بهذا الاسلوب يمثل جريمه
قانونيه فانه ايضا يهدم ثقه التلميذ بنفسه ويقتل في داخله روح الابتكار
والابداع والتجريب‏.‏

والذين سبقونا علي طريق تطوير التعليم في
كافه الدول المتقدمه يتركز اهتمامهم علي العنصر البشري في العمليه
التعليميه حيث يجري التدقيق عند اختيار المدرسين خصوصا بالنسبه لمراحل
التعليم الاولي من خلال اختيارات علميه ونفسيه للتاكد من خلوهم من الامراض
النفسيه والاجتماعيه التي تفقدهم سعه الصدر وبالتالي لايمكنهم التسامح
بسهوله مع اخطاء التلاميذ‏.‏

واذا كنا نعاني اندفاع الاباء في
السنوات الاخيره نحو محاوله شراء التفوق والنبوغ الوهمي لابنائهم عن طريق
الدروس الخصوصيه ونماذج حل الامتحانات فان ذلك ليس مسئوليه الاباء وانما
هو مسئوليه الغياب الفاضح للعلاقه الابويه بين المدرسين وتلاميذهم والذي
تعكسه ظاهره عدم انتظام التلاميذ في المدارس معظم شهور العام الدراسي‏.‏

وربما
يكون المدرسون معذورين في ذلك لاسباب عديده بينها طول المناهج وكثره اعداد
التلاميذ‏,‏ لكن السبب الاهم من وجهه نظري تلك السياسات المركزيه التي
تقصر عمل المدرس علي تلقين مناهج لم يشترك في وضعها وفي احيان كثيره
لايستوعب بعض فصولها‏...‏ وتلك ماساه اخري‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44555

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

1

‏3 من ذي الحجه 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏8‏)

في
اعتقادي ان تطوير التعليم في مصر ينبغي ان ياخذ ابعادا جديده‏,‏ تعطي فيها
الاولويه لقطاع التعليم الفني والتاهيلي‏,‏ الي جانب القطاع التعليمي
والبحثي في الجامعات بما يتفق واحتياجات المجتمع ومتطلبات السوق‏.‏

والحقيقه
ان التعليم‏,‏ برغم انه يحتاج الي اعتمادات ماليه ضخمه من اجل مواكبه
التقدم العلمي والتكنولوجي في عصر الكمبيوتر والانترنت فانه يمثل في الوقت
نفسه افضل مجالات الاستثمار في الحاضر وافضل اوعيه الادخار للمستقبل‏.‏

ولست
بحاجه الي القول‏:‏ ان تقدم وارتقاء التعليم يمثل العنوان الرئيسي لاي
مجتمع متحضر‏,‏ يملك الحلم والطموح باتجاه تلبيه احتياجات الحاضر وتامين
متطلبات الغد‏.‏

واي حديث عن اهميه نشر التعليم وتطويره ينبغي ان
يواكبه اهتمام مواز بمواصله الاحتشاد وراء هدف يتحتم علينا تقصير الزمن
اللازم لانجازه‏,‏ واعني به هدف محو الاميه وتعليم الكبار‏.‏

ومع
تسليمي بان برامج محو الاميه وتعليم الكبار قد خطت خطوات واسعه في السنوات
الاخيره‏,‏ بزياده حجم انتشارها وتزايد الاقبال الطوعي عليها فان الامانه
تقتضي القول ايضا انه مازال امامنا عمل كثير لسد منابع الاميه من خلال
تحقيق الاستيعاب الكامل للتلاميذ في مدارس التعليم الاساسي‏,‏ ووقف ظاهره
التسرب التي عادت للظهور مره اخري في بعض القري‏.‏

ثم ان تطوير
التعليم يحتاج الي نظره جديده باتجاه استحداث مناهج‏,‏ وفروع تعليميه
جديده لتوفير المهارات الاساسيه للتلاميذ‏,‏ وبما يمكنهم من سرعه الاندماج
في سوق العمل والانتاج فور انتهاء دراستهم‏,‏ خصوصا في مدارس التدريب
المهني والتعليم الفني المتوسط‏,‏ وفوق المتوسط‏.‏

ان حاجتنا الي
الكوادر الفنيه الماهره لاتقل اهميه عن حاجتنا لمكتشفين ومخترعين
ومبدعين‏,‏ وكلا الامرين يتطلب استحداث نظم علميه متطوره‏,‏ لم يعد فيها
مجال لمناهج الحفظ والتلقين‏,‏ وانما يتطلب الامر مناهج ترتكز الي التدريب
المهني من ناحيه‏,‏ وتعميق غرائز التفكير والقدره علي الخيال والابتكار
والابداع من ناحيه اخري‏!‏

والامم والشعوب‏,‏ التي تنجح في رويه
الاهميه الضروريه للتعليم والتدريب والبحث العلمي‏,‏ هي الامم والشعوب
التي يمكن لها ان تطرد هواجس القلق في حاضرها وان تحس بالاطمئنان
لمستقبلها‏.‏

وعلينا ان نثق تماما بان الاستثمار في ساحه التعليم
والتدريب المهني والبحث العلمي هو افضل استثمار اقتصادي‏,‏ وتنموي مضمون
العائد بعد ان اصبحت التنميه البشريه رقما صحيحا واساسيا في ايه معادله
لصنع الحداثه وبناء التقدم في اي مجتمع‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44556

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

2

‏4 من ذي الحجه 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(9)

علينا
ان نثق دون حدود بان مصر العظيمه ليست مصابه بالعقم الابداعي كما يروج
البعض بحسن او سوء النيه وان كل الذي نحتاجه هو تهيئه الاجواء وتغيير
الاساليب وتعزيز روح الرغبه في التعامل مع سائر القضايا والتحديات في
مختلف المجالات‏,‏ بمنهج علمي لايعرف الفهلوه وتحت مظله الثقه بالنفس‏.‏

وليس
من تكرار القول ان اجدد الاشاره الي ان اهم الدروس المستفاده من نصر
اكتوبر المجيد عام‏1973‏ هو استخراج شهاده نجاح موثقه دوليا حول عظمه
وقدره العقل المصري في ازاحه اصعب الموانع وتخطي كافه الحواجز والعقبات
وابرزها الساتر الترابي الرهيب الذي كان يحمي خط بارليف الدفاعي لاسرائيل
علي طول الضفه الشرقيه لقناه السويس ولكنه تهاوي امام ابتكار العقل المصري
لفكره خراطيم المياه والطلمبات ذات الدفع العالي رغم ان كافه الخبراء
العالميين كانوا يعتقدون باستحاله ازاحه هذا الساتر وفتح ثغرات كبيره فيه
دون استخدام قنبله نوويه‏.‏

ومعني ذلك اننا نملك العقول المبدعه
القادره علي صياغه التفكير العلمي الذي هو ركيزه التخطيط في اي مجال من
مجالات الحياه سواء كان الامر يتعلق بمشاكل وازمات صعبه ومعقده من نوع
الازمه الماليه العالميه الراهنه او كان الامر يتعلق بطموحات واحلام
مستقبليه مشروعه‏.‏

وربما يعزز من اهميه وصحه ما اقول به اننا
اصبحنا نعيش عصرا لاتتحدد فيه مقاييس الكفاءه والقوه والتقدم بالمعايير
السياسيه والاقتصاديه التقليديه وانما دخل علي الخط معيار جديد هو التفكير
العلمي الذي يستمد افاقه من تفتح العقول‏.‏

وهذا الذي كنت اتحدث
عنه لايمكن له ان يتحول من مجرد اقوال مكتوبه الي افعال ملموسه في غيبه من
مناخ منظم ومنضبط يعكس جديه ومصداقيه الالتزام الصريح من الجميع شعبا
وحكومه بكل مظاهر الجديه في مختلف مناحي الحياه‏.‏

وهنا ينبغي ان
اقول انني اتحدث عن انضباط سلوكي تلقائي بوازع الوعي وليس بوازع الخوف من
المساءله‏....‏ اتحدث عن انضباط تعكسه مظاهر الدقه وحسن اداء الواجب
واحترام حقوق الغير والقدره علي التمييز بين ماهو مشروع وجائز وبين ماهو
محظور وغير مباح‏.‏

اتحدث عن حاجتنا لثقافه مجتمعيه جديده علي اساس
ان اداء الواجب ينبغي ان يسبق المطالبه بالحق ومن خلال فهم المعني الصحيح
لحدود حريه الفرد التي تبدا بالاحترام الكامل لحريه الاخرين ومراعاه
الصالح العام قبل اي اعتبار اخر‏.‏

ولم اكن في سطر واحد مما كتبت
خارج اطار ماهو في قدراتنا وامكانياتنا الذاتيه التي اظن انها وفيره
وكافيه وتتطلب فقط مجرد اعاده تنظيم بعيدا عن القوالب الفكريه الجامده‏!‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44557

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

3

‏5 من ذي الحجه 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

10

اذا
اتفقنا علي ان السياسه هي فن الممكن فان الرجل السياسي هو الذي يستطيع ان
يتحرك علي طريق الممكن وان يتجنب السير علي طريق المستحيل فلا يتورط في
اتخاذ اي قرار قبل ان يستمع لراي الخبراء والمتخصصين وقبل ان يتحسس نبض
الناس ومشاعرهم الحقيقيه‏!‏

ولان السياسه يصنعها رجال حكماء فان
الرجل السياسي هو الذي يتقمص دور الطبيب الذي يبدا بتشخيص الحاله تشخيصا
دقيقا يساعده علي كتابه الروشته الصحيحه بحيث يتجنب استخدام ايه عقاقير
لها اثار جانبيه‏.‏

اريد ان اقول ان الرجل السياسي الحكيم هو الذي
يحرص علي ان يري الصوره بشكل اوسع واشمل من نطاق الحدود الضيقه لمسئوليته
في القطاع الذي يديره حتي يتمكن من اجراء القياس الصحيح لنبض الراي العام
بترمومتر سياسي دقيق‏.‏

وليس هناك ما يميز اي رجل سياسي عن غيره
سوي امتلاكه لقدره التاثير في الراي العام لشرح انجازاته وتبرير اخفاقاته
من خلال امتلاكه لادوات خطاب سياسي صادق وصريح يصنع التواصل الدائم بينه
وبين الناس‏.‏

واذا كانت استراتيجيه التبشير بالامل احد اهم ادوات
السياسي الناجح فان استراتيجيه المكاشفه والمصارحه بحجم المصاعب والتحديات
لا تقل اهميه عن استراتيجيه التبشير لان منهج المكاشفه هو دعوه صريحه الي
المشاركه في تحمل المسئوليه واعطاء الفرصه لكل صاحب راي ان يطرح الافكار
والروي التي تقلل من حجم المصاعب والتحديات‏.‏

وافضل رجال السياسه
هم الذين يدركون منذ اللحظه الاولي لدخول هذا المعترك ان السياسه ليست
امتيازا وانما هي امانه ومسئوليه قبل ان تكون صولجانا وابهه وسلطه‏!‏

ان
رجل السياسه الناجح هو الذي يستطيع ان يحصن نفسه من العزله المكتبيه
بالتواصل مع القاعده العريضه حتي يتفادي الوقوع في شباك المنافقين
والمنزلقين الذين يجيدون اظهار علامات الولاء بضعف يخفي خلفه كل نزعات
الانانيه والمنفعه الشخصيه‏.‏

وايضا فان رجل السياسه الناجح هو
الذي يتحرر من قيود الاوراق المكتبيه التي لاتمثل في الغالب سوي جانب واحد
من الحقيقه التي يتحتم عليه ان يتعرف عليها من خلال قنوات الاتصال مع اكبر
شريحه ممكنه من الناس‏.‏

وخلاصه القول اننا بحاجه الي رجال سياسه
في كل مواقع العمل والانتاج وليس الي مجرد كوادر سواء كانت اكاديميه او
بالاقدميه‏...‏ وعلي سبيل المثال فان قطاع الرياضه الذي دخل منذ سنوات
قليله في نفق المحاكم ودهاليز النيابات يحتاج الي رجل سياسي قبل ان تتفاقم
الامور‏.‏

ان وجود مجلسين قوميين للشباب والرياضه في مصر لايتعارض
في رايي مع الحاجه الي وجود وزير سياسي يضبط الايقاع‏...‏ وللعلم هذا ليس
رايي وحدي وانما هو نبض يتردد بقوه في الشارع الرياضي‏...‏ واسالوا اهل
الرياضه‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44558

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

4

‏6 من ذي الحجه 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

11

انتظرت
طويلا ان تذاع علي الراي العام نتيجه تقرير لجنه تقصي الحقائق حول الاخفاق
المولم لبعثتنا الرياضيه في دوره بكين الاوليمبيه‏,‏ لكن طال الانتظار
باكثر مما قدرته والذي كان هو دافعي لعدم الكتابه حول هذه القضيه حتي
الان‏..‏ ومن ثم فانني اجد لزاما ان اسجل خواطري التي حبستها منعا لشبهه
التاثير علي احد خلال مرحله التحقيق والتقصي‏!‏

ولعلي بدايه اقول
ان الاخفاق في بلوغ الامل المنشود وارد في اي مجال من مجالات الحياه‏,‏
كما ان عدم تحقيق النصر في اي معركه احتمال ينبغي الا يغيب عن اي حسابات
دقيقه مهما تكن براعه الاعداد وعظمه التخطيط‏,‏ لان هناك عاملا اخر لا
يخضع للحسابات الماديه وهو عامل التوفيق‏..‏ ومن ثم‏,‏ فان التقويم الصحيح
لاي عثره علي الطريق ينبغي ان يتم في اطار الرغبه في الاصلاح وليس بدافع
الانتقام والتشفي وتصفيه الحسابات‏.‏

ثم لعلي اقول ايضا ان الهزائم
والنكبات والنكسات قد لا تكون شرا علي طول الخط‏,‏ خصوصا بالنسبه للامم
العظيمه والحيه التي تحلل بقدر ما تتقصي‏,‏ وتستعد للغد بمثل ما تحاسب علي
الامس‏,‏ وتعطي لمساحه الامل فيما هو قادم باضعاف اضعاف ما تعطي من مساحه
للبكاء علي ما مضي‏!‏

والحقيقه ان صرخات الالم والحزن التي تفجرت
في الشارع الرياضي المصري‏,‏ عقب الاخفاق المولم في بكين‏,‏ تعتبر من وجهه
نظري احدي اهم علامات صحه وقوه وعافيه وسلامه البدن المصري‏,‏ الذي مازالت
جذور انتمائه قويه ومازالت ثقته بنفسه متينه وراسخه‏.‏

ومن هنا فان
من الظلم ان نسرق هذه المشاعر الحيه وان نحولها عكس اتجاهها الصحيح الذي
يدعو للاصلاح والتصحيح والمراجعه ومعالجه الاخطاء وسد الثغرات‏,‏ ولكن
بغير ما حاجه الي تعليق المشانق لاحد او هدم هذا المعبد او ذاك علي من
فيه‏!‏

ليكن شعارنا للاصلاح بنيان جديد يقوم علي استكمال النواقص
بغير ما حاجه الي الهدم وبعيدا عن روح التشفي والانتقام من هذا الشخص او
تلك الجماعه لان هناك فرقا شاسعا بين الحساب الواجب والمساءله المطلوبه
وبين ركوب الموجه لتصفيه الحسابات‏.‏

ان المطلوب في المقام الاول
هو ان نتفق علي اننا بحاجه الي صفحه رياضيه جديده في كتاب العمل الوطني
بعد ان اصبحت الرياضه لها هذا القدر من الاهتمام والعشق الجماهيري‏,‏ الذي
جعل من مساله بث مباريات الدوري العام لكره القدم قضيه راي عام تشغل
الشارع المصري ليل نهار‏.‏

نريد صفحه رياضيه جديده‏..‏ كيف‏..‏ وعلي اي اساس‏..‏ ومن هم الموهلون لصياغه بنود هذه الصفحه‏..‏ الخ الخ‏..‏؟

تلك
كلها اسئله جديره بالاهتمام وتحتاج الي حوار واسع يشارك فيه اهل العلم
والاختصاص في شئون الرياضه‏..‏ سواء كانوا من الاكاديميين المتخصصين او من
اهل الخبره الممارسين الذين ان الاوان لاستعاده دورهم المفقود في ساحه
الرياضه‏,‏ ودون اي انتقاص من قيمه موجه شهادات الدكتوراه التي غزت
الملاعب بموهلات نظريه قد تصلح علي الورق فقط‏.‏

وبعد ذلك‏,‏ فلست اظن ان بوسعنا ان نتحدث عن اي خيار اخر‏!‏

وغدا نواصل الحديث

44559

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

5

‏7 من ذي الحجه 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

12

اعتقد
اننا سوف نظل علي مسافه بعيده من الحلم والطموح في بناء القدره اللازمه
لمواجهه كل ما ينتظرنا من تحديات مالم ندرك ان القضيه في الاساس هي قضيه
غياب الاداره الحازمه والمنضبطه التي تطبق الثواب والعقاب بعداله وموضوعيه
مجرده في مختلف موسسات الدوله‏!‏

اتكلم هنا عن الاداره بالمفهوم
الصحيح الذي يجعلها انعكاسا لقرارات صائبه تخضع قبل اصدارها للدراسات
المتانيه والتحليل العميق دون اغفال ان بعض القرارات قد تحتاج احيانا الي
سرعه الحسم وعدم التباطو او التردد في اصدارها‏!‏

اتكلم عن الاداره
التي تومن بان افضل مقياس للنجاح يكمن في عمق الايمان بضروره التجديد
والتطوير دون اغفال لحقيقه مهمه هي ان كل جديد ليس بالضروره افضل من
القديم وانما المهم ان يجيء اي تجديد للوسائل والاهداف مرتبطا بمقصد اساسي
هو توفير القدره علي البقاء والاستمرار كحد ادني وضروري لمواصله الرهان
علي امكانيه تسريع الخطي فوق الطريق الصحيح‏.‏

ولعل اكبر التحديات
التي يمكن ان تعترض مشروع بناء اداره حديثه ومتطوره في اي موقع من مواقع
العمل هو ذلك التحدي المتعلق بكيفيه العثور علي الاعداد والنوعيات
المطلوبه من العاملين الاكفاء مع توفير الاجواء الملائمه التي تيسر لهم
فرص النجاح واداء الواجبات والمهام التي ستناط بهم علي اكمل وجه وافضل
صوره‏!‏

ومعني ذلك ان مهمه الاداره العليا في اي موسسه يجب ان
تتجاوز مهمه انجاز المستهدف تحقيقه سنويا او مايصطلح علي تسميته بالموازنه
التخطيطيه من اجل بلوغ الهدف الاهم وهو البحث عن المواهب والكفاءات التي
تتوافر فيها المواصفات القياديه وبدء التدرج في اختبارها علي تحمل المهام
الاداريه المختلفه‏.‏

اريد ان اقول بوضوح ان القيادات والكوادر
لاتجئ بالصدفه حتي لو توفرت لها الموهبه ومن ثم فان من الضروري اتاحه
الفرصه لمثل هذه القيادات والكوادر لخوض تجارب تمهيديه تسبق اسناد
المسئوليه حتي يمكن تدريجيا اكسابها روح الثقه في النفس التي تفتح الطريق
امام امكانيه اكتساب ثقه الاخرين من روساء ومرووسين‏!‏

والعنوان
الصحيح للاداره الناجحه يتمثل اساسا في القدره علي صناعه القرار الذي
يقترب كثيرا من الممكن ويبتعد تماما عن المستحيل وهو مايتطلب وقتا كافيا
للدراسه لكي يجيء في النهايه تعبيرا عن الاتصال بالواقع وليس مجرد ترجمه
لنظريات وافكار يمكن قراءتها في الكتب فقط‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44560

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

6

‏8 من ذي الحجه 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

13

واصل
اليوم الي ختام هذه الاطلاله حول الشان الداخلي لاقول بكل الوضوح انني كنت
مشدودا باحلام الغد باكثر من الاستغراق في هموم الحاضر لانني اعتقد ان
الغد ليس هو الامل والتمني فقط‏,‏ وانما هو العزم والاراده اللذان
نستمدهما من قدرتنا علي احتواء تحديات وعواصف الحاضر‏.‏

ان سبيلنا
الوحيد لبدء رحله الحلم والتمني للمستقبل مرتهن بمدي حرصنا علي حمايه
وتعميق الممارسه الديمقراطيه وتاكيد استمرار التمسك بالشرعيه الدستوريه
تحت مظله من الامن والامان والاستقرار‏.‏

ان علينا ان نرسي قواعد
شفافه تنتصر لمبدا تكافو الفرص وتساعد علي تعميق اجواء المكاشفه والشفافيه
تحت رايات الحوار والتفاعل المجتمعي وفي ظل الايمان بان هذا الوطن ملك لنا
جميعا ومن واجبنا ان نتشارك في صنع وصياغه مستقبله في اطار ديمقراطي قابل
للتطور بنفس درجه تطورنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي‏.‏

ان
الغد الافضل الذي نحلم به يتطلب مزيدا من الجديه والانضباط وبما يغلق
الابواب تماما امام ثقافه الهزل والجدل والتضليل ويسد كل المنافذ امام
محترفي النفاق والرياء والفساد‏.‏

وايضا فان الغد الافضل الذي نحلم
به يفرض علينا طواعيه ان نتجه بابصارنا الي الامام وان نتوقف عن تلك
العاده السقيمه لاستمراء النبش في الماضي ومواصله الالتفات الي الخلف
باكثر مما تتطلبه ضرورات المراجعه واستخلاص الدروس والعبر‏.‏

اننا
بحاجه الي جهد حقيقي وصادق لاحداث الطفره الضروريه في مختلف مجالات عملنا
الوطني لان مصر تستحق اكثر مما هي عليه الان استنادا لتراثها الحضاري
وقياسا علي تجارب الاخرين الذين لايزيدون عنا شيئا ومع ذلك قفزوا قفزات
هائله لمجرد انهم نجحوا في تحقيق طفره التغيير دون اشتباكات جدليه حول
الثوابت الاساسيه‏.‏

ان طفره التغيير التي اتحدث عنها تعني كنقطه
بدايه توفير الاجواء الصحيحه والصحيه التي تقر بحق الحوار والمنافسه وليس
حق الجدل والصراع وكفانا ما ضاع من وقت وجهد في نبش قبور الماضي وتشويه
صروح الحاضر‏.‏

ثم اقول في النهايه انني مع تسليمي بان المهمه ليست
سهله فانني استطيع ان اقول ايضا ان مهمه امتلاك المستقبل ليست مهمه
مستحيله‏....‏ والمهم ان نبدا اول خطوه فطريق الالف ميل يبدا بخطوه
واحده‏.‏

44561

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

7

‏9 من ذي الحجه 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اذا
كان الواقع العربي الراهن لا يرضي امالنا في الحاضر وطموحاتنا في المستقبل
فان معالجه ذلك لاتتم باغلاق باب الحلم او بالهروب في اتجاهات اخريمجهوله
وغير معلومه وانما علينا ان نوفر الاسباب التي تشجع علي الحلم والامل‏.‏

ان
علينا جميعا كعرب ان نعترف باننا مقصرون ومتقاعسون و مشتتون و نتحمل القسط
الاكبر من المسئوليه عن هذا الواقع قبل ان نستسهل الطريق ونلقي باللوم علي
موامرات القوي الخارجيه وانهيار النظام المالي العالمي واختلال موازين
القوي الدوليه‏.‏

والحقيقه اننا وعلي مدي سنوات طويله اكتفينا
بترجمه احلامنا الي اغنيات وشعارات ثم اكتشفنا ان الذين بداوا الحلم بعدنا
في دول عديده قد انجزوا ما حلموا به بينما نحن لم نقف فقط محلك سر وانما
تاخرنا وتقهقرنا‏..‏ وهاهي اوروبا بكل متناقضاتها ورواسب حروبها وصراعاتها
تنجح في اقامه سوق مشتركه ثم تنتقل الي عمله اوروبيه موحده في اطار اتحاد
سياسي بدا يكشف بوضوح عن ظهور قوه عظمي يحسب حسابها‏..‏ بينما نحن الذين
كنا اسبق منهم في الحلم نحو سوق عربيه مشتركه لم نفعل حتي الان‏,‏ اي شيء
ملموس علي هذا الطريق‏!‏

ورغم اننا امه واحده فاننا مازلنا نتعامي
عن رويه عوامل الوحده التي تربط بين شعوبنا بل ان التعاون في شتي مجالات
الحياه لم يزل دون الحد الادني المطلوب لاحتياجات وطموحات شعوبنا‏,‏
وكاننا نخجل من تعميق جوانب التعاون الذي ينعكس بخيره علي الجميع‏,‏
ونتباهي للاسف الشديد بمد ايدينا طلبا للتعاون مع الاخرين الذين نهبوا
ثرواتنا في الماضي قبل ان نعمل علي استعادتها وفي الحاضر بوسائل واساليب
من نوع الملابسات الغامضه للازمه الماليه العالميه الاخيره‏!‏

لقد
تساهلنا فيما بيننا حتي بلغ الامر ذروته يوم دهمتنا كارثه غزو دوله عربيه
لدوله عربيه مجاوره عام‏1990,‏ ثم كانت الكارثه الاعظم ان الامه التي كان
يجب ان تجتمع علي قلب رجل واحد لرد المعتدي وانقاذ المعتدي عليه طبقا لما
يقول به دين الامه اذا بها تنقسم علي نفسها الي ثلاثه اجنحه‏...‏ جناح لا
يقبل بالسكوت عن الحق حتي لا يكون شيطانا اخرس وتهب دوله لمسانده المعتدي
عليه‏..‏ وجناح يندفع بالتهور لمسانده المعتدي‏..‏ وجناح يوثر الصمت
والسلامه وكان الامر لا يعنيه‏...‏ فكان ماكان من تداعيات ادت في النهايه
الي احتلال اجنبي للعراق‏.‏

اقول ذلك وانا اعلم ان مثل هذا الكلام
له مراره العلقم في الحلوق‏..‏ ولكن ذلك لايعني مطلقا التعامل معه
بالاستسلام لكابوسه ومخاصمه فكره الحلم القومي وضروره العمل علي الانتقال
بالحلم الي الواقع‏.‏

اريد ان اقول بوضوح ان المراجعه وحساب الذات شيء‏..‏ وقتل الحلم واغلاق صفحه الرغبه في التصحيح شئ اخر‏!‏

ان
من حقنا ومن واجبنا ايضا ان نحلم بان نستعيد وعي امتنا الغائب‏,‏ لانه لم
يعد امام شعوبنا من ملاذ سوي الحلم‏,‏ الا اذا كنا قد ارتضينا ان نبدا
رحله التقهقر والاندثار كمثل تلك الامم التي استسلمت للكوابيس وخاصمت
الاحلام تحت وطاه الاحساس بالعجز في عصور التردي والانحطاط‏!‏

وليست
دبلوماسيه القمه التي تنتهجها مصر في الساحه العربيه من نوع القمه المصريه
السعوديه بين الرئيس مبارك والعاهل السعودي امس الاول سوي تعبير عن
استمرار الثقه وصحه اليقين بمواصله الحلم العربي‏.‏

44562

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

8

‏10 من ذي الحجه 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

لا
اعرف لماذا تدهمنا بين الحين والحين احداث تصب في خانه الرغبه في تشويه
الاسلام والمسلمين‏,‏ ومن اسف ان يتولي صناعه هذه الاحداث مسلمون يرتدون
عباءات التطرف والتعصب وعدم الفهم الصحيح لسماحه الاسلام وانسانيته‏!‏

ثم
ما هذا الخلط المعيب في الاوراق ومحاوله اظهار العقل الاسلامي كعقل
لايكترث بالحياه‏,‏ سواء كانت حياه المسلم او غير المسلم من نوع حوادث
مومباي الاخيره‏.‏

ان الاسلام لم يكن يوما دينا رجعيا يستنكف
التزود بمعارف وحضارات الاخرين‏,‏ ولم يكن الاسلام يوما دينا جامدا تحكمه
نظرات الشك والريبه والاستعلاء علي ثقافات الاخرين‏,‏ وانما كان الاسلام
علي طول تاريخه دينا منفتحا قادرا علي مواكبه ركب التطور بعيدا عن الجمود
او التقليد الاعمي‏!‏

ان الحوادث الارهابيه التي هزت الهند اخيرا بعيدا عن كونها ماساه دراماتيكيه مولمه لايمكن ان تخدم اي هدف مشروع‏.‏

ثم
ان تكرار حدوث مثل هذه الحوادث المنسوبه للاسلام والمسلمين لن يخدم في
النهايه سوي اعداء الامه المحرضين عليها والمتربصين بها والساعين لقطع كل
اواصر الصله بين الدول الاسلاميه والمجتمع الدولي‏!‏

ومن هنا فانني
اعتقد انه قد ان الاوان لكي تصدر جميع المرجعيات الاسلاميه في جميع الدول
العربيه والاسلاميه بيانا صريحا يبرئ الاسلام والامه الاسلاميه من مثل هذه
الجرائم التي تسئ للاسلام وتضر قضايا المسلمين‏!‏

ان المطلوب الان
جهد اسلامي فاعل من اجل تبرئه الامه الاسلاميه من هولاء الخوارج الجدد
الذين يكررون ماساه الخوارج القدامي ويسيئون لكل ما هو قانوني ومشروع في
ملف النضال الاسلامي لنيل الحريه والاستقلال واستعاده الامه الاسلاميه
لمكانتها اللائقه‏.‏

ان استمرار صمت المرجعيات الدينيه في جميع
الدول الاسلاميه امر لايجوز لان كل الشواهد المرئيه في الساحه الدوليه
توكد ان هذه التصرفات غير المسئوله والمنسوبه للاسلام ظلما وزورا ربما
تكون لها انعكاسات بالغه الخطوره في عصر تتراجع فيه حسابات الحكمه والعقل
عند من يقودون سفينه السياسه الدوليه الان‏!‏

ان هذه لحظه ينبغي ان
يعلو فيها صوت العلماء والحكماء وائمه الامه من اجل حمايه الاسلام
والمسلمين من تلك الجماعات المارقه التي تتحصن بتراث معقد من التخلف
والجمود الفكري الذي يعيق رغبه الامه في النهوض والحداثه والتطور‏!‏

ان
علي العلماء والحكماء والائمه ان يبحثوا عن العله التي اصابت الامه‏,‏ فقد
كان الاسلام في بدايه ظهوره نموذجا للتطور وحافزا علي التقدم ودستورا صنع
تفوقا للشعوب الاسلاميه علي جميع شعوب الدنيا‏,‏ فلماذا تخلف المسلمون
الان وسمحوا لغيرهم بان يتقدموا ويتفوقوا عليهم بالرغم من ان الدين هو
الدين والشعوب هي الشعوب؟‏!‏

بالله عليكم اجيبونا ثم تحركوا علي الطريق الصحيح يا علماء الامه وحكماءها‏!‏

44563

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

9

‏11 من ذي الحجه 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏1‏)

ما
الذي جري في الدنيا‏...‏ ولماذا يتراجع الشعور بالرضا ويتزايد الاحساس
بغياب الامل ليس فقط عند المرضي والعجزه والمعوزين وانما للاسف الشديد لدي
بعض من اعطتهم الدنيا اكثر مما يستحقون ونالوا من الرزق اكثر مما كانوا
يطمحون‏!‏

هل السبب في ذلك هو مناخ العصر واخلاقيات التعامل
الجديده الوافده التي ارتفعت بسقف الطموح لكي يصبح نوعا من الجشع
والطمع‏,‏ الذي سرعان مايتحول الي داء وبلاء يودي الي فقدان الاحساس
بالسعاده‏,‏ مهما يكثر المال في ايدي الطامعين الذين يواصلون النظر بعيون
حاسده الي ما في ايادي غيرهم؟‏!‏

في اعتقادي انه ليس هناك ماهو
اخطر علي النفس البشريه من ان تستسلم لامراض الشك والقلق الدائم‏,‏ وفقدان
الثقه بالنفس وبالاخرين‏,‏ لان ذلك هو الذي يفتح الباب لمرض خطير‏...‏ هو
مرض مخاصمه السعاده‏!‏

ان مخاصمه السعاده داء يتسلل الي النفوس
بفيروسات ذاتيه علي عكس فيروس معايشه السعاده الذي يمكن اكتسابه عن طريق
العدوي ومعاشره اصحاب النفوس الراضيه‏,‏ القانعين بما اعطاهم الله
الواثقين في ان الارزاق هي من عند الله وحده‏.‏

وليست الاشياء
والاحداث التي يعيشها المرء‏,‏ ويستمتع بها هي منبع السعاده‏,‏ وانما
المنبع الحقيقي للسعاده هو حاله المرء النفسيه والعقليه التي تستطيع ان
تضفي صفاتها علي الاحداث‏,‏ ومن ثم ينبغي ان يتمني المرء دوام هذه الحاله
بدلا من ان يتمني عوده الاحداث الساره واستسهال البكاء علي الماضي‏,‏ وما
كان به من حسن وجمال‏!‏

ومع التسليم بان هناك في الحياه عقبات
تعترض دخول السعاده الي بيتك من نوع الفقر الشديد او المرض المستعصي علي
الشفاء لانها عقبات تطرد السعاده‏,‏ وتفرز معها احاسيس مريره وقاسيه
بالالم‏,‏ فان الرجال الاقوياء هم الذين يستطيعون ان يصارعوا الالم وان
يقابلوا الاهوال والنكبات بالابتسامه بدلا من التمزق تحت اهات العذاب‏!‏

ولاشك
في ان البعض يقع في خطا فادح عندما يستسلم للاوهام‏..‏ لان هناك فقرا
حقيقيا وفقرا موهوما وهناك مرض حقيقي ومرض موهوم وما اكثر الذين يعيشون
اوهام الفقر والمرض ويستسلمون للاحساس بانهم اناس سيئو الحظ مع ان الحقيقه
عكس ذلك تماما‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44564

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

10

‏12 من ذي الحجه 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(2)

مره اخري اكرر سوال الامس‏..‏ ما الذي جري في الدنيا؟
ان
هذه النزعات الشريره نحو رويه الشر والتعامي عن رويه الخير جزء من تداعيات
ثقافه العولمه التي ضربت صميم ركيزه اساسيه من ركائز ثقافتنا المجتمعيه
واعني بها ثقافه الرضا والقناعه‏.‏

ان هذا الغياب الملحوظ للاحساس
بالسعاده هو انعكاس للانتشار السرطاني لثقافه الجشع باسم الطموح وثقافه
الطمع بادعاء الحق في المساواه دون مراعاه للفارق الكبير بين المجتهدين
والكسالي وبين الاذكياء والاغبياء وبين الحمقي والحكماء‏!‏

لقد كان
اجدادنا يشعرون بالسعاده والرضا‏,‏ ويحسون بالانبساط والهناء‏,‏ وهم
يعيشون عيشه بسيطه في بيوت بسيطه وسط اهاليهم‏,‏ وذويهم‏,‏ حيث كانت
ابتسامه الحفيد تساوي الملايين‏,‏ بينما الان يندر ان ترصد ابتسامه علي
الوجوه‏,‏ او ان تسمع ضحكه من القلب‏..‏ فما السبب في ذلك؟

ان
كثيرا من الناس يعتقدون خطا بان السعاده مرتبطه بالمال او الجاه وهذا
الاعتقاد الخاطئ هو سر النكبه والابتلاء بداء عدم الرضا عن اي شئ فالذي
يعشق المال يظل مطاردا دائما بالاحساس بان هناك من هو اغني منه وعليه ان
يلحق به‏,‏ والذي يبحث عن الجاه لن يكف عن طلب المزيد مهما يترقي في عمله
لانه يعتقد خطا انه احق ممن هم اعلي منه ترقيه‏,‏ واكثر سلطه وجاها‏!‏

وهذه
النوعيه من البشر التي يتزايد عددها لاتري شيئا جميلا من حولها‏,‏ بل انها
تعجز عن رويه ا‏0‏لسعاده التي تحيط بها من كل جانب دون ان تحس بها‏!‏

وهذا
الذي اتحدث عنه للاسف الشديد لا يخص فقط الكبار والناضجين الذين اختاروا
الجشع والطمع منهجا‏,‏ وانما يخص ايضا اجيال جديده بدا يتسلل اليها هذا
الداء اللعين مبكرا‏..‏ وبالتالي بدات تختفي الابتسامه الصادقه من وجوههم
وتعجز الضحكه الحقيقيه عن ان تخرج من بين ضلوعهم‏,‏ مع ان المفترض
والمنطقي هو ان سن الشباب هي سن الامل والطموح والفرح والسعاده وليست سن
اللهث الذي لاينتهي وراء افكار وسلوكيات دخيله علي مجتمعنا تسرق من هولاء
الشباب احلي سنوات عمرهم عندما تسجنهم وراء قضبان تهيئ لهم ان الجشع يمكن
ان يحقق الطموح‏,‏ وان الطمع ليس امرا مكروها وانما هو حق اصيل ومشروع‏!‏

ان
سيطره الجشع باسم الطموح او الطمع باسم الحق في المساواه مع الاخرين يودي
بالمرء الي نوع معقد من صراعه الذاتي مع نفسه‏,‏ ومع هذا الصراع المدمر
يختل التوازن النفسي ويغيب الانسجام الداخلي‏,‏ وتفقد الروح قدرتها علي
صنع الابتسامه او اطلاق الضحكه من القلب‏.‏

وليس هناك من سبيل
لاستعاده الابتسامه الغائبه عن الوجوه سوي العوده الي الجذور واحياء قيم
القناعه والرضا بما قسم الله للمرء ومخاصمه كل اشكال الجشع والطمع الذي
يرتدي ثيابا كاذبه باسم حق الطموح‏!‏

44565

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

11

‏13 من ذي الحجه 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏1‏

ما
هو معني الصداقه؟‏..‏ هذا هو السوال الذي يتردد منذ فجر التاريخ وهو ان دل
علي شيء فانما يدل علي ان الصداقه الحقيقيه عمله نادره في سوق الحياه‏.‏

والسبب
في هذه الحيره وذلك العجز عن فهم معني الصداقه ان هناك من يخلطون بين
الصداقه والروابط الاجتماعيه التي تفرضها طبيعه الحياه باشكال مختلفه‏.‏

فالصداقه مثلا لا يصنعها لقاء عارض‏,‏ وايضا فان الصداقه لاتولد في احضان الواقع الذي يفرضه القدر عليك فقط‏.‏

وليس
كل زملاء الدراسه اصدقاء‏,‏ فالزماله شيء والصداقه شئ اخر‏,‏ وهو ما ينطبق
علي سائر التجمعات مثل الانديه ودواوين العمل حيث يتوهم البعض ان الانسجام
او اتفاق المصالح وتبادل المنافع يعني وجود الصداقه‏.‏

ومع ذلك
يمكن القول بان الرجال موهلون للصداقه اكثر من النساء‏,‏ لان المراه لا
تحس بطعم الصداقه وتوظف عواطفها للحب بعكس الرجال الذين يستريحون للصداقه
ويتجنبون التطور في الحب‏!‏

وهناك صداقه من اول نظره كالحب من اول
نظره‏,‏ وكثيرا ماتودي ابتسامه بشوشه او كلمه حانيه او نظره باهتمام الي
تفجير الاحساس الداخلي بانك امام شخصيه نبيله تستحق ان تمنحها شرف كلمه
الصديق‏.‏

ومثلما يبدا الحب بالحب تتولد الصداقه بالصداقه‏,‏
ومثلما لاتوجد مقاييس ثابته يقوم علي اساسها الحب بين شخصين فان الصداقه
ايضا كذلك‏,‏ لانه قد يقع اختيارك علي صديق ترتاح اليه وتانس الي مصاحبته
رغم وجود فوارق شاسعه في الثقافه والمستوي الاجتماعي‏.‏

ولاشك في
ان انعدام الاغراض والاهواء الشخصيه من المميزات الضروريه للصداقه
الحقيقيه‏,‏ ومع ذلك فان من واجب الصديق ان يعمد الي الحدس والتخمين في
معرفه مشاكل صديقه وان يبادر بمد يد العون قبل ان يطلب منه صديقه شيئا‏.‏

واذا
كانت لاصدقائنا حاجيات ومتطلبات نستطيع تلبيتها فمن واجبنا ان نعفيهم من
حرج طلب العون منا‏,‏ لانه فضلا عن الرضا والارتياح الذي ينجم عن مثل تلك
المبادره‏,‏ فان روح المبادره تمثل افضل غذاء يودي الي تنميه شجره الصداقه
وتقويه عودها‏!‏

ولايمكن لاي صداقه ان تدوم في غيبه من تبادل
الاعجاب بين الصديقين‏,‏ ولكن دون ان يكون ذلك علي حساب مناخ المصارحه
الذي يجب ان يسود العلاقه بين اي صديقين‏,‏ لانه كما يقولون في الامثال
صديقك من صدقك لا من صدقك‏!‏

وغدا نستكمل حديث الصداقه‏..‏

44566

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

12

‏14 من ذي الحجه 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏2

‏لا
اظن ان احدا يمكن ان يجادل في ان الصداقه الحقيقيه تعني الثقه الكامله‏,‏
ومن هنا فان الشخص الغضوب الذي يستاء بسهوله من اي نقد ويكون مزاجه متقلبا
لايمكن ان يحظي باصدقاء حقيقيين‏,‏ بل ويصعب ان تدوم له صداقه مع احد‏.‏

والصداقه
كالزواج معناها عهد والتزام بين شخصين‏,‏ وقد عبر عن ذلك المعني الفيلسوف
ابيل يونار عندما قال‏:‏ ان الصداقه هي اختيار اكيد لايتغير لشخص اصطفيناه
لانه يملك صفات تحوز مزيدا من اعجابنا‏..‏ علي انه لا ينبغي ان يكون هناك
اي اشتراط‏,‏ فاذا نشات الصداقه وجب علي الصديقين ان يظلا كذلك علي
الدوام‏!‏

وربما يسالني احد‏:‏ وماذا اذا اثبتت تصرفات صديقك علي مدي الايام انه لايستحق صداقتك‏..‏ هل تظل تحبه؟

وجوابي هو‏:‏ ان جذور رحله الصداقه تبقي دائما اقوي من اعشاب فتره القطيعه‏!‏

ثم
لعلي اضيف الي ذلك قائلا‏:‏ ان الاختبار الحقيقي لهذا السوال وتلك الاجابه
يتحدد في ارض الواقع بوضوح اذا تعرض الصديق السابق لمحنه يستحيل السكوت
امامها‏,‏ فالسكوت والصمت والعجز هنا اقرب الي الشماته‏..‏ وليس في قاموس
الصداقه حتي لو كانت سابقه مثل هذه المشاعر القاسيه‏!‏

بل انني
اقول له بكل الوضوح‏:‏ يا صديقي‏..‏ كن علي ثقه انني لم ولن اتخلي عنك في
محنتك لان الصداقه عندي اقوي من كل اخطائك وخطاياك التي ادت الي القطيعه
وتجميد الروابط لكنها ابدا لم تستطع ان تقتلع الجذور المتينه التي ربطت
بيننا‏!‏

ان الصداقه الحقيقيه تكون دائما اكبر من اي رصيد يملكه المرء عند ساعات الشده والمحنه والخطر‏!‏

ثم
ان الصديق الحقيقي هو العمله الصعبه الوحيده التي لاتتعرض للاهتزاز في سوق
الحياه‏,‏ لانها لا تعرف المزايدات او المضاربات في بورصه المصالح
والمطامع‏!‏

وفي اعتقادي وعن تجربه ان السعاده الحقيقيه للمرء تقاس بعدد الاصدقاء الحقيقيين في حياته‏.‏

عن
الصداقه الحقيقيه كنت اتكلم رغم انني اول العارفين بان هذه المعاني
النبيله توشك علي الانقراض في ظل طوفان الثقافه العولميه الوافده التي
تطغي فيها الحسابات الماديه علي المعاني الروحيه والاخلاقيه‏!‏

ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم والصحابه الكرام اسوه حسنه نقتدي بها حفاظا علي معني وقيمه الصداقه في حياه البشر‏.‏

44567

‏السنه 133-العدد

2008

ديسمبر

13

‏15 من ذي الحجه 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏( 1)‏

يظل
الحديث عن الازمه الماليه العالميه وتداعياتها المحتمله واجبا وطنيا يستحق
استمرار الخوض فيه لاننا ازاء ازمه عاتيه ينبغي ان نتعامل معها بمنطق
المواجهه وليس بمنطق الاختباء‏.‏

وعندما اتكلم عن المواجهه كخيار
وحيد فانني اعني اعاده النظر بامانه في مدي قدرتنا علي استكمال البناء
الراسخ الذي يوفر لنا المناعه الذاتيه علي مختلف الاصعده الاقتصاديه
والماليه والاجتماعيه‏.‏

اتكلم عن المواجهه في اطار دعوه صريحه
للارتقاء باساليب ووسائل عملنا‏,‏ وبما يمكننا من صد الرياح والعواصف
المحتمل هبوبها علينا‏,‏ وذلك امر يتطلب في المقام الاول امتلاك القدره
علي اقتحام اسواق المنافسه الشرسه التي ستتغير حساباتها ومعادلاتها‏,‏ في
ضوء ما هو متوقع من كساد مالي وبطء في النمو الاقتصادي العالمي‏.‏

اتكلم
عن حاجتنا الي نظم اداريه متطوره تقوم علي تشغيلها قيادات عصريه غير
مشدوده للخلف بحبال المشكلات والتعقيدات التي يمكن ان تعيق قدرتها علي
توظيف ما في عقولها من علوم وافكار ومبادرات وروي تتجاوز الانماط
التقليديه التي تجاوزتها روح العصر‏.‏

اقول صراحه انه لم يعد
امامنا من خيار للتعامل مع تحديات العصر سوي بافكار واليات ولوائح عصريه
تلبي الهدف الاستراتيجي في المرحله المقبله باتجاه زياده حجم الناتج
الوطني والارتقاء بمستوي هذا المنتج بالدرجه التي تكفل دخوله الي المنافسه
في اسواق التصدير العالميه‏.‏

وهذا الذي اتحدث عنه يتطلب فهما
جديدا لثقافه العمل والتوظيف ينتصر للتوازن الغائب بين حق العامل في ان
ينال كامل حقوقه وحق المنشاه الانتاجيه في ان تنجز اهدافها التي تمكنها من
النمو والتطور‏,‏ بعيدا عن الاستخدام السيئ للشعارات التي افرزت واقع
البطاله المقنعه باسم استحقاقات البعد الاجتماعي‏.‏

ومن حسن الحظ
ان التوجه العام للدوله المصريه الذي يعبر عنه الرئيس مبارك يضمن بقاء
وعاء الدعم اللازم لمساعده الفئات الاكثر احتياجا في مجالات الصحه
والتعليم ومواد التموين الاساسيه وفي مقدمتها رغيف الخبز ووسائل النقل
العام‏...‏ وهذا التوجه المحمود يفرض علينا ان نتجنب مخاطر استمرار
استنزاف رصيد كبير من الدخل العام في تغطيه رواتب واجور لفئات لاتعمل ولا
تنتج او اهدار المال العام في استخدامات مظهريه وترفيهيه لاتتفق ومعطيات
الازمه الماليه العالميه الراهنه‏.‏

وليس خروجا عن سياق الحديث ان
اقول بوضوح انه يتحتم علينا تجديد الرهان باتجاه الارض الجديده ومراعاه
تجنب ما ارتكبناه من اخطاء في ارض الوادي القديم سواء من ناحيه تفتيت
الملكيه الي مساحات صغيره او تغييب الاستخدام الواجب للتكنولوجيا الحديثه
والمتطوره التي اصبحت اهم اليات صناعه التقدم الزراعي في العالم‏.‏

ان
علينا ان نواصل السعي لزياده الرقعه الزراعيه مهما تكن التكاليف والمصاعب
وان نجعل هذه الارض الجديده بمثابه محميه زراعيه بيئيه لايجوز فيها
استخدام المبيدات والاسمده الكيماويه حتي نضمن لانفسنا مكانا في سوق تصدير
الغذاء الذي سيحتل مكانا متقدما في الاقتصاد العالمي خلال السنوات
المقبله‏!‏
وهذا هو حديث غد‏..!‏