رد: كل يوم بقلم مرسي عطا الله

44518

‏السنه 133-العدد

2008

اكتوبر

25

‏25 من شوال 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏1‏)

في
الطريق الي الموتمر العام السنوي للحزب الوطني تبرز علي السطح حزمه من
القضايا التي يصعب تجاهلها وفي مقدمتها مايتعلق برويه الحزب للازمه
الماليه العالميه الراهنه وكيفيه العمل علي تقليل اضرارها وتداعياتها
السلبيه من ناحيه‏,‏ والسعي لاغتنام اي فرص ايجابيه متاحه لنا علي هامش
هذه الازمه من ناحيه اخري وخاصه مايتعلق ببدء ظهور ملامح موكده لانخفاض
اسعار معظم السلع التي نستوردها من الخارج وفي مقدمتها اسعار السلع
الغذائيه التي لايمكن ان تظل دون انخفاض يحس به الناس في السوق المصريه‏.‏

ولعلي
في البدايه اتحدث عن نقطه مفصليه في اعمال هذا الموتمر واعني بها مايتعلق
بتحديات التطبيق علي ارض الواقع بعد ان تجاوزت سياسات الفكر الجديد مرحله
الدراسه والتجريب وباتت موهله لتوسيع دائره التطبيق علي مساحات اوسع لكي
يزداد احساس المواطن المصري بمدي اقتراب هذه السياسات من همومه ومشاكله
الحياتيه‏!‏

وربما يكون ذلك دافعي لتكرار التاكيد علي ان الاوراق
التي قدمها الحزب الوطني في السنوات الاخيره كانت مليئه بطموحات مشروعه
وفي اطار الممكن‏,‏ ولكن المساله ليست افكارا وسياسات واوراقا يطرحها
الحزب وتحظي بموافقه موتمره السنوي عاما بعد عام‏,‏ وانما العبره بتحديات
التطبيق التي تتحمل مسئوليتها حكومه الحزب خصوصا انها شريك اساسي في صياغه
معظم هذه الاوراق‏.‏

اريد ان اقول بوضوح انه قد ان الاوان لكي تصبح
تحديات التطبيق علي ارض الواقع عنوانا للموتمر المقبل للحزب الوطني بدءا
من كيفيه قراءه انعكاسات المتغيرات الدوليه علي عمليه التنميه بشكل عام
ومرورا بالطموحات المشروعه لتطوير التعليم وتحسين الخدمات الصحيه واعاده
الاعتبار والاهتمام بالزراعه المصريه ووصولا الي نشر مظله الرعايه
الاجتماعيه وبالذات للفئات الاكثر احتياجا‏!‏

وهذا الذي تحدثت عنه
كاستهلال ومقدمه لمناقشه اهم القضايا الجماهيريه التي يفترض ان تكون علي
صدر اجنده اعمال موتمر الحزب الوطني يوكد ان قدرتنا علي تحويل الافكار
والسياسات والاوراق الي حقائق ملموسه يرتهن اساسا بعمق الايمان باهميه
تحديث الاداره المصريه والانتقال بالاداره من واقع المفهوم القديم الذي
يختصرها في مسئوليات التنظيم والتحكم الي المفهوم الجديد للاداره كقياده
تملك القدره علي مواجهه المصاعب والازمات التي هي سمه الحركه المتجدده
والمتغيره في الشارع وفي السوق‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44519

‏السنه 133-العدد

2008

اكتوبر

26

‏26 من شوال 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(2‏)

لست
اخرج عن مضمون الاوراق التي سيطرحها الحزب الوطني علي موتمره السنوي
المقبل‏,‏ عندما اقول ان الموتمر يمثل فرصه لاعاده احياء دعوه الرئيس
مبارك لانشاء السوق العربيه المشتركه التي لم تعد فقط مجرد حلم نبيل وانما
اصبحت في ظل الازمه الماليه العالميه ضروره من اجل ضمان القدره علي مواجهه
رياح واعاصير هذه الازمه التي لن يفلت من تداعياتها السلبيه احد‏.‏

والحقيقه
ان تجديد الدعوه بشان السوق العربيه المشتركه يكتسب اهميه كبري في هذه
المرحله التي يتضح فيها بجلاء حجم التحديات الكبري المفروضه علي الامن
القومي العربي بشكل عام والامن الاقتصادي العربي بوجه خاص وهي تحديات
لاتدع امامنا اي خيار اخر سوي خيار التكامل والتوحد والتنسيق الاقتصادي
العربي خصوصا ان عناصر ومقومات مثل هذا البناء المنشود متوافره ويكمل
بعضها بعضا وتصب في مصلحه الجميع دون استثناء‏!‏

ولعل ما يعزز من
الامل في ان تلقي دعوه الرئيس مبارك القدر الكافي من الاهتمام في هذه
اللحظات المصيريه من تاريخ البشريه ان كل ما كان يقال من تباعد النظم
والافكار التي تحكم المسار الاقتصادي في الدول العربيه لم يعد له وجود
موثر الان بعد ان سقطت نظريات الاحتكار الحكومي للانشطه الاقتصاديه‏,‏
واصبح القطاع الخاص يحتل مرتبه اساسيه ومتقدمه في بناء الاقتصاد الوطني
لسائر الدول العربيه تقريبا‏.‏

وفي اعتقادي ان ما نحتاج اليه الان
هو مواصله الاصلاحات الهيكليه وتيسير حركه الاستثمار والتنميه بازاله
العقبات البيروقراطيه التي تعيق حريه الانتقال المامون لرووس الاموال
العربيه‏,‏ وذلك ليس بالامر المستحيل في ظل ما حدث من نمو ملحوظ لنشاط
القطاع الخاص‏.‏

ان علي موتمر الحزب ان يتبني الدعوه الي مراجعه
شامله للانظمه الاستثماريه في الدول العربيه‏,‏ وبما يودي الي ازاله
العقبات التي تعترض اقامه المشروعات العربيه المشتركه التي تمثل اللبنه
الاولي في بناء السوق العربيه وايضا علي الحزب ان يتبني الدعوه الي رويه
تشريعيه عربيه تشجع القطاع الخاص علي الاقبال باطمئنان لتحمل دوره في
مسئوليه بناء السوق المشتركه‏,‏ وذلك من خلال تيسير سبل التبادل التجاري
العربي وتوفير ميزات نسبيه للاستثمارات المشتركه والتخلي عن اجواء
الحساسيات والشكوك التي تحول دون امكان جذب وتبادل الاستثمارات والخبرات‏.‏

وفي
ظني ان الحزب الوطني يمكنه ان يزيل اوهام الخوف والحذر ويشجع الاشقاء
العرب في اطار حزمه واحده لاقتحام الاسواق الخارجيه لتصدير منتجاتنا من
ناحيه والحصول علي افضل شروط لاستقدام التكنولوجيا اللازمه للانماء
الصناعي والزراعي من ناحيه اخري‏!‏

وليس جديدا ان اقول انه قد ان
الاوان لتغيير جذري في نظم النقد البنكيه العربيه لكي تتوافر للمصارف
العربيه فوائض رووس الاموال التي تذهب الي المصارف الاجنبيه القدره علي
الاسهام الجاد في تمويل متطلبات التنميه الاقتصاديه وتطوير البنيه التحتيه
الموهله لاستقبال وسائل الانتاج الحديثه ووسائل التصريف والتصدير التي
تلائم تحديات ازمه دهمتنا ولم تكن في حسبان احد‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44520

‏السنه 133-العدد

2008

اكتوبر

27

‏27 من شوال 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(3‏)

كيف
السبيل الي النجاح وكيف يمكن مواجهه دعوات التشاوم واستمرار التمسك بطاقات
الامل والتفاول في ظل ظروف اقتصاديه واجتماعيه صعبه يعاني منها شباب
اليوم‏.‏

هذا هو السوال الذي يتردد باستمرار في رسائل عديده
اتلقاها في بريدي بصوره شبه يوميه بتوقيع شباب يشعر اغلبهم ان الفرص باتت
محدوده امامهم وان مصاعب الحياه زادت تعقيدا وان الدنيا لم تعد هي الدنيا
التي كانوا ومازالوا يسمعون عنها علي السنه الاجداد والاباء والامهات‏!‏

والحقيقه
ان هذا السوال يستحق اهتماما واسعا خلال مناقشات الموتمر العام للحزب
الوطني‏,‏ لان هذه السن المبكره هي سن الامل والطموح وسن الثقه بالنفس
والقدره علي عدم الاستسلام للمصاعب او ترديد كلمه المستحيل خصوصا وانه مع
تسليمي بصحه المصاعب التي يواجهها شباب اليوم فان هناك تقصيرا من جانب
وسائل الاعلام في الفصل بين ظروف طارئه فرضتها متغيرات عالميه في السنوات
الاخيره ولم يكن بامكاننا او بامكان غيرنا ان يتفادي كليا تداعياتها
السلبيه‏,‏ وبين ضروره الاقرار بان فرص النجاح امام شباب اليوم لم تغلق
تماما وان بوابات الطموح مازالت ارحب واوسع عن ذي قبل بعد ان تطورت الدنيا
وارتفعت مستويات المعيشه‏.‏

ان علينا ان ندير اوسع حوار مع شباب
اليوم لتبديد اجواء الحيره والقلق من خلال سوال جوهري‏:‏ هو ما الذي يدفع
هولاء الشباب الي الشعور بعدم الثقه في الحاضر وغياب الامل في الغد‏,‏ لان
سياسه الصمت وعدم المبادره بالحوار مع هذا الشباب قد تودي الي اجهاض اعظم
ما يمتلكونه وهو غريزه الحلم واراده القدره علي تحويل الحلم الي واقع‏.‏

ان
الحوار مع الشباب ضروره حيويه للمصارحه والابقاء علي طاقات الحلم الكامنه
في نفوسهم ليس بنثر اوهام كاذبه وانما بالتاكيد علي ان الاحلام وحدها لا
تكفي لصنع النجاح وانما السبيل الوحيد هو العمل تحت رايه الاصرار
والاراده‏.‏

لقد ان الاوان لكي يدرك شباب اليوم ان واقع العصر الذي
نعيشه قد فرض مفهوما جديدا للعمل يختلف كثيرا عن مفهوم الوظيفه الميري
والعمل المكتبي الروتيني الذي لم يكن موجودا قبل نشوء الدوله الحديثه‏...‏
واظن ان انجازات التطور العلمي في شتي مجالات الحياه علي مدي عمر التاريخ
منذ عصر الفراعنه هي الشهاده الصحيحه لمعني العمل وقيمته واهميته في
استمرار الحياه‏.‏

واظن ان كل الثقافات والحضارات القديمه
والمعاصره تتفق علي ان التعريف الصحيح لكلمه يعمل هو القدره علي
الانجاز‏,‏ فطالب العلم اذا اراد ان ينجح وان يتفوق فليس امامه سوي ان
يعمل بكل طاقته وان يخصص اغلب وقته لاستيعاب دروسه‏.‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44521

‏السنه 133-العدد

2008

اكتوبر

28

‏28 من شوال 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(4‏)

استكمالا
لحديث الامس عن حيره شباب اليوم وارتباط ذلك بغياب المفهوم الصحيح لمعني
العمل في هذا العصر بعد ان تراجعت اهميه الوظيفه الميري في منظومه التطور
الاقتصادي والاجتماعي علي مستوي العالم كله اوكد مجددا مسئوليه المجتمع في
توجيه النصح ومد يد العون لشباب اليوم حتي نجنبهم الوقوع في دوائر الاحباط
والتشاوم تحت وطاه ظروف اقتصاديه واجتماعيه صعبه وطارئه لا يمكن لها ان
تلغي قانون الحياه المبني علي الامل والتفاول والطموح المشروع‏.‏

ان
علينا بدلا من الدق فقط علي وتر تضخيم المشاكل والازمات في المناقشات
الحزبيه الوشيكه ان نجرب ايضا محاوله العزف علي الات التبشير فما احوج
شباب اليوم الي الايمان بان النجاح غير مستحيل وان الامل موجود بشرط ان
يحسن الشباب اختيار اهدافهم وان يواصلوا رغم ايه عقبات السعي لتوظيف
طاقاتهم وقدراتهم بعيدا عن النظره الضيقه للوظيفه التقليديه‏.‏

ان
تكنولوجيا العصر توفر فرصا واسعه للعمل والابداع والانجاز وبما ييسر
الوصول الي طريق النجاح الذي يفتح تلقائيا ابواب الطموح علي مصراعيها بشرط
ان يتجنب الشباب اوهام التحليق باتجاه غايات واهداف لم يوهلوا لها التاهيل
الكافي‏!‏

وفي اعتقادي انه ليس هناك اخطر علي الشاب من ان يحلم
بعيدا عن قدراته وامكاناته لان ذلك قد يعرضه للفشل وبدايه فقدان الثقه
بالنفس وسيطره احاسيس الياس والاحباط وتراجع مشاعر الامل والتفاول
وبالتالي فقدان الهمه وتناقص النشاط وعدم الاقبال علي العمل وربما علي
الحياه ذاتها بنفس الحيويه التي كان عليها قبل الاندفاع للتحليق باتجاه
سماوات الوهم الكاذب‏!‏

ان العمل والعمل وحده هو الطريق الوحيد
لتحطيم احاسيس الياس والاحباط وطرد مشاعر العجز والتردد وتمكين المرء من
بلوغ الارتياح النفسي الذي هو ركيزه السعاده والغبطه والشعور بالثقه
والارتياح‏.‏

انني اتمني علي الحزب الوطني ان يصدر في ختام اعمال
موتمره السنوي رساله واضحه تقول لكل شاب مصري‏:‏ افعل ما تفعل واقبل علي
اي عمل متاح امامك بكل قلبك وبكل عقلك وبكل جهدك من اجل ان تصل الي هدفك
وحينما تصل الي الهدف المنشود يمكنك ان تتباطا في السير وان تستكشف الطريق
المتقاطع مع طريقك وان تمتع عينيك بالمنظر‏..‏ ولكن اياك ان تستكشف او ان
تتباطا قبل ان تبدا المهمه‏.‏

وهذه الرساله والنصيحه ليست كلماتي ولكنها كلمات خالده وصادقه للمفكر الفرنسي الشهير الراحل اندريه مورو‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44522

‏السنه 133-العدد

2008

اكتوبر

29

‏29 من شوال 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏5‏)

لو
ان احدا سالني بماذا تحلم لمصر في ظل متغيرات وتحديات عصر جديد لقلت دون
تردد انني احلم بعبور اقتصادي واجتماعي نتكاتف جميعا علي انجازه مثلما
تكاتفنا لانجاز العبور العظيم في ملحمه حرب اكتوبر عام‏1973.‏

انني
احلم بان تعود الخضره لتكسو كل بقعه في ارض بلدي‏,‏ وان يصبح في كل شارع
عشرات الاشجار‏,‏ وفي كل ميدان حديقه‏,‏ وان تختفي الي الابد كل مظاهر
العدوان البغيض علي الرقعه الزراعيه‏..‏ وايضا فانني احلم بان تختفي الي
الابد مشكله تكدس القمامه في الشوارع‏,‏ والطرقات‏,‏ وان تنشط حركه
المجتمع المدني لاستعاده الوجه الحضاري لمصر‏,‏ وعوده النظافه الغائبه الي
مكانها الطبيعي في قاموس السلوك العادي‏,‏ لان هذا الغياب الاضطراري
للنظافه لا يرجع الي شماعه نقص الامكانيات‏,‏ وانما هو في الاصل وفي
الاساس مساله سلوك خصوصا ان واحدا من اهم مبادئنا ومعتقداتنا الروحيه ان
النظافه من الايمان‏!.‏

انني احلم بان يختفي التسيب والاهمال في كل
مواقع العمل العام‏,‏ وان يرتفع الجميع الي مستوي المسئوليه‏,‏ والاحساس
بالواجب‏,‏ والامانه في اداء الواجب‏,‏ وان يختفي الحقد والحسد‏,‏ ويتراجع
سلوك الانفعال والغضب حتي يسود الحب والود والتسامح والاخاء‏,‏ فليس هناك
ابقي واخلد من العلاقات الطيبه‏.‏

والي جانب الحلم لدي امنيات ليس من الصعب تحقيقها لانها ليست مرتبطه بالامكانيات‏,‏ وانما هي في البدايه والنهايه مساله سلوكيات‏.‏

اتمني
ان تنتقل كل المصانع الموجوده داخل كردون المدن الي المدن الصناعيه
الجديده‏,‏ وان نحقق حلم انشاء المصانع الخاصه بتحويل القمامه الي اسمده
وغازات نيتروجينيه نافعه‏,‏ كما تفعل دول عديده‏,‏ كما اتمني ان تختفي
تماما من بلادنا كل انواع السيارات التي تسهم في تلوث البيئه‏,‏ وايضا
فانني اتمني ان تعود الحدائق مره اخري الي المدارس‏,‏ وان تصبح ماده
التربيه الزراعيه ماده اساسيه حتي ننمي في ابنائنا حب الخضره‏,‏
والجمال‏,‏ وان يقل استخدام الاسمده الكيماويه في تغذيه المزروعات‏,‏ وان
نعود الي استخدام الاسمده الطبيعيه‏,‏ حتي يعود للخضراوات والفاكهه مذاقها
الطبيعي‏.‏

وفي النهايه من حقي ان احلم بان تختفي تماما عربات
الكارو القذره التي تجمع القمامه‏,‏ وتمثل صوره قبيحه لوجه مصر بوجه عام
ووجه القاهره الكبري بوجه خاص‏,‏ وان تنشط اجهزه الرقابه الصحيه علي
الاغذيه في المحلات الكبري والباعه الجائلين علي حد سواء‏.‏

وليت
هذه الاحلام والامنيات المشروعه والتي تندرج في نطاق امكانياتنا وقدراتنا
الذاتيه ان تكون بمثابه رساله الي الحزب الوطني الذي يستعد لعقد موتمره
السنوي في ظل تحديات ذاتيه واقليميه ودوليه‏,‏ تستوجب اقصي درجات اليقظه
والانتباه واقصي درجات الثقه بالنفس واستمرار القدره علي الحلم والتمني‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏..‏

44523

‏السنه 133-العدد

2008

اكتوبر

30

‏30 من شوال 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(6‏)

‏
ربما يزيد من اهميه الحديث عن الموتمر الوشيك للحزب الوطني ان توقيت
انعقاده يجيء مع ذروه ازمه عالميه توكد كل الشواهد انها ستفرز تداعيات
سياسيه واقتصاديه واجتماعيه وثقافيه‏,‏ وان هذه التداعيات سوف تطال
الجميع‏,‏ وان اختلفت النسب من دوله الي اخري‏.‏

وهنا ربما نكون في
حاجه ماسه الي تجديد الثقه بالنفس وتاكيد القدره علي تحويل الاحلام
الكبيره والطموحات العظيمه الي واقع حي وملموس‏,‏ مستندين في ذلك الي
حقائق وارقام صحيحه وواضحه‏.‏

وليس عيبا ان نعترف بان التمسك
بالاحلام والطموحات المشروعه والثقه في القدره علي ترجمه النبوءات الدقيقه
هو جزء من فلسفه العمل الصحيح لاي حزب سياسي يعبر عن الاغلبيه ويتولي زمام
المسئوليه‏,‏ ومن واجبه اشاعه الامل في النفوس والتصدي بكل قوه لدعوات
الياس والاحباط‏!‏

واذا كان صحيحا وهو في الاغلب صحيح ان مصر قطعت
في السنوات الاخيره خطوات حثيثه علي طريق دعم وتقويه البناء الاقتصادي
السليم‏,‏ القادر علي معايشه المتغيرات الدوليه‏,‏ والمحصن ضد محاولات
استدراجه لخنادق التبعيه فان المرحله المقبله تتطلب رويه اعمق واشمل لمزيد
من الخطوات الجسور لتهيئه الاجواء اللازمه لحمايه الاقتصاد المصري من
مخاطر ما يحتمل حدوثه عالميا بسبب الازمه الراهنه سواء باتجاه البطء في
النمو او باتجاه الكساد النسبي في حركه التجاره العالميه‏,‏ وما يمكن ان
يستتبعه ذلك من تراجع في حصيله الموارد من العملات الاجنبيه‏,‏ وفي
مقدمتها موارد السياحه الوافده الي مصر ونوعياتها‏.‏

وفي السياسه
تبقي الي الابد صحه المقوله التاريخيه بان السياسه هي فن الممكن‏..‏ ومعني
ذلك ان الحزب السياسي الناجح هو الذي يستطيع ان يدرك في الوقت المناسب
اعاده ترتيب جدول اولوياته طبقا لمتغيرات اللحظه الراهنه‏,‏ وبالتالي يدرك
ماهو في الامكان فيسعي الي تحقيقه وما هو غير ممكن فلا يتورط في البدء فيه
قبل ان تتهيا الظروف التي تجعل منه امرا ممكنا وقابلا للتحقيق‏.‏

وافضل
الاحزاب السياسيه هي التي تملك القدره علي الاقتراب من نبض الجماهير من
ناحيه‏,‏ وتحرص علي فحص كافه القضايا المدرجه علي جدول اعمالها بعنايه بعد
الاستماع لاراء الخبراء والمتخصصين من ناحيه اخري‏,‏ حيث يستطيع الموتمر
العام ان يقول في النهايه كلمته‏:‏ اننا نستطيع ان نصل الي هنا ليس اقل من
ذلك وليس ابعد‏!.‏

وفي ظني ان القائمين علي شئون الحزب الوطني
والممسكين بمفاتيح قيادته وصياغه سياساته المرنه التي تتلاءم مع المتغيرات
واعون لذلك‏,‏ ويتحركون في هذا الاطار بذكاء وحذر‏!‏ وغدا نواصل الحديث‏..‏

44524

‏السنه 133-العدد

2008

اكتوبر

31

‏2 من ذي القعده 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(7‏)

كلنا
نحلم بمصر القويه القادره التي تتسع لاحلامنا وطموحاتنا المشروعه بمثل ما
تتسع لخلافاتنا وتباين وجهات نظرنا تحت رايات الحريه والديمقراطيه
والتعدديه الحزبيه‏.‏

وبادئ ذي بدء اقول ان مصر القويه والقادره
ليست مجرد ارقام تعكس حجم النمو الاقتصادي ووفره الاحتياطي من العملات
الصعبه وانما القوه الحقيقيه تتمثل في الاستقرار والتماسك والثقه بالنفس
ومواصله القدره علي الحلم والتمني المشروع‏.‏

مصر القويه هي نتاج
الفرد القوي الذي يجب تنشئته علي مبادئ اساسيه اهمها انه لا قوه بدون
ديمقراطيه ولاقوه بدون انتاج‏,‏ ومن ثم فان العمل والاخلاص في اداء الواجب
هو سبيلنا الوحيد لصنع وبناء القوه المنشوده التي تسند ظهورنا وتمنحنا
القدره علي صد واحتواء اعتي الازمات واصعب المشاكل‏.‏

ان مصر
القويه ليست مصر الداخل فقط‏,‏ وانما مصر القويه هي مصر العروبه‏,‏ ومصر
الاسلام‏,‏ ومصر الافريقيه‏,‏ ومصر صاحبه الدور المحوري علي امتداد منطقه
الشرق الاوسط باسرها‏..‏ وايه قراءه امينه ودقيقه لمعطيات الواقع المحلي
والاوضاع الاقليميه والمتغيرات العالميه المتسارعه توكد ان خيارنا الوحيد
لبناء مصر القويه يرتكز علي عنصر اساسي هو منهج العمل الجاد الذي يمكننا
من توفير وتهيئه افضل الاجواء الملائمه سياسيا وثقافيا واقتصاديا
واجتماعيا لمزيد من الديمقراطيه ومزيد من الاستثمار ومزيد من التنميه‏.‏

وربما
يعزز من صحه ما اقول به ان سياسه مصر الخارجيه لم تعد مجرد عنوان يستدل به
علي خندق الانتماء لهذه الدائره او تلك من دوائر الانتماء التي سبق ان
ذكرتها عربيا واسلاميا وافريقيا واقليميا‏,‏ وانما هي سياسه متعدده
الاهداف بدءا من ضرورات حمايه الامن القومي ومرورا بالقدره علي توظيف
الدور المصري واستثمار ايجابيات الوزن السياسي التي صنعتها عقلانيه
سياستنا الخارجيه ووصولا الي خدمه احتياجات البناء والتنميه والاستثمار في
الداخل‏.‏

بوضوح شديد اقول ان اي حديث عن الغد الذي يصل بنا الي
مصر القويه ينبغي ان يضع في الاعتبار اعطاء اولويه مطلقه في برامج العمل
الوطني لكل ما يدعم متطلبات الامن والاستقرار‏,‏ وان يتوافر لدينا الادراك
الكامل لمعني ومغزي تحديات العصر الذي تتسارع فيه موجات الانطلاق العلمي
بشكل مذهل لم يعد يترك امامنا من خيار سوي حتميه مواصله ما تم انجازه علي
طريق تحديث وتطوير نظمنا وموسساتنا التعليميه من ناحيه ودعم مراكز البحث
العلمي وحسن رعايه الموهوبين بها من ناحيه اخري‏.‏

واعتقد ان موتمر الحزب الوطني يدرك ان مصر تستحق ان تكون دوله قويه‏..‏ وان شعبنا يمكن ان يكون علي مستوي التحدي‏!‏
وغدا نواصل الحديث‏!‏

44525

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

1

‏3 من ذي القعده 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(8‏)

يظل
عندي في ختام هذه الاطلاله التي استمرت ثمانيه ايام متتاليه سوال يتعلق
بمسئوليه الحزب الوطني عما تم تنفيذه من البرنامج الانتخابي للرئيس
مبارك‏,‏ وخاصه ما يتعلق بتوفير المزيد من فرص العمل باعتبار ان هذه
القضيه تمثل احد اهم اولويات العمل الوطني في المرحله المقبله‏.‏

والحقيقه
ان هناك خطوات واسعه تمت علي هذا الدرب‏,‏ ولكن المشكله ان هناك تراكمات
منذ سنوات سابقه علي البرنامج الانتخابي‏,‏ مما ادي الي تقليل الاحساس
بتخفيف حده البطاله برغم ان الارقام الرسميه المعلنه تتحدث عن ان نسبه
النمو التي جاوزت‏7%‏ سنويا تعني القدره علي استيعاب طاقه العمل الوافده
سنويا‏.‏ وبالتالي فان التراكم القديم مازال علي حاله‏,‏ مما يزيد من
الاحساس بان المشكله مازالت حاده‏.‏

وفي اعتقادي ان الحديث عن هذه
القضيه يتطلب طرحا جريئا لسوال اكثر جراه هو‏:‏ الي اي مدي نجحنا في تاهيل
وتدريب الباحثين عن فرص العمل بما يشجع الشركات الخاصه والاستثماريه علي
توظيفهم؟

وبادئ ذي بدء اقول اننا نخطئ خطا بالغا اذا تصورنا ان
اصحاب هذه الاستثمارات يمكن ان يخاطروا بتشغيل غير الموهلين للوظائف
المطلوبه سواء من ناحيه الخبره او التدريب‏,‏ فالقضيه هنا ليست قضيه
الموهل الدراسي‏,‏ وانما قضيه الكفاءه العمليه في المقام الاول‏!‏

بوضوح
شديد اقول ان مثل هذه الشركات الخاصه والاستثماريه ليست مطالبه عند
التوظيف بمراعاه البعد الاجتماعي‏,‏ وانما الذي يعنيها هو التدريب
والتاهيل والخبره التي تلائم متطلبات كل وظيفه‏.‏

ومعني ذلك اننا
بحاجه الي ثقافه وظيفيه جديده تلغي من الاذهان فكره ان مجرد الحصول علي
الموهل الدراسي يعني ضمان الحصول علي وظيفه مهما يطل زمن الانتظار‏!‏

ولعل
ذلك ما يدفعني الي القول بضروره البدء في اداره حوار قومي واسع حول
التعليم والتوظيف‏,‏ وان يشارك في هذا الحوار رجال الجامعات وخبراء العمل
ومديرو مراكز التدريب والتاهيل والمعاهد والمدارس الفنيه المتخصصه‏.‏

اننا
بالفعل بحاجه الي حوار تحت لافته التعليم والتوظيف لكي نحدد المواصفات
المطلوبه لوظيفه الغد‏,‏ ونحدد معها الاحتياج الوظيفي في كل مجال من
مجالات الاستثمار‏,‏ لان قضيه التعليم لم يعد من الملائم ربطها فقط بمدي
سعه الفصول في المدارس او توافر الاماكن بالجامعات‏..‏ وانما ينبغي ربطها
منذ البدايه باحتياجات سوق العمل‏.‏

ان من غير المعقول ان يستمر
القبول في معاهد وكليات لم تعد سوق العمل في حاجه الي المزيد من
خريجيها‏,‏ بينما تظل هناك ندره في بعض التخصصات التي تحتاج اليها سوق
العمل‏.‏

والمهمه ليست سهله‏,‏ ولكنها ايضا ليست مستحيله‏..‏ وطريق
الالف ميل يبدا بخطوه واحده‏..‏ فهل ان الاوان لنبدا الخطوه الاولي علي
هذا الطريق‏!‏

هذا هو السوال‏..‏ وتلك هي كلمتي الاخيره‏!‏

44526

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

2

‏4 من ذي القعده 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(‏1‏)

لست
بحاجه الي القول‏:‏ ان التحركات والاتصالات والمشاورات المكثفه التي
تجريها مصر في الساحتين العربيه والدوليه علي مدي الايام الاخيره‏,‏
وضمنها زياره الرئيس مبارك لفرنسا ومحادثاته المهمه في باريس من اجل
احتواء ووقف تداعيات الازمه الماليه العالميه الراهنه‏,‏ تمثل اشاره واضحه
لحجم وعمق التحديات والمخاطر التي تستشعرها القياده المصريه بحكم رصيد
خبرتها واستنادا الي معلومات دقيقه تتغذي بعلاقات واسعه ومتشابكه علي
امتداد الساحتين العربيه والدوليه‏.‏

واذا اتفقنا والاتفاق واجب
وضروري علي اننا امام اوضاع جديده وحسابات متغيره بعد هبوب عاصفه الازمه
الماليه العالميه الراهنه‏,‏ فان هذه الاوضاع والحسابات الجديده تقتضي
بغير حاجه للدخول في متاهه المزايدات ان يتوافر حد ادني من الاتصال
والتنسيق والتشاور الثنائي‏,‏ خصوصا عند مستوي القمه‏,‏ للوصول الي تصور
مشترك حول كيفيه التعامل مع هذه الاوضاع والحسابات والموازين الجديده‏,‏
من اجل حمايه الامن الاقتصادي والاجتماعي العربي ذاته من مخاطر لم يعد
بالامكان اغماض العين عنها‏.‏

اريد ان اقول بكل الصراحه وبكل
الوضوح ان التضامن والتكامل العربي يجب ان يصبح الان في هذه الساعات‏,‏ بل
وفي هذه اللحظات‏,‏ تضامنا محسوسا وموكدا ومعلنا‏,‏ خصوصا اننا جميعا نعلم
وندرك اننا في ساعه فاصله من تاريخ البشريه تستلزم تعاملا جديا يسهم في
سرعه تفادي هذه المخاطر باي وسيله ممكنه‏,‏ ومن ثم فاننا بحاجه للتشاور‏,‏
والتفاهم‏,‏ كما اننا بحاجه للتوحد والتكامل وذلك يحتاج‏,‏ اول ما يحتاج
الي جديه الرغبه في قراءه الاحداث بموضوعيه‏!‏

ان وضوح الرويه
ومرونه الفكر هما اهم ما نحتاجه الان لكي نشعر باننا نفعل شيئا يرتقي
لمستوي مانجابهه من تحديات وبما يوكد ان الامر ليس مجرد كلام في الهواء‏,‏
وان الهدف الاسمي هو الارتقاء الي مستوي الحلم في بناء قوه اقتصاديه
حقيقيه للامه‏,‏ والدفع بسياسات جديده تعيد تصحيح الامور تصحيحا سليما علي
اساس من النديه والتكافو‏.‏

اريد ان اقول بوضوح‏:‏ ان القضيه ليست
مجرد اعاده رفع واحياء شعارات التضامن والتكامل‏,‏ وانما القضيه هي كيف
نشترك جميعا في ان نضمن سرعه الانتقال بهذه الشعارات الي ارض الواقع وحيز
التنفيذ من خلال روح جديده تنتصر للعقلانيه والاعتدال وتخاصم الانانيه
والانعزاليه وحب الذات وتوكد صحه اليقين بوحده الحلم ووحده الخطر ايضا؟‏!‏

ان
القضيه العاجله والملحه الان هي كيفيه ايجاد اجواء صحيه تشعر فيها كل
الدول العربيه‏,‏ دون استثناء بان ذلك هو السبيل الوحيد لتجنب مخاطر
المجهول الذي يتربص بامتنا وطموحاتها المشروعه‏,‏ حيث ان المصائب عندما
تحل لن تستثني احدا‏,‏ وانما سوف تصيبنا جميعا في مقتل‏!‏

ولن يكون
بمقدورنا ان نتحرك خطوه واحده علي الطريق الصحيح ما لم ندرك جميعا اننا في
مواجهه ازمه خطيره تتطلب منا روحا جديده تدرك ضرورات التعاون والتنسيق
وسرعه الاخذ بزمام الحركه والمبادره‏,‏ كما انها تتطلب منا فهما جديدا
لاوضاع العالم الان وقوانينه المستحدثه والمتسارعه‏..‏ ومن يري طريقا غير
ذلك الذي تحدثت عنه فليدلنا عليه‏!‏

وغدا نواصل الحديث‏.

44527

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

3

‏5 من ذي القعده 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(2)

بعيدا
عن الجوانب الاقتصاديه والاجتماعيه الظاهره علي السطح بشان الازمه الماليه
العالميه الراهنه‏,‏ فان القضيه الاهم هي كيف يمكننا التعامل مع ما هو
محتمل حدوثه من ازمات جديده مرتقبه‏,‏ تشير كل ملامحها الي انه لن يكون
بمقدور اي كيانات صغيره ان تتحمل عبء الفواتير المتلاحقه لهذه الازمات‏,‏
ومن ثم فاننا باعتبارنا جزءا يمثل الطليعه في الامه العربيه ينبغي علينا
ان ندق نواقيس الخطر مبكرا‏,‏ وان نقول لكل الاشقاء ان امتنا هي اكثر
الامم احتياجا الي مراجعه نفسها والسعي لتوحيد قدراتها الاقتصاديه‏.‏

اريد
ان اقول صراحه انه ما لم تتحد الاراده العربيه من خلال رويه اقتصاديه
واعيه تستشرف افاق المستقبل وتحدياته وتعمل علي تعويض ما فاتنا من سنوات
دون حدوث اي تقدم علي طريق انشاء سوق عربيه مشتركه فان حال الامه العربيه
سوف يصبح في القرن الجديد‏,‏ وفي ضوء تحديات العولمه‏,‏ مزيجا من ماساه
المعاناه للشعوب‏,‏ وملهاه العجز للانظمه‏..‏ واظن انه قد ان الاوان
لتجاوب عملي وعاجل مع دعوه الرئيس مبارك التي يلح عليها منذ سنوات لانشاء
هذه السوق المشتركه‏.‏

وما دمنا نتحدث عن تحديات الازمه العالميه
الراهنه وتوابعها المحتمله فلست اظن انه يمكن ان يغيب عن ذهن احد منا اننا
مطالبون‏,‏ وباسرع مايمكن‏,‏ بان نعمل علي تضييق الفجوه العلميه
والتكنولوجيه بيننا وبين العالم المتقدم‏,‏ وذلك امر يحتاج الي احتشاد
عربي وراء رويه استراتيجيه تنتقل بامتنا من غيبوبه الانبهار بالقدره علي
استيعاب وتشغيل التكنولوجيا الي مشقه البحث والاجتهاد من اجل ان نكون طرفا
مشاركا في صنع وصيانه هذه التكنولوجيا المتطوره‏...‏ واظن ان هذا الاحتشاد
المطلوب يحتاج الي امكانات واعتمادات ماليه لا يقدر علي توفيرها قطر عربي
بمفرده‏!‏

لعلي اكون اكثر صراحه في هذه النقطه تحديدا واقول اننا
اذا لم نستطع ان نقيم قاعده علميه وتكنولوجيه قادره علي المنافسه والتحدي
فاننا سوف نجد انفسنا مضطرين الي تسول ادوات العصر المعرفيه‏...‏ والتسول
فضلا عن انه اذلال ومهانه فانه لايوفر الا الفتات‏,‏ ومن اردا الماكولات
والمصنوعات‏.‏

ولكي يكون ما اقوله واضحا ومحددا فلعلي ابادر الي
القول انه من الضروري ان نستعد لمقابله خطر الاحتكار التكنولوجي الذي
سيكون احد اهم اسلحه الضغط السياسي والاقتصادي في السنوات المقبله‏,‏ وذلك
لا يتحقق الا بقفزه محسوبه الي هذه الساحه توكد ان العرب قادرون علي
المجاراه‏,‏ وموهلون ليكونوا شركاء في هذه الصناعه التي سوف تسيطر علي
الجانب الاكبر من سوق التجاره العالميه في السنوات المقبله‏!‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44528

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

4

‏6 من ذي القعده 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(3)

مع
علمي بان حديث المصارحه قد يكون له طعم ومراره العلقم في الحلوق‏,‏ وربما
يراه البعض جلدا للنفس والذات في مرحله عصيبه تستحق زراعه اشجار الامل
والتفاول‏,‏ لكنني اعتقد ان زراعه الامل بعيدا عن تربه المصارحه والمكاشفه
اشبه بوضع البذور‏,‏ في ارض سبخه‏,‏ ومالحه لن تنتج زرعا‏,‏ وانما سوف
ياكل السبخ البذور كما ياكل الصدا الحديد‏,‏ وتظل الارض جرداء قاحله‏!‏

لعلي
اكون اكثر وضوحا واقول‏:‏ ان القدر برئ من عجزنا وقصورنا في العالم
العربي‏,‏ كما ان الاخرين لايتحملون وحدهم كامل المسئوليه عن كوارثنا‏,‏
ومصائبنا‏,‏ التي ارتضينا ان تسقط فوق رووسنا بسبب هذه الازمه الماليه
العالميه العاصفه‏,‏ نتيجه وجود معظم المدخرات العربيه في البنوك
الاجنبيه‏,‏ بدلا من استثمارها في الدول العربيه التي اثبتت الازمه
الاخيره انها اكثر امنا‏,‏ واكثر ربحيه‏.‏

ولعلنا نتذكر اننا كنا
اسبق من دول الاتحاد الاوروبي في الدعوه الي اقامه سوق عربيه مشتركه
بسنوات طويله‏,‏ فقد انطلقت دعوتنا‏,‏ بينما كانت اوروبا مازالت ترمم
بنيانها المادي والنفسي بعد الحرب العالميه الثانيه التي انهكت اوروبا‏,‏
ودمرتها اقتصاديا وسياسيا ومعنويا‏..‏ ومع ذلك فان اوروبا‏,‏ التي كانت في
حاله حرب مع نفسها‏,‏ استطاعت ان تعبر محنتها‏,‏ وان ترتفع فوق جراحها‏,‏
وان تتجاوز خصوماتها‏,‏ وان تبني وحده سياسيه واقتصاديه اهلتها لكي تكون
قوه عالميه عملاقه‏,‏ اما نحن فقد اكتفينا باطلاق شعارات الوحده ونداءات
التكامل‏,‏ ولم نتقدم خطوه واحده الي الامام‏,‏ وانما علي العكس تراجعنا
كثيرا وكثيرا جدا نحو الوراء‏!‏

اريد ان اقول بصراحه ووضوح انه
لابد لنا من سرعه وضع تصور مشترك لاسس واساليب التعاون الاقتصادي العربي
في ضوء ماهو محتمل من تداعيات للازمه الماليه العالميه الراهنه‏,‏ وفي هذا
الاطار تبرز اهميه وقيمه الحاح الرئيس مبارك علي ضروره احياء حلم السوق
العربيه المشتركه‏...‏ كما تبرز اهميه العمل باراده عربيه مشتركه لفتح
اوسع قنوات للحوار مع العالم الخارجي من خلال سياسات واضحه‏,‏ تتسم
بالثبات والاستقرار‏,‏ خاصه مع الدول الصديقه‏,‏ التي تجمعنا بها مصالح
مشتركه‏.‏

ثم اقول في النهايه‏:‏ اننا بحاجه الي اعاده تاكيد صحه
الرهان حول الحلم العربي‏,‏ مهما بدا علي السطح من موشرات مقلقه وغير
مشجعه‏..‏ وفي اعتقادي ان الرهان صحيح‏,‏ ولكنه يحتاج لمزيد من الوقت‏,‏
ولمزيد من الصبر‏,‏ ولمزيد من الثقه بالقدره علي تجاوز الازمه الراهنه
وتداعياتها‏,‏ التي لن يسلم منها احد‏!‏

وعلي اليائسين والمتشائمين والمحبطين ان يعيدوا النظر في قراءاتهم لما جري وفي رويتهم لما هو محتمل‏!‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44529

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

5

‏7 من ذي القعده 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

(4)

لابد
لي ان اسجل اسفي وحزني بشان بعض ما يكتب في الصحف ويقال علي شاشات
الفضائيات والذي يمثل وجها واحدا فقط من وجوه عديده للحقيقه‏,‏ فواقع
الانكسار والعجز العربي لايختلف عليه احد‏,‏ ولكن الخطر ان يتم توظيف هذا
التوصيف الصحيح لواقع العجز والانكسار في ترسيخ الانطباع بان الفكره من
اساسها فكره باطله وخياليه‏!‏

ان مشروعات الوحده والتكامل العربيه
خاصه علي الصعيد الاقتصادي لم تخفق لانها مشروعات غير واقعيه وانما سبب
الفشل يرجع الي ان الذهاب اليها لم يبدا من النقطه الصحيحه بالاعتماد علي
وعي الشعوب واحتياجاتها المصلحيه‏,‏ وانما جري القفز نحو هذه المشروعات
الوحدويه والتكامليه تحت ضغوط عاطفيه احيانا وفي اطار سياسات المحاور في
احيان اخري‏!‏

ثم انه من الظلم لعقيده الوحده والتكامل الاقتصادي
ان تتواصل محاولات القاء الغبار علي كل المحاولات لمجرد انها تعثرت دون
الاشاره وبصراحه الي ان مسئوليه الفشل ترجع الي استمرار تغليب النزعات
الاقليميه وغياب ثقافه المصلحه المشتركه التي تشطب من قاموس الثقافه
العربيه كل مفردات التمايز بين الاقطار‏,‏ لكي تحل محلها ثقافه الدعوه
للحدود المفتوحه والمبادلات التجاريه الحره تحت مظله من نظم بنكيه وجمركيه
ترسخ اليقين لدي الشعوب باهميه الوحده بدلا من التعقيدات الفظه التي تنفر
الناس من مجرد الاقتراب من الحدود الجغرافيه‏!‏

ان الاعتراف بواقع
التفكك والتشرذم لاينبغي ان يكون مدخلا للقول بان النظام العربي اصبح عبئا
علي المشاركين فيه‏,‏ وانما ينبغي ان يفتح الباب امام حوار حر وصريح حول
كيفيه التوفيق بين المصالح الذاتيه لكل قطر علي حده وبين المصالح العربيه
القوميه العليا التي تخدم في نهايه المطاف امن وسلامه واستقرار وقوه كل
بلد عربي دون استثناء‏!‏

ان من الغريب ان يتحدث البعض عن تجربه
الاتحاد الاوروبي كنموذج لوعي وادراك الاوربيين لمخاطر البقاء كدول فرادي
في عصر التكتلات ثم في ذات الوقت يشكك في مصداقيه الوحده والتكامل بين
الدول العربيه‏.‏

ثم لماذا يغيب عن البعض ان هذا العملاق الاوروبي
الذي وصل الي مرحله توحيد العمله وبناء اراده سياسيه موحده هو نتاج تجربه
بدات عام‏1956‏ باسم السوق الاوروبيه المشتركه‏,‏ بمثل المشروع المماثل
لدينا والمجمد منذ نصف قرن تقريبا بسبب المخاوف الوهميه من ضياع الخصوصيه
الذاتيه لكل قطر‏,‏ والتي ثبت في تجربه الاتحاد الاوروبي انها اوهام
خادعه‏,‏ فليس هناك تصادم بين الوحده الجماعيه للامه وبين السياده الذاتيه
للقطر‏.‏

ويا اهل الكلمه نحن بحاجه الي اصوات البلابل والعصافير
التي تبشر بالامل ولسنا بحاجه الي اصوات الغربان والبوم التي تبعث علي
الاكتئاب والياس والاحباط‏!‏

ويا ايتها الحريه المصنوعه باقلام مصنوعه وافواه مدفوعه كفي عبثا وتلاعبا بعقول ومشاعر الامه لان الظرف لايحتمل مثل هذا الهراء‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44530

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

6

‏8 من ذي القعده 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اخيرا
حسم الناخبون الامريكيون قرارهم واختاروا باراك اوباما رئيسا لاربع سنوات
مقبله من ارضيه فوز كاسح وغير مسبوق علي خصم قوي هو جون ماكين الذي اعترف
بفداحه الهزيمه التي فاقت اكبر التوقعات تفاولا في المعسكر الديمقراطي
وتشاوما في المعسكر الجمهوري‏!‏

والحقيقه ان هذا النصر الكاسح لم
يكن تعبيرا عن ثقه الشعب الامريكي في قدره الديمقراطيين علي انتشال امريكا
من ازماتها المتعدده وانما كان تعبيرا عن تزايد وتعاظم حجم حاله النفور
الشعبي التي تعمقت في المجتمع الامريكي بسبب سياسات الحماقه والغشامه
والجهاله التي اتبعتها اداره بوش علي مدي‏8‏ سنوات‏.‏

لقد ادرك
الامريكيون ان الخيار الوحيد امامهم هو الامل في ان يتمكن المرشح
الديمقراطي باراك اوباما من انهاء التوحش الراسمالي في الداخل الامريكي
بعد ان صنع ازمات اجتماعيه واقتصاديه مهلكه وايضا الاسراع بتحسين صوره
الولايات المتحده في الخارج ومسح كل مظاهر الفجور والعربده والبلطجه
وانتهاك المواثيق الدوليه والانسانيه وتحرير القرار الامريكي من سيطره
اللوبي الصهيوني وتجمع شركات النفط وتكتل مصانع السلاح‏.‏

اريد ان
اقول بوضوح ان الناخب الامريكي اكتشف بعد فوات الاوان انه كان ضحيه لشبكه
عالميه وعنكبوتيه اتخذت من ظاهره الارهاب وماجري في الحادي عشر من سبتمبر
عام‏2001‏ مدخلا لاحكام السيطره الكامله علي منطقه صناعه القرار السياسي
والاقتصادي لدي القوه الاعظم في عالم اليوم وبدء تقسيم العالم الي اخيار
واشرار وعمالقه واقزام واحلال سياسات المواجهه محل سياسات الحوار‏.‏

ولعل
ذلك ما يدفع الي الاعتقاد بان اختيار الامريكيين لاوباما لم يكن اختيارا
ذاتيا فقط وانما هو اختيار شارك فيه المجتمع الدولي من خلال استطلاعات
الراي التي كشفت انحيازا هائلا للمرشح الديمقراطي ليس من باب التعاطف مع
اوباما كرجل اسود او الكراهيه لجون ماكين كيميني محافظ وانما لان المزاج
العام علي مستوي العالم كله كان قد بلغ درجه عاليه من عدم الرضا تجاه
سياسه الرئيس بوش وادارته الجمهوريه‏.‏

ثم يبقي انه اذا كان من
الخطا ان يتوهم احد في العالم العربي ان نجاح اوباما يعني تغييرا جذريا في
السياسه الامريكيه تجاه قضايا الشرق الاوسط فان من الخطا والخطر معا ان
يتجاهل احد ان مرحله احاديه القوه التي كانت سيفا مسلطا علي رقابنا ورقاب
غيرنا قد ولت الي غير رجعه وان مرحله جديده ستبدا وسيتوقف حجم التغيير
الايجابي فيها علي حجم ما نبذله من جهد واع ومدروس‏.‏

واخيرا اقول
ان اهتمام كل شعوب العالم بالانتخابات الرئاسيه الامريكيه ومتابعتها لحظه
بلحظه حتي ساعات الصباح الاولي يوكد ان العالم يريد امريكا القويه وليست
المتجبره ويخشي علي امريكا ان يصيبها الضعف والهزال فتنتقل العدوي الي
الجميع بسرعه كما حدث في الازمه الماليه العالميه الاخيره‏.‏

44531

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

7

‏9 من ذي القعده 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اعتقد
اننا نتفق جميعا علي انه لا يوجد احد في مصر يمكن ان يبارك قرارا باغلاق
احد المسارح‏,‏ وايضا فانه لايوجد احد في مصر لايحلم بان يتم تخليص
القاهره مما علق بها من تشوهات وتجاوزات كادت تلغي شخصيتها الفريده‏,‏
وتحجب عن الانظار مصادر الجمال والابداع التي وهبها الله لنا‏.‏

ومن
هنا فانني كنقطه بدايه وكمدخل للحديث عن الضجه المثاره بشان مسرح الفن
المقام علي ارض حديقه معهد الموسيقي العربيه‏.‏ اقول بكل الوضوح انني مع
الثقافه قلبا وقالبا‏,‏ ومع المسرح كرساله تنويريه لا تعلو فوقها
رساله‏..‏ ولكنني في الوقت نفسه مع كل خطوه تستهدف تمكين القاهره من
استعاده مقومات جمالها التاريخي والاثري وتمكين شعبها وزوارها من رويه هذا
الجمال والاستمتاع به‏.‏

بوضوح شديد اقول انه ليس معقولا ولا
مقبولا استمرار هذه الضجه المفتعله بين محافظه القاهره ووزاره الثقافه من
ناحيه والقائمين علي مسرح الفن من ناحيه اخري لانه في ظل هذه الضجه يتصاعد
التراشق بالاتهامات ويتم استسهال اللجوء لاسلوب خلط الاوراق وبالتالي
تتهيا الاجواء لاحتداد الجدل والعناد‏,‏ فيبدو الامر وكانه نزاع علي ميراث
غير محدد المعالم‏.‏

ان المطلوب وعلي الفور ان نضع خطوطا فاصله
تمنع اي تداخل بين الحق المطلق لمحافظ القاهره في ان يتخذ كل مايراه
ضروريا وملائما من اجراءات تستهدف اعاده الوجه الحضاري للعاصمه‏,‏ وبين
غيره وحميه رواد الفن في ان ينشروا رسالتهم وان يحموا نوافذ التعبير التي
تخدم البعد الثقافي والفكري وفي مقدمتها النوافذ المسرحيه‏.‏

ثم
انني اثق في فهم الفنان جلال الشرقاوي لدوافع القرار المتعلق بمسرح الفن
سواء من جانب محافظه القاهره او من جانب وزاره الثقافه‏,‏ لانه من الخطا
ان يتصور فرد او جماعه ان سياسه الصوت العالي ستكون لها الكلمه الاخيره
علي حساب المصلحه العامه‏,‏ خصوصا انني سمعت عن وجود عروض بديله بمسارح
بديله في وسط العاصمه‏.‏

ولو كنت مكان الفنان جلال الشرقاوي
لامتثلت للقرار ولبادرت بان اطلب مسرحا بديلا في المدن والمجتمعات
العمرانيه الجديده كاسهام في توسيع دائره التنوير المسرحي من ناحيه‏,‏
والارتفاع فوق ايه حسابات خاصه من ناحيه اخري‏.‏

واهل الفن الكبار
هم اول من يدركون كيف احتفظت العواصم الاوروبيه بتراثها الجمالي والحضاري
وارتباط ذلك بالصلاحيات المطلقه التي يملكها عمده المدينه‏,‏ الذي نسميه
نحن هنا محافظ العاصمه‏.‏

دعونا نكف عن التراشق ونتجه نحو الحوار
من اجل عاصمه جميله تمتلئ باكبر عدد من المنارات الثقافيه‏,‏ وفي مقدمتها
المنارات المسرحيه الجاده‏!‏

44532

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

8

‏10 من ذي القعده 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

قبل
اكثر من قرنين من الزمان وبالتحديد قبل‏223‏ عاما اي في عام‏1785‏ ظهر
لاول مره مصطلح الساميه عندما ابتدع البروفيسور اليهودي شلوترز فكره تقسيم
الاجناس البشريه الي ثلاث مجموعات هي الساميه والحاميه واليافثيه‏,‏ نسبه
الي سام وحام ويافث ابناء سيدنا نوح‏.‏

وطبقا لهذا التفسير المستند
الي التوراه فان ابناء حام هم ذوو البشره السوداء‏,‏ اما ابناء يافث فهم
اصحاب البشره البيضاء واصحاب البشره الصفراء في حين ان ابناء سام الساميون
هم اصحاب البشره السمراء التي تعرف في بلادنا باللون القمحي اي الخليط بين
الابيض والاسود‏.‏

ورغم ان الشعوب العربيه من نسل سام بن نوح فان
حاخامات اليهود المرتبطين بالفكر الصهيوني روجوا بقوه لاستبعاد العرب
تماما من دلالات هذا المصطلح لكي يتم اخلاء الساحه لهم لاحتكار هذا المسمي
والانطلاق منه لصك مصطلح معاداه الساميه‏,‏ لابتزاز المجتمع الدولي بدعوي
المظالم التي تعرض لها اليهود علي طول التاريخ وتبرير مزاعم الاستيلاء علي
فلسطين وتهجير اهلها‏.‏

وتحت لافته معاداه الساميه نجح اللوبي
الصهيوني العالمي ومركزه الرئيسي في امريكا ان يضع معظم دول العالم تحت
سيف الاتهام كلما دعت الضروره الي ذلك‏,‏ ولم يكن لمثل هذا الابتزاز
السياسي والمالي غير المسبوق في التاريخ ان ينجح في اخافه الكثيرين اشخاصا
ودولا لولا قوه وفجاجه الانحياز الامريكي لاسرائيل‏.‏

ومع انني لم
اكن من الذين يرون ان اسرائيل هي التي تدير سياسه امريكا في المنطقه
العربيه اعتمادا علي قوه اللوبي اليهودي فيها لان امريكا عندما قررت في
مرات عديده سابقه ان تفرض املاءاتها علي اسرائيل فانها انصاعت لهذه
الاملاءات الا ان شواهد السنوات الاخيره تكشف عن ان ذراع اسرائيل داخل
مطبخ القرار الامريكي اصبحت ذراعا طويله وفي هذا الاطار يمكن لنا ان نفهم
ظروف ودوافع اول خطوه اتخذها باراك اوباما بعد اعلان انتخابه رئيسا
للولايات المتحده الامريكيه‏.‏

لعلي اكون اكثر وضوحا واقول ان قرار
اوباما بترشيح احد ابرز اعضاء اللوبي اليهودي وهو رام ايمانويل لمنصب كبير
موظفي البيت الابيض ليس بعيدا عن قدره هذا اللوبي الرهيب علي ابتزاز كل
ساكن جديد للبيت الابيض وليس مستبعدا ان يكون ذلك جزءا من صفقه ابرمها
اوباما خلال الحمله الانتخابيه من اجل كسب الاصوات اليهوديه‏.‏

وربما
يكون صحيحا وهو علي الارجح صحيح ان طبيعه المجتمع الامريكي ككل والنظام
السياسي الامريكي علي وجه خاص ينطلق من اعتراف صريح بحق تشكيل جماعات
الضغط فهناك اللوبي الكوبي واللوبي الصيني واللوبي الفرنسي ولكن معظم هذه
اللوبيات تتوزع مطالبها في شئون داخليه بحته‏,‏ علي عكس اللوبي اليهودي
الذي نجحت الحركه الصهيونيه في توظيفه لكي يكون في خدمه اسرائيل وتلبيه
اهدافها ومطامعها اعتمادا علي قطاعات موثره في المجتمع الامريكي

‏
اما بسبب منطلقات دينيه يتزعمها تيار الانجيليين الجدد واما بسبب تشابه
التجربه في قيام الدولتين علي اساس الاستيطان وطرد وتهجير السكان
الاصليين‏.‏

هكذا اري الصوره بغير رتوش‏..‏ ومن ثم لم يكن في حكم
المفاجاه ان تتنصل اداره بوش من التزامها بالتوصل لاتفاق بين الفلسطينيين
والاسرائيليين قبل نهايه عام‏2008‏ وان تعلن السيده رايس قبل يومين فقط
صعوبه تحقيق ذلك‏!‏

attalla@ahram.org.eg

44533

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

9

‏11 من ذي القعده 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

تحيه طيبه وبعد‏,,,‏

تعلم
انني اقدرك تقديرا شديدا علي المستويين المهني والانساني ولا انسي ابدا ان
الاهرام المسائي قد رشحني لنيل درع الجريده منذ نحو السنتين‏,‏ وانك قد
سلمتني هذه الدرع بنفسك تقديرا وتحيه لتاريخ وعطاء فني طويل‏..‏ ولكني
فوجئت بل صدمت من مقالك‏(‏ كل يوم‏)‏ بجريده الاهرام بتاريخ‏2008/11/7..‏
واحب ان اوضح الحقائق الاتيه‏:‏

اولا‏:‏ ان مسرح الفن لا يحجب
الرويه عن معهد الموسيقي فواجهته تطل علي شارع رمسيس اما ظهره المواجه
لمسرح الفن فيحتوي علي دورات المياه والكافيتريا وحجرات عمال النظافه
ورجال الامن‏..‏ ولعلكم لا تنسون ان مسرح الفن مضمونا وفنا قدم عروضا لم
تستطع فرقه اخري خاصه او عامه ان تقدمها علي مدي اثنين وثلاثين عاما‏..‏
ولعلي اذكركم بمسرحيات ع الرصيف انقلاب بشويش المليم باربعه عطيه
الارهابيه دستور يااسيادنا حوده كرامه‏..‏ وذلك علي سبيل المثال لا الحصر
ان في هذه الاعمال الفنيه جمالا وابداعا لا تقل عن اي اثر حضاري‏.‏

وبنفس
منطقك يا سيدي العزيز فاني اناديك ان تدعو الي هدم كل العمارات والفنادق
والملاهي الليليه التي يمتلئ بها شارع الهرم لانها تحجب الرويه عن
الاهرامات وابو الهول‏..‏ كما اطالبكم ايضا ان تدعو الي هدم حي الازهر
بكامله لانه يحجب الرويه عن اثار وقصور خاتون والمينسترلي والهراوي‏.‏

ثانيا‏:‏
اعتقد انه لايوجد مبرر موضوعي واحد سواء لدي وزاره الثقافه او محافظه
القاهره لازاله مسرح جلال الشرقاوي ولا اريد ان اخوض مره اخري في الاسباب
الحقيقيه وراء هذا الاصرار علي هدم المسرح‏..‏ واذا كانت حجه اليوم هي
توصيات الدفاع المدني‏,‏ فانا علي استعداد كامل وملتزم التزاما كاملا
بتنفيذ هذه التوصيات‏.‏

ثالثا‏:‏ نعم عرضت علي المحافظه واحدا من
مسرحين هما‏:‏ مسرح نقابه الزراعيين وقد سارع البيت الفني للمسرح الي
استئجاره ومن سوء حظه ان اداره المشروعات الهندسيه التابعه لوزاره الثقافه
ذاتها قد عاينت‏,‏ واكدت انه لايصلح‏..‏ ومسرح جمعيه الشبان المسلمين وهو
قاعه صغيره لاتزيد مساحه خشبتها عن‏6‏ امتار‏*8‏ امتار وصالته لا
تتجاوز‏200‏ كرسيا ثم ان خلافات ومشاحنات مستعصيه حدثت بين اعضاء الجمعيه
منذ عده سنوات وصلت الي ساحات المحاكم واستدعي الامر اغلاق المبني بكامله
بالسلاسل والشمع الاحمر‏...‏ ومن الواضح ان المحافظه اما انها لم تكن تعلم
بهذه الحقائق او انها كانت تريد الهائي او تخديري او تنويمي او الضحك علي
كانني طفل صغير‏..‏

رابعا‏:‏ اما المسرح البديل الذي اقترحت ان
اطلبه في المدن والمجتمعات العمرانيه الجديده فهذه مهمه الدوله وليست مهمه
فرد واحد لا يملك هذه الملايين لتشييد مثل هذا المسرح المقترح‏.‏

جلال الشرقاوي

انتهي
رد الفنان جلال الشرقاوي‏..‏ ولا تعليق من جانبي عليه لانه من وجهه نظري
لا تعارض بين قيام المسرح بدوره في المكان الملائم وبين مسئوليه الدوله في
حمايه التراث والالتزام بمقتضيات الدفاع المدني تجنبا لما شهدناه من كوارث
وحرائق مفزعه‏...‏ وعموما فان الكلمه الان للقضاء والمصلحه العامه يجب ان
تعلو فوق اي اعتبار‏!‏

44534

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

10

‏12 من ذي القعده 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

الاستاذ الفاضل‏:‏
تحياتي
الي شخصكم الكريم علي ما تقدمونه في بابكم بجريدتنا المفضله الاهرام واسمح
لي بعرض قضيه مهمه جدا اعتقد انها تمس الامن القومي المصري خلال السنوات
القادمه بل اعتقد ان جرس الانذار بدا يدق فوجب علينا ان نسمع من بيده
الامر بشان نزيف الاسفلت الذي اصبح يمثل قلقا علي حياتنا وحياه اولادنا
واجيالنا القادمه‏..‏ وسوف اتكلم عن طريق السويس القاهره الصحراوي المهم
جدا لان هذا الطريق اصبح لايطاق السير فيه بين المحافظتين وبين المدن
الجديده‏(‏ بدر العاشر من رمضان التجمع الاسكندريه محور المعادي القطاميه
الاسماعيليه‏)‏ الي غير ذلك من الطرق المهمه بالاضافه الي طريق العين
السخنه وطريق البحر الاحمر‏.‏

سيدي لقد اصبحت الحوادث كثيره جدا
منها ما ينشر بالصحف ومنها مالاينشر‏,‏ واشير الي مانشر علي التوالي
يومي‏2008/11/5,4‏ من حوادث مات فيها خير شباب السويس في نهائي هندسه
وغيرهم من الناس البسطاء الذين يسعون في الحياه بالعمل النافع‏,‏ والسبب
في ذلك ان الطريق غير مومن الا في كمائن تنصب في اماكن عشوائيه حوادثها
كثيره‏,‏ كما ان الطريق لاتوجد فيه مراقبه صارمه علي سيارات النقل التي هي
احد الاسباب المهمه للحوادث‏,‏ وخصوصا في الليل‏,‏ حيث تقل خدمه المرور
ويتزايد عدد السيارات المحمله بالظلط الذي يتطاير منها علي الطريق ليصيب
زجاج السيارات والاخطر هو افتراش الطريق به مما يسبب حوادث مميته‏.‏

واليوم‏11/5‏
الساعه التاسعه صباحا بعد محور الرحاب الذي منه تسلك طريق السويس للذهاب
الي القاهره كادت سيارتان ان تنقلبا ولكن الله سلم‏,‏ وما كان مني الا ان
ابلغت قياده الطريق عند مدخل القاهره عند معسكر مبارك بان كميه من الظلط
ملقاه من سياره نقل سوف تتسبب في كوارث ويجب ازاله هذه الكميه فورا وقلت
لهم الي من اذهب وقد استجاب المسئولون بالكمين فورا‏.‏

استاذي
الكريم ان هذه الاوضاع الماساويه يجب عدم السكوت عليها‏,‏ ان سائقي النقل
يسهرون طول الليل في انتظار الدور بالمحاجر ثم يصبحون وهم في ارهاق شديد
وبالتالي يغلبهم النوم في الطريق بالاضافه الي السرعات العاليه التي
تتجاوز‏120‏ كم في الساعه‏..‏ فضلا عن عدم وجود مراقبه للطرق بالاساليب
العلميه السليمه علي المركبات والسائقين‏.‏

ان الامر يتطلب نظره
الي مداخل السويس والقاهره في بدايه الطريق ونهايته‏,‏ واذا كنا لانستطيع
تنظيم حركه الطرق فلياتي من هو اكثر خبره ودرايه في تامين الطرق‏,‏ وهناك
من الافكار الكثير ولكن علينا ان نبدا‏.‏

ان تكلفه الخسائر من تلك
الحوادث يفوق خسائر اي حرب خاضتها مصر ومن هنا يجب ان يكون شعار وزاره
الداخليه ووزاره النقل هو العمل علي وقف هذا النزيف خلال سنوات محدده‏,‏
بهدف ان نكون من اقل الدول في العالم تعرضا لحوادث الطرق وسوف يعود هذا
الامر بمردود اقتصادي كبير‏.‏
عبدالباسط عبدالحكم مدير عام شركه السويس للبترول

‏
..........‏
انتهت الرساله‏..‏ ولا تعليق‏!‏

44535

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

11

‏13 من ذي القعده 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

في
مصر كما في معظم دول العالم يصعب بل يستحيل ان يشعر الناس بالرضا عن
الحكومه اي حكومه لكن الفارق الوحيد ان نبره الجدل والعناد تسود لغه
الحوار عندنا بين مويد علي طول الخط‏,‏ ومعارض لكل شيء‏..‏ وقد استمعت الي
حوار من هذا النوع بين رجل‏,‏ وامراه علي هامش عشاء عمل قبل ايام‏,‏ ورايت
ان انقله هنا بامانه‏,‏ واترك لكم الحكم عليه دون تعليق من جانبي‏.‏

هو‏:‏ هل يعجبك الحال في بلدنا‏..‏ الا يكفي حجم ما نعانيه من عذاب يومي نتيجه الاهمال والتسيب في معظم مرافق الخدمات الحكوميه؟

هي‏:‏ من الظلم ان تقول ان الاهمال والتسيب امر شائع‏,‏ والاصح ان تقول انه يحدث في بعض المرافق‏.‏

هو‏:‏
لا بل انا مصمم علي التعميم‏,‏ واخطر من ذلك ان الذين يصنعون هذا التسيب
يتلذذون برويه ما يعانيه الناس من متاعب دون خجل او حياء‏!.‏

هي‏:‏ ارجوك ان تتكلم كلاما محددا وتعطيني مثالا تعزز به ما تقول‏.‏

هو‏:‏
خذي عندك مثلا انهم يحررون لنا المخالفات بحجه وقوف السيارات في الممنوع
او الانتظار صفا ثانيا مع انهم يعلمون بعدم وجود جراجات كافيه‏,‏ وهم
يحررون لنا المخالفات بحجه اشغال الطريق‏,‏ اذا اضطرتنا ظروف الهدم‏,‏
والبناء الي تشوين بعض المعدات او المخالفات في نهر الشارع لفتره محدوده
مع انهم يعلمون انه لا بديل عن هذا التشوين‏..‏ واكثر من ذلك انهم يحررون
لبعضنا المخالفات اذا قام بتنظيف الرصيف امام دكانه‏,‏ وقام بعرض بضاعته
لجذب المستهلكين‏.‏

هي‏:‏ اولا لابد هنا من وقفه‏..‏ ان من تقول
انهم يحررون المخالفات اشخاص يودون الامانه‏,‏ وينفذون القانون‏,‏ ثم ان
حجه عدم وجود جراجات كافيه ليست حجه مقنعه لالقاء المسئوليه علي الحكومه
اللهم الا اذا كنت تقصد مسئوليه التقاعس عن تحرير المخالفات لمن يحولون
الجراجات الي بوتيكات او يتجاهلون اقامه الجراجات عند تشييد العمارات‏,‏
وهذه مسئوليتنا كمواطنين بالدرجه الاولي قبل ان تكون مسئوليه الحكومه‏,‏
اما اذا انتقلنا الي قضيه تحرير المخالفات لعمليات اشغال الطريق‏

‏
فهل تنسي انك كنت من اشد المنتقدين للفوضي الحادثه في الشوارع‏,‏ وازمات
المرور التي لا تنتهي‏,‏ والتي مصدرها الاساسي هذه المخالفات بالوقوف في
الممنوع او التشوين في نهر الشارع او اشغال الارصفه‏!.‏

هو‏:‏ انك بذلك تدافعين عن الحكومه ظالمه او مظلومه‏!.‏

هي‏:‏ وهل الدفاع عن الحكومه اصبح تهمه في نظرك؟‏..‏ اليست هذه حكومه مصريه يتولي مسئوليتها مواطنون مصريون مثلنا؟‏!.‏

هو‏:‏ ولكنك تدافعين عنهم بالحق والباطل معا‏!.‏

هي‏:‏ اي باطل تقصد يا صديقي؟‏.‏

هو‏:‏ الباطل ان تركزي اهتمامك علي تبرير اخطاء الحكومه‏.‏

هي‏:‏ ولكنني اري ان المسئوليه اولا واخيرا مسئوليتنا كشعب‏.‏

هو‏:‏ لو كان ذلك صحيحا لاصبحت الصلاحيات في ايدي الشعب‏.‏

هي‏:‏ ماذا تقصد بالصلاحيات؟‏.‏

هو‏:‏ ان نتصرف علي حريتنا دون ان يتسلط علينا من يحررون لنا المخالفات‏.‏

هي‏:‏ ولكن ذلك يعني ان تتحول المساله الي فوضي‏,‏ وتصبح الحياه جحيما لا يطاق‏.‏

هو‏:‏ ساعتها يمكن ان نطالب الحكومه بالتدخل‏.‏

هي‏:‏ ياه‏..‏ بعد خراب مالطه يعني‏!‏
‏
.......‏
انتهي الحوار‏...‏ ولا تعليق‏!‏

44536

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

12

‏14من ذي القعده 1429 ه

الاربعاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

من
بين الحقائق التاريخيه الثابته ان قوه مصر ارتبطت دائما بمدي قدرتها علي
حسن استخدام اوراق قوتها المستمده من موقعها الفريد ومكانتها المتميزه في
امتها العربيه والاسلاميه‏..‏ ورغم ذلك فان بعض الاصوات تخرج علينا بين
الحين والحين‏,‏ لكي تطرح سوالا مشبوها يقول‏:‏ لماذا تستمر مصر في تحمل
فاتوره انتمائها للعرب وتتحمل اخطاء وخطايا غيرها؟‏!‏

ومثل هذا
السوال قد يبدو في ظاهره تعبيرا عن حرص علي مصلحه مصر‏,‏ ولكنه في جوهره
يعكس جهلا بحقائق التاريخ التي توكد وجود تشابك وتلاحم عضوي بين مصلحه مصر
ومصلحه امتها الي حد اليقين بان امن مصر القومي لايكتمل دون الاطمئنان
لسلامه ومتانه الامن القومي العربي ككل‏!‏

والحقيقه ان مصر لها سجل
مشرف لنفسها ولامتها‏..‏ وهذا السجل يوكد انها كانت دائما تتحمل المسئوليه
الرئيسيه في الدفاع عن قضايا امتها العربيه بدءا من التصدي للتتار
والصليبيين ومرورا بسنوات الاستعمار الاوروبي‏,‏ ووصولا الي دورها المستمر
حتي اليوم دفاعا عن حق الشعب الفلسطيني في مواجهه الغزوه الاستعماريه
الاستيطانيه الصهيونيه الشرسه‏,‏ ودعما لكل قطر عربي في مواجهه تحديات
وعواصف الخارج‏.‏

ثم ان التاريخ ايضا يشهد بسجلاته وصفحاته بان مصر
كانت دائما بمثابه الملجا والملاذ وخط الدفاع الاخير عن الوجود والهويه
والتراث العربي‏,‏ وقد برز ذلك بوضوح في اصعب الازمات واحلك اللحظات التي
مرت بها الامه العربيه قديما وحديثا‏!‏

وعندما اطالع اليوم واتابع
اهتمام مصر بالحفاظ علي استقرار السودان واستقلاله ووحده ترابه‏,‏
واهتمامها ايضا بمساعده الفصائل الفلسطينيه علي انهاء حاله الانقسام
والتشرذم والاسراع باستعاده الوحده الوطنيه من ارضيه توفير الاجواء
اللازمه للحوار والتفاهم‏,‏ كبديل للعراك والتصادم‏,‏ فانني اشعر بان مصر
مازالت علي الطريق الصحيح وان من فضل الله عليها ان يتولي زمام امورها من
يعرفون قدرها ويحسنون ببراعه استخدام مفاتيح مصالحها المرتبطه ارتباطا
وثيقا بامن واستقرار امتها العربيه‏.‏

ولست اظن انني بحاجه الي
القول مجددا بان مصر سوف تظل قويه طالما احتفظت في ايديها باوراق قوتها
بعيدا عن دعوات الانكفاء والانعزاليه او شعارات ايثار السلامه والدعوه الي
الانانيه الذاتيه‏!‏

ولعلنا نتذكر جيدا ما هو مسجل وثابت في صفحات
التاريخ ان مصر لم تكن يوما دارا مغلقه وانما كانت علي الدوام منتدي
مفتوحا للثقافه والفن والفكر والادب والعلم والسياسه الذي يخدم هدف ابقاء
رايه العروبه مرفوعه خفاقه‏..‏ فمصلحه العرب مع مصر ومصلحه مصر مع
العرب‏..‏ وعلي الجهلاء الذين لم يقراوا التاريخ جيدا ان يتوقفوا عن
اللغو‏!‏

ثم اقول في النهايه انه اذا كانت العروبه هي قدر مصر فان
مصر لم ولن تقول يوما انها تئن من التزاماتها‏,‏ لان مصر تعرف تماما
مصلحتها‏,‏ ومصلحه امتها‏.‏

44537

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

13

‏15من ذي القعده 1429 ه

الخميس

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اعتقد
انه لا جدوي من رفع لافتات الايمان بالديمقراطيه ما لم يقترن ذلك بخطوات
عمليه توكد جديه السعي لتفعيل هذه المطالبه علي ارض الواقع من خلال خطوات
عمليه لاثبات قدره الاحزاب وجميع القوي والنخب السياسيه والفكريه علي ان
تقدم نفسها بصوره جيده كنموذج يحتذي به في الفهم والادراك لمعني وغايه
الديمقراطيه من خلال خطاب مهذب يخلو من الصراخ والشتائم ويستبعد مفردات
التصغير والتحقير التي تسهم في عزوف الناس عن المشاركه في العمل السياسي‏.‏

وهذا
الذي اتحدث عنه يستوجب ان تجري احزاب المعارضه تقويما صحيحا وصادقا تبحث
فيه اسباب عجزها عن اثبات نفسها كرقم موثر في المعادله السياسيه حتي الان
مما ادي لافساح المجال رحبا وواسعا امام قوي وتيارات اخري تفتقر الي
الغطاء الشرعي والقانوني استطاعت في ظل هذا الغياب الحزبي ان تنشئ لنفسها
قنوات اتصال وتواصل مع الناس يوفر لها هذا البروز الملحوظ علي المسرح
السياسي‏.‏

وليس من شك في ان اغلب الاحزاب استهلكت نفسها وقواها في
سياسات المزايده وطرح المستحيلات لاحراج الحزب الوطني‏,‏ ولم تلتفت الي ان
المزايدات وطرح المستحيلات لايجذب انصارا ومويدين‏,‏ فالكل يعلم حجم
الهموم وحجم المشاكل والناس ليسوا بحاجه الي من يكرر عليهم اسطوانات
التشخيص للامراض والعلل وانما هم بحاجه الي من يطرح البديل العملي علي ارض
الواقع حتي لو كان في نطاق حيز محدود‏,‏ داخل قريه صغيره او تجمع سكني
محدود لان ذلك هو السبيل الوحيد لكسب ارضيه حقيقيه تصنع رصيدا حقيقيا لهذه
الاحزاب امام صناديق الانتخابات‏.‏

بوضوح شديد اقول ان الديمقراطيه
هي الحركه والفعل وهي التفاعل والتاثير وليست فقط صيحات التشكيك التي تعكس
غياب القدره علي الاجتهاد والعجز عن طرح الحلول والافكار التي تصلح
لمواجهه المشاكل والازمات‏!‏

ثم لابد ان اقول ايضا ان النخب
السياسيه والاعلاميه التي تملك منابر للتاثير في الراي العام لايمكن ان
تعفي نفسها من المسئوليه تحت اي مسمي وهذا معناه ان الكل مسئول‏..‏ والكل
عليه ان يعترف بشجاعه بضروره المراجعه والتصحيح لسياساته وخطواته وتوجهاته
لكي تصب كلها في خدمه الرغبه الشعبيه لصنع تحول ديمقراطي حقيقي ونقطه
البدايه علي هذا الطريق تتمثل في ادراك الجميع اننا جميعا في قارب واحد‏,‏
ومن ثم فان الخطوه الاولي تحتم الانتقال الفوري من ساحات الجدل العقيم الي
افاق الحوار البناء‏.‏

واذا فعلنا ذلك وهو بالقطع ممكن فاننا نستطيع ان نضمن رسوخ مسيره الديمقراطيه وازدهارها‏,‏ وان نستكشف مبكرا الي اين نحن ذاهبون‏!‏

44538

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

14

‏16من ذي القعده 1429 ه

الجمعه

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

عندما
نقول بان مصر سبقت الدنيا كلها في اقتحام افاق العلوم والمعارف والفنون‏,‏
وصنعت اول حضاره في الدنيا فاننا لانبالغ فيما نقول به‏,‏ ولا نفخر بشيء
من وحي خيالنا وانما هو حقيقه واقعه لها تراثها الحي رغم مرور الاف السنين
في شكل نقوش ورسوم ومقتنيات تعكس واقع ذلك الزمن الجميل في تاريخ مصر
وتاريخ البشريه كلها‏.‏

وربما لا يعرف الكثيرون ان مصر كانت اول
دوله عرفت الصحافه العسكريه منذ مايزيد علي خمسه الاف عام‏,‏ وان اول
واقدم صحيفه عسكريه كانت صحيفه مصريه نقشت علي الحجر من وجهين واشرف علي
تحريرها ببراعه ومهاره من يدعي بتاح وكان يجري توزيعها شهريا علي قاده
الجيش وطليعه الحكام وبلغ مجموع نسخها حوالي المائه‏..‏ وفي هذه الصحيفه
العسكريه الفريده تبويب راق‏,‏ وقد حليت هامتها بصوره الفرعون الاكبر مينا
واشتملت موادها علي انباء المعارك وذكريات القاده واحاديث الجنود‏.‏

ان
هولاء المصريين الجبابره الذين سبقوا الدنيا كلها في دق ابواب العلم
والثقافه والمعرفه‏,‏ لم ينسوا ان يبرزوا في صحيفتهم لونا من الوان
التعبير الرمزي‏,‏ الذي تتفاخر به صحف العصر الحديث بان رسموا ثورا ينطح
قلعه كنايه عن انتصار الملك علي اعدائه‏.‏

ان اول صحفي عسكري ذاعت
شهرته في العالم كله هو القائد المصري ووني من رجال الملك بيبي الاول احد
ملوك الاسره السادسه القديمه‏...,‏ وهذا المحرر العسكري لم يسجل مقالاته
علي الورق لان الورق لم يكن قد استخدم بعد‏,‏ وانما سجلها كاسلافه علي
الحجر في طائفه من النقوش التي نحتها علي اشتات من الاثار‏...‏ ومن بين
الموضوعات الطريفه التي عالجها هذا المحرر العسكري حملته التي شنها علي
فلسطين والتي تعد اولي الحملات التي تمت بمشاركه قوات الجيش البريه ووحدات
الاسطول البحريه معا‏,‏ وهو مايسمي في العصر الحديث بالعمليات المشتركه‏.‏

ومع
تقدم الزمن وتقدم العلم توصل المصريون الي ورق البردي واستخدموه مع جلود
الحيوانات بعد دبغها في اصدار الصحف والنشرات التي توزع علي ذوي الشان
والحيثيه من رجال الدوله‏,‏ وقد احتوت نسخ من هذه الصحف والمجلات انباء
وتحليلات علي درجه كبيره من الاهميه تتناول احداث الحروب وكفاءه الجيش
وتنقلات القاده‏...‏ وليس من قبيل المبالغه ان نعترف بان مثل هذه المواد
الصحفيه التي نشرت منذ الاف السنين تماثل وتطابق ان لم تتفوق علي ما يكتبه
المراسلون الحربيون والمحررون العسكريون في صحف هذه الايام‏.‏

والخلاصه
ان مصر ليست حديثه العهد بالصحافه وانما هي اول دوله عرفت هذه المهنه عن
طريق بوابه الصحافه العسكريه في زمن الانتصارات والفتوحات التي صنعها
اجدادنا القدامي قبل اكثر من خمسه الاف عام‏.‏ وكان للصحافه دور ملموس في
شحذ الهمم‏,‏ ورفع المعنويات‏,‏ وحشد الامه كلها خلف الاهداف السياسيه
والعسكريه المنشوده علي عكس ما نشهده هذه الايام من بعض الصحف التي تجيد
الدق علي طبول الياس والعزف علي اوتار التشاوم‏.‏

ان من واجب الصحافه ان تقرا تاريخها وان تتعرف علي جذورها‏!‏

44539

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

15

‏17من ذي القعده 1429 ه

السبت

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

اعتقد
ولست وحدي ان عظمه مصر الحقيقيه في انها بيت العرب جميعا‏,‏ هكذا كانت وهي
والحمد لله مازالت وسوف تبقي كذلك الي ابد الابدين‏.‏ لانها لم تستمد هذه
المكانه من تراث الماضي وامجاده فقط‏,‏ وانما من قدرتها علي ان تنهض وان
تستعيد مكانتها كلما ظن البعض انها قد اصابها التعب والاجهاد وان الفرصه
قد سنحت لسحب البساط من تحت اقدامها‏.‏

ان مصر كانت دائما هي
الملجا والملاذ لكل من يبحث عن حضن امان هربا من الظلم والطغيان وهي نفسها
التي كانت ومازالت ساحه احتضان لكل من يملك موهبه ولا يجد المناخ الملائم
للتعبير عن ذاته في الوطن العربي الذي ولد فيه‏,‏ فمصر لم تعرف ابدا هذه
النظره الضيقه التي تفرق بين عربي وعربي باسم جنسيه الاوطان لان قناعه مصر
الحقيقيه التي يعبر عنها رجل الشارع البسيط ان العرب امه واحده‏,‏ وان
تقسيم الجنسيات الي اقطار ليس اكثر من تنظيم اداري اشبه بتنظيم المديريات
والمحافظات علي امتداد وادي النيل‏.‏

ان مصر اكبر من ان تهتز او ان
تغضب او ان تنفعل لان احدا من الاقزام قد فقد وعيه وتطاول علي روادها
ورموزها التاريخيين الذين صاغوا وجدان وضمير الامه العربيه‏..‏ فمثل هذه
السخافات ليس لها مكان سوي سله المهملات‏,‏ لان القائلين بها هم انفسهم
غرباء عن اقطارهم واوطانهم ولا يعبرون الا عن بعض مرارات الفشل والعجز في
حياتهم‏...‏ وايضا فان مصر اكبر من ان تتوقف عند حادث عارض يتعرض له احد
ابنائها في الخارج بفعل دسائس من نفوس مريضه لاتعبر عن حقيقه الروابط
التاريخيه التي تجمع شعوب هذه الامه‏.‏

ان مصر اكتسبت قيمتها من
حضارتها القديمه وموقعها الفريد واكتسبت دورها من اتساع صدرها وعقلها لكل
التيارات التي ارادت ان تعبر عن نفسها‏,‏ وليس هناك ماهو ادل علي صحه ما
اقول سوي ارض الواقع قديما وحديثا‏,‏ فمصر التي فتحت ذراعيها لرواد
الصحافه من اهل الشام امثال بشاره وجبرائيل تقلا موسسي صحيفه الاهرام‏,‏
واميل وجورجي زيدان موسسي دار الهلال‏,‏ هي نفسها مصر التي لايزال معظم
اهلها من عشاق الفن يضعون في صدر قائمه نجومهم المفضلين نجيب الريحاني
وانور وجدي وصباح وفايزه احمد رغم انهم جميعا ليسوا مصريين‏..‏ وهي ايضا
مصر التي كان لها فضل السبق في تزويد اوطان الامه بالاطباء والمهندسين
والمدرسين والمحامين من قبل طفره الثروه البتروليه بسنوات بعيده‏.‏

واذا
كانت مصر كقيمه كبري قد تجاوزت وتسامحت مع اعدائها وخصومها الالداء لانها
في البدايه والنهايه دوله سلام‏,‏ فمن الاجدر الا تسمح لنفسها بان يستدرج
احد بوعي او عن غير وعي الي معارك دون كيشوتيه لا طائل من ورائها باسم
ضروره الانتفاض للرد علي تجاوزات يتعرض لها بعض المصريين في هذا البلد او
ذاك‏.‏

ان مصر التي اعرفها قادره علي ان تحتفظ بمكانها ودورها وان
تجبر الجميع علي احترامها‏,‏ بان تستمر في رسالتها دون ايه حساسيه وان
تترفع عن الصغائر بغير تعال علي احد‏!‏

ان مصر الكبيره لاتهتم الا بالكبار اصحاب المواقف الكبيره الذين لاتصدر عنهم سوي الاعمال والكلمات الكبيره وزنا ومعني‏!‏

44540

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

16

‏18من ذي القعده 1429 ه

الاحد

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

‏1‏

يخطئ
من يظن ان الازمه الماليه العالميه الراهنه يمكن ان تستثني احدا من
توابعها وتداعياتها السلبيه بما في ذلك الدول العربيه البتروليه التي يراد
منها هذه الايام بوسائل الترغيب والترهيب ان تدفع نصيبها من فوائد الازمه
لحساب من صنعوها في امريكا واوروبا تحت رايات الراسماليه المتوحشه‏!‏

ولست
هنا املك قدره الزعم بان لدي تصورا محددا حول افضل وانسب السياسات
والاليات اللازمه لاحتواء تداعيات ازمه بهذا الحجم المخيف‏,‏ لكنني املك
فقط ان اقول ان الازمه العالميه يمكن ان تكون مدخلا لفرصه عربيه من اجل
اعاده بناء النظام العربي علي اسس جديده ومتينه‏.‏

ثم لكي لايكون
ما اقوله نوعا من الاحلام المستحيله او قفزا علي الواقع الراهن الذي
افرزته النتائج الاوليه للازمه الماليه العالميه فانني اسجل ضروره ان يجئ
اي اتفاق او تصور مشترك لمستلزمات المواجهه العربيه للازمه مبنيا علي
بديهيه اساسيه مفادها انه بحكم الترابط الوثيق وتشابك العلاقات والمصالح
بين الاقطار العربيه فان الامن الاقتصادي لاي دوله عربيه يعتبر جزءا من
الامن الاقتصادي القومي لجميع الدول العربيه دون استثناء‏!‏

ولعل
من المفيد ومن الضروري ايضا ان نقول ان الحديث عن الامن القومي بمفهومه
الشامل سياسيا واقتصاديا وثقافيا ليس حديثا يتعلق فقط بالتحديات الخارجيه
التي تواجه الامه العربيه هنا او هناك‏,‏ او من هذه الدوله او تلك‏,‏
وانما الحديث عن امن قومي بمفهوم شامل يرتكز في المقام الاول الي امن
اقتصادي يضمن توفير الماء والغذاء ودعم افاق التنميه والاستثمار‏,‏ وامن
وقائي يتعلق بتوفير ضمانات الاستقرار في كل بلد عربي علي حده‏..‏ وايضا
لابد ان نكون علي بينه من ان الحديث عن بناء نظام عربي جديد يستند الي
ركائز صلبه من امن قومي عربي شامل لايمكن ان يتم بمعزل عن قراءه دقيقه
للواقع الاقليمي والدولي بكل ما طرا عليهما من متغيرات عقب الازمه الماليه
العالميه الاخيره‏.‏

واذا كانت بدايات النتائج لهذه الازمه الماليه
قد جاءت بالسلب والضغط علي نظامنا العربي الراهن وركائزه الاقتصاديه
والماليه فان الفرصه مازالت متاحه لكي نحول نقاط الضعف الي قوه وعافيه‏.‏

والحقيقه
انه مهما تعددت تعريفات الامن القومي فانه لايمكن الحديث عن هذا الامن
الجماعي الا اذا شعرت كل دوله علي حده بانتفاء الخوف من الحاضر وتوافر
لديها الاحساس بالاطمئنان للمستقبل خصوصا علي صعيد التنميه والاستثمار
والقدره علي تلبيه الاحتياجات والطموحات المشروعه للشعوب‏.‏

وفي
اعتقادي ان نقطه البدايه لابد ان تنطلق من اتفاق مشترك حول كيفيه توفير
الحد الادني من التكامل الاقتصادي العربي وفق صيغه يقبل بها الجميع
ويرتضون الاحتكام لمبادئها‏,‏ والالتزام بها من اجل توفير القدره علي
مواجهه ايه تحولات جذريه في النظام الاقتصادي العالمي‏,‏ وهي تحولات باتت
وشيكه بعد الازمه الماليه العالميه وربما تودي لابطاء سرعه قطار التحرير
الكامل والمطلق للتجاره الدوليه علي عكس ماكان عليه الحال قبل نشوب
الازمه‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏

44541

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

17

‏19من ذي القعده 1429 ه

الاثنين

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

2

لست
اجنح الي المبالغه اذا قلت بكل الوضوح ان معطيات الازمه الماليه العالميه
الراهنه قد فرضت علي امتنا العربيه تحديات ربما تمتد الي امكانات البقاء
والحفاظ علي الوجود والكينونه والاستقلال والسياده ومن ثم فان السبيل
الوحيد لتجنب مثل هذه المخاطر يتطلب سرعه العمل علي توحيد الجهود لكي تصب
في النهايه باتجاه هدف تعزيز ثقه الامه العربيه بنفسها وتجديد الامال في
امكان نشوء اراده موحده تعكس وزن القدرات والطاقات والموارد العربيه‏.‏

ولعل
من الغريب والمدهش في ان واحد ان العرب جميعا متفقون الي حد كبير علي
تشخيص الازمه بل ان اغلبهم يعرف طبيعه الدواء اللازم للعلاج والمتمثل في
ضروره الاسراع باعاده بناء اسباب القوه الذاتيه العربيه بمفهوم البناء
الشامل بكل ادواته والياته الاقتصاديه والماليه‏.‏

وهنا اقول صراحه
انني اتحدث عن بناء اسباب القوه الذاتيه من خلال اعاده تاكيد جمله ثوابت
اساسيه في مقدمتها وحده الامه ووحده اهدافها ومصالحها‏,‏ واعتبار
الاستقلال السياسي لاي قطر عربي جزءا لا يتجزا من الاستقلال السياسي
الكامل للامه الذي ينبغي ان يتدعم باستقلال اقتصادي‏,‏ وان يتحصن بتوازن
اجتماعي يفتح الباب امام اصلاح سياسي داخلي بكل مشتملات الاداء الديمقراطي
ويمنح الامه فرصه وقوه المشاركه في سباق العصر وقضاياه المعقده‏.‏

وهذا
البناء الضروري لاسباب القوه الذاتيه هو الذي يمكن ان يدفع القوي الكبري
الطامعه في الثروات العربيه والراغبه في تحميل امتنا فاتوره اخطاء
سياساتها الماليه والاقتصاديه لكي تراجع سياستها تجاه المنطقه وتدرك ان
الغنيمه العربيه التي تشكل احد اهم اهدافها ومقاصدها في المنطقه واقصد بها
الغنيمه البتروليه هي في المقام الاول في ايد امينه يقدر اصحابها علي
حمايتها وحسن استثمارها وتوظيف مواردها في خدمه اهداف التنميه العربيه من
ناحيه وضمان الاستقرار في سوق المال العالميه من ناحيه اخري‏.‏

وحتي
بعيدا عن حسابات الغنيمه البتروليه التي يسيل لها لعاب الطامعين الكبار
فان هناك حسابات اخري في معطيات القوه الذاتيه العربيه وفي مقدمتها ضروره
اعاده بعث وعي الامه نحو قوتها التاريخيه والجغرافيه والثقافيه والروحيه
التي لاتقل اهميه عما في باطن الارض العربيه من كنوز وثروات‏.‏

واذا
فعلنا ذلك فاننا لن نتجاوز فقط تداعيات الازمه الماليه وانما سنكون قد
تحركنا التحرك الصحيح باتجاه الخروج من الماضي بكل سلبياته ونواقصه وبدانا
رحله التطلع نحو المستقبل بروح الجديه في قبول التحدي بعد ان نودع ونهائيا
سياسات التاجيل والترحيل ومحاوله الهروب من مواجهه الحقيقه‏!‏

44542

‏السنه 133-العدد

2008

نوفمبر

18

‏20من ذي القعده 1429 ه

الثلاثاء

كل يوم
بقلم : مرسي عطا الله

1

اكتب
لكم من الهند بعد ساعات قليله من وصولنا الي البلد‏,‏ الذي تربطه بمصر
علاقات تاريخيه قديمه‏,‏ لم توثر فيها ايه سحابات طارئه بفضل وجود حزمه من
المبادئ والقيم المشتركه‏,‏ اهمها قيم التسامح والتفاهم والسلام‏,‏ التي
هي عنوان الجائزه الكبري‏,‏ التي منحتها الهند للرئيس مبارك وتحمل اسم
الزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو‏.‏

وعندما نتحدث عن الهند
فاننا نتحدث عن عبق الشرق وروعه قصور المرمر‏,‏ التي يتصدرها قصر تاج
محل‏,‏ احدي عجائب الدنيا السبع‏...‏ وايضا فاننا نتحدث عن بلد تعرض مرات
عديده للغزو الاجنبي مثل مصر لكنه ظل قادرا علي ان يبث اشعاعه الثقافي
والفكري والفلسفي علي امتداد مجاله الحيوي بطول وعرض المحيط الهادئ‏.‏

اتحدث
عن ثاني اكبر دوله في العالم من حيث عدد السكان بعد المارد الصيني
مباشره‏,‏ حيث يشير اخر تعداد الي مايزيد علي مليار ومائه وعشرين
مليونا‏,‏ ينتشرون في‏28‏ ولايه منضويه تحت لواء ثلاثه اقاليم اتحاديه‏,‏
بينهم‏80%‏ من الهندوس و‏13.5%‏ من المسلمين‏,‏ و‏3%‏ من المسيحيين‏,‏
و‏2%‏ من السيخ ونحو‏2%‏ من البوذيين والديانات الاخري‏.‏

وهذه
الدوله التي دخلت النادي الذري منذ عام‏1974‏ وحققت نهضه صناعيه كبري قبل
ان تصبح واحده من اهم الدول المنتجه للبرمجيات وسائر انواع التكنولوجيا
المتقدمه هي نفسها‏,‏ التي مازالت تعاني من مرض الفقر‏,‏ حيث تبتلع
الزياده السكانيه الرهيبه في جوفها كل عوائد التنميه والاستثمار‏.‏

وهذا
البلد‏,‏ الذي يحتل المرتبه السابعه من حيث المساحه علي المستوي العالمي
تنتصب في شماله سلسله جبال هملايا المدهشه‏,‏ التي لاينتمي الا جزء صغير
منها الي الهند‏,‏ وبالقرب من جبال الهملايا يوجد قطاع كشمير المتنازع
عليه بين الهند وباكستان‏,‏ وفي الجنوب توجد هضبه دكان‏,‏ والامتداد
الجبلي الغربي المشرف علي بحر عمان‏.‏

والحقيقه ان الهند بلد يمكن
القول‏:‏ انه امه ريفيه بامتياز‏,‏ حيث يعيش اكثر من‏65%‏ من السكان في
الاقاليم الريفيه داخل قري تتالف من بيوت محاطه بالمزارع مبنيه غالبا من
الطين‏,‏ ومغطاه بسعف النخيل وترتبط مع بعضها البعض بطرق ترابيه تتحول الي
طرق موحله في فصل الامطار‏.‏

وتعد الهند من اولي الدول التي سعت
لصياغه سياسه متطوره للتنميه الزراعيه اطلقت عليها في سبعينيات القرن
الماضي اسم الثوره الخضراء بهدف التغلب علي عدم انتظام الامطار
الموسميه‏,‏ وتركزها في ثلاثه او اربعه اشهر من السنه فقط‏.‏
وغدا نواصل الحديث‏..‏